القراءة شيء مهم في حياة الإنسان ، فهي تعد الغذاء الروحي الوحيد للعقل ، ولكل إنسان لون من ألوان القراءة يستهويه ويستحسنه ، وما أعنيه بالقراءة هنا يختلف كثيرا عما ينادي به دعاة الثقافة في هذه الأيام ، وقد نري أناسا قرأوا كثيرا ولكنهم بعيدون كل البعد عن الثقافة ، وكل ما فعلوه هو أنهم عرفوا الكثير من المعلومات وقاموا بتسجيلها وتنظيمها إلا أنهم ليس لديهم فن التمحيص والتفريق بين الغث والسمين مما قرأوا واستبعاد ما لا يفيد والاحتفاظ بما هو أفيد وأنفع ، ومن وجهة نظري أن القراءة في حد ذاتها ما هي إلا وسيلة وظيفتها الرئيسية هي ملئ الفراغ الذي يحيط بمواهب الإنسان وقدراته العقلية ، وسأضرب مثلا ــــ أن البناء يحتاج لمعداته التي يبني بها ... بغض النظر عن الشيء المطلوب بنائه فالأداة مطلوبة بغض النظر عن طبيعة العمل المراد إنجازه ، وهنا لا يهم إن كان سيبني بيتا أو قصرا
فالوسيلة موجودة والغاية حتما ستأتي، وكذلك القراءة يجب أن تكون وسيلة لتحقيق رؤية معينة لما يدور فى الحياة
ولكن الأهم هنا ألا تتحول ذاكرة الإنسان إلي ما أشبه بقرص صلب يحوي بين طياته معلومات سابقة وأخري لاحقة ، فالأجدى أن توضع المعلومة المفيدة ويترك غيرها حتي يتبلور في النهاية فكر القارئ بعيدا عن إزعاج المعلومات غير المفيدة ، وحتى لا تتجمع المعلومات بشكل اقرب إلي الفوضوية في الذهن نتيجتها الحتمية هي التكبر والرياء ، فهذا النوع من أشباه المثقفين يتصور في كثير من الأحيان أنه قد قرأ وعرف المزيد عما سواه من الناس ، غير أنه في حقيقة الأمر يبتعد أكثر من غيره عن الواقعية في حياته وبهذا فهو لم ولن يستفد كثيرا مما قرأ ...
وهناك نوع من القراء أوالمثقفين يستطيع بديهيا أن يدرك ما قد يفيده فيأخذه علي نحومن الجد في قراءته وترك ما لا يفيد ، فالمعلومة المفيدة دائما وأبدا قادرة علي تصحيح الأخطاء في الحياة في ظل ملل الواقع وروتين النظريات الموضوعة فى شتي المناحي الحياتية ، ولأهمية القراءة سأروي تلك القصة التي جعلتني مستيقظا طوال يومين كاملين بعد قرائتها والتي حدثت بالفعل وهي واقع أليم من واقع الأمة العربية الذي نعيشه ونتجرعه يوميا
ففي عام 1967 وتحديدا بعد نكسة الأيام الستة استضافت هيئة الإذاعة البريطانية ( bbc) الجنرال موشي دايان
وهو وزير الدفاع في جيش الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة ، هذا الرجل كان يعتلي منصب رئيس هيئة الأركان في نفس الجيش في حرب العدوان الثلاثي علي مصر سنة 1956 ، وبعد العدوان الثلاثي ألف الجنرال دايان كتابا بعنوان ــ ( مذكرات حملة سيناء 1956 ) وفي هذا الكتاب وضع خطة العدوان علي مصر وسوريه عام 1967 ــ ( أي بعد أحد عشر عاما من تأليف الكتاب ) ــ وذكر في هذا الكتاب مواعيد العمليات العسكرية وخطط الهجوم وما إلي ذلك من أمور ليس هنا مجال لذكرها ، وفي المقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية سأله المذيع : ألم تكن تخشي أن يقرأ العرب كتابك ويعرفوا خطتك ويستعدوا لها ؟!!! ( السؤال لموشي دايان )
فأجاب الجنرال دايان : لا لأن العرب لا يقرأون ....
وبعد عزيزي القارئ فإذا كان لهذه القصة جوانب سياسية متعددة ، فإني وهذه وجهة نظر شخصية أعتقد أن التفكير في الشأن السياسي مهمة تقع علي عاتق كل مواطن عربي ، وشخصيا أري أنه بدون معرفة طبيعة الحياة السياسية ليس لأي فرد منا حق النقد أو الشكوى
وأخيرا الحكمة تقول: من لا يملك قوته لا يملك حريته، والمعرفة هي قوت العقل
فهل نحن قادرون علي امتلاك قوت عقولنا ؟!
ويبدوا أنني سأترك الإجابة للقارئ الكريم حتي يجيب بما يراه مناسبا .....
محمود صبري