"رمضان" هذا الطفل الهزيل السمج الذي خطف الساندويتشات من الأطفال الأخرى، هذا الذي ألقى نكات وضحك عليها وحده ، اااه ضحكته، كم كانت مزعجة وسخيفة مثل نكاته، كم كرهه الأطفال الآخرون وأسموه "رمضان بطيخة" لأنه وبرغم هزاله امتلك بطنًا ضخمة أو بمعنى أصح "كرشًا" عجيبًا ، ذلك ذنب السندويتشات الذي أخذها من زملائه رغمًا عنهم .وإن أعترض أحدهم وحاول رفض اعطاءه الساندويتش نزل عليه "رمضان" بكفه على وجهه الصغير فسبب له احمرارًا دام لما تبقى من السنة وإن سأل المعلم أو والديه عن ذلك الاحمرار لأنكر الطفل المسكين تمامًا تعرضه للضرب ، ومن يعلم إن أفصح لربما جلس عليه "بطيخة" واطبق على نفسه ، لم يعلم "رمضان" أبدًا باللقب الذي أسموه به. لم يكن يتميز بأي شيء غير تلك البطن والكف المميت، لذلك ولحين شب وصار بالثانوية لم يجرؤ أحد على رفض طلب له ، وتم تجاوز مرحلة الساندويتشات إلى مرحلة "السجائر" و"المجلات الغير أخلاقية" حيث أجبر زملاءه على جلب تلك الحاجيات له وان كانوا هم أنفسهم لا يمتلكوها! يرن جرس الفسحى فيقترب من الزميل الضعيف مكسور الجناح ويطلب منه أن يأتيه بسجائر من الكشك المجاور للمدرسة و"على حسابه" ، يسأله وهو يرتجف:
-ازاي، انا ممكن اتقفش، ازاي هخرج أصلا من المدرسة؟؟
-اتصرف!
-ازاي؟!
هنا يمد كفه ويضعه على كتف الضحية وتلقائيًا تدور عينا المسكين وتثبت على البطيخة ويشعر بانقباض صدره ويرد بعدها "بطيخة":
-اتصرف!
وإذا تم الإمساك بالضحية وهو يحاول تسلق السور والخروج من المدرسة أو يقع ويتضرر ويصرخ يتصرف "رمضان بطيخة" وكأنه من بنها ولا يتحرك أبدًا ويعود فيبحث عن الضحية الجديدة لتلبية طلباته. ثم تغير شيء ، ما ان بدأ الصف الثاني الثانوي حتى تغير الزملاء تجاهه، لم يعد يثير الخوف بهم، لم تعد "بطيخته" وجسده العجيب يحرك بهم شيئًا أو يدفعهم إلى المثول لطلباته وتسلطه، وصار "رمضان بطيخة" مجرد "رمضان بطيخة" ، هذا الزميل البائس ذو الجسد العجيب والسحنة الأعجب والدم الثقيل والحضور الأبئس بل صاروا هم يتحرشون به ويتسلطوا عليه. وفي خلال كل ذلك حاول "بطيخة" التقرب من الفتيات في مدرسته، لماذاوكيف اعتقد ان له فرصة مع أي كائن أنثوي لغز لم يفهمه أحد ، فهو لم يكن فقط غريب الشكل بل حُفر في الأذهان شخصيته العفنه المستغلة وطبيعته الغير سوية. وفي يوم وحين وجود تلك الفتاة وحدها في الفصل وقت الفصحى اقترب "بطيخة" منها وجلس بجانبها وظل يرمقها بطرف عينيه بنظرات مريبة لم تقهم مغزاها حتى أفصح عن شعوره بالإعجاب بها وما كان من الفتاة المسكينة إلا أن حملقت به دون جواب ثم فجأة تذكرت كفه وكيف ينطلق وكأن له شخصية مستقلة بذاتها ليهوى على الرافض طلباته، صحيح أن تلك الحوادث قديمة ولم تسمع عن موقف جديد له ولكن هذا لن يمنع أن يتجدد العهد في أي موقف ينعش لذلك الكف شخصيته المستقلة.
-ها؟
-انا..بس..هو..انا
-اكيد مكسوفة
يا سماجته، يا ثقل دمه، لا ليست خجلة أيها الكائن لكنها مرتعدة منك.
-انا..مش هقدر
-مش هتقدري؟!
أسرعت ترد:
-مش هقدر دلوقتي..دلوقتي مش هقدر
-امتى طيب؟
-مش عارفة..تعالى نسيبها.
ثم قامت منتفضة وخرجت من الفصل. ومن يومها و"بطيخة" يلاحقها في كل مكان ظنًا منه أنها معجبة به وأنها تكابر وأن فرصته معها أقتربت ، صار كظلها، كابوس لا يتركها حتى واتتها الشجاعة يومًا وعبرت عن رفضها التام له.
دار هذا الشريط في ذهنها وهي تنظر اليه الآن في تلك القاعة بمناسبة حفلة خطوبة صديقتها ، كان "رمضان بطيخة" جالس في الطاولة المواجهة لها ولكن دون البطيخة، اختفت البطيخة تمامًا وحل مكانها بطن مشدودة وجسد رياضي ممشوق وملامح غاية في الوسامة وجلست بجانبه فتاة توج إصبعها بخاتم فاستنتجت أنها خطيبته خصوصًا بعد أن لمحت الدبلة في يده وسمعتها تقول له "مونامور" وتداعبه، أما "بطيخة" فلم يتعرف حتى عليها وهي حدثت نفسها:
-مش كنت صبرت عليه أهي البطيخة راحت وبعدين ايه يعني لما ينزل عليا بكفه ماهو ضرب الحبيب زي أكل الزبيب.
جلست هي وحيدة شريدة بينما بطيخة انتقل من "رمضان بطيخة" إلى "مونامور"!
#رمضان_بطيخة_بقى_مونامور
#ياسمين_رحمي