مع اقتراب رمضان من نهايته، تدخل القلوب في سباق مع الزمن، متلهفة لقطف ثمار هذا الشهر المبارك. وتأتي العشر الأواخر لتكون محطة خاصة، يضاعف فيها العابدون الجهد، وترتفع فيها الدعوات، وتتنزل فيها الرحمات. فهي ليالٍ ليست كغيرها، فيها كنوز لا تُحصى، وأعظمها العتق من النار.
لماذا العشر الأواخر مميزة؟
تميّزت هذه الليالي بعظيم الفضل لما ورد في القرآن والسنة عنها، فقد كان النبي ﷺ يجتهد فيها أكثر من أي وقت آخر، كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شدَّ مئزَرَه، وأحيا ليلَه، وأيقظ أهلَه" (متفق عليه).
فهي أيام يستحب فيها مضاعفة الأعمال الصالحة، والتفرغ للعبادة، واللجوء إلى الله بقلب صادق متضرع، طلبًا لمغفرته ورضوانه.
العتق من النار.. الجائزة العظمى
من أعظم ما يميز العشر الأواخر أنها أيام العتق من النار، كما قال النبي ﷺ: "وللهِ عتقاءُ منَ النارِ، وذلك في كلِّ ليلةٍ" (رواه الترمذي وابن ماجه). فتصبح كل ليلة فرصة جديدة لتغيير المصير، لحظة قد تُكتب فيها أسماء العباد في قائمة الناجين من العذاب، وتُمحى فيها الذنوب، وتُبدل السيئات حسنات.
ولكي نفوز بهذه الجائزة العظيمة، لا بد أن نغتنم هذه الأيام بالدعاء الخالص، خاصة بدعاء النبي ﷺ المأثور: "اللهم إنك عفوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عني".
ليلة القدر.. أعظم ليلة في السنة
ما يزيد من قدسية هذه العشر أن فيها ليلة القدر، الليلة التي قال الله عنها: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر: 3). ليلة تُكتب فيها الأقدار، وتتنزل فيها الملائكة، وتملأ الأرض بالسلام والبركة. فمن قامها إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، كما ورد في الحديث الصحيح.
كيف نغتنم هذه العشر؟
لكي نحصل على العتق من النار، علينا أن نعيش هذه الليالي بقلوب واعية، وأرواح متعطشة للقرب من الله، ومن أهم الأعمال التي يجب أن نحرص عليها:
1. الإكثار من الصلاة والقيام: فهي أيام ينبغي أن يكثر فيها التهجد، وقيام الليل، والتقرب إلى الله بالنوافل.
2. الإكثار من الدعاء: خاصة الدعاء بالعتق من النار، ودعاء ليلة القدر.
3. الإكثار من الاستغفار: فما أجمل أن ينام العبد وقد مُحيَت ذنوبه بفضل الله ورحمته.
4. إخراج الصدقات: فالصدقة تطفئ غضب الرب، وتكون سببًا في النجاة يوم القيامة.
5. ختم القرآن: فمن استطاع أن يختمه أو يكثر من تلاوته في هذه الليالي، فقد نال خيرًا عظيمًا.
ختامًا.. لا تتركها تفوتك!
العشر الأواخر ليست مجرد ليالٍ تمضي، بل هي فرص العمر، وربما لن يدركها الإنسان مرة أخرى. فلنحيِ هذه الأيام بقلوب صادقة، ولنطرق أبواب الرحمة، فالله كريم، يبسط يده لعباده، ولا يرد سائلًا. لعلّ دمعة خاشعة في السَّحر، أو تسبيحة صادقة في الليل، تكون سببًا في عتق رقابنا من النار، وفوزنا برضوان الله وجنته.
فاللهم لا تحرمنا بركتها، واجعلنا من عتقائك فيها.. آمين.
دمتم بخير.