"القصة مستوحاة من أحداث حقيقية"
كنت بسمع وأنا صغير من الكبار أن الصداقات بتدوب مع الوقت، الخيوط اللي فاكرينها مش بتتقطع كل مدى بتبقى رقيقة أكتر لحد ما شوية ريح تقدر عليها وتقطعها. كنت شايف النماذج دي معقدة أو مستسلمة أو معندهمش ولاء كافي لصحابهم وأن ده عمره ما يحصل معايا.
التلاتة كانوا بالنسبة لي إخواتي زيهم زي "مفيدة" أختي الصغيرة اللي كانت بتغير منهم ومن قربي ليهم وبتتهمني إني بحبهم أكتر منها، وعندها حق، مانا كنت بقضي معظم وقتي معاهم، في المدرسة مع بعض وبعد المدرسة نروح احنا الأربعة للمكان بتاعنا اللي محدش يعرفه غيرنا. المكان دا كان عامل زي واحة وسط الصحرا بالنسبة لينا، مع إنه بالنسبة لأي حد واعي ومدرك قاتم وكئيب ومرعب كمان. مبنى كبير قديم بجنينة، لا المبنى بقى مبنى ولا الجنينة شبه الجناين التانية. نقدر نقول اللي متبقي من المبنى هو حطام، ال3 أدوار عبارة عن أوض مكسرة وطرقات مهجورة، والجنينة عبارة عن تراب وشجر ميت وفروع جافة مدببة مفيهاش أي ورق، مفيهاش أي حياة، ودا خلى الموقع مثالي في عيوننا! غذى الخيالات بتاعتنا والجانب اللي موجود تقريبًا في كل الأطفال بتاع التطلع للمغامرات والغموض.
طبعًا كنت بننسج حكاوي ملهاش أي أساس من الصحة عن تاريخ المبنى والجنينة اللي محاوطاه. الأقاويل انقسمت عن المبنى العتيق، في اللي قال إنها كانت مستشفى عامة لعلاج كافة الأمراض وكمان كان في جزء مخصص للعمليات الجراجية والولادة والذي منه، وفي اللي قال إنها كانت مستشفى للأمراض العقلية. وإحنا بقى عشنا على أنقاض الأقوال دي وبنينا حكايات بنخوف بيها بعض. المهم إني أنا و "سامر" و "مهاب" و "ولاء" كنا مخصصين المكان دا لمقابلاتنا وبنعتبره بيتنا التاني وكتير كنا بعد ما بنرجع بيوتنا بنتعاقب على تأخيرنا على البيت عشان الوقت الكبير ما بين نهاية اليوم الدراسي وبين رجعونا، وكانوا بيحاولوا يضغطوا علينا بكل الطرق عشان نعترف على المكان اللي بنروحه ونقضي كل الوقت ده فيه وهيهات، محدش فينا كان بينهار، كان بالنسبة لنا شوية الضرب والتهزيق اللي بنشوفه هين قدام الكنز، اللي هو مكاننا اللي مش بس بيمثل سرنا القيم لأ هو برضه بيمثل صداقتنا وقوتها.
لكن للأسف شبح الكلام اللي كنت بسمعه بدأ يظهر، الكلام عن إن الصداقة شيء مرتبط بس بالطفولة وإن الناس بتتغير مع الوقت وكل ما يكبروا السبل بتاعتهم بتتفرق وكل واحد بيمشي في طريق. هو التغيير كان حتمي ملناش يد فيه، أقصد التغيير الأولاني... الخبطة جت من عند "ولاء" ، ولاء والدها كان متوفي من وهي صغيرة، ملحقتش توعى عليه وتكون ذكريات عنه وكانت عايشة مع أمها بس، مكانش ليها إخوات ومفيش علاقة بقرايبها. عمرنا ما فكرنا في الموضوع ده، ليه أم "ولاء" مقاطعة أهلها كلهم ، إيه سبب إن على مدار السنين محدش كان بيزورهم أو بيسأل عليهم. يمكن عدم تركيزنا في المسألة دي سببه إننا وعينا على كدا، وعينا على وضع "ولاء" وعلى كونها وحيدة، مجاش ف بالنا أن ده وضع غريب.
لكن الأمور اتغيرت لما "ولاء" تمت ال12 سنة وزيها زينا، كلنا تقريبًا كنا ف نفس السن، الفروق ما بيننا إحنا الأربعة شهور.. والدة "ولاء" ماتت، جاتلها سكتة قلبية مفاجئة وماتت فورًا ولا كان عندها تاريخ مرضي ولا أي حاجة، ربنا شاء إنها تموت وتسيب بنتها الوحيدة. في يوم واحد دنية "ولاء" اتقلبت، مستقبلها بقى مجهول، حياتها هتمشي إزاي، هتروح فين، هي متعرفش حد غير أمها، حد تقدر تعيش معاه ويصرف عليها. أنا عارف إني أناني، لكن مش بس خبر موت أم "ولاء" وحالتها هي اللي كانت مسببالي أزمة ومخلياني مكتئب، الرابطة، كنت قلقان على الرابطة، الصداقة اللي بتجمعنا إحنا الأربعة، كنت قلقان على الكيان الأكبر، اللي إحنا الأربعة بندوب فيه، وشكل الأيام اللي جايه، وإمتى هنقدر تاني نروح المبنى ونكمل جولاتنا هناك، هل إسبوع، شهر، شهرين؟...
لا إسبوع ولا شهر ولا شهرين. اللي حصل إن جد "ولاء" وجدتها ظهروا بعد موت أمها بساعات بس، كانوا موجودين في الدفنة وفي العزا وقرروا ياخدوا "ولاء" تعيش معاهم.. غريب توقيت ظهورهم، أنا أصلًا مكنتش عارف إنهم عايشين وصحتهم كويسة، ليه ظهروا وقتها وفين كانوا مستخبيين السنين اللي فاتت كلها؟!
هم بالنسبة ل"ولاء" كانوا أغراب، إحنا مثلًا أكيد كنا أقرب ليها، إحنا اللي أهلها وبيوتنا هي بيتها وكانت هتبقى مرتاحة لو قعدت مع أي حد فينا ف بيته، وشها مكنش هيبقى مضلم كده، بس ده طبعًا مكنش واقعي، مينفعش حد من أهالينا يعمل عرض مشابه، لا الدين ولا الأصول بتقول كده، كفاية إننا في محافظة من محافظات الصعيد وقِدرنا نبقى صحاب لحد السن ده، الصداقة عندنا بين الولد والبنت حاجة مش معتادة وليها حدود، وكده كده "ولاء" شوية وكانت هتطلع من طور الطفولة وتبقى شابة، كام سنة بالكتير، بس أنا كنت ف عرض الكام سنة دول، كنت ف عرض كل لحظة زيادة في المرحلة اللي كان عندي يقين إنها أحسن مرحلة ف حياتي وإني عمري ما هبقى سعيد زي ما كنت سعيد معاهم، وكنت صح....
ده غير بقى إني كنت مرعوب لحبات السبحة تنفرط، تكون "ولاء" الأولى وبعدها الباقي يبعد لسبب أو لآخر تحت مسميات "المشغوليات" و"الدنيا" و"السبل المتفرقة"، عشان كده مستسلمتش بسهولة..
كنت بشجع "سامر" و"مهاب" نقعد مع "ولاء" ومنسيبهاش طول ما احنا في المدرسة، نحاول نهون عليها ونقف جنبها ونسألها عن حياتها الجديدة مع جدها وجدتها. كلام "ولاء" معانا كان قليل جدًا، إجاباتها مقتضبة وعينيها مكسورة، إحنا كنا رابطين ده بوفاة أمها، طبعًا الموضوع مكنش سهل أبدًا عليها، أي حد ف موقفها حالته كانت هتبقى صعبة، هي مكانش ليها غيرها، أمها كانت دنيتها كلها، وقلنا أكيد مع الوقت الكآبة والحزن هيقلوا، لكن ده محصلش...
"ولاء" كل مدى كانت بتزيد كآبة وعينيها كانت بتتكسر أكتر، معرفش ليه كان جوايا إحساس قوي إن في حاجة تانية غير موت أمها، حاجة مستجدة، ممكن جدًا المسألة ليها علاقة بعيشتها الجديدة، الله أعلم بطباع جدها وجدتها وباقي العيلة اللي كبرت من غير ما تتعرف أو تتعود عليهم، يمكن النقلة نفسها، التحول في نمط الحياة ، ده كافي يهد جبل...
شهور وشهور فضلنا نحاول، لكنها كانت بتعمل حدود وبتبقى جافة أكتر مع الوقت، بقى واضح إنها مش عايزه تتعامل معانا، عايزانا نسيبها ف حالها. مبقناش نقعد معاها أو نحاول نكلمها كل يوم، بقت أيام وأيام ومع الوقت طاقتنا قلت، تعبنا والمسافات بعدت ، مبقناش نحاول نتكلم معاها خالص، اتفقنا على إنها لما هي تبقى مستعدة وتيجي لحد فينا، الحد ده يبقى سند ليها ويسمع للشكوى بتاعتها مهما كانت مؤلمة وميملش، لكن دا برضه محصلش، "ولاء" متكلمتش مع أي حد وبقى واضح إن السيناريو ده مش هيحصل لا بعد فترة قليلة ولا بعد فترة كبيرة، مش هيحصل أبدًا، "ولاء" خلاص" مبقتش عايزه صداقتنا...
حتى لو مبقتش بتكلم معاها، الحالة اللي هي فيها كانت مأثرة على نفسيتي جدًا، مش عارف أركز ف حاجة، لا عارف أذاكر ولا أكل كويس ولا حتى ألعب، وياريت الأمور فضلت على حالها، في تحول تاني حصل ل"ولاء"، فجأة كده طريقة كلامها مع الناس وتصرفاتها وحتى مشيتها اختلفت، كلنا لمسنا التغيير ده، لكني برضه كنت رافض أصدق الكلام اللي بيتقال عليها، إن أخلاقها مبقتش تمام، بقى ليها علاقات مشبوهة بعدد كبير من الولاد في المدرسة وبراها كمان. معقولة، معقولة دي "ولاء"؟ رمز البراءة، المتربية أحسن تربية، ده يطلع منها، مش ممكن! لكن لو كدَبت الناس، هل أكدب عيني؟ فعلًا تصرفاتها للأسف كانت واضحة جدًا، والغريب إنها مع التحول والجرأة البشعة دي، كانت بتتفادانا إحنا بالذات، معانا عملت سد، مش مسموح لنا إننا نعديه، مش مسموح نتكلم أصلًا معاها.
كان في محاولات بائسة بعد كده إننا نرجع تاني لعادتنا، زيارة المستشفى المهجورة والقعدة هناك وقت طويل والكلام عن قصص مرعبة ومثيرة، كنا بنروح يوم ونفوت عشرة ومعظم الوقت لما كنا بنروح كنا بنقعد ساكتين. لحد اليوم إياه...
-"أبو تيج" فيها قصص تانية غير المستشفى المهجورة، العفاريت مش هنا وبس!
"مهاب" رمى جملته دي من غير ما يكمل وسابنا الفضول ياكلنا...
كمل بعد لحظات صمت:
-مبدئيًا كده، المستشفى دي في الغالب كانت لعلاج الأمراض العقلية أو على الأقل خصصوا قسم منها للنوع دا من العلاج. وزمان العلم مكنش متقدم في مجال الأمراض العقلية وكنا بنقتدي بدول الغرب في طرق العلاج، يعني مثلًا الاعتماد كان على الجلسات الكهربائية بشكل كبير وعلى عمليات ثقب الدماغ وده بيتم عن طريق فتح ثقب في الجمجمة باستخدام آلات حادة، والدكاترة كان بيزيلوا جزء صغير من الجمجمة عن طريق الثقب وكان ف اعتقادهم أن الإجراء دا بيخفف الصداع أو المرض العقلي. ومظنش أن مكان حصلت في الأهوال دي هيبقى ساكن، كل الألم والمعاناة اللي حصلت جواه لازم يبقى ليها أثر، أثر ميمشيش مهما فاتت سنين، خصوصًا إن محدش إهتم يشتري المبنى والأرض اللي شايلاه ويبني مكانها حاجة تانية، ويمكن ده بالذات السبب، اللي بيحصل في الطرقات والأركان بعد ما الليل يغيب هو اللي مخلي الناس خايفة تشتري أو حتى تستثمر في الخرابة دي. أنا بسمع إن الصويت بليل مش بيبطل ، بيفضل مستمر لحد تاني يوم الصبح وإن الأشباح لو لمحوا حد في المكان بيفتكروه دكتور من الدكاتره اللي كانت بتمارس عليهم الإجراءات السادية وبيعملوا فيه نفس اللي اتعمل فيهم، بيبقى هو اللي على سرير العمليات.
قلت باستهزاء:
=وإيه بقى القصص التانية اللي ف أبو تيج؟ إيه تاني غير المستشفى؟؟
-القصة اللي جنبها موضوع المستشفى ده ولا حاجة، مجرد دوشة في الخلفية، "النداهة"!
=النداهة؟
-أيوه، النداهة، النداهة اللي نشاطها موجود منذ الأزل ولسه مكمل، بل بالعكس كل مدى، كل لما تتغذى أكتر كل ما بتقوى وبتبقى شرسة ونشاطها بيزيد...
=وقصدك إيه بقى بنشاطها؟
-سحب الرجالة لقاع النيل.
=مش الترعة يعني؟
-ترعة إيه؟ وهتحتاج الترعة ف إيه، وهي عندها النيل العريض العميق، النيل الصافي بتاع أبو تيج، اللي وشه بيلمع زي الفضة في النهار وشايل تحتيه مقبرة ، جثث على جثث راكدة متكومة.
=تخيل بقى إن "النداهة" تطلع موجودة في المستشفى هنا، تنده اللي يسرح ويقعد لحد ما الشمس تغيب ، تغيبه عن الوعي وتثبته على السرير وتعمل له ثقب في الجمجمة؟
-أنت بتهزر يا "موسى"؟
=أيوه طبعًا لإنه موضوع كوميدي، لازم أهزر، نداهة إيه وبتاع إيه، النداهة دي مجرد إسطورة، محدش من اللي نعرفه سمع عنها أو اتأذى منها، وبالنسبة لموضوع المستشفى والجلسات الكهربائية والعمليات كل دي إشاعات، مش ممكن تكون حقيقة لإن دي ممارسات كانت موجودة ف أوروبا وأمريكا ويمكن دول تانية بس مش إحنا، أنت متأثر بالأفلام الأجنبي.
-طب ولو قولتلك أن النداهة مش بس موجودة عندنا، دي موجودة ف دول تانية كتير وشكلها بيتغير حسب البلد.
=إزاي بقى؟
-عندك في اليابان مثلًا "ذات الفم المشقوق" ، اللي هي أصلًا كانت واحدة ست جميلة جدًا وبسبب جمالها ده كانت مغرورة وسلوكها مش قد كده ، وكانت متجوزة واحد من الساموراي ، اللي هم من أهم فرق المحاربين ، على الناحية التانية بقى جوزها كان بيغير عليها بشكل مبالغ فيه، محوط عليها، قاطع عليها النور والميه، مش مسموحلها تكلم أي مخلوق، ولو حد بس بص ليها كان بيحس بإهانة كبيرة والدم يغلي ف عروقه. هو كان فاكر إنه بكده راجل حمش وإنه قادر يحافظ عليها ويفرض سيطرته، وهي قدامه كانت الملاك المطيع اللي مش بيشتكي ومن وراه عايشة حياتها، مكملة بنفس السلوك قبل ما تتجوزه، لحد ما أخيرًا إكتشف خيانتها ليه مع شاب صغير، فطلع سيفه ف لحظه وشق بوقها من الودن للودن التانية وصرخ وهو بيقول: "مين اللي هيشوفك حلوة دلوقتي؟" وبعدين قتلها. كان فاكر إن دي نهايتها، ميعرفش إنه صنع وحش هيروع البلد كلها لمئات السنين. "ذات الفم المشقوق" بتمشي هيمانة في الشوارع بليل، بالذات في الليالي اللي فيها ضباب، بتبقى لابسة قناع مغطي نص وشها التحتاني و معاها مقصين ضخمين، في كل إيد مقص، ولما تقابل راجل ماشي لوحده تسأله : "هو أنا جميلة؟" ، لو كانت الإجابة "لأ" بتشقه نصين ولو كانت "اه" بتشق بوقه من الودن اليمين للودن الشمال عشان يبقى شبهها، ويقال إن لو حد قابلها وعايز يهرب من أذاها لازم يدي إجابة مبهمة زي إنها مقبولة لا منها فاتنة ولا منها بشعة ، ساعتها بترتبك وبتحاول تترجم إجابته، في الوقت ده يجري وينفد بجلده...
وفي عندك "ميدوسا" شخصية في الأساطير الإغريقية، المفروض إنها كانت بنت عذراء بريئة جميلة جدًا وكل الرجالة كانوا بيتسابقوا على جوازها وبعد ما أثينا إكتشفت إن جوزها بوسيدون (المهيمن على البحر) دخل معاها في علاقة ، بمزاجها بقى غصب عنها مش فارقة قررت إنها تعاقبها ، تدفن جمالها وتحولها لكائن قبيح ، شعرها الكثيف الناعم الحيوي إتحول لتعابين ملتوية وحلدها بعد ما كان أبيض ناعم بيلمع بقى لونه أخضر ، وعينيها بعد ما كانت طيبة جذابة بقت حادة مليانة غل وحقد لدرجة إن اللي يبص فيهم بشكل مباشر يتحول لحجر ونمى جواها كره رهيب ناحية الرجالة برغم إن أثينا هي اللي لعنتها لكن ده كان بسببه، بسبب "بوسيدون"، اللي بيمثل أنانية الراجل وعدم إنتباهه لعواقب أفعاله...
وفي برضه "عيشة قنديشة"، دي موطنها المغرب، يقال إنها كانت أميرة عايشة أصلًا في الأندلس وف يوم دنيتها اتقلبت وأعمدة القصر اتهدت فوق دماغها، مش بالمعنى الحرفي، اللي حصل إن محاكم التفتيش طردتها من الحكم ومن الأندلس كلها وإتهجرت للمغرب وهناك بعد ما إستوعبت المأساة اللي حصلت والوضع اللي بقت فيه والعيشة الجديدة قررت تنتقم بطريقتها الخاصة ، بقت تستدرج الجنود البرتغاليين، تغريهم، تجرهم وراها على وعد بقضاء وقت ممتع، يفضلوا يمشوا معاها لحد خرابة وهناك المجاهدين يبقوا مستنيينهم ويقتلوهم. بعد ما ماتت إنتشرت القصص عنها، عن إنها لسه ليها وجود. الناس في المغرب على مر العصور قالوا إن في واحدة ست حلوة بتظهر في الأماكن المهجورة زي الطرق الفاضية والمقابر والآبار والمباني اللي شبه المبنى اللي إحنا فيه دلوقتي ، بتنده على الراجل من دول، تغويه وتستدرجه زي ما كانت بتعمل مع الجنود البرتغاليين لحد مكان معين بس بتتعامل معاهم بوحشية أكتر بما إنها بقت كيان مختلف مش بشر، بتتغذى عليهم كإنها حيوان مفترس أو مصاص دماء، مفيش حاجة ممكن توقفها غير النار وطبعًا هي بتستهدف الرجالة وبس، والراجل اللي يدرك بكينونتها، بإنها عيشة قنديشة بيحاول يتصرف بأي شكل عشان يولع نار ولو حتى في قطعة من لبسه، يخلع بقى الجاكت بتاعه ولا بلوزته ولا جلابيته ويولع فيها ، أي حاجة....
"بصراحة "مهاب" نجح في إنه يخوفني، لو دي كانت نيته.. ولاحظت إن الشمس بدأت تغيب والمكان فجأة بقى بالنسبة لي مرعب، كنت عايز أمشي ومش عايز الحديث ده يكمل، مش عايز أعرف أكتر...
"مهاب" واضح إنه خد باله إني إتهزيت والخوف كان باين ف عيني لإنه سكت وقرب مني أكتر وقال بضحكة لئيمة:
-إيه يا "موسى" مش عايزني أكمل؟ اتاخدت شوية؟
=لأ طبعًا، هي كل الحكاية إني شايف إن الكلام ده كله ملوش لازمة ومجرد أساطير ومع ذلك كمل يا سيدي، ورينا إيه تاني عندك.
أكيد مقتنعش بالأداء المزيف بتاعي وده بان من ابتسامته اللئيمة. وعشان كان متأكد إني خايف زيي زي "سامر". كمل كلامه ببطء شديد عشان القعدة تطول والليل يدخل علينا...
كمل وقال:
-وفي النهاية عندنا النداهة ، فيما يتعلق بالنداهة مفيش تفاصيل كتير عن قصتها قبل ما تتحول لمصدر الرعب اللي بيطير النوم من عين الفلاحين ، يقال إنها كانت ست جميلة جدًا لقوها مقتولة في فجر يوم ما، وفضلت هوية القاتل مجهولة، مين بقى الست دي وإيه تاريخها، مفيش أي مصادر. المهم إن موتها شكل مرحلة جديدة تمامًا، مرحلة مستمرة لحد النهارده. عادة الخطر بيبقى عند المصبات أو الترع بعد غياب الشمس، في الأرياف والنجوع والقرى. وبما إن اللي قتلها راجل فهي بتستهدف الرجالة. أول ما الراجل من دول يوصل للمكان اللي فيه النداهة بتظهر في صورة ست فاتنة، في الغالب نفس الشكل اللي كانت عليه وهي عايشة، تبدأ تتكلم، هي كلمة واحدة بس اللي بتخرج منها، كلمة تفضل ترددها، إسم الراجل اللي معاها، بالطريقة دي بتعمل له حاجة زي التنويم المغناطيسي، كل الحواس بتاعته بتبقى مشلولة وأكترها الإدراك ، بينفصل تمامًا عن الواقع اللي برا المكان اللي فيه وبراها، وبعد ما تدرك إنها نجحت في التأثير عليه وخلاص حبسته في العالم بتاعها وشها الحقيقي بيظهر ، وش شيطان بالمعنى الحرفي، بشع ، بصة منه تكفي تغير حياتك للأبد، داه لو على فرض إنك هتعيش أصلًا. اللي هيحصل بعد كده للراجل اللي ندهته النداهة حاجة من 3 ، يأما هيموت ف وقتها ، أو يتجن، يفضل مسحول في العالم بتاعها، في دماغه بس هيبفى صوتها اللي بيردد إسمه ومش هيعرف يرجع للعالم الحقيقي بتاعه ولا يدرك أي حاجة بتحصل حواليه، أو يحصل له زي لوثة، ميتجننش بالكامل بس تجيله هلاوس من وقت للتاني وتفضل معاه لحد آخر عمره، الناس تلاقيه بيتكلم مع نفسه أو مع حد مش موجود ويمشي بدون وعي للأماكن الزراعية أو عند الترع ، حسب المكان اللي اتنده فيه.
والطريقة اللي الواحد ممكن ينجو بيها لو سمعها أو شافها هو إنه يذكر الله كتير ويرش الملح عليها، معرفش إزاي هيكون شايل ملح، لكن أهو، على فرض مثلًا إن الموضوع منتشر وإن الرجالة بتمشي عاملة حسابها وشايلين معاهم ملح، زائد إنه ميبصش أبدًا لوشها، يقاوم تأثير التنويم المغناطيسي و يتجاهلها تمامًا، ميردش عليها.
"سامر" قال أول لما "مهاب" خلص:
-خلاص خلصت؟
-مستعجل ليه يا "سامر"؟ دي أول مرة نقعد بعد ما الشمس تغيب، الجو مختلف تمامًا عن النهار، تحس الدنيا غير الدنيا، المستشفى مختلفة، كإنها مكان تاني غير اللي متعودين عليه. بذمتك معندكش فضول تقعد أكتر لحد ما الدنيا تبقى عتمة تمامًا؟
-لأ معنديش فضول.
في أصوات مزعجة بدأت تظهر، نعيق غراب، الغريبة إني لما بصيت على المصدر عيني جت على غراب واحد وف ثانية عدد كبير من الغربان ظهروا والنعيق المزعج بقى أضعاف أضعاف. اللي أعرفه إن الغربان عندهم حس قوي تجاه البشر، وبيصنفوهم ما بين بشر طيبين وبشر خبيثين وإنهم بيظهروا لما يبقى في جثث عشان ياكلوهم، وكل اللي جه ف بالي وأنا بشوف الأعداد الضخمة اللي قدامي والأعداد اللي لسه كانت بتزحف على المكان إنهم شامين أو حاسين بوجود أموات ومصدر ما للشر ودهسبب ظهورهم المفاجيء بالكم ده.
-هاه يا "موسى" لسه مش شايف أن النداهة حقيقية؟ معقول صدفة إنها ظهرت في كل الدول اللي حكتلك عنها وكمان بصفات وتفاصيل مشتركة؟ زي إنها ست جميلة جدًا وإنها اتقتلت بطريقة أو أخرى وطريقة القتل كانت غدر؟ وإنها رجعت تاني في شكل شيطان بتستهدف الرجالة وبتغويهم؟
=تمام يا "مهاب" ماشي، النداهة موجودة وبتنده الرجالة وبتنومهم مغناطيسيًا وقدرنا المحتم إننا نقع ف إيديها وكلنا هنبقى ضحاياها وعشان مفيش ترعة هتغرقنا في النيل. يالا بقى عشان زمان أهالينا مبلغين الشرطة وعاملين فرق عشان يدوروا علينا وهنتظبط لما نرجع.
لكم أن تتخيلوا إن الكلام ده كله طالع من طفل في إعدادي، ومش بس طريقة كلامه، لأ ده كمان إجتهاده وتجميعه للمعلومات والربط ما بين الثقافات والقصص وطريقة عرضه ليها. هو ده "مهاب".. "مهاب" مكانش مثقف بالمعنى الدارج للكلمة، يعني هو مش بيحب يقرا ويعرف معلومات عشان ده شغفه ، الموضوع بالنسبة ليه كان شو، كان بيجمع معلومات بالقدر الكافي اللي يخدم وجهة نظره ومصلحته وفي النهاية يعرضها بإسلوبه الجذاب ويستنى رد الفعل، وكان بيعمل خدعة كده وهو إنه يجيب شوية حقايق ويخلطها بهجص وتحابيش من عنده وبعدين يصدرها للمتلقي، في صورة حكاية بقى أو مثلًا نص في مجلة المدرسة أو غيره، وموهبته دي بدأت تكبر يوم عن يوم وبقى واضح جدًا الاتجاه اللي "مهاب" رايح ليه وهدفه، "مهاب" كان عايز يبقى صحفي وطول الوقت بيتدرب علينا وعلى كل معارفه.
وهو كان تاني طوبة تتهد في البناء بتاعنا، الصداقة اللي جمعت ما بيننا. شوية شوية بِعد وأخد جنب مني أنا و"سامر"، حُبه لنفسه والمساحة بتاعته مبقتش تسيع أصحاب أو حد غالي، حتى أنا أو "سامر".. بقى يتصرف كإنه إعلامي كبير، بيحط نفسه في الفورمة قبل ما يوصل للي عايزه وهي كانت مسألة وقت، كنا متأكدين أنه هيوصل، هيحقق كل اللي ف باله...
على آخر سنة في ثانوي رسميًا مبقاش فيه غيري أنا و"سامر"، إحنا بس اللي صحاب ولسه بنحرص إننا نشوف بعض مهما كانت مشغولياتنا. مبقناش نروح المستشفى المهجورة، طبعًا عشان كبرنا على الكلام ده وتخطينا المرحلة إياها بقصصها ومغامراتها والبراءة بتاعتها، لكن اللي "سامر" ميعرفوش إني كنت لسه بروح لوحدي من وقت للتاني. بقعد بالساعات أسرح في الذي مضى، في تجمعاتنا، في ضحكة "ولاء" قبل ما تتطفي، في تحمس "مهاب" وهو بيستعرض قصصه وبيحور علينا وبيحاول يرعبنا، في إنبهار "سامر" بكل واحد فينا وإنعكاسنا في عيونه كإننا أبطال خارقين في فيلم ما ، كإن مفيش زينا، فيا وف عشمي وأملي إن صداقتنا تفضل مستمرة طول العمر، لحد ما آخر واحد فينا يموت. وبصراحة لما الوقت كان بيجري مني ومحسش بيه وألاقي الشمس بتتكسر كان بيجيلي رعشة، برغم إرتياحي للمكان لكن كنت بحس بأجواء مختلفة، خصوصًا لما بفتكر المرة إياها، لما "مهاب" حكلنا عن العمليات اللي كانت بتحصل هناك لأصحاب الأمراض العقلية وأشباحهم اللي بتصطاد الناس وتحطهم على سرير العمليات وتخرم الجمجمة بتاعتهم و إسطورة النداهة في أشكالها المختلفة ومنظر أسراب الغربان اللي جم بعد ما الليل بدأ يزحف.
لكني في النهاية استسلمت، بعد ما دخلت الجامعة وبدأت دوامة الحياة والمسؤوليات نسيت موضوع المستشفى، مبقتش أروح، هجرت المكان بتاعنا زي ما هم هجروه قبليا.
مكناش محتاجين سبب يخلينا صحاب، حتى لو مفيش مصالح أو مناسبات تجمعنا، أنا و"سامر" مكناش هنبعد عن بعض لكن اتخلقت الظروف اللي تخلينا فعلًا منفترقش، أنا إتوليت إدارة سلسلة محلات الأجهزة الكهربائية في أبو تيج بعد ما تخرجت من الجامعة وعينت "سامر" مشرف في أكبر فرع فيهم، مكنش في حد أقدر ائتمنه أكتر منه، وبكداه حرفيًا بقينا يا نشوف بعض يا نتكلم كل يوم، على الناحية التانية "مهاب" سافر على القاهرة من ساعة ما دخل الجامعة، عشان درس هناك وبعد كده انطلق في كاريير الصحافة ونقل حياته كلها هناك وإنقطعت أخباره تمامًا. و"ولاء" قصتنا معاها إنتهت من أيام إعدادي وللأسف مبسمعش عنها خير أبدًا، سلوكها كل مدى بينحرف لدرجة إنها إتمكست في قضية آداب واتحكم عليها بسنة سجن.
الحياة بشكل عام كانت هادية في أبو تيج، يمكن بشكل مبالغ فيه، الأيام كلها شبه بعضها، اللي بنبات فيه بنصبح فيه، نفس الوشوش اللي بنشوفها والكلام، حتى السلام، نفس الجمل بتتقال، لحد ما ف يوم الوشوش إختلفت، في وش مبقاش موجود، الأستاذ "طه"...
"طه" نزل في نفس المعاد بتاع كل يوم، الساعة 6 صباحًا، وبما إننا كنا في شهر يناير، فالدنيا وقتها كانت عتمة، لكن كان لازم يلتزم بمواعيده. وزي ما كان ملتزم بالمواعيد كان ملتزم بوعوده، مثال للشخص المنضبط، تقريبًا كان أشهر محامي عندنا.
"طه" اتأخر ، مرجعش لحد ما الليل خيم، تأخره ف حد ذاته عادي، وارد يكون استقبل كذا عميل أو عميل واحد بقضية كبيرة أو يكون راح المحكمة، لكن اللي مش عادي إنه يفضل طول اليوم ميردش على مكالمات مراته وولاده ولا على رسايلهم. ويعدي نص الليل وهو لسه لا حس ولا خبر وبنته تروح الشرطة تبلغ عن اختفاءه...
الشرطة ماخدتش وقت، لقوا عربيته علطول، مركونة قرب النيل، ولقوا موبايله جواها وملفات تبع شغله، كل حاجة موجودة إلا "طه" نفسه!
في سيناريو قاتم كان مطروح على الطرابيزة لو متمش العثور على "طه"، يعني لو طه مهربش أو مزيفش موته يبقى أكيد مات وجثته موجودة في مكان واحد ، هو قاع النيل. وبما إن "طه" متكلمش مع حد على وجود تهديد، على حد علمه، وسجله نضيف ومفيش حد يقدر يمسك عليه ذلة أو يبتزه، يبقى مفيش غير السيناريو القاتم، بشكل ما جثة "طه" إنتهت في قاع النيل.
كل الحقايق دي عن "طه" النيابة استنتجتها من التحقيقات وإستجواب قرايب ومعارف "طه" مع إن الشرطة والنيابة كانوا في الغالب عارفين الأجوبة قبل ما تتم الاستجوابات لإن السكان يعرفوا بعض كويس وأغلب الظباط يعرفوا "طه" وكان مستبعد يكون زيف موته أو هرب لإن مفيش سبب يخليه يعمل كده.
وبرضه نتايج البحث عن الجثة في النيل كانت معروفة مسبقًا، مستحيل يلاقوا الجثة لإن التيار كان جامد والجثة الله أعلم بمصيرها والموقع اللي انتهت فيه.
وبكده عرفنا إن الأستاذ "طه" غرق بطريقة ما في النيل وإن جثته مفقودة، السؤال بقى إزاي "طه" غرق. هل إتوجه لهناك وركن عربيته ونزل منها ومشي لحد الشط ورمى نفسه، قرر ينهي حياته لسبب محدش عارفه؟ ولا في سيناريو تاني، في حد قتل "طه" وإتخلص من الجثة في النيل؟
بجانب الحزن اللي كنا فيه كلنا، انتشرت حالة من الرعب أيًا كان اللي حصل، سواء انتحر أو إتقتل، وده لإن "طه" كان دايمًا بشوش واللي يبان إن مفيش أي حاجة مسبباله اكتئاب، يعني لو فعلًا انتحر يبقى مفيش حاجة زي ما بتبان أبدًا وحقيقي البيوت أسرار ولو اتقتل بقى....
مكنش في كلام في أبو تيج غير عن "طه حمدي" وطبعًا طلعت مليون نظرية من أدمغة ألماظات ، الله أعلم بمصدرها...وكان صعب حد يصدق إن حادثة زي دي في بلد راكدة زي عندنا كام يوم وتتنسي. أيوه هو ده فعلًا اللي حصل، الناس رجعت لمشاغلها وأحوالها وشوية شوية الكلام شبه انعدم عن موت "طه" الغامض لحد ما حصلت حاجة فكرتنا....
الاختفاء التاني، "لطفي"، واحد من العاملين عندي في فرع من الفروع. "لطفي" مجاش الشغل في المعاد ودي عادته مش حاجة غريبة، الغريب إنه يتأخر أكتر من ساعة وإن مدير الفرع ده لما يكلمه يلاقي موبايله مقفول ، والأغرب على الإطلاق إنه لما يكلم أخوه يعرف منه إنه نزل من حبه حلوين والمفروض يكون وصل من وقت.
واختفاءه طول لدرجة إن أهله إتوجهوا للقسم وعملوا محضر وعملية البحث بدأت....
"لطفي" اختفى تمامًا، ملوش أثر في أي مكان ف أبو تيج وكان هبفضل مصيره مجهول لولا إن في حد لقى محفظة فيها بطاقة بإسمه وبلغ البوليس. المحفظة كانت قرب النيل، في موقع مختلف عن الموقع اللي كانت عربية "طه" مركونة فيه..
وبرضه برغم البحث ملاقوش جثة "لطفي". برغم كده أغلب الظن إن "لطفي" مات وانتهى في النيل زيه زي "طه" عشان موضوع المحفظة اللي قرب النيل وموبايله المقفول وإن برضه مفيش سبب يخليه يهرب أو يزيف موته وفقًا لأقوال معارفه وأنا من ضمنهم. "لطفى" اشتغل عندنا من وقت ما أنا كنت لسه بدرس، والدي اللي عينه، كان شخص غلبان، جدع في الشغل ومش بيشتكي وعقله خفيف شوية، عشان كده كنا بنعدي حكاية التأخير في مواعيده الصبح وأنا متأكد زيي زي أهله وأصحابه إنه مهربش، "لطفي" مش ممكن يكون عمل حاجة يهرب منها، طول عمره ماشي جنب الحيط.
ومن هنا بدأت أقلق بجد....
مين ده اللي طايح في أبو تيج واتجرأ وقتل اتنين من أهالينا وليه؟ السكان هنا كلهم مسالمين وعلاقتهم حلوة ببعض وحرفيًا زي ما بنسمع عن زمان، الأبواب مش محتاجة تتقفل بمفاتيح وأقفال، بس أظن الناس غيرت رأيها بعد الواقعتين، الأبواب بقت تتقفل والناس بقت تتلفت والكل بقى حذر...
دوريات الشرطة مشطت أبو تيج كلها كل يوم، بالذات بليل وفي الساعات الأولى للصبح وركزوا على المواقع القريبة من النيل، ومكنش في أي حد أو أي حركة تثير الشبهة. الدنيا رجعت ساكنة، محدش تاني إختفى لفترة والشرطة استنتجت زينا إن "طه" و"لطفي" كان ليهم عداوات منعرفش عنها حاجة.
مكنتش عارف أتخطى موت "لطفي" أو اختفاؤه بسهولة، ومع ذلك عجلة الحياة كانت لازم تمشي. عملنا يوم واحد حداد والمحلات ال3 اتقفلوا وتاني يوم رجعوا اشتغلوا تاني. والروتين استمر على ما هو عليه لإسبوعين.
قمت في يوم وقررت أعمل حركة جريئة كنت بعملها من وقت للتاني وهو إني أعدي على ال3 محلات من غير ما أبلغ المديرين هناك باستثناء "سامر" طبعًا، عشان أشوف الدنيا ماشية إزاي، البياعين بيتعاملوا مع الزباين كويس، مفيش مشاكل بين العاملين، شوية حاجات من دي.
عديت على الفرع اللي فيه "سامر" الأول وبعدين انطلقت على المحل التاني...
كل اللي فاكره الوشوش اللي استقبلتني أول ما دخلت وبعدين ضلمة... اللقطة اللي بعدها حيطان باهتة وسراير قريبة من بعضها وناس كتير ماشية، بالطوهات بيضا وأزياء موحدة ما بين اللبني والرمادي، كنت ف مستشفى!
لقيت اللي بتميل عليا، ممرضة بتسألني إذا كنت كويس، وشها كان مألوف، دي كانت "ولاء"! وجنبها وش تاني برضه مألوف، وش مشفتوش من سنين، "مهاب"! إيه اللي بيحصل؟ بحلم؟ ولا مت وده البرزخ مثلًا، إزاي اتنين شبه ماتوا واتدفنوا يرجعوا أحياء ويتجمعوا مع بعض؟؟
لساني إتلجم جوه بوقي، مردتش عليها ولا وجهتله كلام، حواجبي إتعقدوا وعيني زاغت ما بين الاتنين..
"ولاء" قالت:
-أنا عارفه إن ده كتير عليك، أنا هفهمك. أنت جاتلك نوبة سكر ومكنش معاك الأنسولين فالعاملين في المحل عندك نقلوك هنا، والحمد لله إن المستشفى جنب المحل علطول، إدينالك الأنسولين وهتبقى زي الفل.
قلت بصوت ضعيف:
=إنتي بتشتغلي هنا؟
-اه.. من حبه يعني، الحمد لله، قلت جه الوقت إني أفوق وأشوف حالي، مش هفضل من غير شغل طول العمر.
وقصدها بكده طبعًا مش هتفضل تشتغل الشغلانة المشينة اللي كانت بتشتغلها طول العمر..
بعدها سألت "مهاب":
=إنت هنا؟
-أيوه يا سيدي أنا هنا، أنت مش بتخرف ولا حاجة، أنا رجعت أبو تيج.
=إزاي؟..
قاطعني وقال:
-ما هو أنا عديت على المحلات بتوعك وكانت آخر محطة المحل اللي اتنقلت منه لهنا. لما روحت اسأل عليك قالولي إنك تعبت ونقلوك المستشفى وأديني جيت. أنت من إمتى وأنت مخستع كده، ما أنا سايبك زي الفل، جالك السكر إمتى؟
برغم الوعكة الصحية بس المود بتاعي كان حلو يوميها عشان شفت "ولاء" بتاعة زمان، شفتها بتبتسم وتتكلم وحياتها بتستقر وبتبعد عن الحرام. مقدرش أقول نفس الكلام عن "مهاب". مكنتش متطمن لمجيته وحاسس إن في سبب وراها.
مقعدناش في المستشفى بعدها. قومنا علطول وروحنا بيتي. بعد ما اتغدينا ، سألته سؤال صريح عن سبب رجوعه لأبو تيج.
قال:
-النداهة!
=نعم؟
-النداهة يا "موسى"، نشاطها الفترة دي زايد.
=نداهة إيه؟
-اللي بتنده الرجالة وتسحبهم لقاع النيل.
=إحنا رجعنا للكلام ده تاني؟ ده كلام عيال يا "مهاب".
-لأ، ده مش كلام، ومش كلامي أنا، الناس هنا فعلًا بدأت تتكلم عنها ، بيقولوا إنها هي اللي سحبت الرجالة اللي ماتوا الفترة الأخيرة في النيل.
=طب وإنت إيه دورك؟
-شغلي يا "موسى"، أنا بتتبع القصة.
أكيد، مكنش هيرجع "مهاب" غير سبق صحفي وإلا مكناش شفنا وشه لباقي العمر. الغريبة إنه كان عارف الكلام اللي بيدور في أبو تيج وأنا مكنش عندي فكرة. هي دي موهبته طول عمره وأكيد إتطورت مع الوقت، أكيد ليه عيون في كل مكان بتنقل ليه أي حدث مثير..
أنا طبعًا مكنتش مقتنع باللي بيقوله، نداهة إيه وبتاع إيه، وفضلت كده مش مقتنع لحد ما "مهاب" نفسه إختفى!
في يوم لقيت مكالمة فائتة منه، رجعت كلمته لكن مكنش بيرد ، كلمته تاني في وقت مختلف مردش.. علطول إتوغوشت، أصل مش منطقي يكلمني وبعدين ميردش عليا. عديت على بيت أهله، قالوا إنه نزل من الصبح بدري ولسه مرجعش وهم حاولوا يكلموه ومكنش بيرد.
في العادي كان ممكن نستنى شوية، نفترض إنه اتشغل في أي حاجة والغايب حجته معاه، لكن مع اللي حصل من أسابيع كان لازم يبقى في تحرك سريع، عشان كده بلغنا عن اختفاؤه وبدأت عملية البحث...
المرة دي كنت مع الشرطة، بتتبعهم في كل مكان يروحوه، قلبي كان بينبض بسرعة، أطرافي بتترعش، مش عارف إيه الأحسن، إننا منلقيهوش ولا نلاقيه جثة هامدة.. روحنا الأماكن اللي قريبة من النيل، التفتيش كان دقيق جدًا وإستغرق كتير، لحد ما وصلنا لموقع معين...
لقينا موبايل "مهاب" و"مهاب" مش موجود!
الموضوع مكنش عايز حد فذ عشان يفهم اللي حصل، "مهاب" هو الضحية التالتة لل"نداهة"، وجثته في الأغلب كانت في قاع النيل ومصيرها زي مصير الجثث التانية بسبب التيار، مش هنلاقيه....
ملحقتش أفوق، تاني يوم أخو مراتي إختفى هو كمان.. الموضوع بقى جنوني وقريب، قريب جدًا. الرجالة بتتسحب واحد ورا التاني ويمكن الدور جي عليا وأبو تيج رجالتها هتنقرض..
كان لازم أواجه الحقايق وأعترف بوجود "النداهة"، لكن اللي كان هيجنني، ليه دلوقتي وليه كل دول ورا بعض؟ هل النداهة توحشت، قررت مش بس تصطاد لكن تبيد الرجالة كلهم؟ وإزاي نبقى ف أمان؟ هل نتجنب النيل وكل الأماكن القريبة منه ولا مفيش مكان آمن؟
تصرفاتنا كلنا إختلفت، حتى اللي مش عايز يعترف بموضوع النداهة تلقائيًا بقى حذر أكتر. يعني مثلًا مبقناش كرجالة نهوب قرب النيل، ولو اضطرينا مش بنبقى لوحدنا واللي لوحده بيجري من الأماكن اللي بتطل عليه. أنا عن نفسي قللت من خروجي من البيت وبقيت أتابع أخبار المحلات بالتليفون على قد ما أقدر والحقيقة مكنش عندي فكرة الوضع هيستمر بالشكل ده لحد إمتى...
كنت متخيل أن الرعب مستنيني بره البيت، في الأماكن المقطوعة الهادية قرب النيل، مكنتش متخيل أن الرعب هييجيلي لعتبة بيتي...
مراتي وإبني كانوا نايميين، كنا بعد نص الليل. سمعت خبطة خفيفة على باب الشقة... قمت من السرير ، ملبستش حاجة ف رجلي، مكنتش عايز أصدر أي صوت...
كان بيتهيألي، ده اللي جه ف بالي، لإن مكنش فيه خبطات تانية، لكن لما قربت من الباب سمعت همس، إسمي!
إسمي كان بيتقال بهمس من ورا الباب، "موسى"...."موسى"....
من كتر الخوف مقدرتش أتحرك، فضلت لازق في الباب وبعدين سمعت:
-إفتح يا "موسى"، إفتحلي...
لما ركزت لقيت الصوت مش غريب عليا، مكنش صوت ست، ده راجل أنا عارفه، لكن مستحيل، مستحيل يكون هو... برغب الرعب اللي كنت فيه إلا إني فتحت الباب عشان اتأكد بنفسي.... كان "مهاب"!
حالته كانت بشعة، هدومه متربة ومش عارف يقف على حيله وعينيه زايغة.. كان بيخرف. عمال يقول:
-النداهة...النداهة!
أصريت إني أخده المستشفى عشان نتأكد إنه كويس. مكنش راضي في الأول بس مع إصراري إستسلم.
دخلت بيه المستشفى ودورت على "ولاء" وطلبت منها يتعمله كشف عام، عشان نتأكد إنه معندوش جروح أو نزيف داخلي..
جسديًا "مهاب" كان كويس، بس مكنش متزن أبدًا. كان مرعوب، كإن في حاجة بتجري وراه، ثبتناه بالعافية على السرير أنا و "ولاء"...
قعدنا جنبه. وبعد ما هدي "ولاء" سألته:
-حصل لك إيه يا "مهاب"؟ كنت فين؟
-النداهة، النداهة.
سكتت وبصتلي وبعدين رجعت بصت ل"مهاب" وكملت كلامها:
-أنت مدرك إنك مختفي من 48 ساعة، حصل لك إيه، روحت فين؟
-النداهة ندهتني...
-إزاي؟
-نزلت أتمشى على النيل الصبح وسمعت ، سمعت إسمي، كنت زي اللي تحت تأثير مخدر، بقيت أمشي من غير وعي لمصدر الصوت..
كنت لسه هتكلم لكن "ولاء" سبقتني، كان فضولها أكبر من فضولي. سألته:
-شفتها؟ شفت النداهة؟
حرك راسه بالإيجاب وهو مغمض عينه. بعدين قال:
-ست، حلوة أوي، مشفتش ف جمالها، بس أول ما قربت منها إتحولت، شفت ملامح بشعة مش بتاعة بني آدم، شيطان، واللقطة اللي بعدها كنت قدام باب "موسى" وبخبط عليه، نسيت كل حاجة حصلت في اليومين اللي فاتوا.
-وإشمعنى أنت؟
مفهمتش سؤال "ولاء"، قصدها إيه ب"إشمعنى"...بعدها قالت:
-إشمعنى أنت اللي النداهة مغرقتكش، إشمعنى أنت اللي رجعت يا "مهاب"؟
سؤال وجيه لكن مظنش "مهاب" كان عنده الإجابة، اللي أعرفه عن النداهة إنها مش شرط تموت الضحية ، ممكن تعمل فيه زي ما عملت في "مهاب"، تخلي برج من عقله يطير ويفضل متلبش من سيرتها طول عمره..
برغم الكابوس اللي كنت عايشه، بس على الأقل اتطمنت على "مهاب"، "مهاب" عايش مماتش وكان عندي أمل أن دي سحابة وهتعدي برغم الحزن اللي خيم على البلد وعلى بيتي بالذات عشان أخو مراتي...
اللي حصل اليوم اللي بعديه مش بس قلب الأحداث والحقايق ده قلب حياتي كلها...
صحيت على تليفون من القسم. الشرطة لقت جثة "لطفي". الجثة طفت على وش الميه واتسحبت للشط.
روحت المشرحة مع أهله واتأكدنا إنها جثته والملاحظات اللي قالها الدكتور اللي بيشرح كانت صادمة، قعدت وقت عشان إستوعبها...
بعد ما خرجت من المشرحة كلمت "مهاب" فورًا، مردش عليا. روحت لحد بيت أهله وملقتهوش، تاني، إختفى تاني! لكن المرة دي أنا كنت متأكد إنه هيموت لو ملحقتوش..
المكان اللي جه ف بالي هو مكاننا القديم، المستشفى المهجورة، كنت شبه متأكد إنه هناك...
من كتر التوتر اسأت التصرف، روحت لوحدي من غير ما أبلغ حد...
المكان مبقاش مريح، هل كان كده طول الوقت وأنا بس اللي كنت حاسه مريح زمان بسبب الذكريات وإرتباطه بصداقتنا؟ ولا كان مريح ومبقاش؟ معرفش، المهم إنه ساعتها بالنسبة لي كان مرعب جدًا، كنت قادر أسمع صوت ضفادع بوضوح والغربان إتجمعت بأعداد كبيرة أول ما وصلت ، وكنت سامع تزييق جي من المستشفى نفسها، من طرقاتها..
في ثواني جريت من الجنينة للمبنى.. وفضلت أجري في الطرقات، طرقة الدور الأولاني والأوض وطرقة التاني وأخيرًا التالت....
كانت واقفة هناك ، ماسكة كرسي قاعد عليه "مهاب"، فاقد الوعي....
=إنتي يا "ولاء"، إنتي النداهة!
-أنت مدرك إن صاحبك كداب؟
=أيوه، عرفت إنه كداب، جثة "لطفي" طفت النهارده وشرحوها، لقوا أثر لحقنة ومواد موجودة ف جسمه، مواد لما تتمزج مع بعض بتبقى قاتلة، زي بالظبط حقنة الإعدام، ودي الطريقة اللي موتيهم بيها. عرفت إنه كداب عشان مسمعش إسمه ومشفش كائن إسطوري، عمل الشو بتاعه عشان القصة، القصة اللي هينشرها، إستغل جرايم القتل والإشاعة والكلام عن النداهة وحب يبقى بطل، فكر "ليه أكتب عن ضحايا النداهة لما ممكن أكون منهم وأنا أبقى بطل القصة ، الوحيد اللي رجع عشان يحكي عنها". عادي، ده "مهاب"، المفاجأة بقى هو إنتي، أول ما عرفت موضوع الحقنة والمواد القاتلة ربطت الجرايم بيكي، عشان كنتي مهتمة أوي ومستغربة لما "مهاب" جه المستشفى، كنتي عارفه إنه كداب عشان كده سألتيه إذا كان شاف النداهة، مش ممكن يكون شافها ولا تكون ندهته، عشان إنتي النداهة، ده غير إنك تقدري توصلي للحقن والأدوية من غير ما حد يحس بيكي.. الدور عليا بقى، عايز أفهم، ليه عملتي كده؟
-تعرف إيه اللي حصل لي بعد موت ماما، لما اتنقلت لبيت جدي وجدتي؟ مبدئيًا كده من أول يوم عرفوني إيه سبب مقاطعتهم ليها، أمي هربت مع أبويا واتجوزا عشان جدودي مكنوش راضيين، وطبعًا دي وصمة عار، هي كده فضحتهم ونزلت من نظر كل الناس، وبقوا كل شوية يفكروني ويقولوا إني شبهها بالظبط في الشكل وأكيد سلوكي هيبقى زيها، شتموني بأبشع الألفاظ ، إتهموني إني ماشية على حل شعري وهجيبلهم العار، حبسوني وضربوني وأهانوني، كانوا بيقولوا إن أحسن حاجة حصلت في حياتهم إن أمي ماتت، وأكتر حاجة راعباهم هي اللحظة اللي هتيجي لا محال، لما اغلط وامشي مع الرجالة وأجيبلهم العار زيها.. لدرجة إن لما صاحب جدي اعتدى عليا بالقوة وقت ما مكنوش في البيت، لاموني أنا وضربوني علقة موت، وموجهوش ليه أي لوم! طبعًا كان لازم يعتدي عليا ، ما هو جدي مكنش مبطل كلام زبالة عني، مع إني كنت زي القطنة البيضا، عنوان للبراءة والأخلاق العالية.. حملت وسقطت الطفل وبعدها بدأت المسيرة اللي اتنبأوا بيها ليها، انحرفت واللي توقعوه لاقوه ..كل يوم كان كرهي وغلي للرجالة بيزيد، شايفاهم كلهم وحوش زي جدي وصاحبه، كانت عندي تخيل كده، عن عالم خالي من الرجالة، عالم أحس فيه بالأمان، وبعد ما اتقبلت كممرضة في المستشفى وبقى عندي إمكانية وصول للحقن والأدوية كإن طاقة القدر إتفتحتلي... بدأت أحقق حلمي..كنت بستنى جنب النيل ولما ألاقي راجل معدي لوحده بوقفه، لو سايق بقف على مساف قدام العربية لحد ما يقف وأفضل أعيط، ينزل يشوف فيا إيه وف لحظة أرفع إيدي بالحقنة وأغرزها فيه ولو ماشي على رجله نفس الحكاية، أفضل أصرخ وأعيط ولما يقرب مني كفاية أعمل نفس الحركة وبعدين أزق جثثهم وأرميها في النيل...بس تعرف، النداهة أهي مش إسطورة ولا حاجة، في ست جميلة بتتقلب وحش بسبب وحشية البشر وطاقة الحب بتتحول لطاقة مدمرة ورغبة في تحويل كل أخضر لصحرا ناشفة ميتة..
=مهاب ماله يا "ولاء" عملتي في إيه؟
-لا متقلقش، مهاب متخدر..
=بلاش تأذي نفسك أكتر من كده، متقتليهوش، كفاية التهم اللي عليكي..
-اه صحيح، أنت مبلغتش الشرطة، تعرف ليه يا "موسى"؟ عشان كان جواك رغبة إني أهرب، أنت عايز تنقذني، هو ده أنت يا "موسى"، أنت الاستثناء للقاعدة، طول عمرك الصاحب المخلص، الراجل الحنون الطيب اللي بيتقي الله، بعكس الحثالة ده، اللي جه لحد بابك وروعك عشان يكدب عليك ويِسبك الدور وجه يكدب عليا ف وشي ويخلق قصة عن نداهة ندهته، كله عشان قلمه، يبيع الكل عشان قلمه...
كان عندي إحساس قوي باللي ناوية تعمله.. صرخت فيها:
=لأ يا ولاء ، لأ!
اتحركت بسرعة لكن حركتها كانت أسرع، طلعت حقنة تانية وغرزتها في رقبة "مهاب"، الحقنة القاتلة، قتلته!
لقيت نفسي بزقها ، برميها من الدور التالت، كان جوايا غضب رهيب، على قد ما كنت متعاطف معاها على قد ما كرهتها.. قتلت صاحبي قدامي حتى لو أنا مكنتش صاحبه أو غالي عليه، وقتلت ناس أعرفهم وعاشرتهم، ناس مكنتش تستحق، إتعاقبوا على حاجة معملوهاش...
راقبت جسمها وهو بيخبط في الأرض والدم بيخرج من بوقها وعنيها بتوسع للآخر...
الشرطة وصلت بعد شوية.. فضلت واقف براقبهم وهم بينقلوا الجثث. وبيحطوا شريطة صفرا على ساحات الجريمة وقبل ما أمشي لمحت حاجة من بعيد في طرقة من الطرقات.. راجل وست شعرهم منكوش ولبسهم مقطع وقذر، كانوا بيمشوا وهم بيجروا رجليهم ومعاهم أدوات كده شبه الشنيور، أدوات كافية تعمل ثقب في الجمجمة.....
"تمت"
#مستشفى_أبو_تيج
#ياسمين_رحمي