ما أكثر ما كُتِبَ عن انتخاب الدكتور نبيل العربي أمينا لجامعة الدول العربية وما أصعب أن أضيف جديدا إلي آراء المحلليل السياسيين والمراقبين خاصة بعد الجدل الذي أثير حول تعيين رجل بحجم وثقل الدكتور العربي في هذا المنصب خلفا للسيد عمرو موسي ، وشتَّان بين الأسمين وتاريخهما الدبلوماسي !! فالسيد عمرو موسي والذي اشار إليه الأستاذ فاروق شوشه في أحدي كتاباته إبان توليه مهام أمانة الجامعة العربية عام 2001 ووصفه بأنه (( المسيح )) الذي أتي ليعيد للجسد الميت روحه ،،،،، وللأسف فإذا به ينتهي من القضاء عليه ودفنه نهائيا بعد محرقة غزة الشهيرة ومشاركته عن عمد في إفشال قمة قطر التي كانت معنية بالحدث المؤسف الذي يَنْدَيَ له جبين كل عربي وكل مصري علي وجه الخصوص بعد اعتراف وزير الخارجية المصري آنذاك احمد أبو الغيط الذي صرح بأن النظام المصري والجامعة العربية تعمدا إفشال قمة قطر وعرقلة انعقادها .... لم أكن مستغربا اعترافا كهذا من رجل مثل ابو الغيط بتاريخه الدبلوماسي القذر اقليميا ودوليا لأنني مؤمن بأن الحرة لا تأكل من ثدييها , ولأن الرجل كان يستمتع بالركوع للرئيس فقد اعترف بأنه لا قمة دون إرادة الرئيس ، وإرادة الرئيس وقتئذ تصر علي سحق الحكومة العربية الوحيدة المنتخبة ديموقراطيا باعتراف الغرب ، ليستمر مسلسل قيادة مصر للعالم العربي نحو التبعية الكاملة لأمريكا واسرائيل ، ومن منطلق إيماني الكامل بأن استباق الحدث يبدأ من كتاب التاريخ فإني أدعوك عزيزي القارئ إلي التمعن في أسباب وصول السيد عمرو موسي إلي أمانة الجامعة العربية والذي هو الأن يراوده حلمه القديم بلا خجل لمحاولة الإمساك بصولجان العرش
السيد موسي الذي قضي عشر سنوات علي قمة الدبلوماسية المصرية والذي دفع به بعدها الطاغية إلي منصب الأمين العام للجامعة العربية ، وقد جاء تعيينه إقرارا بنجاحه في استيعاب سياسة سيد القصر في الخضوع التام لأمريكا واسرائيل ومن ناحية أخري من أجل تحجيم طموحه في رئاسة مصر كخليفة مقبول داخليا يجيد استخدام شعارات الإستهلاك المحلي ،،،، وقد كان السيد موسي لاعبا نموذجيا فذا لتلك المرحلة التي وقف فيها النظام المصري المخلوع ضد المقاومة الفلسطينية والتضامن العلني مع اسرائيل ضد لبنان فضلا عن تآمره من خلال منصبه في الجامعة العربية مع سلاطين البترول علي ليبيا التي تتعقد الأمور فيها الأن ساعة بعد أخري .
لقد زال النظام المصري اللعين وأيضا عمرو موسي وأصبح الدكتور نبيل العربي ثائرا يحمل رسالة من أرض ثائرة يقف علي ابواب الجامعة العربية بثوبها المهترئ بعد أن أصبحت بيتا للحكومات العربية وفقدت معناها كبيت للعرب والعروبة ... ، والمعادلة الأصعب بل الأخطر الأن والتي هي مفترق طرق لكيان الجامعة والسيد الدكتور العربي هي أن الجامعة في مرحلة انتقالية تضم دولا أيضا في مرحلة انتقالية ومن الضروري أن تبقي هكذا حتي تتضح معالم الثورات العربية ، فإما أن تتحول إلي جامعة للشعوب العربية بطموحها ومن ثَمَّ تتغير مكونات الجامعة ورسالتها في ضمان توحيد للعالم العربي من المحيط إلي الخليج بعيدا عن سياسة الفيفا التي جعلت من الجزائر العربيةعدوا تكتيكيا في الوقت الذي كانت فيه اسرائيل شريكا محوريا وحليفا استراتجيا لكلاب النظام المخلوع في قلب العالم العربي ، لأن البديل سيكون أسوء بكل المقاييس وهو أن تتعمق صورة الجامعة العربية كنادي حكومي عربي لقهر الشعوب العربية وفي هذه الحالة ستضطر الجامعة العربية للبحث عن مكان أخر يأوي كيانها بعيدا عن القاهرة الثائره .
وأخيرا فإن وجهة نظري لحل هذه المعضلة يكمن في إغلاق الملف السياسي داخل الجامعة بشكل مؤقت حتي يتم إدراج كافة العواصم العربية الناجحة تباعا في إبادة جميع أنظمة الاستبداد علي أن يتم اسناد مهمة هذا الملف وبشكل مؤقت أيضا إلي كتلة إقليمية بقيادة مصرية ، ويتوجب صب الجهد المركز للجامعة علي الملف الثقافي والإقتصادي العربي بالإضافة إلي إعلان الإنحياز التام والصريح للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق حتي يتسني للجامعة العربية رسم استراتيجية حقيقية وفعالة يكون لها أجندة عربية خاصة واضحة المعالم لا تحتمل الجدل أو التأويل يرضي بها من يرضي ويأبي من يأبي .
والله يسدد الخطي
محمود صبري