أيتها الروح الساكنة من الحياة السابقة الفانية، الحيوات تفنى لكن لا تفنى الأزمنة ...تقوم من محيطها لتحيا ثانية... ومرة اخرى يشهد العالم تألقها وحكمها وتستعيد مجدها"
ردد الجمع الجمل مرارا وتكرارا بعد ان نفذوا الطقوس التي صاحبت التعاويذ. هم متأكدون هذه المرة..قد نفذوا ما طلب منهم بحذافيره...لم يخطئوا بشيء كالمرات السابقة.
صمت...كالصمت الذي سبقه في المرات الفائتة..لا توجد فائدة! لا تنجح محاولاتهم ابدا مهما فعلوا!
تملك منهم اليأس..نظروا الى اسفل وقد تدلت اكتافهم . ثم سمعوا صوتا..التابوت يتحرك ببطء وريح تأتي من حيث لا يدرون. فتح غطاء التابوت عن آخره وقامت المومياء من مكانها.
ارتعشت اطرافهم وهم يراقبونها تقف وتصببوا عرقا.
في البداية اهتزت وكانها فاقدة توازنها حتى تمالكت نفسها ووقفت بثباث مدت ذراعيها الى الامام ثم حركت يدها اليمنى واخذت تفك القماش من على وجهها.
كان وجهها مثيرا للرعب . ملامحها جامدة من اثر التحنيط عيونها غائرة وشفتيها جامدة رفيعة حتى بدأ اللحم يكسو وجهها. لم تفت الثوان حتى استعاد وجهها الجياة وباقي جسدها.
-احسنتم برافو عليكم!
-انتي هتقتلينا وتمصي الحياة منا؟!
-اقتلكم واعمل ايه؟ جبتم الكلام ده منين؟
-الافلام والكتب ولعنة الفراعنة
-الله يخربيت الافلام اللي مبوظة سمعتنا.
-طيب هتدينا مكافأة سلطة وجاه ومال كتير وكنز وكده؟
-ولا دي كمان بس شكرا عالجدعنة.
ماذا الان؟ ماذا بعد قيامة كليوباترا العظيمة. أشارت كليوباترا الى احدهم ان يفرغ صندوق من محتواه حيث كان زيها الملكي. ارتدته ثم سألتهم كيف تصل الى الاهرامات
-يااااه دي ف مصر.
-امال احنا في انهي دولة؟
-إسكندرية.
-طيب اوصل ازاي؟
-اسرع طريقة تركبي مشروع.
-لأ انا مش عايزه اعمل مشروع مش دلوقتي على الاقل.
-لأ تركبي مشروع عشان توصلي بسرعة.
سارت كليوباترا وسط شوارع الإسكندرية بزهو وثقة والناس تحملق بها وتتهامس حتى وصلت الى موقف الميكروباصات المتوجهة الى القاهرة. جلست على مقعد تحملق عبر النافذة في انبهار تنتظر.
جلس بجانبها رجل اخرج علبة سجائر وسحب سيجارة واشعلها. رسمت على العلبة رسمة ليست غريبة عليها
-ايه اللي على العلبة ده؟
-دي كيلوبادره
-نعم؟!
-اول مرة تشوفي سجاير كيلوبادره؟
-انا عمري ما كان عندي سجاير سجاجيد بس.
انطلق المشروع على الطريق وكليوباترا تنظر منبهرة عبر النافذة. كم تغيرت مصر اهذه مصر التي ركلت التابوت لأجلها؟ اين الرمال الناعمة؟ اين القصور؟ اين الاسواق؟ اين المعابد؟ اين مصر؟ ما هذه الرائحة؟ يا آتون ما هذه الرائحة؟؟؟
-ايه ده في ايه ده؟
-ايه في ايه
-ايه الريحة المعفنة دي؟
-ايه؟؟
انتشرت رائحة العرق وتوغلت الى انف كليوباترا والمفاجأة انها لم تكن رائحة الجالس بجانبها فقط بل رائحته ممزوجة برائحة كل الركاب. هل توقف المصريون عن الاستحمام؟ هل هو سهو أم قصد، سلاح جديد للقضاء على العدو أو من لا يأمنون له ويخشوه؟
أخيرا وصل الميكروباص إلى موقف اسكندرية بجانب الوفاء والأمل. نزلت "كليوباترا وهي تترنح من حركة هذا الشيء الذي ركبته والرائحة التي ملأته.
-انا اقوى من كده انا ملكة مصر العظيمة.
قالت في سرها لتتمالك نفسها ولا تغيب عن الوعي. خرجت من الموقف وإذا بها ترى جسم مشابه لذلك الذي ركبته لكنه أكبر والغريب أن الناس لا تجلس على مقاعدها بل تجلس وتقف وتلتصق حتى أن وجوههم صارت محشورة وكادت عيناهم أن تُقتلع من مقلتيها. لماذا صار يفعل المصريون ذلك، تساءلت. ثم سمعت الذي تدلى منه فنصفه بالداخل ونصفه خارجًا يقول:
-عرم..عرم..تجنيد.. رماية..عرم..عرم.
أوقفت بيدها سائر بجانبها .
-هو ايه العرم ده؟
-نعم؟؟
-العرم اللي الراجل اللي بيطير بيقول عليه؟
-قصدك هرم؟
-ايه ده هو قريب من هنا؟
-لا حول ولا قوة الا بالله...انتي عايزه تروحي الهرم؟
-لو تسمحلي انا مش هنسالك الجميل ده وأكيد هيبقى ليك منصب ووجاهة..أوعدك..مش بنسى رعايايا المخلصين.
-لا حول ولا قوة الا بالله...تعالي ورايا...شكلك مش من هنا..هوديكي.
أخذا يسيرا في إتجاه الأهرامات حتى اقتربا من البوابات ثم تركها الرجل ومضى في طريقه.
كانت الأجواء مسالمة برغم الزحمة والضوضاء والزخم والروائح، لكن كانت كليوباترا مازالت متماسكة حتى....
تجمع أعداد مهولة من الرجال حولها...دب الرعب بها.
-انا مش معايا دهب ولا أحجار ولا كنوز.
-تعالي معايا يا آنسة انا هدخلك الهرم.
-ايه؟
-تعالي معايا انا يا آنسة، هركبك الجمل وأصورك واخدك تور.
-ايه ده في ايه ده؟
-سيبك منهم يا آنسة تعالي معايا انا اللي هدخلك.
-انتوا مرتزقة اكتافيوس؟
-دي باين عليها أجنبية.
تدخل أحد المارة وجرها وابتعد بها ثم دفع لها حق التذكرة وأدخلها. لم تحظ "كليوباترا" بالسلام فقد أخذت الأعداد الغفيرة تتجمع حولها لغرابة زيها وكلامها. فسألت أحد المتجمعين:
--شفت أي متعلقات لأنطونيو حبيبي قرب "خفرع"؟ أصل دي العلامة.
-لأ بطرس غالي طلع عالمعاش خرج مالخارجية والأمم المتحدة.
ثم تدخل آخر:
-انتي عايزه ايه يا ستي؟
-عايزه ارجع انطونيو الحبيب زي ما قوموني بس مستنية العلامة وعايزه ارجع حكم مصر ، عايزه استعيد الحكم.
جرى الجمع في جميع الاتجاهات وانفضوا من حولها في سرعة البرق وهي جاهلة بالسبب لكن لا يهم هذا أفضل فقد أصابها الإجهاد من كثرة التجمعات منذ قيامها وآن الوقت أن ترتاح.
ثم ظهر فتي من حيث لا تدري
-عايزه تتصوري...تتصوري....تتصوري...آر يو اينديان...أمريكان آر يو.....جابونيز...روسيان.
-وادي التعاويذ وادي التاج يحرق اللي عايز يرجع المجد عاللي عايز يرجع أنطونيو عاللي عايزه يهزم أوكتافيوس عاللي عايز يفك لعنته..
ثم جرت إلى الخارج وهي تصرخ :
-رجعوني موميا...رجعوني موميا...
"تمت"
#قيامة_كليوباترا
#ياسمين_رحمي