بسم الله الرحمن الرحيم
كنت متحمس جدًا للرحلة دي، بقالي قد كده بخطط ليها وكل مرة الخطة تفشل لسبب ما مختلف، مش فاهم ليه، أنا حتى مكنش عندي مانع أروح لوحدي، هيحصل إيه يعني؟ بالعكس الخروج، بالذات ف أجواء رحلة زي دي عايز روقان كده وتركيز وبيبقى ليه طعم لو الواحد لوحده، لكن أهي اتظبطت وكمان مطلعتش لوحدي، معايا مراتي وأخوها، ومقدرش اعترض ، بصراحة مفيش أحلى من كده جو، لا منه صيف وفرهدة ولا برد شديد، روحنا ف أحلى شهر في السنة "نوفمبر" وبعد التفكير، لو كنت روحت الهرم ف معاد غير ده مكنتش هتبسط.
في الغالب السما الصبح مكنش فيها أي حاجة مميزة، يعني شكلها مكنش مختلف عن أي يوم تاني، بس لسبب ما، عيني إتركزت عليها جامد، سرحت، سرحت فيها كتير لما قمت من السرير، مشيت لحد الشباك وعيني فضلت ثابتة عليها، يجوز تكون نفسيتي كانت مختلفة عشان اليوم ده مكنش هيبقى إعتيادي، إحنا أخيرًا هندخل الهرم الأكبر..
طول السكة ولحد ما وصلنا إحنا التلاتة متكلمناش كام كلمة على بعض، أكيد هم كانوا زيي، متحمسين جدًا، وأي كلام هيتقال كان هيبقى تافه بالنسبة للحدث العظيم ده، أنا عن نفسي دخلت الهرم مرتين بس ف حياتي، مرة في الجامعة ومرة قبل ما أتجوز علطول، من أول مرة اتسحرت بيه، إنك تشوف الأهرامات من بره حاجة وإنك تدخل جواه و ف ممراته وأوضه حاجة تانية، جو مختلف تمامًا، أنت بقيت جزء من التجربة نفسها، مش مجرد متفرج، مشيت ما بين حيطان عدي جواها أجدادك بأمجادهم وأسرارهم والأحمال اللي جواهم، برؤيتهم وإيمانهم وأحاسيسهم المختلفة.. ومن كتر ضغوط الحياة والمشغوليات والمسؤوليات اللي تكسر الضهر مكنتش متخيل إني هلاقي الوقت والمزاج لزيارة تانية للهرم وأدغال ممراته، وأهو الحلم المستحيل البسيط المعقد بيتحقق..
-يالا يا "شهنده" شدي حيلك!
ده اللي قلته لمراتي بعد ما عديت من ممر بالنسبة لي سلس ومفيهوش أي صعوبة، لكن هي كالعادة كانت متأخرة عني أنا و"إحسان"، مع إن اللي يشوفها يقول إنها أكتر واحدة مرنة وسريعة عشان جسمها القليل، بس عادي، في الآخر كانت بتمر، الموضوع مكنش موقف مسيرتنا ولا منكد عليا.
كل الممرات والأوض كانت مألوفة بالنسبة لي ، كنت بفتكرهم بعد وقت قليل من دخولهم لحد ما وصلنا لممر معين..
أهو الممر ده كنت حاسس إني بدخله لأول مرة، يجوز دخلته قبل كده ومش فاكره، أنا ذاكرتي مش فولاذية يعني. المكان بالعافية كان مستوعبنا إحنا التلاتة، وف آخر الممر شفنا حجرة كبيرة مستطيلة، زي ما تكون باب..
على الحجرة أو الباب كان في مقبضين من النحاس، إحنا التلاتة بصينا لبعض، نفس الفكرة جت ف بالنا ف نفس الوقت، ما تيجي نجرب نشد المقبض.
مديت إيديا الاتنين ومسكت المقبضين وشديت بأقصى طاقة عندي، الباب كان تقيل، تقيل أوي، جريته بصعوبة، صوته وهو بيتجر كان عالي جدًا، "إحسان" و"شهنده" حطول إيديهم على ودنهم من الإزعاج لحد ما الباب اتفتح على آخره، ونزلنا..
بقينا جوه أوضة غريبة، مكنش بيتهيألي، فعلًا أنا عمري لا دخلت الأوضة دي ولا مشيت في الممر اللي بيأدي ليها، هي الأوضة للوهلة الأولى كانت تبان عادية يعني، مش مختلفة أوي عن باقي الأوض اللي دخلتها، غرابتها ف إني مدخلتهاش قبل كده مع إني كنت متخيل إني دخلت كل الأوض والممرات في المرتين اللي جتهم قبل كده، وبعد شوية لاحظت شوية إختلافات، الأوضة دي بالذات كانت مكتومة أوي، صدري تعبني لأول مرة من ساعة ما دخلت الهرم ولقيت نفسي بكح جامد عشان كمان التراب اللي كان مالي الدنيا، ده غير إن الرؤية مكنتش واضحة، والاتنين التانيين موقفهم مكنش مختلف عني، فضلوا يكحوا كتير ومكنوش قادرين ياخدوا نفسهم، وأخيرًا بعد كام دقيقة التراب بدأ يخف والرؤية تتضح شوية.
أول حاجة لفتت انتباهي هي الجدران، لونها المميز كان باين برغم التراب اللي مغطيها، مررت كفي ومسحت التراب من على جزء منها، الجدار كان مطلي بالدهب..
الرسومات اللي بانت بعد ما مسحت التراب برضه كانت مميزة، طبعًا كالعادة أنا مكنتش فاهم أي حاجة من الحروف، لكن كنت مدرك إن الرسومات مختلفة عن أي أوضة أو مقبرة أو معبد روحته.
الرسومات كانت عن طقوس عبادة، مصريين قدماء بيعملوا حركات معينة، كإنهم بيسجدوا لكيان ما، موجهين راسهم للسما، ومكنوش بيبصوا للشمس، يعني العبادة دي مكنش مقصود منها إله الشمس عند الفراعنة وفي من الأشخاص المرسومين كانوا رافعين صوباعهم، وهم سرحانين ف السما، وتانيين ماسكين برديات وبيقروا منها بتركيز وخشوع..
-مش يالا بقى؟
"شهندة" فوقتني بجملتها، مش فاهم كانت مستعجلة على إيه، إزاي عايزه تكروت الجولة ف الأوضة دي، قادرة تتخطى السحر ده إزاي؟
كان عندي رغبة أمسح التراب عن كل الحيطان والكراسي والآثار اللي قدامي والتابوت..
ثانية كده؟ تابوت؟! اه ده باين تابوت، هناك على بعد أقل من متر كان في تابوت غطاه من الجرانيت والدهب!
-يالا بينا كفابة كده، إحنا كده كده مش فاهمين حاجة من الكلام والرسومات دي ومفيش معانا مرشد يشرحلنا قصة الصندوق ده إيه وباقي الآثار، خلينا نروح على مكان نفهمه ويبقى فيه ونس.
=تمام يا "شهندة" تمام.
رديت عليها بنرفزة، كنت عارف إني مش هوصل لحاجة لو جادلتها، اللي ف دماغها ف دماغها، كنا هنخرج ف الآخر، لكن جولتي في الأوضة دي منتهتش لحد كده، حطيت ف دماغي إني أكيد هرجعلها ، لكن المرة اللي جايه هبقى لوحدي ومش هقولها ولا هقول لأي حد ييجي معايا، الزيارات دي متنفعش غير لو الواحد لوحده، أروح وأقعد في الأماكن اللي على مزاجي وأقعد زي ما أنا عايز.
وخرجنا..
الجولة مستمرتش كتير بعدها، خرجنا من الهرم وركبنا العربية وانطلقنا.
وصلت "إحسان" بيته وأنا و"شهندة" رجعنا عالبيت، الساعة مكنتش لسه جت 2 الضهر ومع ذلك بالنسبة لي اليوم كان خلص، بجانب الألم الجسدي، وجع عضمي ورجلي وركبي من المشي والنزول في الممرات الضيقة، مكنتش عارف أركز ف أي حاجة ولا عندي رغبة، كنت سرحان، دماغي كانت ف مكان تاني، هناك..
قعدت على الكرسي الهزاز ف أوضة النوم وفضلت أتحرك بيه وأنا بفتكر الأوضة ورسومات جدرانها والتابوت اللي فيها، كإنه شريط بيتكرر عليه صور للأوضة، كل ما الشريط يخلص يرجع يتعاد من أول وجديد.
"شهندة" كانت عمالة تلف حواليا كإنها طائر طنان زنان غتت، مكنش عاجبها حالي، مش فاهم أنا كنت مضايقها ف إيه، ما تسيبني ف حالي واللي أنا فيه، بصراحة مكنش معكر خيالي غير وجودها حواليا، وكل شوية تسألني : "مش عايز تاكل؟ مش عايز تشرب حاجة؟ مش هتنزل طيب معايا المشوار الفولاني؟ طيب مش هنتكلم مع بعض ولا نتفرج عالتليفزيون؟"
بالنسبة للسؤال الأولاني لأ، والتاني لأ، والتالت والرابع والخمستاشر، مش عايز أعمل حاجة غير إني أفضل مأنتخ كده ف مكاني وأعيد شريط أوضة الهرم.
والحمد لله أخيرًا "شهندة" فقدت الأمل فيا وتعبت من المناهدة وقررت تنام، أحلى قرار، الساعة كانت حوالي 10 ونص بليل، وياريتها زي ما بيقولوا كده كانت "خلدت إلى النوم"، حرفيًا، يعني تنام متقومش!
أنا بقى كنت متخيل إني هفضل صامد كده وأسهر على الكرسي، هقعد مثلًا أقلب في الموبايل شوية حلوين، أتفرج على فيديوهات تافهة وبعدين أفتح التليفزيون قدامي وأكمل السهرة، مكنش ف بالي أبدًا إني هنام بعد "شهندة" بنص ساعة!
أهو أنا كده، كل أجازة أعمل فيها شبح وأحط مخططات رهيبة منهم إني أسهر كتير ، أعمل أي نشاط، إن شا الله اقف ف البلكونة وأغتت على العيال فالشارع أو أقعد مع البواب وأشرب معاه شاي أو اتفرج على المسلسلات التركية المدبلجة أم دم تقيل ، لكن كل مرة بستسلم للنوم زي الباشا بسبب المجهود اللي بعمله في الشغل طول الإسبوع، والخطط تتأجل لنهاية الإسبوع اللي بعده..
نمت مكاني عالكرسي، كسلت أقوم وأنام عالسرير..
للأسف الشديد حسيت إني حلقي جاف واضطريت أقوم من نوم عميق عشان كان لازم أشرب ميه.
قمت وأنا بتخبط في الضلمة، مكنش عندي رغبة أبدًا أفتح النور عشان أرجع بسرعة من المطبخ للأوضة وأكمل نوم من غير ما أفوق، عينيا كانوا شبه مغمضين وأنا ماشي.. شربت الميه ورجعت للأوضة، كنت ف طريقي للسرير لولا إن في حاجة وقفتني..
أنا مش لوحدي! مش بتكلم عن مراتي، أكيد مراتي كانت موجودة، نايمة عالسرير، لكن في حد تالت كان معانا في الأوضة، حد على السرير بتاعي، بيتقلب جنب "شهندة"، حد له نفس ملامحي ، نفس طولي، نفس هيئتي، اللي يشوفه يقول إنه أنا، لكن الحقيقة إن في نسخة تانية مني، كان في، أنا كان عندي توأم، بس كان، في الماضي ، المفروض إن "نور" مات من سنين.
في حاجة تانبة لفتت إنتباهي، الحيطان كانت بتلمع، لمعتها كانت واضحة برغم الضلمة، زي ما تكون مدهونة بلون أصفر أو دهبي مشع، شبه جدران أوضة الهرم، لأ، دي هي نفسها، نفس اللون والكتابات والنقوش والرسوم المحفورة، إيه اللي بيحصل؟
ف ثانية كل ده اتبدل، "نور" مبقاش على سريري والحيطان رجعت زي ما هي، رجعت مخفية ف جوف العتمة، لا، أكيد رحلة الهرم أثرت فيا اكتر مما أتوقع، واضح إني مبقتش صغير وشبح زي زمان، زي ما جسمي وعضمي وجعني من الدخول في الممرات دماغي برضه اتأثرت أكيد..
للأسف دي كانت مجرد البداية..
تاني يوم شفته ف لقطة على طرابيزة المطبخ وأنا و"شهندة" بنفطر، كان قاعد معانا، وشي ف وشي، مش بينزل عينه من عليا، بس كانت لقطة صغيرة وبعدين اختفى، بقيت أشوفه بعدها كتير، كتير أوي، ودايمًا نظراته فيها عتاب، مش بس عتاب دي محاكمة كاملة، هو فيها القاضي والسجان..
بعد كام يوم مبقتش قادر أصمد، مش قادر أكمل، منزلتش الشغل، متحركتش من أوضتي ، محلقتش حتى دقني، كنت حاسس إني مش قادر أكمل، مش قادر أكمل حياتي ، معنديش رغبة إني أعمل أي حاجة، يكون ليا دور، أخدت بالي ف لمحات إن "شهندة" كانت برضه مش تمام، نظراتها ليا فيها غضب، أحوالها غريبة، لكن مكنش عندي طاقة أركز معاها أكتر من كده، أنا فيا اللي مكفيني..
"نور" مبقاش بس بيظهر بليل، ده بقى موجود طول الوقت، ف أي مكان حواليا وقدامي وف أي توقيت.
حسيت ب"شهندة" بتستعد للخروج، قلتلها وأنا مكسل أرفع راسي من عالسرير:
=خليكي، متسيبنيش، مش عايز ابقى لوحدي، أرجوكي متسيبنيش.
بصتلي باحتقار ومردتش عليا، وخدت بعضها ومشيت، ويارتني بقيت لوحدي، أنا كنت متأكد إنه موجود وهيظهر ف أي لحظة..
"نور" مظهرش، عدت ساعة واتنين و"شهندة" لسه مرجعتش، أخيرًا قررت أقوم، أروح أعمل حاجة اشربها، ولعت عالبراد ووقفت قدامه زي الزومبي، جسم من غير روح، مركز ف الفراغ، سحابة كآبة على عيني وملامحي..
فجأة حسيت بوجود جنبي ، متجرأتش أحرك راسي وأبص. سمعته بيقول:
-تفتكر إنك تستحق تعيش؟
"نور"، هو "نور"، ده مبقاش بس مرئي، بقى كمان بيتكلم!
بعد ما قال جملته علطول مسك إيدي وحطها على البراد المولع..
صرخت جامد. كإنه مش سامعني، كمل وقال:
-مش أنا عرفت؟ أصل الأموات بيتكشف عنهم الحجاب، كل المستخبي بيبان ليهم بالعرض، زي كده اللي بيبص لمشهد عالأرض من السما، كله بيبان مرة وحدة و فنفس الوقت. أنا عرفت إنت كنت حاسس بإيه ناحيتي، بتكلم عن إحساسك الحقيقي، المدفون ف أعماقك، مش اللي كنت بتبينه، الغيرة النار مني، عشان كنت شايفني أذكى، إجتماعي أكتر، ليا كاريزما ودمي أخف، وكون إننا شبه بعض بالظبط ده مكنش ف صالحك، عشان المقارنة، انا بالنسبة لك كنت النسخة المعدلة، عشان كده لما عرفت إن عندي ورم، كنت طاير من الفرحة، حسيت إن المملكة هتفضى ليك، هتبقى على العرش لوحدك من غير نسخة تانية منك تحسسك بالنقص، وفرحتك كملت لما المرض اتملك مني وف الآخر مت، اعترف انك اتبسطت، إنها كانت أجمل لحظة ف حياتك.
هزيت راسي جامد والدموع بتنزل من عيني، المشكلة إنه كان عنده حق! صحيح أنا حزنت عليه أوي، كنت بتقطع لما مات، بس برضه كان جوايا إحساس تاني، كان في فرحة خفية، إحساس بالراحة، إني مبقتش مهدد، مش هتقارن تاني بالنسخة الأحسن مني، مش هعمل نفس المجهود اللي كنت بعمله قبل كده، مش هجتهد عشان أثبت إني برضه ليا قيمة، خلاص، هدوووء، قدرت أنام وأنا مستريح من وقتها.
عيني جت على علبة المناديل في المطبخ، ولاحظت إنها شكلها مختلف، زي ما يكون ورق اللي ملفوف في البكرة مش مناديل، ورق مقوى، جاف، كإنه بردي..
لقيت نفسي بكح جامد ، صدري، مش قادر، مخنوق، في حاجة غلط، المطبخ ده ، الحيطان، مين اللي معايا، أنا فين، في حاجة غلط، بدأت أدرك حاجة..
.................
مكنتش متحمسة تمامًا للرحلة دي، وفي الحقيقة أنا بكره الأماكن الضيقة، عندي فوبيا منها، لكن محبش برضه حد يعرف إني بخاف، مهما خفت بالنسبة لي إن حد يكتشف ده بيكسرني، لازم أبان قوية، طول الوقت، عشان كده قررت أروح مع "رائد" جوزي و"إحسان" مشوار الهرم، هم ساعتين تلاتة بالكتير وهنرجع وكده كده خروجة زي دي مش هتتكرر كتير، كان لازم أجمد كده وأدعي مثلًا إنه كابوس وهيعدي.
لما قمت من النوم لقتني بمشي لحد الشباك، السما كان شكلها مختلف أوي، السحاب كان متجمع ف كتل كبيرة، كإنها قطع قطن، المنظر كان محتاج كرسي ومسند وكراسة رسم وفرشة وألوان، لكن برغم جماله كان مقبض، معرفش، بس حسيت إن اليوم نفسه كان هيبقى مختلف، السما الغير إعتيادية إشارة لليوم إنه مش هيبقى معتاد.
طول السكة ولحد ما وصلنا إحنا التلاتة متكلمناش كام كلمة على بعض، عارفة إن "رائد" كان متحمس جدًا، لكن "إحسان" أظن كان موقفه زيي، حاسس بخنقة وملل، مش هي دي الخروجة اللي نخرجها يوم الإجازة.
-يالا يا "شهنده" شدي حيلك!
ده اللي "رائد" قالهولي بعد ما عدى من ممر معين، عداه بمنتهى السلاسة، كإنه بيمشي ف طرقة بيتنا مثلًا، كان مستفز! حسيت إني عايزه أخنقه بإيديا، أنا كنت بعمل إني حركتي بطيئة، لكن الحقيقة إني كنت مرعوبة، مش عايزه الحيطان تفضل تضيق عليا وتضيق، لحد ما ابقى زي الفريسة ف شبكة عنكبوت، مش إحساس لذيذ يعني، لكن في الآخر اضطريت أدخل جوه الممر عشان أهم قاعدة عندي "إوعي حد يشم خوفك ويعرف نقط ضعفك، حتى لو أقرب حد ليكي".
وكله كوم والممر ده كوم تاني، وأنا بدخل جواه قلبي اتقبض، كنت خايفة منه أكتر من أي ممر تاني، المكان بالعافية كان مستوعبنا إحنا التلاتة، وف آخر الممر شفنا حجرة كبيرة مستطيلة، زي ما تكون باب..
على الحجرة أو الباب كان في مقبضين من النحاس، إحنا التلاتة بصينا لبعض، الفكرة اللي ف دماغي أظن كانت مختلفة عنهم، اللي أنا كنت بفكر فيه، ما تيجي ننسحب ونروح مكان تاني أو نخرج بره الهرم كله، بلاش نشد المقبض، بلاش..
قبل ما أتكلم "رائد" مد إيديه الاتنين ومسك المقبضين وشد بأقصى طاقة عنده، صوت الباب وهو بيتجر كان عالي أوي، أنا و"إحسان" حطينا إيدينا على وداننا من الإزعاج لحد ما الباب اتفتح على آخره، ونزلنا..
الأوضة دي كانت غريبة جدًا، كمية تراب وعفارة كانت جواها، كإنها متفتحتش من مدة كبيرة، ليه، ليه كنا لوحدنا هناك ومش سامعين حد جي من بره؟ إحساسي بيها مكنش مريح، الأوضة فعلًا مختلفة، لاحظت آثار كتير، كراسي وأدوات كلها متغطية بالتراب وحتى الجدران كانت كلها متربة، حسيت إني دايخة، ملت على جدار بجسمي كله وطبعًا إيدي مسحت حته محترمة من التراب من غير ما اقصد، صدري كانت طابق عليا، بكح ومش عارفة أتنفس عدل، وبرغم ده أخدت بالي من الرسومات اللي بانت لما "رائد" مسح التراب على الجدار اللي جنبه، مكنتش شبه أي رسومات شفتها ف أي صرح متعلق بالمصريين القدماء ، الطقوس بتاعة الأشخاص المرسومين كانت مميزة وف نفس الوقت مألوفة، شبه الصلاة بتاعتنا، وضعية السجود والإيد المرفوعة للسما كإنهم بيدعوا ربنا ، ولا مرسوم رمز لآله الشمس عند الفراعنة ولا غيره، والصوباع المرفوع في الرسومات كإن الشخص بيأكد إن ربنا واحد، ويمكن ده خيال جامح مني، وتفسير أوفر للي شفته.
-مش يالا بقى؟
قلتلهم كده، وده عشان كنت جبت أخري، بجد خفت أوي من الأجواء اللي احنا فيها، الأوضة دي بالذات كنت عايزه أخرج منها وأخلص الجولة دي كلها وأرجع بيتي.
"رائد" لقيته مركز ف حاجة قدامه وبيقرب منها، تابوت! إزاي، إيه قصة التابوت ده؟ واضح جدًا إنه كان قيم بالرغم التراب اللي مغطيه، مصنوع من الجرانيت والدهب.
مش بس "رائد" ده كمان "إحسان" انضم ليه، والاتنين كانوا زي اللي ندهتهم النداهة، بيقربوا ويقربوا كإنهم منفصلين عن العالم كله حواليهم.
=يالا بينا كفابة كده، إحنا كده كده مش فاهمين حاجة من الكلام والرسومات دي ومفيش معانا مرشد يشرحلنا قصة الصندوق ده إيه وباقي الآثار، خلينا نروح على مكان نفهمه ويبقى فيه ونس.
قال يعني! أهو أي كلام قلته عشان أخبي رعبي، أي حجة عشان أخرج بسرعة من هناك.
-تمام يا "شهندة" تمام.
وخرجنا..
الجولة مستمرتش كتير بعدها، خرجنا من الهرم وركبنا العربية وانطلقنا.
وصلنا "إحسان" بيته وأنا و"رائد" رجعنا عالبيت، "رائد" جري لأوضة النوم، قعد على الكرسي الهزاز وفضل مكمل على كده لباقي اليوم، تقريبًا مقامش.
والنتيجة إني كنت تقريبًا لوحدي ف الشقة، مانا كان ورايا التزامات وشغل بيت، مكنش ينفع اقعد زيه ف أوضة النوم وأريح دماغي، إحساسي بالبيت كان عجيب أوي، كنت حاسه بضيق، المكان فجأة بقى ضيق عليا، الحيطان قريبة مني، بتطبق عليا، مش قادرة اخد راحتي، المساحات بركتها قلت، البيت بقى بالنسبة لي عبارة عن ممر مخنوق.
كنت كل شوية أروح ل"رائد"، بتلكك عشان كنت خايفة، بسأله إذا كان عايز ياكل، أو ننزل ننجز مشوار من المشاوير المتأجلة أو حتى نقعد نتكلم مع بعض أو نتفرج عالتليفزيون، وكل الإجابات كانت ب"لأ".
فقدت الأمل فيه وقررت أنام، أهو كده برضه هبقى متطمنة، على الأقل هيكون قاعد معايا ف نفس الأوضة، مش مهم بقى إذا كان على الكرسي الهزاز أو على السرير، أهو موجود وخلاص.
هزة الموبايل ونوره الضعيف صحوني، اتقلبت ومديت إيدي عليه، مطلعش موبايلي، كان موبايل "رائد"، كنت ناوية أرجعه تاني على الكوميدينو علطول، لولا إن الرسالة اللي باينة عالشاشة لفتت انتباهي، رسالة واتس آب من حد من الماضي، حد تخيلت إنه اتدفن واتردم عليه ومش ممكن يقوم تاني ويبقى ليه دور ف حياتنا، "أمينة"..
إيه اللي يخليها تبعتله عالواتس آب؟!
"أمينة" كانت أعز صاحبة عندي وده من طفولتي لحد ما كبرت، لحد ما اتعرفت على "رائد"..
والسبب اللي خلى كل واحدة فينا تروح لحالها هو "رائد" نفسه وده عشان هي كانت مرتبطة بيه قبليا، دايمًا كانت بتحكيلي عنه وأنا كنت حاسة إنها مزوداها، إنه مش شخص مبهر كده، وإن مراية الحب عامية وهي بس اللي شايفاه مفيش زيه، وده كان لحد ما شفته بنفسي، واللي حصلها هو نفسه اللي حصل لي، "رائد" بقى شاغل تفكيري كله، مكنتش قادرة أركز ف أي حاجة ف حياتي، صورته مش بتغيب عن بالي، غصب عني، حياتي كانت هتبقى جحيم لو "رائد" مش معايا، وده اللي خلاني مهدتش غير لما حولت الدفة ف اتجاهي، عملت كل حاجة عشان الفت انتباهه وأشده ليا، ونجحت، "رائد" سابها وارتبطت بيا أنا واتخطبنا واتجوزنا، وبعدها عرفت إن "أمينة" قابلت واحد تاني وحبته واتجوزوا وسافروا بره مصر.
لما تابعت من بعيد حياتها الجديدة وشريك حياتها، الغيرة أكلت قلبي! وده عشان كان باين عليها سعيدة جدًا، أخدت أحسن من اللي بتتمناه، جوزها كان وسيم أكتر وأغنى وواضح إنه بيعشقها ومثالي معاها، بعكسي أنا، حياتي مع "رائد" كان فيها برود وشد وجذب كتير، حسيت إن حبه ليا فتر مع الأيام ، ومكنتش عايزه أعترف، بس غالبًا دي إسمها العاقبة أو الكارما! جزاء ليا عشان عملي الأسود، لكن إيه بقى اللي فكر "أمينة" هانم ب"رائد"؟؟
جيت أفتح الرسالة متفتحتش وده عشان الأستاذ طلع عامل كلمة سر للشاشة، اه ده كده احلوت أوي وبانت.
اللي زود يقيني بإن في حاجة مش مظبوطة بتحصل الكآبة الشديدة اللي "رائد" فجأة بقى فيها، وده معناه حاجة واحدة، "رائد" حاسس بتقل وتأنيب ضمير بسبب حاجة خفية بتحصل وحاجة غالبًا لسه هتحصل، هيسيبني مثلًا عشانها..
على سبيل المثال واحنا قاعدين بنفطر فجأة بص للكرسي اللي جنبي، اللي كان قدامه مباشرة كإنه بيتخيل شخص ما، سرح معاه، أكيد كان خيالها هي، تخيل حياة كاملة معاها، حياة اتبدل أنا بيها وهي تبقى شريكته وحبيبته فيها، وده بقى يتكرر كتير، بيسرح ف أماكن مختلفة كإنه شايف وبيكلم حد، وأنا مبقاش ليا وجود بالنسبة له.
يمكن إحساسي بالخوف والخنقة وإن البيت ضاق عليا يكون ليه علاقة باللي بيحصل مع "رائد"، إنه بيبعد عني وعلى وشك إنه يسيبني عشان وحدة ست تانية، واحدة كنت فاكرة إني انتصرت عليها بس طلعت غلطانة، لكن لو الموضوع فعلًا نفسي إيه بقى اللي يفسر الإنعكاسات اللي شفتها؟
ف يوم كنت واقفة ف الصالة، التليفزيون كان مطفي، عيني بالصدفة وقعت على الشاشة، شفت عليها انعكاسات لكذه شخص واقفين ورايا! كلهم كانوا لابسين هدوم غريبة، القصة بتاعتها، شبه ملابس الإحرام شوية، لكن مش هي وأكيد الوشوش مكنش عليها نفس البشاشة بتاعة الحجاج! نص صدرهم كان مكشوف وقطعة قماش كبيرة ملفوفة على باقي جسمهم، الوان القماش مختلفة، وحالقين رؤوسهم، مكنوش بس واقفين ورايا، دول كانوا بيبصولي بغضب وتحدي، واحد فيهم كان ساند على عصاية، شفته بيحركها وبيرفعها ببطء كإنه هيضربني على راسي بيها!..
جسمي فك وقدرت الف بسرعة في اللقطة دي قبل ما العصاية تنزل على راسي لكن مكنش فيه حد، مكنش في كهنة، أيوه دول كانوا كهنة، نفس الوصف بتاع كهنة الفراعنة، إيه اللي 5 كهنة كانوا بيعملوه ف بيتي، أنا فقدت عقلي، ولا بجد كانوا هنا؟ البيت، البيت بقى ضيق أوي، رجلي بدأت توجعني، لأ عضمي كله، مش قادرة أتنفس عدل..
مبقتش طايقة القعدة في البيت، كان لازم أخرج من هناك
-خليكي، متسيبنيش، مش عايز ابقى لوحدي، أرجوكي متسيبنيش.
لا يا راجل؟! أخيرًا "رائد" حس بوجودي، افتكر إني مراته وعايشة معاه وكده؟ ومسيبوش ليه بقى إن شاء الله، كفاية عليه السنيورة اللي هتسليه للباقي من أيامه، بكره عصافير الحب يتجوزوا وأنا أخرج من الصورة، مش هي الخطة؟ ولا عايز يشيل من على أكتافه، صعبانة عليه وبيشفق عليا، وبيحاول يعمل زي خاتمة كده لقصتنا؟
بصتله باحتقار ومردتش عليه، مشيت وسيبته لوحده..
قضيت نص اليوم بره.. طلعت عالسلم، قربت من باب الشقة، فتحت شنطتي وخرجت مفاتيحي، استعديت عشان أدخل المفتاح ف فتحة الباب بس محركتوش، في حاجة شلتني ف مكاني، سمعت أصوات من جوه الشقة، ضحك، صوت رائد ممزوج مع صوت ست، في واحدة معاه جوه!
أعمل إيه؟ أعمل إيه؟ الست دي أكيد هي، مفيش غيرها، "أمينة"، كان فاكر إني هغيب كتير وبلغها عشان تيجي ويقضوا مع بعض ساعات صفا، الف وأمشي؟ أسيبهم يتهنوا ببعض؟ لكن لأ، لأـ مش بالسهولة دي، مش أنا اللي يتعمل فيا كده، مش هسيبها تفوز بيه..
دخلت ولقتها قعدة جنبه على الكنبه، لازقة فيه، وشها منور وبوقها مفتوح عالآخر من الضحك والفرفشة، هجمت عليها، "رائد" طبعًا حاول يمنعني، مسكت الفازة الإزاز الصغيرة وكسرتها على دماغه عشان ميمنعنيش عنها، ضميت إيديا الاتنين على رقبتها وفضلت أعصر وأعصر، شفت عنيها بتتحرك ف عصبية ووشها بيزرق وصوتها بيتكتم، كانت بتقاوم شوية في الأول بس في الآخر مقدرتش، إيديها ارتخت واستسلمت وروحها طلعت، بقت جسم من غير حياة.
أخيرًا فلت إيدي، "رائد" اتحرك بصعوبة من عالأرض، بصوت مبحوح قال لي:
-عملتي إيه يا مجنونة؟ ليه؟
بصتله وبصيت تاني قدامي ناحية "أمينة"، لكنها مكنتش "أمينة"، دي جارتنا العجوزة اللي عندها فوق ال70 سنة وملهاش حد غيرنا، دايمًأ كانت بتتردد علينا ولما مش بتلاقيني في البيت بتستناني، و"رائد" كان بيعاملها كإنها أم ليه واحنا الاتنين شبه متبنينها عشان كمان ظروفها الصحية الصعبة، قتلت جارتنا و"أمينة" مكنش ليها وجود!
ومظنش إنها كانت بتتواصل معاه ولا بعتتله رسايل على الواتس آب، "أمينة" ف بلد تانية، متجوزة راجل تاني ومش بتفكر فينا أساسًا، أدركت ده وقتها، بعد فوات الأوان.
حسيت بحركة ورايا، اتلفت ببطء، واحد من الكهنة كان واقف بيبص عليا، شفايفه بدأت ترتخي، ابتسم ابتسامة مرعبة، رفع إيديه الاتنين وحركهم، الحيطان بدأت تتحرك، تقرب من بعضها، وفي كمية تراب خرجت من كل الاتجاهات، مش قادرة، صدري، مش قادرة أتنفس، والمكان بيضيق، بيضيق، في حاجة غلط، بدأت استوعب، بدأت استوعب..
.................
أنا لا كنت متحمس ولا مضايق، مش فارق معايا، مكنش ف بالي حاجة تانية أعملها ف يومي، قلت ليه لأ، أروح مع أختي وجوزها الهرم، أهو تغيير وتقضية وقت، مش هخسر حاجة.
قمت متأخر، كان فاضل قليل أوي على المعاد اللي اتفقنا عليه، أقل من نص ساعة وكانوا هيوصلوا لعندي والمفروض أجهز بسرعة عشان ملطعهمش، قمت من السرير ودخلت جوه أي بنطلون وقميص، وكنت عايز أجري عالمطبخ أحضر كوباية القهوة، بس قبل ماخرج من الأوضة، وقفت، اتحركت ناحية الشباك، السما كانت ملفتة، مش بس تجميعة السحاب، لون السما نفسه، كان محمر، غريبة أوي، يا ترى روسيا عملت تجارب خفية وحصل انفجار نووي صغنطوط ف واحد من معاملها وإحنا منعرفش ولا إيه؟ عمري ما شفت المنظر ده ف حياتي، من وقت ما وعيت عالدنيا، بس عادي يعني، مكنتش هقعد اتفلسف وأحلل في الأمور، أيًا كان السبب مش هتفرق، إحنا ف زمن ما يعلم بيه إلا ربنا أصًلا، من ثورات لأوبئة لحروب عالمية وف انتظار يأجوج ومأجوج، المفروض منستغربش حاجة..
محدش فينا وجه كلام للتاني طول السكة، "رائد" كان متحمس لدرجة البلاهة، و"شهندة" كئيبة أكتر من المعتاد، عليها قلبة وش، أنا مش فارقة معايا أوي، لا مبسوط ولا زعلان، أهو أحسن من قعدة البيت.
-يالا يا "شهنده" شدي حيلك!
كنت حاسس إن "رائد" بينده من جوه بير مثلًا ، الصوت كان بعيد وعامل صدى كإنه على مسافة كبيرة منا، أنا سبقت "شهندة" ومشيت في الممر لحد ما وصلتله وهي بس اللي اتبقت، "شهندة" عمرها ما كانت بطيئة، أنا عارف إنها كانت بتتباطيء عشان كانت خايفة، هي بس بتمثل إنها شجيع السيما ومش قلقانة وهي هتموت من جواها، في الحقيقة هي جبانة جدًا، عندها فوبيا الأماكن الضيفة.
فضلنا نمشي من ممر لممر لحد ما وقفتنا حجرة كبيرة، على الحجرة كان في مقبضين من النحاس، بصراحة كان عندي فضول نشد المقابض دي ونعرف إيه اللي ورا الحجرة، لأول مرة في الرحلة دي أحس بتحمس، الأكشن بالنسبة لي كان بدأ وموقفي بقى زي موقف "رائد"، بصيت لرائد اللي هو يالا يا بطل إفتح يا سمسم، "رائد" مد إيديه ومسك المقبضين وشد..
صوب الباب وهو بيتزق كان عالي بشكل مريع، رفعت إيديا وغطيت وداني لحد ما اتفتح على آخره ونزلنا..
لأ، التراب ده مكنش طبيعي أبدًا، كإن الأوضة دي كانت بتتفتح للمرة الأولى! رفعت كم القميص وغطيت مناخيري واتنفست فيه. اللي لفت إنتباهي كمية الآثار الموجودة، الكراسي والتماثيل الصغيرة والأدوات الملفوفة بكتان واللي أجساء كتير منها كانت مكشوفة، للحظة حسيت إني فقدت الاتزان، سندت على حيطة من الحيطان ، صوابي وكفي اتملوا تراب، وبعدين بعدت ورجعت ركزت على الكنوز اللي كانت قدامي، الرسومات على الحيطة برضه لفتت إنتباهي بس مركزتش أوي فيها، اللي كان شاغلني هي الآثار و..التابوت.
التابوت كان مصنوع من الجرانيت والدهب، ضخم جدًا، تحفة فنية ملهاش مثيل، في المرحلة دي بقيت متأكد، الأوضة دي أول مرة تتفتح وإحنا أول ناس نكتشف التابوت والكنوز اللي في الأوضة دي من وقت دفن الملك "خوفو"!
-يالا بينا كفابة كده، إحنا كده كده مش فاهمين حاجة من الكلام والرسومات دي...
مسمعتش اللي "شهندة" قالته بعد كده، بالنسبة لي كلامها كان وش، ميفرقش عن الوش بتاع محطات الراديو اللي إرسالها ضايع، كل اللي كان هاممني هو التابوت ده، كإنه بيندهني..
-تمام يا "شهندة" تمام.
في اللحظة اللي "رائد" اتلفت فيها ل"شهندة" ورد عليها بالكلمتين دول، مديت دراعاتي وبدأت أحرك ف غطا التابوت.
-بتعمل إيه عندك؟
"شهندة" سألتني بذعر وأنا بحرك الغطا، تجاهلتها، ولا كإنها موجودة أصلًا.
أخد مني مجهود كبير، لكن أخيرًا عرفت أزحزحه، أكيد متفتحش للآخر، بس الجزء اللي اتكشف كان كفاية بالنسبة لي، قدرت من خلاله أشوف اللي جوه التابوت..
لفايف كتير من البردي حوالين موميا! وإيدين الموميا ماسكة ف صولجان دهب.
-يالا يا "إحسان"!
المرة دي "شهندة" كانت مرعوبة بجد، مقدرش أعاتبها، إحنا ف ظرف مش معتاد أبدًا، وكلنا حسينا بشكل أو بآخر إن الأوضة دي مميزة، عشان كده مديت إيدي بسرعة وسلكت الصولجان من إيد الموميا وأخدته وخبيته تحت هدومي!
القطعة دي لوحدها كانت كافية تعيشني ملك أنا وأجيال من بعدي، والحلم اللي طول عمري بحلم بيه اتحقق ف ثانية من غير حسابات ولا تخطيط، أصلي حاولت كذه مرة عن طريق معارفي أدوس ف موضوع المقابر الفرعونية بحكم تعاملي مع متخصصين في الآثار عشان أنا عندي محل عطور ومن خلاله اتعرفت على كتير في المجال ده ، ده غير إن بلدنا الأصلية في المنيا وبرضه عندي شبكة معارف هناك، لكن كل محاولاتي اللي قبل كده فشلت، وأهو ف لحظة مسكت حلمي بإيدي وهبيعه وهاكل الشهد من وراه..
وخرجنا..
وصلوني للبيت ومطلعوش حتى، أنا طبعًا عزمتهم عزومة مراكبيه والحمد لله إنهم مطلعوش، كنت حاطط إيدي على قلبي طول الوقت وأنا معاهم، خايف لأتقفش بالمصيبة اللي معايا..
كنت تعبان أوي، الجولة جوه الهرم وممراته الضيقة كافية تهد جبل، وبرغم كده حطيت الصولجان قدامي ومددت عالسرير وفضلت اتأمل فيه شوية حلوين وبعدين جفوني وقعت، واستسلمت للنوم..
لما فتحت عيني لقيت إن السما لونها برتقاني، الشمس بتغرب، نمتلي كام ساعة بعمق، اللي خلاني اتنفض وحالتي تتغير من السلام للهلع هو إن الصولجان مكنش عالسرير، قمت زي الممسوس، بقيت الف حوالين نفسي لحد ما لقيته واقع عالأرض ف جانب من جوانب السرير، معقول أكون اتحركت بعنف ووقعته؟ يجوز، مع إني محستش بده.
مسكته وحطيته في الدولاب وقفلت عليه بالمفتاح وبعدين خرجت للصالة عشان أروح للمطبخ وأعمل حاجة أشربها، منظر البلكونة كان مختلف، روحت بسرعة وجريت الباب الإزاز وفتحته، كل الزرع اللي كنت حاطه في البلكونة مات!
بقيت أشيل قُصر الزرع وأنا مذهول، الورد والزرع وحتى الصبار ، كله إصفر ودبل ومات، إيه اللي حصل؟ الزرع مات إزاي مرة واحدة؟!
فورًا عرفت إن في حاجة مش مظبوطة، دي مش ظاهرة طبيعية أبدًا، ومش صدفة إن ده حصل ف نفس يوم زيارتي للهرم والأوضة المريبة.
الأيام اللي بعد كده كانت مرعبة أكتر، كل يوم جرعة الرعب والألغاز بتزيد، صحيت مثلًا ف ليلة من عز نومي وأنا مخنوق، في حاجة كانت واقفة ف زوري، فضلت أكح، قمت بالعافية، بقيت أتسند عالحيطان لحد ما وصلت الحمام، كحيت جامد في الحوض لحد ما اللي كان موجود ف زوري نزل، خنفسة!
كانت خنفسة سودة كبيرة وكانت لسه بتتحرك، عايشة..
ومن بعدها الخيالات بقت تظهر كتير وف أماكن مختلفة من الشقة، خيالات من عصر تاني، أشكالهم وأزيائهم مش زينا، وكتير منهم لابسين قناع "أنوبيس" رمز الموت والتحنيط والمقابر والعالم السفلي، واضح إني عملت غلطة كبيرة لما سرقت الصولجان، وكان لازم أتخلص منه لإني متأكد إني كنت هتأذي لو فضل معايا..
نزلت ف يوم من الصبح بدري واتوجهت للهرم لوحدي ، طبعًا مدخلتوش، مكنش في غير إني أرتجل، حفرت حفرة في الرملة بالقرب من الهرم الكبير وحطيت الصولجان فيها وردمته.
حسيت براحة كبيرة لما عملت كده، لا أنا قد خنافس ولا أنوبيس ولا لعنة، الموضوع ميستحقش.
رجعت البيت، دخلت أوضتي، اترميت على السرير، ياه، الواحد هيرجع تلني لحياته القديمة، اللي مكنش حاسس بقيمتها، الحياة الهادية اللي من غير كوابيس أو خوف..
ده كان إحساسي قبل ما اشوفه على طرف السرير، بيلمع، الصولجان!
إزاي؟ إزاي؟ منين جه؟ الي يجنن مش بس إنه رجع، ده كان بيلمع بشكل عجيب، والحروف اللي عليه، كانت بتتحرك، مش بس بتتحرك، دي كانت بترقص، بتتحرك بسرعة رهيبة، قربت منه ومسكته، سخن ف إيدي، فضل يسخن ويسخن، بقى زي ما يكون جمرة نار، مكنتش عارف أخلص إيدي منه، جلدي لزق فيه، وبدأ يورم ويسيح، والسخونة اخترقت عضمي، حد يساعدني، حد يساعدني!
الهوا كمان بقى مختلف، مكتوم، كإن في تراب في الجو، في برديات ظهرت عالأرض، في حاجة غلط! الأوضة دي، بدأت استوعب..
.................
"رائد": أنا مش في المطبخ و"نور" مش معايا، أنا مش في البيت أصلًا، أنا مخرجتش من هناك، أنا لسه في الأوضة السرية، أنا لسه في الهرم!
"شهندة": أنا مش في الصالة، مقتلتش جارتي، المكان بيضيق عشان دي مش الحيطان بتاعة بيتي، أنا مخرجتش من هناك، أنا لسه في الأوضة السرية، أنا لسه في الهرم!
"إحسان": مفيش صولجان ف إيدي، مأخدتوش، الصولجان موجود زي ما هو جنب البرديات، الهوا مكتوم عشان أنا أنا مخرجتش من هناك، أنا لسه في الأوضة السرية، أنا لسه في الهرم!
أنا و"رائد" و"شهندة" بصينا لبعض، عنينا اتملت دموع، مش بس أدركنا إننا لسه هناك، لأ، إننا في الغالب مش هنخرج، الأوضة السرية كانت لأول مرة بتتفتح من ناس معندهمش نية يفتحوها، لا مستكشفين ولا مهووسين بالهرم وأسراره، اللي حصل إننا إحنا التلاتة لمسنا الجدران، اللي كان عليها نوع من السموم أو المواد الكيمائية اللي بتعمل هلوسة شديدة، وده ملوش غير تفسير واحد، الرسومات اللي عالحيطة بتدل على عقيدة خوفو، قصة كنت سمعت عنها قبل كده وكنت متخيلها مجرد إسطورة وهي إن خوفو كان موحد وبسبب ده وقع خلاف كبير ما بينه وبين الكهنة اللي كانوا مسيطرين على مصر كلها، كانوا عاملين زي المافيا القوية اللي ليها مصالح ومكنتش هتفرط فيها، يعني هيستسلموا ويؤمنوا بالله والناس تبطل تجيبلهم هدايا ثمينة وفلوس ودهب وعطايا؟ المهم باقي القصة اللي سمعتها إن خوفو كتب برديات فيها تعاليم، تقييمي إن البرديات هي اللي موجودة في التابوت مع الموميا بتاعته، والكهنة اكتشفوا ده بعد دفنه مباشرة لإن اكيد اللي حنطه حد كان بيثق فيه، حد غيرهم، ولما اكتشفوا خافوا يتفضحوا فكان لازم يتصرفوا بسرعة ومكنش ينفع يجازفوا ويخرجوا بالبرديات ويتقفشوا أو يكسروا في الأوضة، الحل هو إنهم يحطوا مواد كيميائية شديدة السمية تسبب هلاوس للي يكتشف الأوضة، عشان السر اللي اكتشفه يتدفن معاه، ومظنش إن مصيرنا هبختلف عن مصير الفوج السوفيتي اللي راح رحلة للهرم واختفى من سنين كتير، ودي برضه قصة كنت فاكرها متلفقة ومش حقيقية، وأدينا عرفنا بالطريقة الصعبة..
"تمت"