الحلقــة الثالثــــــة والأخيــــــرة
مواجهة إيهاب بما عرفت لم تكن سهلة أبـدًا عليّ لكني قررت أن أخوض حربـي لنهايتها، طالبته بتفسير لما أسمع عنهما، أخبرته بأمر لقائي مع رزان، وبجرأتها الغير مقبولة بل المستفزة فعلًا حين طلبت مني أن تشاركني زوجي وبكل وقاحة وبرود!
تحدث زوجي بهدوء قتلني، لم ينف الأمر، لم يكلف نفسه عناء تبرير وجود أنثى غيري في حياته، أسقط في يدي، أكد أنه مازال يحبني، ويقدر ما فعلته معه ومع أبنائه، لكن الله تعالى ابتلاه بقلب كبير، قلب لا يكتفي بحب واحد، ذكرني بأحمد زكي في فيلم امرأة واحدة لا تكفي!
تابع يقول وما ذنب الرجل إذ خلقه الله وجعل له قلبًا لا يستطيع أن يهبه إلى أنثى واحدة، لذا شرع له الخالق وهو أعلم بما خلق تعدد الزوجات ليحميه من الوقوع في الخطأ واراكاب المعصية، فلمَ الغضب وهذا شرع الله وشريعته؟
: إمرأة واحدة لا تكفي حبيبتي، فأنا رجـل أعشق التنوع والتجديد وأبحث عن الاختلاف.
تساءلت والدموع قد تحجرت في عيني: ألأهذا شرع الله تعدد الزوجات في رأيك؟، أهكذا تفهم الأمر وتُبسِطه لتبرر هذا السفــه؟!، هل منح الله الرجل الحق في زواج ثان وثالث ورابع هبــــــة؟، هل جعله صكًـا مقدسًا لكل خيانة لتصبح مشروعة إذا استحالت إلى زواج؟
فقدت السيطرة تمامًا على نفسي حينما أخبرني أن الثالوث اللعين كان اقتراحه، وأن رزان امرأة عاقلة ناضجة تثــق في أنوثتها لذلك تقبلت الاقتراح بكل بساطة من أجل إسعاده، فهي تثبت عمليًا إنها تحبه، وقد توقع ألا أكون أقل منها في هذا المضمار، نعـــم هو يحبني، يحبني جدًا لكنه مضطر للزواج منها، هي تحتاجه لتستطيع مواصلة حياتها، والاستمتاع بما تبقى لها من شبابها، تحتاج أن تجدد شبابها وتضخ له الدماء وهو يحتاج أموالها وعلاقاتها الواسعة ونفوذها النافذ ودعمها الكامل له لتطوير عمله ومشروعاته اللعينـــــة.
دموعي خانتني وتساقطت رغمًا عني منهمرة بغزارة أمامه، صوتي اختنق بأنين بكائي، تهدجت أنفاسي، لم تسعفني كلماتي المبتورة على لساني؛ فصفعتــــــــــــه.
تمنيتُ لو استطعت قتله والتخلص منه نهائيًا، كيف سمح لنفسه أن يقتلني بهذا البرود؟!
قطعني بكلماته فصرتُ أوصالًا وأجهز بضراوة على ما كان متبقيًـا من كرامتي وكبريائي، نعــــم، هو لم يقتلني بيديه لكنه قتلني وبنتهى القسوة بتعذيبي نفسيًا وبإحراق مشاعري، اغتالني بلفظِه لي من حياته بهذا الشكل المهين دون ذنب اقترفته يداي سوى أني أحببته وبكل قــــوة!
تاهت أيامي مني، عشت ليالي قاسية البرودة في عـزصيف زمهرير، انقطعت عن العمل، بتُ لا أجيب على الهاتف، أغلقت المحمول تمامًا، قادتني قدماي نحو إيمان، صديقتي الصدوق، لم أنس ما وجدتُ عندها من حنان بالغ ودعـم معنوي، لم تلومني، لم تعنفني كيابق عهدها، فما فائدة البكاء على اللبن المسكوب؟!
استحالت أيامي شقاءً واجترار مرير لذكريات أيام سعيدة كنت أحسبها ستدوم، لم يُهون عليّ أيامي سوى رفقة صديقتي، عرفت الانتظام في الصلاة والحرص عليها، وجدتُ عند ربي ما لم أجده عند البشر، استقامت صحتي وتحسنت بالصوم كل اثنين وخميس، غمرني شعور قوي بالراحة كلما وضعت آهاتي وآلامي وشكواي في سجدة طويلة لربٍ لم يُخيب رجائي، شعرت وكأن روحًا جديدة قد نبتت بين أضلعي، روح لا تعرف الانكسار ولا تستسيغ الانهـــــزام.
قررتُ مواجهة الواقع بروح غير قابلة للانكسار، اتصلتُ به وطلبت الطلاق، حرصت ألا أسمح لنفسي بالتنازل عن قصدي وغايتي، لم أستمع لكلمات باكية خرجت منه، بتُ استشعره رجلًا كريهًا، غريبًا عني، وكأني لم أكن زوجته يومًا، أصررت على طلبي، "وجـــد ذو الفقــــار" امرأة متماسكة، متشبثة بروحي الجديدة التي تحررت من قيـد حبه حتى لا يستطيع أن ينال مني شيئًأ، ولا حتى الذكرى!
حصلتُ على ما أردته رغم محاولاته المتواصلة للمماطلة ولاقناعي بالثالوث الذي يريده، فعلى كل الأحوال سيكون معي نصف الأسبوع، سيجمعني به بيت أريد الآن أن أهدمه لأنتصر لكرامتي وأثأر لكبريائي، لم أناقشه فيما يقول، لم أفسر له رفضي لعرضه المُذل لي ولحب كنت أحمله له ولاحترام كان يُضفي هالة من إجلال يزيد حبي له وولعي به، كنت أراه رجلًا محترمًا بل كان هو في نظري آخـــر الرجــــال المحترميـــن، كــــــــــــان.....
عاهدتُ نفسي أمام الله أن تكون أيامي القادمة يا إيهاب أزهـى سنوات عمري، هكذا كنت أخبر نفسي كل صباح حتى تخلصتُ من إدماني له، قررت تمثيل السعادة على نفسي لأقلل إحساسي بالألم والتعاسة، لعل بعض السعادة تتسلل إلى نفسي دون أن ألحظ إن أدعيتُهـا.
الآن قد مضى على طلاقي عشرة أشهر كاملة، ورغم بعض الآثار السلبية المريرة التي تهاجمني على فترات نتيجة تأنيبي لذاتي كوني اندفعتُ تجاه رجل عابث جعلني محطة عابرة في حياته، لكن على كل حال يشفع لي أني ما كنت معه أبدًا مخادعة أو كاذبة في مشاعري أو عابثة به وبعواطفه، نعــــم كنت أشتاق كثيرًا لعمر وحبيبة، لقد أحببتهم حقًا ولم أكرههم يومًا بكرهي لوالدهم، حينها أهاتفهم لأسمع أصواتهم دون أن أتحدث؛ فتطيب نفسي ويهدأ ما بي من شوق ولهفـــة.
ثم التقيتهم ذات يوم في النادي مصادفةً، كان لقاؤنا حارًا بعث الدفء في قلبي والحرارة في أطرافي، تواعدنا أن نتواصل هاتفيًا وعبر الفيس بوك، لم أتحدث نهائيًا عن الوالد، لم أرد أبدًا أن أشوه صورة إيهاب في أعينهم، لم أرغب في الانتقام منه في قلوبهم البريئة التي لا تستحق أن يعتصرها الألم حزنًـا على أب سيرونه خائنًا وقد حسبوه فيما مضى وفيًا محبًا شريفًا، اكتفيتُ بعبارة "كله قسمة ونصيب" عندما سألوني ببراءة عما حدث بيني وبين الوالد، ثم غيرتُ الموضوع وأشرتُ إلى رغبتي الشديدة في التواصل معهما؛ فنحن أصدقاء ولا يمكن للظروف أن تُفرق بين الأصدقاء الحقيقين.
هاتفتني "نشوى" بعدها، ولأول مرة تطرق حديثها لشيء لا علاقة له بالصغيرين، حاولت باستماتة استدراجي لتعرف سبب أو أسباب الانفصال لكني وبنفس الايتماتة امتنعت عن الاجابة، لا نيـة ولا رغبة في إفساد أيامي وتعكير مزاجي بالتفكير فيه ولا الحديث عنه، كان زوجًا لي والآن ما عــــاد شيئًـــا.
لا أجد أي حيد أمامي عن مواصلة الجهود لاستعادة سيطرتي كاملة على مشاعري، ولإستعادة صورتي المشرقة أمام نفسي أولًا، دومًا ما أسكتُ كل الأصوات التي تتردد بداخلي مطالبة إياي بالزواج من جديد لأثبت لنفسي ولمن حولي أنني مازلتُ أنثى نابضة مرغوبُ فيها لكنني أبدًا لن أفعل.
لقد صهرتني تلك التجربة وها أنا ذا أعدتُ تشكيل ذاتي من جديد، وقفتُ على نقاط قوتي وبهرتني النتائج، لن أسمح لأحد أن يكسرني ثانيةً، فأرواحنا لا يمكن أن تكسر إلا إذا سمحنا نحن بذلك، أراقب ابتسامة باهتة تعلو وجهي بين الحين والحين وسأظل أراقبها وأدعو ربي أن تنمو ابتسامتي بسرعة وبقوة لتغدو منيرةً مضيئة، ستشرق شمس أيامي القادمة في سماءٍ صافية لا تحمل غيومًا؛ فأنا إمرأة لا تنكســـر.
أنا أنثى لا تعرف الهزيمة... امرأة لا تقبل القسمة على اثنيــن.. كنتُ ومازلتُ وسأظـل كذلـك.
أنا "وجـــــد ذو الفقــــار" خلعتُ قلبي ومشيتُ حرة، أبدًا لن أنكســــــر.
تــمـــــــــــــت بحمـــــد اللـــــــــه وفضلـــــــــه:)
----
القصة من المجموعة القصصية "تنهــــدات حـــــارة" الأكثــر مبيعًــا في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2018م.
المجموعة صدرت في مصر عن دار الشهد عام 2019م ثم توالت الطبعات فصارت خمسًــا.