غزل العقول
الواحة
♥♥♥♥♥
قادتهما صداقة الحرف للقاء قوي امتزج فيه عقليهما وتلاحمت أرواحهما، وذهبا معًا إلى واحة تخصهما وحدهما، وجدا فيها كل الراحة والطمأنينة، وبعد فترة قصيرة أخبرها:
ـ عقل وروح فقط، وحذار من أمر آخر قد يعتريكِ
وأدركت كلماته فأجابته:
ـ لا تقلق .. لا تقلق مني أبدًا
فاستطرد:
ـ لا أريد أن أخسرك .. فخسارتك ألم قد لا أستطيع تجاوزه
وانتهى حوارهما، ولكنه فى كل لقاء كان دائم التحذير لها مما أثار غضبها، فصاحت به:
ـ كفاك تحذيرا .. فـــ أنا لن أقع فى حبك أبدًا .. هذا هو المستحيل ولا تقلق مني ولا ترهقنى مرة ثانية
ودارت بهما الأيام ما بين شد وجذب، قسوة ولين، وبين الحين والآخر يعود لتحذيراته، ويكأن تلك التحذيرات بمثابة دعوة لانتهاكها.
قلبها اليتيم وجد ضالته عنده، كل ما كانت تريده وتحلم به، كان يملكه وأكثر، ولكنها وعدته ولم ترد أن تخسره، فقررت الابتعاد لفترة حتى تعطى الفرصة لعقلها أن يتحكم فى قلبها ويقيده، والصراحة دائمًا كانت مبدأهما، فأخبرته بأنها ستبتعد لفترة لتلمم شتات نفسها، وبذكاءه أدرك ما حدث لها ولأنها طفلته سألها برفق:
ـ أتحبين البعد؟
حركت رأسها بضعف:
ـ لا أحبه ولكن لابد منه
وبأسلوب حاد:
ـ وقراري أنا .. لا
بصوت مرتعش سألته:
ـ لماذا؟
فأخبرها بكل صدق:
ـ اعلمى أن لوجودك سعادة من نوع خاص، لقد تحملتِ غضبي وعصبيتي ومزاجيتى، أنتِ روح جميلة
وبصوت هامس:
ـ أعلم ذلك، وكن على ثقة أنك ستجدنى طالما احتجتنى
ولكنه شعر بأنها فى طريقها للابتعاد، مما أثار قلقه فنظر إليها بقسوة:
ـ من أول يوم حذرتك من ذلك، واشتعل غضبك وشعرتِ بالإهانة، ولكن لا تخافي
تلعثمت متسائلة:
ـ أخاف مم؟
بصوت حنون:
ـ من أنك تصلى لمرحلة تتألمي فيها وأتركك بدون حلول
بدأت دموعها تنسال على وجنتيها:
ـ لا أستطيع .. أصبح قربنا خطر
وبثورة عارمة صاح بها:
ـ الآن أصبح خطر .. لأنكِ لم تستمعي لي منذ البداية، واتخذت قرارك بالبعد دونما الرجوع لى، افعلى ما يحلو لك، ولكن عند عودتك لن تجديني
وبصوت مختنق:
ـ سامحني .. امنحنى قليلًا من الوقت
ما زال على ثورته:
ـ تذكري أننى تمسكت بك كثيرًا وبقوة، ولكن بعد ابتعادك .. لن تجديني
فبكت بصوت مرتفع كطفلة فقدت عزيز عليها، وبكل ما يملك من قوة أمسك بذراعها:
ـ أملك قلب قاسى لا يتأثر فى هذه المواقف .. كفاكِ ضعفًا وكوني قوية، وإن أردتِ الرحيل فلترحلى بثبات ، وأنا لن أعود لإرضائك، فلا تنتظريني. أنتِ من وضعت النهاية بشكل مؤسف لم يكن فى حساباتى
واستدارت بضعف فسمعته:
ـ أحببت أن نسير كثيرًا مع بعض وحتى النهاية، ولكنك تعجلتي جدًا، ولأن راحتك فى الرحيل فأنا موافق
فانهارت وسط دموعها ولم تبالى بضعفها، فرفع رأسها بطرف أصابعه قائلًا:
ـ أريدك قوية وأقوى من أى شخص، وصدقينى لا أريد رحيلك بهذه الطريقة، فاهدئي، ودعينا نتحدث
وحاول رسم ابتسامة على ملامح وجهها الجميل الباكى وداعبها:
ـ اهدأى يا طفلتي، ولتعلمى أننى أود احتضانك فى هذه اللحظة
وبخجل قالت:
ـ ولكني ضعيفة، والضعيف لا يستحق الاحتضان
فابتسم بحنان، ومسح دموعها:
ـ الضعف رأيته بطريقتي التى تُزيدك ولا تنقصك، ضعفك قوة ولكنك متهورة، قررتي الابتعاد لشعورك بأن قلبك قد يخذلك، وأنا أعدك أننى لن أخذلك، واتكئي علىّ، ولا تحطمي ما بنيناه، ثم سألها:
ـ هل إذا ابتعدت ستنسيني؟
وبنظرة ناعمة منها وصوت هادىء:
ـ لا
فبادرها:
ـ إذا ما فائدة البعد؟ نستطيع أن نركن مرة على عقلك ومرة على عقلى، ودعي الغد للغد
فصمتت وباغتها بسؤال وهو مبتسم:
ـ هل ستحبينى؟ أنا موافق
ثم أخدها فى حضنه كطفلة صغيرة واستكانت هي بهدوء ودموعها تتراقص
حوار لم ينتهى