سأبتعد في هذا المقال عن الشأن السياسي وإن كنت أري في ظل نظرية ميكافيلي الشيطانية التي تطبق بحذافيرها في بلادنا العربية أن هذا الشأن هو السبب الرئيسي فيما يعيشه المواطن العربي عموما والمواطن المصري علي وجه الخصوص ،،، ولكن علي أية حال عزيزي القارئ لنأخذ جانبا أخرا لقضية أخري تعد من وجهة نظري هي أحد أخطر القضايا التي نعيشها ، إذ أن أخلاق الأمم هي أخطر قضايا وجودها مهما كانت توجهاتها ، وإن اتفقنا أو اختلفنا علي هذا فمن الواجب في البداية أن نعترف أننا نعيش في مواجهة أزمة أخلاقية مزمنة متعارضة في التعاطي مع معضلات حركة تصحيح المسار الحضاري لنا سواء علي الصعيد السياسي أو الإنساني بجوانبه المتعدد ....
وحتى لا يلقي كل منا بالتهمة من بين يديه كالقنبلة الموقوتة فإنني أخاطب الإنسان الذي يعيش داخل كل منا والذي بات أمرا ملحا أن يستيقظ ويتحرك الأن لأننا جميعا في مواجهة فكر القضية وعلينا جميعا أن نعي خطورتها ، وجدير بالذكر ههنا أن نُفَرِّقْ جيدا بين المظهر الخارجي للنمط الأخلاقي ـــ كأسلوب الحديث وآداب التعامل مع المجتمع وطريقة الأكل ....الخ ، وبين جوهر النهج الأخلاقي الذي يسلكه الفرد ، فالأول وإن كان نتيجة حتمية للأخر فإنه أحيانا يكون مخادعا ، وسأضرب مثلا ... أحيانا يسألني بعض الناس عن ممثل معروف أو مقدم برامج مشهور وحين أقول له إن الكاميرا كثيرا ما تكون خادعه لأنها دائما تقوم بأكبر عملية تنويم مغناطيسي في حياة الإنسان فأجد الصدمة علي وجهه ، لهذا فإن أمتنا تعيش أزمة أخلاقية أفرزت خللا اجتماعيا وحضاريا تجلي في أقبح صوره علي المستوي الثقافي والأدبي والفني ،،،، فصناعة السينما علي سبيل المثال حتي الثمانينات من القرن الماضي كانت صناعة مصرية لها ثقلها علي الصعيد العالمي رغم أنها كانت تفتقر إلي الجانب الاقتصادي إلا أنها كانت تعتمد علي تقديم مادة هادفة للمشاهد تراعي في المقام الأول أخلاقيات المشاهد وطرح فكر المجتمع من خلال رؤية موضوعية لقضية من القضايا واليوم وبعد أن أصبحت تلقي كل عناية اقتصادية ومادية فقد تم تفريغها من مضامينها وأصبحت تعتمد الإباحية في معالجة قضايا المجتمع فخلقت نقيضا شاذا أخذ توجهات الوطن إلي منحني خطير اختلطت معه كل الأوراق وتشابكت الأطراف وضاعت بين الكل الرهبة من عقلية المشاهد واحترام آدميته
ولأن الأخلاق دائما وأبدا هي أساس حياة أي مجتمع وكل مجتمع لذا فهي مصدر القوة الوحيد لاستمرار ثبات بنيان حضارة الإنسان ، وهنا يجب الإشارة إلي أن الأخلاق كقوة لحياة الأمم فهي تبدأ من الداخل وتنتهي في الخارج علي المستوي الفردي مرورا بسلوك المجتمع حتي تنتهي بالنهج العام للأمة وتوجهاتها ، ومن وجهة نظري فإن أي محاولة لإعادة بث روح النهضة في الجسد المصري يجب أن تعتمد في المقام الأول علي غرس ركائز الأصولية الأخلاقية في ثقافة الفرد ، وهذا الاعتماد يتحمل عبأه ومسؤوليته كل مصري من مختلف فئات المجتمع ، تلك العملية وإن كانت تعتمد في أساسها علي الجهود البحثية والدراسات الأكاديمية فهي بالضرورة اللازمة تحتاج للمشاركة الجماعية من كل أطياف الشعب وخبراته الفردية للنهوض بالتوجه الأخلاقي صوب المستوي المنشود للأمة المصرية علي الصعيد الوطني
فإذا كنا نريد أن نعيد للعلم هيبته وللطب أمانته وللفن أصالته فيجب علينا جميعا أن نعيد النظر في مقياس الرقابة الذاتية لمستوي أخلاق الفرد والأسرة ومن ثَمَّ المجتمع وما يجب أن يكون عليه
وأخيرا عزيزي القارئ ... إن الثورة المصرية المجيدة قد وضعت الرئيس المخلوع ونظامه في مأزق أخلاقي قبل أن تضعه في مأزق سياسي كانت نتيجته حتمية ونهايته أكيدة في ثمانية عشر يوما كانت ترجمة صريحة للمقولة المشهورة (( نكون أو لا نكون )) ، لذا فقد بات من الواجب علينا جميعا السعي لإحياء النهضة المصرية والتي لابد أن تقوم علي أسس حضارتنا العريقة بأمجادها وأصالتها .... وأخلاقها ،،،،، حتي نكون .
محمود صبري