أبو العتاهية القاسم بن سويد الشاعر العباسي العلم المعروف، بالنسبة لي شخصية غامضة ومضطربة، وكنت دائم أشك في شعر الزهد عنده، ولا أشعر فيه إيماناً ولا صدقاً، إذ كنت - ولا زلت - غير مقتنع أن الزهد والبخل يجتمعان، وبخل أبي العتاهية مستفيض في التراث ومعلوم، وقصص بخله وشحه كثيرة مشهورة.
وربما يقول قائل: وما المانع أن يكون الرجل زاهداً عابداً، وفي الوقت نفسه بخيلا وشحيحا؟، سيما وأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينف البخل عن المؤمن كما نفى عنه الكذب.
وهذا عندي مردود، أولا لأن الحديث نفى البخل عن مطلق الإيمان وليس عن العابد الزاهد، والإيمان كما هو معلوم درجات، وثانيا الحديث هنا عن شاعر مرموق ومطبوع، ملأ الدنيا بشعر الزهد والخوف والقناعة، وليس مجرد رجل بخيل وزاهد، وأيما كان الأمر فهي في النهاية وجهة نظر شخصية تحتمل الأخذ والرد، والصواب والخطأ.
والذي يبدو لي أن أبا العتاهية هرب من الحياة وكرهها، ولم يزهد
فيها، وأن حبه للجارية عتبة - جارية الرشيد - هو المسئول عن هذه الفوضى التي ملأت حياته، لم تكن الجارية الجميلة عتبة مجرد امرأة عشقها شاعر، وأنشد فيها الشعر، عتبة كانت هي المعادل الموضوعي في حياة القاسم بن سويد الشاب الوسيم الفقير، لقد رفضته بإصرار حتى بعد أن أصبح جليس الرشيد، ومن أثرياء بغداد، رفضته حتى بعد أن خطبها له الرشيد نفسه.
لقد كره أبو العتاهية الحياة بسببها، ولكنه ظل متمسكاً بالدنيا، وبها بخيلا، ألم ترفضه عتبة لأنه كان فقيراً، لأنه كان بائع جرار، لأجل هذه الدنيا؟.