في زمن أصبح فيه التخاذل عادة، والكسل يُجمّل بلغة «الحقوق»،
في زمن يهرب فيه البعض من المسؤولية، ويتحايل آخرون على العمل،
خرجوا هم في الصباح…
كأنهم ذاهبون لمعركة لا يعرفون موعدها.
أربعة رجال… لا يرتدون زيًّا عسكريًا، ولا يحملون سلاحًا،
لكنهم كانوا على خط المواجهة…
ليس مع عدوّ، بل مع احتمال الخطر… مع واجب ثقيل… مع وجع لا يُعلن عن نفسه.
دخلوا سنترال رمسيس كما اعتادوا كل يوم…
لكن الحريق هذه المرة لم يكن مجرد طارئ،
بل كان اختبارًا حقيقيًا للنية، للشهامة، للثبات، وللعمل الصامت الذي لا ينتظر تصفيقًا.
وقفوا حتى اللحظة الأخيرة…
ربما كان بإمكانهم الهرب، أو الصراخ، أو أن يُفكروا في "أنفسهم فقط"،
لكن الشهامة لا تُعلَّم…
هي شيء يسكن الدم… يظهر وقت الجد… ويموت أحيانًا قبل أن نقول: شكرًا.
ماتوا وهم يُؤدّون واجبهم.
لا أمام الكاميرات… ولا في مواكب.
بل في صمتٍ… داخل غرفةٍ مليئة بالأسلاك والدخان والعرق.
هؤلاء الرجال… هم من علّمونا أن البطولة ليست حكراً على من يحمل رتبة،
بل قد تظهر فجأة في موظف بسيط،
يُقفل أزرار قميصه كل صباح… ويمضي ليصنع فرقًا لا يراه أحد.
الشهامة الحقيقية… أن تعمل حتى تموت.
أن تظل على موقفك، رغم الرعب،
أن تختار غيرك على نفسك،
أن تؤدي دورك للنهاية… وتترك لأهلك ولزملائك وأمتك… سيرة رجل.
واليوم، لا نكتب عن حادث،
بل نكتب عن مبدأ.
عن أخلاق نادرة… عن شجاعة خام،
عن رجال لم ينتظروا وسامًا… بل ارتقوا إلى مقام الشهداء.
وللناجين من الحريق…
هؤلاء أيضًا أبطال.
حملوا الألم في صدورهم، وذكرى لا تُنسى في قلوبهم.
رأوا من سقط بجوارهم… وخرجوا يحملون الحياة لكن بنصف روح.
إلى كل من يعمل بإخلاص…
إلى من لا يُغادر موقعه إلا بعد أن يتأكد أن غيره بخير…
إلى من يعتبر المهنة شرفًا، لا مجرد وظيفة…
إليكم هذه الكلمات
اعتبروها رثاء لأربعة رجال…
كانوا أبناء، وكانوا آباء، وكانوا زملاء،
وما عادوا بيننا…
ولكم ان تعلموا بانه ليس كل من يموت يُنسى…
بعض الراحلين لا يتركون وراءهم كلمات، بل مواقف،
مواقف تعيش أطول من أعمارهم،
تعلمنا أن الشرف الحقيقي… أن تظل واقفًا حتى تحترق واقفًا.
هؤلاء الرجال ربما لم يعرفوا أنهم شهداء…
لكن الله يعلم من مات على نية الصدق،
ويُكرم من ثبت في موضع الأمانة حتى اللحظة الأخيرة.
نعم… هناك من يختار الحياة السهلة،
وهناك من تصطفيهم اللحظة ليكونوا المعنى الأصدق للموت،
موت في سبيل الواجب… لا يُنسى.
سلامًا على أرواحكم النقية…
وسلامًا على وجوهكم في لحظة الرحيل.
فلنحفظ سيرتهم… ليس بالحديث فقط، بل بأن نكون مثلهم يوم تُختبر نوايانا.
رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته..