جرى "جعيدي" بأقصى سرعة من شدة الرعب دون إلتفات إلى ذلك الخفاش اللعين في إتجاه مبنى الملفات السرية أوي.
كان المدخل على بعد عدة خطوات، كاد أن يدلف إليه لولا أنه لمح شخصًا واقفًا على أعتابه، يرتدي جلبابًا فضفاضًا قمة في الألاجة لونه رمادي فيراني، حارس العقار؟ أيُعقل؟ متى ظهر وأين كان قبلًا؟
أسرع حارس العقار في إتجاه "جعيدي":
-سعات البيه المخابراتي العالمي.
-أنت مين؟
-أنا البواب يا بيه.
-من إمتى؟
-من زمان ييجي 10، 20 سنة.
-10،20 سنة؟!
-مبقتش أعد، حسابات سخيفة والأيام شبه بعضيها.
-ما علينا، كنت فين قبل كده؟
-أجازة كده.
لاحظ "جعيدي" أخيرًا أن الأضواء خافتة داخل المبنى وأن.. نسمة باردة للغاية قد إحتلت الأجواء برغم أنها كانت نهاية شهر أكتوبر والشتاء لم يحل بعد..
أدرك الحارس ذلك التردد والرجفة التي إنتابت المحقق "جعيدي" فنظر إليه في حنو يحاول طمأنته وقال:
-متقلقش آخر مرة الأسانسير وقع كان من 7 شهور، قبل ما تيجي بشهر واللي كان فيه مات علطول من غير ألم ، رقبته إدكت دك، وإحنا دارينا على الحوار بسرعة قبل ما تيجي عشان متعرفش، تحب أوصلك يا سعات البيه؟
-جرى إيه يا حارس يا عقار إنت متعرفش بتتكلم مع مين ولا إيه أنا العميل "جعيدي جماجم"، أشبح واحد في القسم ده ومن الأوائل على مستوى العمل المخابراتي في وجه بحري وقبلي والمراكز.
إلتفت "جعيدي" في كبرياء رافعًا أكتافه عاليًا بينما إنعقد حاجباه وتهلدت شفته السفلى في ندمٍ شديد على ما قاله حيث أراد بشدة أن يوصله الحارس إلى المكتب..
وصل أمام المصعد وإذا به يلمح بطرف عينيه حركة، شخصًا يظهر من بعيد ويتحرك بإتجاهه حتى وقف بجانبه..
إستطاع "جعيدي" تمييز عدة يحملها الرجل وقلمًا يضعه خلف أذنه ونظارة كعب كباية يرتديها. دلفا الإثنان في خطوة واحدة . إستطاع "جعيدي" أن يخفي توتره حيث كان هذا الوجه غريبًا ، بالتأكيد لم ينتمي إلى مؤسسة الملفات السرية أوي.
حرك يده في حركة خبيثة حتى لامست مسدسه الذي قبع بحمالة له تدلت من الحزام تحسبًا وإستعدادًا لأي حركة إجرامية مش ولابد.
-لابد أنك المحقق الجديد.
كيف علم؟ من هذا المقتحم وماذا يجري؟
-أنا اللي بصلح الدش وعبد الباريء الملقب بهيثم إستدعاني من فترة عشان سي بي سي سفرة مش عايزه تيجي على التليفزيون اللي ف مكتبه بس الحقيقة كان جدولي زحمة جدًا ، يعني مشغول في أدشاش على مستوى أعلى شوية.
-صدفة عجيبة كذه وش جديد النهارده.
-عذرًا؟ كذه وش جديد؟
-اه انت والبواب.
-بواب ايه؟
-البواب بتاع العمارة، حارس العقار.
-العمارة دي ملهاش بواب.
حرك "جعيدي" رأسه ضاحكًا ثم قال:
-لأ، ليها بس فعلًا هو كان غايب فترة ، في أجازة ورجع تاني.
نظر الرجل إليه في إرتياب ثم مد يده ببطء مبالغ فيه إلى جيب قميصه وأخرج صورة..نظر إليها بضع ثوانٍ ثم مدها إلى "جعيدي" وسأله:
-هو ده؟
أمسك "جعيدي" الصورة فرحًا، إنفرجت أساريره وقال بمنتهى التحمس:
-ايوه، ايوه فعلًا.
-ده عم "مصيلحي" كان فعلًا البواب بس من 20 سنة قبل ما يموت.
إنطلقت موسيقى صادمة مرعبة ، مزيج من البيانو مع صوت رعد ومطر.
-هو قالك إيه بالظبط؟
-قال لي من 10،20 سنة مبقتش أعد، حسابات سخيفة والأيام شبه بعضيها.
إتسعت حدقتاه وهو يجاوب حيث إستوعب المعنى الغامض المثير في بطن الشاعر من كلمات حارس العقار.
دخل الإثنان سويًا الدور ثم تفرق كلٌ إلى وجهته.
أخيرًا إصطدم "جعيدي" بوجهٍ مألوف ، "مهيطل" العزيز!
إبتسم "مهيطل" يرحب به ثم ما لبثت ملامح القلق تغزو وجهه حيث لاحظ التوتر والصفرة التي إعتلت وجه "جعيدي".
-إيه يا "جعجوعتي" يا عميلة أنتي يا سرية مالك، ما بال الصفرة التي تستحوذ عليك؟
-النهارده في حاجات عجيبة أوي بتحصل تخيل يا صاحبي من وأنا لسه باحبي أني شفت على البوابة عم "مصيلحي"..
-"مصيلحي"؟!
-ايوه ايوه مانا عرفت، مات من 20 سنة ماهو الراجل اللي بيصلح الدش قال لي في الأسانسير.
-راجل بيصلح الدش؟
-ايوه اللي دخل معايا ومشي على مكتب "هيثم" و"عفاف أنيس عبيد مع أرق التمنيات بمشاهدة ممتعة".
-مفيش حد دخل معاك يا "جعيدي" أنت دخلت وحيد شريد .
تجمدت عيناه وكادت مقلتاه أن تتدحرج من مكانهما وتسقط أرضًا.
-جعيدي أوصفلي الراجل ده.
-كان طويل كده وحاطط قلم وره ودنه ولابس نضاره..
-بس بس أيوه ده عم "مسعود".
-طب الحمد الله.
-عم مسعود فعلًأ كان بيصلح التليفزيونات والأدشاش قبل ما يموت من 15 سنة!
هذه المرة إنقطعت الأنوار المنخفضة لثوانٍ مع صوت الرعد والمطر والبيانو العنيف.
-هو ايه اللي حصل بالضبط؟
-طلع لي صورة عم "مصيلحي" من جيبه وسألني إذا كان ده البواب اللي أقصده.
-وأنت مستغربتش أنه محضر الصورة وشايلها معاه، إيه علاقته يعني بعم مصيلحي؟
-اه صحيح .
-وقالك ايه كمان؟
-قال لي الحقيقة كان جدولي زحمة جدًا ، يعني مشغول في أدشاش على مستوى أعلى شوية.
بدا "جعيدي" وكأن إصبعه الصغير قد إرتطم بحرف الدولاب حيث أنه أدرك المعنى العميق لكلمات عم "مسعود".
تدلى رأس "جعيدي" للحظات ثم رفع رأسه ليرى امرأة ظهرت أوت أوف نو وير، جميلة، حادة، جادة، غريبة..
-مين دي يا "مهيطل"؟
-هو فين "مهيطل" ده؟
"يتبع"