بعد التحاليل بيوم جتلي نتيجة التحريات عن "عز"، "عز" أصلًا متخصص في الكيميا الحيوية، ليه أبحاث في مجلات علمية عالمية، عبقري، وبسبب عبقريته واجتهاده، في جهة علمية بره مصر استدعوه يشتغل معاهم عشان يطوروا أبحاث في المجال ده، مشي ورجع، مكملش سنة ونص، لإنه وبرغم إمكانياته العقلية الفذة، فالعقلية برضه فيها مشكلة، "عز" ليه ميول وآراء غريبة وطبع حاد وجرأة خطيرة، مستعد يعمل أي حاجة في سبيل التجارب العلمية بتاعته، ده اللي قدر صاحبي يعرفه ومكنش في تفاصيل أكتر من كده.....
فقت بعد ما كنت ضايع لما سمعت منه الكلمتين دول، عيني فتحت على الآخر، في شوية طاقة جريت جوايا صحتني، زي كده البطارية الخلصانة لما تتعض وترجع تشتغل قبل ما تخلص خالص!
" نام مجامش.... وكان باين عليه الكسرة والزعل لدرجة كان عاجز، مش بيعرف يتحرك، جعد إسبوع، مش بينزل من بيته.... و كان بيرد بعد كتير، بيمشي وهو بيتسند على أي حاجة....وفي آخر الإسبوع اتكل هو روخر "
صدفة غريبة!
الأخين اللي كانوا ساكنين قبلنا، في نفس دورنا، ماتوا ورا بعض، الأخ الكبير مكنش بيقدر يتحرك كإنه عاجز، زينا بالظبط...
جبت "عم طارق"، قعدته قصادي، كان باين عليه القلق عليا، سألته:
= عم طارق عايزك تركز معايا، ركز أوي، قبل ما الأخ الكبير يموت، جيراننا السابقين أقصد، قال لك إيه، في الكام يوم الأخرانين، قالك إيه، أي حاجة تيجي في بالك.
هو مكنش فاهم أنا فيا إيه وإيه لازمة السؤال ده، سرح شوية ورد:
-يعني يا بيه اللي يهون إنه كان بيجول إنه شاف أخوه الصغير وشم ريحة حلوة جوي...
= شاف أخوه؟
-إيوه، شافه مرة واتنين بعد ما مات ومعاه كانت بتظهر ريحة حلوة جوي، ريحة ورد أو....
= ريحان!
-إيوه، إيوه يا بيه ريحان.
= شكرًا يا عم طارق روح أنت.
.......................
المغرب خلاص كان داخل، حاولت أكتم نفسي، لكن الريحة ظهرت بقوة واخترقت مناخيري....
حسيت بالنشوة بتاعة كل يوم، ومع ذلك مستسلمتش للخمول، خرجت من شقتي ومشيت لحد شقة الأخين قصادي....
الباب كان باين مقفول، فجأة ظهر "حكيم" جمبي، قال لي:
-ما تدخل.
= أدخل فين، الشقة مقفولة.
-جرب كده، مد إيدك وزق الباب.
زقيته زي ما قال وفتح!
دخلت، ريحة العفرة والكتمة كانت رهيبة، المكان ميت زي أصحابه، بس فجأة حته حته في الشقة كان بيتمسح التراب من عليها وألوانها بتزهزه...
لحد ما الشقة كلها صحيت من تاني، كإنها مش مهجورة، وسمعت أصوات...
أصوات كتير متداخلة، زحمة، شفتهم، أهم هناك، الأخين، كانوا عمالين يضحكوا ومبسوطين وحواليهم ناس كتير، معزومين، شكلها حفلة....
واحد من المعزومين قال لهم:
-مبروك عليكم الشقة، أخيرًا قدرتوا عليها.
أخ منهم رد:
-الله يبارك فيك، مش مصدق إننا قدرنا نجيب شقة ملك، بعد ما عشنا في إيجار طول عمرنا، الحمد لله.
واحدة سألتهم وهي بتضحك:
-طب لما واحد فيكم يقرر يتأهل ويفتح بيت، الشقة هتبقى من نصيب مين؟
الأخ التاني رد:
-أكيد اللي هيتجوز، لكن إحنا مش هنسيب بعض، من دلوقتي بنحوش للشقة التانية.
بعدها الباب خبط، الأخين راحوا مع بعض....
ومن راه طل "عز"....
كان بيبتسم بتوتر، سكت شوية وهو بيبص وراهم للحفلة وبعدين قال:
-أنا جاركم الوحيد في العمارة، في الدور اللي تحتكم، مبسوط أخيرًا إن بقى ليا جيران أكيد، بس حق الجار على جاره يرعاه وميأذهوش، وأنا مش بحب الدوشة، أستسمحكم، بعد كده هدوووء، عشان طبيعة شغلي كمان، محتاج أركز....
كانوا محرجين منه جدًا، خصوصًا بعد ما مد إيده بكيس مليان وقال:
-أكيد بسبب النقل هتبقوا تعبانين وملحقتوش تعملوا أكل، دي حاجة بسيطة، طبيخ لكام يوم عبال ما تقدروا تطبخوا.
وختم كلامه بابتسامة واسعة.....
.......................
المشهد اتبدل حواليا، الناس اختفت، والمتبقي بس كان الأخين بهدوم مختلفة، كانوا بيتكلموا وبيضحكوا مع بعض، واللي وقفهم تخبيط الباب العنيف....
واحد فيهم فتح ولقاه "عز"...
-أنا مش قلت مرة واتنين وتلاتة عايز هدوء، وبعدين معاكوا؟ ششش هدووووء....
المشهد بيتبدل، سامع صوت الأخين من جوه الأوض، وفي صوت تاني.....
حركة خفيفة بره الشقة، بمشي بحذر وببص في العين السحرية وبلاقيه، "عز"....
معاه بخاخة بيرش منها من تحت عقب الباب، وريحة ريحان نفاذة بتملى المكان...
هي دي الطريقة، بيرش مواد، وأكيد كان بيراقبهم وعارف مواعيدهم، عارف إنهم موجودين في البيت وإنهم مش بيخرجوا في الوقت ده، زي ما....ما كان بيراقبنا، أنا لازم أمشي، لازم أروح البيت دلوقتي، لاز....
بفتح عيني، وبلاقيني نايم قدام شقة الأخين، على الأرض....
مكنش معايا موبايل ولا ساعة، لكن منظر الشمس بره شبابيك طرقة الدور بتقول إنها قربت تغرب، وده معناه إني نمت في مكاني 24 ساعة، من إمبارح!
المرة دي مختلفة، أنا مكنتش بس دايخ، كنت حاسس إن روحي بتتسحب مني، خلاص، جسمي بيسلم، وقليل وهبقى بره الدنيا...
قومت نفسي، كان أكبر مجهود عملته في حياتي، لازم كنت ألحقهم، مش هيستحملوا جرعة كمان، كل حاجة كانت داخلة في بعض، الحيطان والأرضية والسقف، كله مهزوز، شوية أمشي وشوية أقع، بالعافية وصلت لباب شقتنا، في نفس الوقت اللي وصل فيه "عز"، كان معاه بخاخة، وطى وكان هيرش منها تحت الباب!
وبكل اللي اتبقى من قوتي وعليهم قوة مش عارف جبتها منين، قومته بعنف وفضلت أضرب فيه، كان هيموت في إيدي، جريته على الأرض لحد الأساسنير ونزلت بيه لحد عم طارق وقلتله يطلب البوليس....
اتقبض عليه واعترف بإنه قتل جيرانه اللي قبلنا وإنه كان هيقتلنا، كل ده عشان مش بيحب الإزعاج وكلنا مكناش مراعيينه على حد قوله....
أنا و"غادة" و"ونسرين" عملنا تحاليل سموم، وطلع عندنا كمية كبيرة من السم، تركيبة خاصة، بتدي ريحة ريحان، وشعور رهيب بالنشوة، كإنها مخدرات، لكن الفرق إنها بتقتل أسرع بكتير....
أحسن حد فينا إحنا ال3 كانوا أخره يومين ويموت لو ماخدش العلاج وبقى تحت الرعاية المناسبة، وجرعة كمان كانت هتقضي علينا....
استوعبت بعدها ليه "حكيم" كان بيظهرلي مجسم واتنقل من الأحلام للواقع، وده عشان كنت بهلوس، زي كده ما الأخ الكبير كان بيهلوس بأخوه قبل ما يموت وبيشم معاه ريحة حلوة "ريحان"، ومن ضمن الهلوسة المشاهد اللي اتخيلتها جوه شقة الأخين وتخيلي للي ممكن يكون حصل معاهم، شوية تصورات عندي ربطتها بقصتهم، زي موضوع البخاخة اللي فيها السم واللي طلع حقيقي....
"عز" مش بس قتل الجيران وكان عايز يقتلنا، ده كمان قتل الزرع بتاعنا، يمكن كان تهديد أو بدأ بيها وقال يكمل علينا...
وشغله كان عبارة عن تجارب كيميائية، التجارب اللي معرفش ينفذها بره مصر، وكانت جريئة بزيادة قرر يكملها في بيته، ومن ضمنها طبعًا السموم اللي كان بيشممهالنا....
الحمد لله إن الفترة المظلمة دي عدت على خير، تجربة رعب متمنهاش لحد أبدًا، لكن بصراحة مفتقده، مفتقد النسخة المسالمة من "حكيم"، بدل العنيف اللي رجع تاني يطاردني في كوابيسي ويفكرني كل شوية باللي عملته فيه.......
"تمت"
...................
يونيو 2023 اتقبض على شيومينج لي في أمريكا بعد ما الكاميرات صورته وهو بيحقن مواد كيماوية من تحت عقب باب شقة جيرانه، واللي هم أسرة عبارة عن أب وأم وطفلة صغيرة، المواد كانت بتسببلهم أعراض زي الصداع الشديد والرغبة في القيء وضيق التنفس والرغبة في النوم وتساقط الشعر، وطلع بيحطلهم المواد بقاله أكتر من شهر، وبيموتهم بالبطيء...
الأب كان بيشم ريحة غريبة وشك، عشان كده خبى كاميرا قدام شقته واكتشف إن جاره بيسممهم وده لإنه كان بيشتكي دايمًا من الإزعاج برغم إنهم كانوا حذرين جدًا وحاولوا ميزعجهوش...