الثقة من أسمى المعاني الإنسانية، لكنها في هذا الزمان أصبحت سلاحًا ذا حدّين، يمنحك الطمأنينة حين تُحسن استخدامها، ويغرس فيك الخذلان إن وضعتها في غير موضعها.
لا تُفرّط في منح ثقتك بسهولة، ولا تفتح أبواب قلبك ونفسك إلا بعد التروّي والتبصّر. فكم من الوجوه كانت ودودة، حتى إذا أمِنَت جانبك، كشّرت عن أنياب الغدر. وكم من الأقربين، لا الغرباء، كانوا أول من طعنوا صدرك بخنجر الكلام أو الفعل.
ليست القسوة أن تحذر، بل القسوة أن تترك نفسك فريسة سهلة في يد من لا يرحم. حتى التراب، الذي خُلقت منه، لم يكن وفيًّا لك. هو الذي سيُوارى جسدك بعد فنائك، ولن يحتضنك إلا لتُنسى وتُمحى ملامحك مع الوقت. فإن كان التراب، أقرب ما يعبّر عن أصلك ومادتك، ليس مأمنًا دائمًا... فكيف بالبشر المتقلبين؟
الحذر لا يعني الانغلاق، لكنه فضيلة تعصم القلب من السذاجة. لا تكن سيئ الظن، ولكن لا تكن طيّبًا حتى الانكسار. لا تُحمّل الآخرين أكثر مما يحتملون، ولا تتوقع منهم ما ليس في طباعهم.
فكر جيدًا قبل أن تمنح ثقتك، واختبر القلوب كما تُختبر المعادن، ولا تتعجل في منح الأمان لمن لا يستحقه. اجعل حدودك واضحة، ومشاعرك مصونة، وعقلك هو الحَكم حين تختار من تدخلهم إلى دائرتك.
وفي نهاية الأمر... كن على يقين بأن السلام الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل. فاستعن بالله، وكن سند نفسك، وازرع جذور قوتك في أرض وعيك، لا في يد أحدهم.
ودمتم بخير..