هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • يوم غريب في حياتي
  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. ششش هدوء ... الجزء الاول

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية

---++-

قاعد جوه الدايرة، الدايرة المفضلة عندي، فتحي يا وردة، قفلي عليهم يا وردة واخنقيهم وخلي أشواكك تخترقهم عشان يتعصروا ويطلعوا اللي في جيوبهم ليا، ودي لعبتي المفضلة، أنا الملك عليها، ملك العالم كله في البوكر....

بيدخل علينا وش مألوف، مألوف ليا أنا بس مش لباقي أطراف اللعبة، باصص للأرض، مستخبي ورا نضاره، مكور إيديه الاتنين عشان يداري الرعشة فيهم...

بيسحب كرسي وواحد من اللاعبين بيسأله:

-حكيم؟

بيأكد براسه من غير كلام، هو "حكيم"، اللاعب المتبقي، واللي أول مرة كان يلعب...

نفس الشخص بيسأله:

-تشرب إيه؟

برضه مش بيرد، بيكتفي أنه يحرك راسه يمين وشمال...

-تمام ، يالا نبدأ؟

...................

كرسيه جنبي، بمد إيدي وبمسكه وبسأله:

= أنت تمام.

بيرد عليا بصوت واطي من غير ما يبصلي:

-تمام.

الورق ابتدا يتفرق، وكل واحد بيسحب ورقه ويبصله، نفس الريأكشنات بتاعة كل مرة، اللي بيضحك ضحكة التعالب، واللي بيبص للباقي، واللي بينفخ، وأنا مفيش....حيطة سد، مليش ريأكشنات، محدش يقدر يقراني، بعد شوية واحد بيتجرأ وبيبدأ، بيفرش ورقه....

وأنا وبرغم تحمسي للعبة وانتظاري لليوم ده بفارغ الصبر ونجاحي إني أخيرًا قدرت أقنع "حكيم" يتشاقى وييجي يلعب معانا، بدل دور القديس اللي عايشه ده، لكني بمد إيدي مرة تانية على كتفه وبقول له:

= يالا نقوم!

بيبصلي بدهشة، وبأكد على كلامي:

= مفيش لعب، يالا نقوم.

بنقوم أنا وهو وسط دهشة اللاعبين، بننسحب....

................

إيدي ملفوقة عليه، وحاسس بتغيير، أخيرًا هدي، التوتر راح، أنا انقذته من فخ بشع كان هيقع فيه، دايرة القمار اللعينة، أصلها ملهاش طرف ولا نهاية، هي فعلًا زي الدايرة، اللي دخل شبه مستحيل يخرج منها ومش أي حد زيي، أنا الملك....

...........................

قمت مفزوع من النوم على هزة جامدة، وقعت من السرير؟ ولا زلزال؟

لا ده ولا ده، لقيتها مراتي، "غادة"، كانت بتهزني....

وشي كله كان عرقان وبنهج، بصتلها لثواني وأنا مفزوع وبعدين قلت:

= تاني؟ جتلي نوبة وأنا نايم؟

-كنت بتتنفض وبتقول "يالا نخرج من هنا"...."يالا نخرج من هنا"....

وهو ده الواقع البديل، اللي كان نفسي يحصل، بدل ما "حكيم" يقعد ويكمل الدور....

...............................

أنا مبحبش الدوشة ولا وجع الدماغ ولا المجهود الزيادة، وأيامي كلها مؤخرًا بقت دوشة ووجع دماغ وهدة حيل! وده عشان بننقل، وما أدراك ما النقل؟ على عكسي بقى "غادة" برغم التعب اللي كانت فيه لكن كانت متحمسة وفرحانة أوي، وهي وبنتي اللي عندها 3 سنين، كانوا بيشيلوا الحاجة ويحركوها ويغلفوها وهم بيغنوا ويضحكوا وكإنها مغامرة، ده عشان كان حلم "غادة" تنقل من زمان، وفي موقع قريب من العاصمة الإدارية الجديدة، دايمًا تقول المستقبل هناك، وفعلًا وبعد سنين من المجهود الرهيب والتحويش وحرمان نفسنا من متع كتير زائد سلفة كبيرة من الوالد قدرنا نجيب تمن شقة في القاهرة الجديدة، واللي خلاني أطاوعها إن شغلي اتنقل أصلًا للعاصمة الجديدة، لولا كده لو كانت مشيت على الحيطة بإيديها ورجليها مكنتش هوافق....

المكان بتاعنا كان في منطقة معزولة تمامًا، هادية جدًا، يعني هي فيها خدمات، نتمشى شوية نلاقي سوبر ماركت صغير وصيدلية وكافيه كمان، ولو شدينا حيلنا هنلاقي سوق فيه كل حاجة، لكن مفيش ناس تقريبًا، كل فين وفين تقدر تلقط حد ماشي في الشارع، وعمارتنا بقى مكنش لسه حد سكن فيها غير شخص واحد في الدور اللي تحتنا، وكل ده بالنسبة لي كان ميزة رهيبة، مش عايز دوشة ولا زحمة، خصوصًا إني كنت ناوي أنفذ المشروع اللي مقلتوش لحد، اللي عايز مكان بالمواصفات دي....

وأخيرًا وبعد رحلة شقاء اتنقلنا!

يا صبر أيووووب....

"غادة" ونسرين" ضحكاتهم كانت بتجلجل المكان، قعدوا يتنططوا على مرتبة السرير اللي لسه مطحتش عليها الملاية ولا اتركب تحتها مُلة....

مقدرتش أقاوم، ابتسمت زي الأبله وانا بتفرج عليهم، قلبي كان هيطير من الفرحة بسبب فرحتهم، وفي عز سرحاني فيهم الباب رن....

روحت عليه وفتحته....

اتسمرت للحظة ومعملتش أي رد فعل، لإني مكنتش متوقع ده، كنت فاكره البواب، لكني لقيت راجل غريب، أول مرة أشوفه...

حرك راسه بابتسامة وهو محرج وده بسبب جمودي، قال لي:

-أنا جاركم، جاركم الوحيد في الدور اللي تحت...

 =أ....أهلًا بيك، معلش، متوقعتش حد ييجي عشان الدنيا هادية أوي و....

-وأنا مش جي أعكر الهدوء ده وعارف إنكم أكيد تعبانين جدًا من النقل، أنا بس حبيت أرحب و....من فضلك إقبل مني ده...

إداني كيس تقيل، فيه مجموعة من الأواني....

سألته بتعبيرات وشي من غير ما أتكلم عن محتوى الكيس....

قال لي:

-دي حاجة بسيطة كده، عشان تعبكم، هتبقوا عايزين تريحوا على الأقل كام يوم، ده طبيخ عملته، وجبات تكفي تقريبًا 3 أيام.

أنا ذهلت، قلتله:

=ده كرم كبير أوي، طبيخ ل 3 ايام؟

-الواحد بيكتسب مهارات من العيشة لوحده، وأنا عايش لوحدي بقالي كتير.

=ما شاء الله....طب اتفضل.

-لا مفيش داعي، شكرًا.

ابتسمتله وكنت مستعد أقفل الباب بس هو مسكه وقال لي:

-أنا بس ليا عندك طلب.

=طبعًا اتفضل.

-ياريت هدوء على قد ما نقدر، أنا طبيعة شغلي عايزه تركيز جامد واتعودت على الهدوء، بقالي سنتين عايش لوحدي في العمارة.

= أكيد، حقك، وأنا هحرص على ده على قد ما نقدر.

ابتسملي بود وبعدين لف ومشي.....

...........................

كان بقالي مدة مشفتش "حكيم"، بنتكلم كل فترة وبنتطمن على بعض، ومبسوط أوي بأخباره، انه استقر واتجوز وخلف وفاق، قام من الوقعة اللي كان فيها، تعافى من الإدمان اللي لازمه سنين، وللأسف أنا اللي اتسببت فيه، آخر مرة شوفته كانت في فرحه، واديلنا سنين مشفناش بعض، لكن مش مهم، المهم إني متطمن أنه كويس....

بمد إيدي وبخبط على باب بيته بعد لف وتوهة كتير عبال ما وصلت، و"حكيم" بيفتحلي، شكله وسيم جدًا، الصحة والفرحة باينة عليه ، وشه ملى شوية وعنيه لمعت، البندقي اللي فيها بقى واضح نفس درجة شعره الغزير الناعم، سبحان الله عكس حاله خالص في الأيام إياها، الله لا يرجعها، شعره ده كان خف، لدرجة تشوف فراغات في فروته، ومنكوش ودقنه منبتة ووشه مضلم وخاسس، ياه، يا ساتر، الحمد لله إن الحمل ده اتشال من على كتافي وأنه تعافى....

بيبتسملي ابتسامة واسعة وبيعزمني أدخل، وبيلف إيده على رقبتي، بيفرجني على بيته الكبير حته حته، وبيعرفني على مراته، وبيروح يجيب ابنه الصغير من أوضته، وبيدهوني أشيله....

بعدها بنقعد أنا وهو ومراته على طرابيزة الأكل والولد على كرسي الأطفال جنبنا، بنتكلم في مواضيع كتير وبنهزر لحد ما بقول له:

= قول لي بقى عن شغلك دلوقتي وإيه سر حلاوتك دي، يمكن أجرب الخلطة السرية وأبقى زيك...

الشوكة بتقع منه على الطبق، بيبص قدامه وبيتجمد!

بقول له بضحكة متوترة:

= مالك؟

مش بيرد عليا، وكأنه اتحول لتمثال، مش بيتحرك ولا حتى بيرمش....

ببص ناحية مراته وبسألها:

= إيه حصل له؟ ماله؟

بلاقيها هي كمان متجمدة ومبلمة، والولد متجمد، المشهد كله متجمد....

وفضلوا هم ثابتين بعكس كل حاجة تانية، عشان فجأة إزاز الشبابيك كله يتكسر، ينفجر، والشظايا تطير في كل حته، طارت حتى لوشوشنا والأطباق تنفجر والسكاكين والشوك تترفع من مكانها وتترمي على الحيطان وتثبت فيها، برفع إيدي، بحاول أحمي وشي لكني برضه بتعور، وأول ما بشيل إيدي من على وشي بلاقي "حكيم" بيحرك راسه ناحيتي من غير كلام وبعدين بيفتح بوقه وبتخرج منه صرخة رهيبة وبيقول:

-السر؟ السر هو اللي عملته فيا، ضميرك مش هيرتاح، مش هيرتاح عشان الواقع مش هيتغير، أنت دمرتني!

...............................

قمت وأنا بصرخ "حكييييييييم"، كنت بتحرك بهستيريا لدرجة إني ضربت مراتي بدراعي من غير ما أدري وهي بتحاول تهديني....

بوقها نزف، تلقائيًا حطت إيدها عليه وقالت:

-إحنا لازم نشوف حل في كوابيسك دي.

أنفاسي كانت سريعة، بالعافية قدرت أتحكم وابطئها، قربت عليها وأخدتها في حضني بس برضه مرضتش أحكيلها، كل اللي قلته:

= أنا هتعاقب، كل ده مستني العقاب، اللي حصل مش هيعدي....

وبعدها علطول اتفزعنا من الجرس اللي فضل يرن ورا بعض....

مسحت إيدي بوشي من العرق وجريت وفتحت الباب، ولقيت جارنا....

-إنتوا كويسين؟؟؟!

= اا....اااه، الحمد لله يا أستاذ ....

-عز.

= تمام إحنا كويسين يا أستاذ "عز".

-أنا سمعت زعيق و...

= آسف على ده، إن شاء الله ميتكررش، آسف على الإزعاج.

-أبدًا أنا بس اتخضيت.

= متقلقش، إحنا كويسين.

فضل واقف بعدها، لحظات مريبة، وشه كان جامد، شفايفه مطبقين على بعض، كإنه مستني حاجة....

قلتله:

= أوعدك، ده مش هيتكرر، أنا عارف إنك بتحب الهدوء....

شفايفه انبسطت بعدها وطلعت منه ضحكة خفيفة وقال:

-أنا متأكد من ده...

وبعدها أخيرًا اتحرك....

...................................

-برضه مش ناوي تحكيلي؟

دي كانت "غادة"، وأنا داخل الأوضة سألتني السؤال ده ومردتش، دخلت السرير وحطيت اللحاف عليا، كملت:

-ما هو لو مش هتقول لي يبقى تقول لدكتور، مش عيب نلجأ لمتخصص، هتفضل في العذاب ده لحد إمتى؟

مردتش عليها وغطيت وشي باللحاف....

........................................

بعدها بكام يوم زورنا أبويا، قضينا اليوم كله معاه، وجت أحلى فقرة بالنسبة لي، الشاي بالنعناع في البلكونة....

بابا عمل لي الشاي، وأخدته وروحت على البلكونة، حطيت الكوباية على السور وسرحت في الشارع والناس اللي بتمر كعادتي، لدرجة إني مخدتش بالي إنه محصلنيش...

...............................

"غادة" وقفت على باب المطبخ وسألته:

-كنت عاي...زه استفسر من حضرتك عن حاجة.

- طبعا يا بنتي ، إنتي بتستأذني، اسألي على طول.

- مين حكيم؟

إيده وقفت على الطبق اللي كان بيغسله، بص قدامه وثبت من الخضة..

هي قالت:

-لو مكنش الموضوع ضروري مكنتش سألت، إحنا حياتنا بقت جحيم.

سألها على اللي بيحصل وقالتله...

بابا بدأ يحكي:

-جوزك مكنش مثالي زمان، ربنا إداه وسامة وجمال ومعاهم خفة دم وشخصية ملفتة، من طفولته وكل الناس بتعاكسه، وهو كان خجول وبسيط لحد ما تم ال16، أحواله اتبدلت، فجأة أدرك وسامته وتأثيره وبدأ للأسف يستغله....

كان ليه علاقات كتير بالستات، قده وأكبر منه، متجوزين ومش متجوزين، وأنا كنت بعمل مش واخد بالي، وكنت بلم من وراه البلاوي والفوضى، كنت بطفي أي حريقة بسبب استهتاره، وكل اللي كنت بعمله معاه هو إني كل فترة بحاول أضغط عليه ييجي معايا الجامع وينتظم في الصلاة هناك، وكنت بكلمه عن الفرق ما بين اللي يمشي مع ربنا ويتبع هداه والعاصي ومصيره، وبحسه متأثر، حقيقي متأثر، لكن زي ما قلتلك تأثيره كان طاغي والستات مكنوش مساعدينه على التوبة، كل شكل ولون بيغووه، وياريتها جت على قد كده، ده اكتشف موهبة، وهو أنه يقدر يوظف ذكائه في لعب القمار! وللأسف يا بنتي، للأسف، عمره ما خسر ولو دور واحد، ياريته كان خسر يمكن كان رجع في مرحلة ما قبل ما الطوفان ييجي ، متهيألي الشيطان كان شايف "جمال" من أكبر إنجازاته، عشان موقعش ولا داق مرارة الخسارة وده خلاه مكمل في الحرام! وعلى عكس "جمال" اللي خلاص مكنتش بحسس عليه وكل شوية اتخانق معاه وأطرده، كان "حكيم" إبن الجيران، شاب برضه جميل، لكن جماله هادي مش ملفت، ومهذب، ومصلي وبار بأبوه وأمه وللأسف كان صديق ابني، أصحاب من وهم صغيرين برغم فرق السن، "حكيم" أصغر من "جمال" ب 5 سنين، ومعرفش حقيقي إيه كان الدافع بتاع "جمال"، هل شاف إن "حكيم" محتاج يتدردح شوية وأنه خجول بزيادة، ولا على سبيل المتعة ولا بدافع الغيرة، لكنه مهداش غير لما جره لسكة القمار، علمه البوكر وبقى يلف بيه على صالات القمار والقعدات و"حكيم" مكنش ذكي ومتمكن زي "جمال"، مكنش في زي "جمال"، في الأول كسبله كام لعبة وبعدين شوية يكسب وشوية يخسر، وخلاص كان فات الأوان عشان يرجع، وقع في حفرة عميقة أوي ومحدش قدر يسحبه، "حكيم" أدمن القمار، و في مرة اتداين للناس الغلط وفات وقت تسديد الديون، وأنهى حياته بسبب الضغط، كان متوقع أصحاب الدين يعملوا فيه أي حاجة، يقتلوه حتى!

"غادة" شهقت وحطت إيدها على بوقها، مكنتش متوقعة النهاية دي....

بابا كمل:

-مقالش لحد، مقالش لجمال، مع إن برغم إنه كان سفيه ومستهتر ومش مبقي معاه أي فلوس من المكاسب لكنه كان قادر يكسب المبلغ في كام قعدة قمار، كان هيسدد دينه وينقذه، محدش عارف لحد دلوقتي ليه بالظبط مقالوش، تقييمي أنا إنه كان كرهه، وصل لمرحلة إنه كرهه ومش عايز يمد إيده وجمال ينشله، أهون عليه إنه يقع ويتدشدش على إن جمال يساعده، كره ادمانه وكره اللي عرفه سكة الإدمان وكره نفسه ومكنش قادر يبطل....

الاتنين بصوا مرة احدة وراهم وانتبهوا لوجودي، كنت واقف بسمع وعيني مليانة دموع وماسك في إيدي الكوباية اللي كسرتها من الغضب وأنا مش حاسس والإزاز دخل جوه إيدي والدم بقى ينزف على الأرض.....

معلقتش بكلمة واحدة، الاتنين جريوا يجيبوا قطن وشاش وكحول، أصروا عليا نروح المستشفى عشان أخيط الجرح وأنا رفضت....

وفضلنا في حالة السكوت لحد ما رجعنا البيت.....

...............................

نيمنا "نسرين" وروحنا على أوضتنا.....

قعدت وضهري محني ومديه لغادة، بدأت هي الكلام:

-مجبتليش سيرة من وقت ما اتقابلنا عن حياتك قبل ما تعرفني.

حركت كتافي وقلت:

=إنتي ما سألتيش.

-كنت فاكرة حياتك عادية، شاب زي أي شاب، أقصى حاجة تكون عملتها تشرب سجاير أو يكون ليك علاقة ولا اتنين مع بنات، لكن....

لفيت ليها وقلت:

= دلوقتي كرهتيني بعد ما عرفتي؟ نظرتك ليا اتغيرت؟

ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت وعنيها بتدمع:

-عمري ما أكرهك، مهما حصل.

قامت وقعدت جنبي وقالت:

-بس أنت لازم تبتدي تحكي، على الأقل الجزء اللي معذبك وعامل حاجز ما بينك وبين فرحتنا، دي مش رفاهية، ضرورة تحكي....

= بابا قال الموضوع باختصار وفي نفس الوقت مفوتش أي تفصيلة مهمة، بالنسبة للأحلام....كل حلم بحلمه بيبقى حي أوي ، بعيش كتير أحداث حصلت في الحقيقة مع "حكيم" زي أول مرة وديته قعدة قمار، لكن في حاجة بتتغير عن الواقع، بعمل القرار الصح، باخده وبنقوم قبل ما يلعب، وحياته بتاخد منحنى تاني، بيكمل في نجاحه وبيبقى إنسان سعيد وفالح، أو في أحلام تانية يا أنا بنحج أفوقه من إدمانه يأما هو اللي بيقدر على نفسه وبيصلح حاله ومسارات القطر بتتغير، بدل ما القطر يروح لسفح جبل ويقع بيروح لمكان جميل، فيه كارير وفلوس وبيت وولاد، وأنا ببقى مبسوط، عشان أنا أناني، اللي يهمني إني أخلص ضميري، لكني بفوق وبلاقي الواقع زي ما هو، "حكيم" مات بسببي، ومفيش حلم ولا أمنية هتصلح ده.....

حسيت الدم بيغلي في عروقي، قمت من مكاني ولفيت حوالين نفسي، وبعدين مشيت لحد الحيطة، صوتي علي وأنفاسي بقت سريعة وأنا بقول:

= العقاب جي، أنا مستنيه من ساعتها، من عمايلي السودة، وبالذات عملتي مع "حكيم"، وكل يوم بيتأخر بتعذب أكتر عشان مش عارف شكله وحجمه هيبقوا عاملين إزاي، وده في حد ذاته جزء من العقاب.

كورت صوابعي وضربتها في الحيطة، وبعدها بثانية سمعت خبطة من الأرض!

مراتي كانت مفزوعة من الموقف كله، من عصبيتي ومن الضربة الغريبة التانية، اللي أنا مش مصدرها...

"غادة" فضلت طول الليل تواسي فيا، تحاول تطمني وتخرجني من نوبة الهلع اللي فيها، هي حاولت، حاولت بجد، لكن مفيش حاجة نافعة معايا، الهلع هو هو وبيزيد كل يوم....

............................

كنت بشرب القهوة وبلبس في نفس الوقت، اتأخرت عن شغلي، اتأخرت جدًا، لدرجة في نقط من القهوة السخنة وقعت على القميص بس عملت عبيط وقلت أداريها بجاكيت البدلة، وكان ممكن بسبب استعجالي مخدش بالي، بس لاحظت...

قفلت الباب ومشيت بسرعة ناحية الأسانسير وبعدها رجعت، ده عشان لمحت قصرية الزرع....

الزرع اللي فيها ميت!

دبلان ومصفر ومعووج، ميت، إزاي؟

إحنا كنا بنراعيه، بنسقيه زي ما متعودين، مفيش زرع مات مننا قبل كده إلا بعد فترة، الطبيعي يعني، ده مات فجأة!

وقفت قدامه ييجي دقيقة، مش بفكر في حاجة، دماغي فاضية تمامًا، دنيتي كلها بتدور حوالين الزرعة دي، ببص ليها ومتخشب، بعد كده فقت واتحركت....

..............................

مراتي يومها كان روتيني، وضبت في البيت وطبخت وجه معاد الحضانة، المعاد اللي "نسرين" المفروض تروح فيه...

"غادة" راحت وأخدت البنت ورجعوا....

"نسرين" كانت متحمسة أوي عشان المُدرسة خلتهم يقصقصوا ورق ويلونوا القصاقيص دي، فتحت شنطتها وفضلت توري "غادة" القصاقيص اللي لونتها وهي بتضحك، كانت أجواء جميلة، كلها بهجة، بس كل ده اتبدل لما الباب خبط بعنف....

"غادة" جريت عليه وفتحته، ولقت "عز"، كان وشه مضلم، حواجبه مشبكة في بعض، أول مرة تشوفه متعصب كده...

قال:

-يا مدام، الدوشة جامدة أوي....

-معقول؟ أنا محستش بكده، يعني مش لدرجة أن الأصوات توصل لحضرتك..

-حضرتك أنا شغلي دقيق جدًا، ده غير إني متعود على الهدوء، كل اللي طالبه شوية هدوء.

"غادة" كانت في نص هدومها، بصت في الأرض بإحراج ومقالتش غير "حاضر"...

...............................

لما حكتلي كنت مستغرب أوي، مهو يأما الأرضية والحيطان رقيقة عشان الأصوات توصل له مجسمة كده، يأما إحنا صوتنا وحركتنا عالية أوي وإحنا مش داريانين، في كل الأحوال قررت أخد بالي كويس من أصواتنا، أي حركة وكلام يبقى بهدوووء.

..............................

يعدي إسبوع، متهيألي خلاله نجحت إني أخلي الأصوات أوطى عشان مسمعناش شكوى من "عز"....

كنت قاعد فاتح اللاب توب ومركز فيه لما سمعت خبطة جامدة وأنين، جريت على المصدر ولقيت "غادة" واقعة، وقعت من على الكرسي وهي بتنضف النجفة.....

أنينها كان رقيق، كإننا إتعودنا على الأصوات الواطية لدرجة إننا بنعبر عن ألمنا وإزعاجنا بنفس الطبقة الواطية....

عاتبتها، قلتلها كانت تستناني أقف جنب الكرسي عشان متقعش واقعة زي دي، أكدتلي إنها كويسة، مفيش كسر أو شرخ، كانت بس بتعرج شوية، لكن الألم كان هياخد حبة وقت ويروح....

وتفوت ساعة، خلالها عمالين نحط تلج على رجلها لما الباب خبط....

فتحت ولقيت ظابط قدامي!

قال لي أروح معاه القسم، طبعًا كنت قلقان و"غادة" كمان، لكن مكنش في حاجة أقدر أعملها غير إني أروح، ولما روحت إكتشفت إن "عز" سبقني على هناك وكان عايز يعمل محضر إزعاج!

هناك قالوله إن المحضر ده بيتم عن طريق النيابة وعادة مفيش أي إجراء بيتاخد عشان بيفضلوا إن الأمور تتحل بهدوء ما بين الجيران، لكنه قطع راسه ورماها وقال لهم إنه هينطلهم كل شوية لحد ما يعملوا المحضر، فأضطروا يسايروه وقالوله إنهم هيستدعوني، وهو ده اللي حصل، فضلوا يتكلموا معايا وأنا كلامي كان قليل من الذهول اللي كنت فيه، إحنا حرفيًا بنمشي على صوابع رجلينا عشان منزعجهوش...

كنت بغلي، في إيه؟ عملناله إيه عشان كل ده؟ إحنا أزعجناه؟

مطلعتش على البيت، خبطت عليه، فتحلي ووشه كان كله غضب، قلتله:

=إيه يا أستاذ "عز"؟ أزعجناك في إيه لدرجة تعمل لنا محضر؟

-أنا استحملتكم كتير، دب ورزع وصوت عالي ، والنهارده كإنكم كنت بتهدوا السقف فوقيا..

= دي مراتي وقعت، وبرغم كده حاولت تكتم الألم، مع إن أي حد في مكانها كان صرخ من الوقعة أو الخضة.

-واضح إن مفيش فايدة فيكم، زيكم زي اللي قبليكم، كلكم معندكوش إحساس بالناس التانية، مش بتهتموا غير بنفسكم...

وقفل في وشي الباب....

اللهم طولك يا روح! وبعدين مع الراجل ده، عامة هو مش هيقدر يعمل حاجة، مفيش أصلًا محضر إتعمل، أنا كنت جبت أخري منه، خلاص بقى مطرح ما يحط راسه يحط رجليه....

...................................................

فتحت اللاب توب، صفحة وورد بيضة فاضية قدامي، دماغي وقفت، فضلت كده سارح فيها كتير، وبصوابع مرتعشة بدأت أكتب....

مهو....أنا لازم أساعد نفسي، مش بس عشاني، ده عشان أسرتي كمان، أنا اللي ماسك الدفة وإن مكنتش أتحكم في المركب هيغرق باللي فيه، هو ده المشروع اللي كان في بالي، إني أكتب عن تجربتي، من أول ما انحرفت عن السكة السليمة لحد ما جريت حكيم معايا، أنا قدرت أغير المسار لكن هو اتعلق في المسار الغلط لحد ما القطر جه وفرمه ، بأي إسلوب بقى، مذكرات، قصة بزود وبنقص فيها وبعملها حبكة وشوية دراما، أي حاجة، المهم أطلع اللي جوايا يمكن أرتاح، ده بديل الدكتور عندي.....

بعد كام سطر بس عيني وقعت عالشباك، المغرب كان داخل، كان مختلف، مختلف أوي، السحاب برتقاني، متشرب باللون، لون رهيب، هادي، ومنعكس على الأرض كلها، وهو نفسه، السحاب متكتل كإنه قطع من القطن، ومع المشهد شميت ريحة....

ريحان، الريحة كانت قوية أوي لدرجة ندهت لغادة وقلتلها:

= غادة! شامة؟

-اه، ريحان قوي أوي، تلاقيها من الجنينة اللي تحت البيت....

صوابعي لقيتها فكت شوية وانطلقت في الكتابة، حسيت بإسترخاء فظيع بسبب الأجواء، الريحة والمشهد....

وجه الليل، والشمس اللي كانت لونها برتقاني اتقلبت قمر دموي.... قمر لونه أحمر، الساعة مكملتش 10 ولقيت نفسي همدان وعايز أنام....

..............................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب334216
2الكاتبمدونة نهلة حمودة190348
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181720
4الكاتبمدونة زينب حمدي169866
5الكاتبمدونة اشرف الكرم131055
6الكاتبمدونة مني امين116825
7الكاتبمدونة سمير حماد 107945
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي98062
9الكاتبمدونة مني العقدة95143
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91972

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

1212 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع