في أعماق الضيب ويب، ذلك العالم االمجهول المرعب أوي لم يستهوي صاحبنا غير الحصول على كولكشن رهيب من اللوحات النادرة مسروقة كانت أو متسربة من أعماق المياه، من ضمن حطام سفينة او من داخل متحف في موزامبيق او مقبرة من مقابر منيا القمح. لطالما جذبته تلك اللوحات الأنتيكا المتأنتكة حتى كانت تلك الليلة…
وقع نظره على صورة للوحة غريبة عجيبة فظيعة، فتى مراهق في الثانية عشرة من عمره على الأكثر يحملق وعيناه متسعتان عن آخرهما، يداه مرفوعتان وخلفه مزرعة بها دجاج وخراف وبقر، مساحات شاسعة من الخضرة وبيت صغير أعلاه مدخنة وبجانبه طاحونة هوائية، الألوان مبهجة وراقية وملامح الفتى تكاد تنطق بالحياة، لوحة استثنائية!
"أريدها، هذه اللوحة لي وحدي" هذا ما ورد له وحزم أمره ، سوف يحصل عليها مهما كلف الأمر ولو اضطر أن يواجه مدام عفاف في السجل المدني ويقضي يومًا في أي مصلحة حكومية وهكذا أرسل إلى الشخص المجهول الذي عرض اللوحة للبيع:
-هاي
-مرحبا
-لو سمحت انا مهتم بلوحة الفتى المحملق
-للتفاصيل إن بوكس
-طب ماحنا إن بوكس اهو
-اه صحيح معلش البيروقراطية بقى حافظ مش فاهم
-تاخد كام واخد التمام؟
-مش لما تعرف تاريخ اللوحة؟
-احكي يا شهرزاد
-اللوحة دي اتنقلت ما بين مسمط و قهوة ومغارة عرافة غجرية من باب اللوق، اللوحة مستمرتش ف اي مكان من التلاتة.
-ليه بقى؟
-دي شهادات المُلاك التلاتة "اللوحة بتتغير، ملامح الولد وحركة جسمه مش ثابتة والبقر جوه اللوحة بيجري وينط… المكان بقى مقبض جدًا وبقينا نحس بحد بينفخ هوا سخن ف أفانا… الحاجات بتترمي قدام عنينا وبالنسبة للقهوة فجأة الزباين بقوا يقوموا يضربوا بعض بالكراسي زي أفلام فريد شوقي… والتلاتة قالوا ان الحنفيات بقت تنزل بدل الميه عرق سوس و.. و المُلاك كلهم لقوهم في الآخر جثث هامده واديهم مرفوعة ومتخشبة
-استاذ "جذاب لدرجة العذاب_٧٢" حضرتك متأكد انك عايز تبيع فعلا
-طبعًا
-وانت كده بتحلي البضاعة؟
-ابسلوتلي
-طب انا عايزها
-تمام جدًا هتروح يوم الاربع بعد العصرية وقبل الفجر عند سايبر عواطف هتدخل تسأل عن لوحة "عزت المعفرت" وتقول كلمة السر
-ايه هي
- ١٢٣٤
-تمام
توجه صاحبنا إلى العنوان المقصود في اليوم والميعاد المقصود وتسلم اللوحة مغلفة بورق جرايد وعاد إلى بيته متحمسًا في غاية الانشكاح.
كان الليل في اوج ظلمته عندما استيقظ صاحبنا على صوت صرير باب، قام مترنحًا حتى وصل إلى غرفة المكتب حيث عُلقت اللوحة فوجد الباب مفتوحًا برغم انه اغلقه سابقًا بالضبه والمفتاح!
دلف بخطوات حذرة متأنية ووقف أمام اللوحة يتفقدها، في البداية لم يلحظ شيء ثم… أدرك أن البقر لم يكن في مكانه حيث انه في البداية كان بعيدًا يرمح في الأفق اما الآن فأصبح يجري في منتصف اللوحة كما أن عدد الدجاج زاد إذ أنها كانت أربعة في البداية اما الآن فصارت أربع فرخات ودجاجة ومحدش فاهم حاجة وأيضًا لم تعد ساق الفتى مستقيمة فلاحظ انها قد ثُنيت قليلًا!
وفجأة ظهر ظل ومشي بسرعة خلف صاحبنا وهو قد شعر بذلك! انسحب مسرعًا وعاد إلى غرفته ثم اخد يقنع نفسه ان الحياة تمام ودي كلها أوهام.
في الليلة التالية قام صاحبنا كالعادة بغلق باب غرفة المكتب بالقفل وذهب غرفته بعد أن غسل أسنانه بمعجون سيجنال تو. أغلق جفونه واستسلم للنوم ثم.. جذبه شيء إلى سطح الإدراك والواقع مرة أخرى، قام مفزوعًا على صوت صرير باب.. مشى بتثاقل حتى غرفة المكتب، وجدها مفتوحة فسار حتى اللوحة ووقف يراقب…. رجلي الفتى اصبحتا مثنيتين بشكل واضح والفزع ملأ عينيه وخلفه تغير مكان الخراف فأصبحت تجري بجانب البقر ثم… بدأت خطوط تظهر أعلى اللوحة وتنساب إلى اسفلها، خطوط دماء لزجة فريش! جرى صاحبنا وهو يصرخ كالفتيات عند رؤية صرصور طائر وعندما وصل إلى غرفة نومه وجد الفاسزا قد تغير موقعها فبدلًا من التسريحة وضعت على الكوميدينو بجانب السرير لكنه وجد انها اشيك هكذا ومناسبة اكثر فلم يعظم الأمور وعاد لفزعه السابق مما رآه باللوحة.
قرر صاحبنا الليلة الثالثة مواجهة مخاوفه والفتى المحملق الشقي فذهب برجله إلى اللوحة، صفق وزعق مناجيًا الفتى المحملق أن يظهر ويبان عليه الأمان ثم…
بدأت ملامح الفتى تتحرك داخل اللوحة وشيئًا فشيئًا برزت وبدأ يخرج منها!
ما ان خرج تعثر وتزحلق ووقع فقام صاحبنا بمساعدته على الوقوف
-هاه انت ايه حكايتك بقى يا شقي يا مخوفاتي يا صغنن.
-من ٢٠ سنة كنت ف مدرسة ف فيصل، شارع العشرين
-ايه ده ثانية واحدة هي اللوحة عمرها ٢٠ سنة بس ومتبعالي على أنها انتيكا؟!
-سيبني اكمل يا تافه يا مسطح
-اتفضل
-العيال زمايلي كانوا بيتنمروا عليا عشان هما بيجيبوا سندويتشات فول وانا بجيب سوسيس وبرجر والمدرسين كانوا مضطهديني عشان مكنتش بعمل الواجب وكانوا بيوقفوني ف اخر الفصل ايدي لفوق وتاني رجلي.
-اااه انا كده فهمت
-انا كنت اصلا مشغول بحاجات اهم، كنت بفسر مؤامرات الكون زي مثلا اكتشافي ان "بوكيمون" لو عكسناها تبقى " نو مي كوم" يعني "تل أبيب في المنيب"
شهق صاحبنا في دهشة وسب البوكيمون اللعين
-في الآخر قررت انتحر عشان اتخلص من الاضطهاد والعذاب والتنمر بس قبل ما انتحر قررت العن اللوحة دي واسكنها واكدر اي حد يحيبها
-اشمعنى اللوحة دي؟
-معرفش عجبتني وحسيتها بهجة كده فقلت أحول المزرعة السعيدة لمزرعة كئيبة مخيفة.
-اظن انك كده اتخذتني صديق وارتحت معايا في الكلام وبكده تسيبني ف حالي وارتاح وانام.
-انا فعلا ارتحتلك لدرجة اني قررت اخدك معايا اللوحة وتبقى ونيس ليا ولباقي حيوانات المزرعة السعيدة
-لأاااااا… عاااااااا
"تمت"