في شهر رمضان، تتجلى أسمى معاني التكافل الاجتماعي، ويزداد الإحساس بالفقراء والمحتاجين، خاصة أولئك الذين لا يسألون الناس رغم حاجتهم، وهم من يُطلق عليهم "المتعففون". هؤلاء الأشخاص قد يكونون بيننا، لكن عزة نفسهم تمنعهم من البوح بحاجتهم، وهنا يأتي دور المجتمع في البحث عنهم ومساعدتهم بكرامة واحترام.
1. المتعففون في القرآن والسنة
لقد أثنى الله على المتعففين في كتابه الكريم، فقال:
"لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" (البقرة: 273).
وفي الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" (متفق عليه). وهذا يدل على أن المحتاج الحقيقي قد يكون خفيًا عن أعين الناس، لكنه يستحق العون أكثر من غيره.
2. فضل إطعام المتعففين في رمضان
مضاعفة الأجر والثواب: الصدقة في رمضان لها أجر مضاعف، وإطعام المتعففين هو من أعظم القربات إلى الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائمًا كان له مثل أجره" (رواه الترمذي). فكيف إذا كان هذا الصائم متعففًا لا يطلب المساعدة؟ الأجر هنا أعظم وأكبر.
إدخال السرور إلى قلوبهم: المتعففون يعيشون معاناة داخلية لا يشعر بها الكثيرون، وإيصال المساعدة لهم بطريقة كريمة يجعلهم يشعرون بالفرح والأمان.
تجسيد معاني التكافل: المجتمع القوي هو الذي يسند أفراده بعضهم بعضًا، ورمضان فرصة لإعادة النظر فيمن حولنا، فقد يكون هناك جار أو قريب بحاجة دون أن يطلب.
النجاة من عذاب النار: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (متفق عليه)، فما بالك بإطعام شخص محتاج لوجبة كاملة؟
3. كيف نساعد المتعففين دون جرح مشاعرهم؟
البحث عنهم بذكاء: ليس كل محتاج يسأل، لذلك يجب على الجمعيات الخيرية أو الأفراد المقتدرين أن يسألوا عن أحوال الناس دون إحراجهم.
تقديم المساعدة بكرامة: يمكن إعطاء المساعدات في صورة "هدية رمضان" أو "مساهمة مجتمعية"، حتى لا يشعر المتعفف بأنه متسول.
التعاون مع جهات موثوقة: الجمعيات الخيرية غالبًا ما تعرف المتعففين، ويمكن إيصال المساعدات من خلالها بشكل أكثر سرية واحترامًا.
وأخيرًا..
إطعام المتعففين في رمضان ليس مجرد صدقة، بل هو باب من أبواب الرحمة، وفرصة لنكون سببًا في رسم البسمة على وجوه من يعانون في صمت. فلنبحث عنهم، ولنقدم لهم العون بحب، ولنتذكر أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
دمتم بخير..