رأيتكَ اليوم في الطّريق، لم تكُن كعادتك، مُضطّربٌ وبارد، لبثتُ أتأمّلُ تفاصيلَ وجهكَ التي قد تغيّرت؛ ثغركَ الذي باتَ أزرقَ اللّون، وعيناكَ التي لم أرَها كئيبةً مثل اليوم، شاهدتُ شعركَ وقد بدأتَ بإهمالهِ على غيرِ عادتكَ، أهوَ الطّقسُ أم البُعد مَن افتعلَ هذا بك؟ أشكُّ أنّهُ الطّقس، لعلَّ البُعدَ هو مَن ارتكبَ هذه الجريمةَ، أو لعلَّ المشكلة في عينيّ، فقد تغيّرت صورتكَ فيهما، أيعقلُ أن أكونَ أنا المجرمة؟ نظرتَ إليَّ نظرةَ الضّعيفِ العاجز، كادَت عواطفي تقودني إليك؛ إلّا أنَّ الذّكريات أتت مهرولةً إليّ تُخاطبني : هل ستذهبينَ إليه؟! أبهذه السّرعةِ نسيتِ ما فعلهُ بك؟ أم أنّكِ تتناسَين كعادتكِ؟
نعم، إنّي أتناسى وسأذهبُ إليه، لعلّه بحاجةٍ إليّ.
وأنتِ؟ ماذا عنكِ؟ عندما ترككِ في أشدّ لحظاتِ حزنكِ وضعفك؟ ألَم يُدِر ظهرهُ لكِ وكأنّه لا يعرفُ مَن أنتِ؟ ألَم يتجاهلكِ وكأنّكِ عابرة سبيل؟
أجل، لقد فعل، ولكنّي لا أجرؤ على أن أفعلَ مثلهُ.
تارةً أتقدّمُ وأخرى أقف، هل ما أفعلهُ صحيحٌ يا تُرى؟ أم أنّني أتغابى مثل العادة؟ الخيارُ الثاني هو الصّائب، ولكن ماذا أفعلُ بخوالجي وإنسانيّتي؟ هل أستطيعُ التّغاضي عنهما أيضاً؟ أشكُّ بذلك.
مضيتُ قُدماً نحوهُ وهو في حالةِ دهشة، اختالَ أنّي مثله، وقفتُ أمامهُ ونظرتُ لعينيه، أأنتَ بخير؟ ردَّ ببرودٍ : نعم بخير، لِمَ تسألين؟لم أُجِبْ ببنسِ كلمة، انسحبتُ وأكملتُ طريقي وسطَ زِحامِ الذّكرياتِ والعواطف والمطر، يا إلهي! إنّها تُمطر! لكن لن آخذَ الهطول هذه المرّة على أنّه إشارةٌ إلهيّة، سأدعهُ له؛ لعلَّ وعسى أن يعتَبِرَ هو هذه المرّة لا أنا.