"القصة مستوحاة من أحداث حقيقية"
مش كفاية أنك تنجح، توصل لموقع كتير غيرك يتمنوه، لو مفضلتش تتحرك هتقع ، لازم تبقى جدول في نهر، طول الوقت بتتحرك، يأما كل اللي بنيته هيتبخر في الهوا، الفلوس اللي معاك لازم تولد، البيزنس لازم يتوسع وعلطول تفكيرك لازم يبقى بره الصندوق، وإنطلاقًا من ده مينفعش تستتفه أي فكرة زي ما مينفعش تقلل من أي منافس وتستخف بيه، عشان كده وبرغم إن شغلي أنا وشريكي في مجال العقارات وصلت لفكرة معينة...
فجأة كده الناس في العالم كله بشكل عام ومصر بشكل خاص بقوا مهووسين بأي حاجة غريبة، أي ظواهر مش معتادة، خروجات مش اعتيادية، حكاوي مش بتاعة الشارع والتاريخ والف ليلة وليلة، حكاوي من نوع تاني، اللي بتشيب الشعر ، عشان كده تلاقي الناس بتتوجه لكل القنوات اللي بتعرض مثلًا جرايم قتل مش محلولة أو جرايم محلولة بس دوافعها غريبة أو ماورائيات وكلام عن سكان باطن الأرض وفضائيين خضر وعفاريت حمر وهكذا...
وبما إني متابع ومطلوب مني إني أتابع بحكم شغلي وأبقى متطلع دايمًا على المستجدات قررت أوسع شوية من دايرة البيزنس، أخرج من عباءة العقارات اللي الغرض منها السكن أو حتى الترفيه المعتاد زي الفنادق والمطاعم والمولات وأمشي في سكة التوجه الموجود، قررت أعمل حاجة موازية لقنوات الإثارة والرعب المنتشرة على اليوتيوب، بس الفرق أنها هتبقى حية أكتر، الجمهور مش هيبقى متفرج أو مستمع، هيبقى جزء من التجربة....
صحيح مش هنبقى أول حد يوصل للفكرة، بس هنبقى أول حد يعملها بالجودة اللي في بالي، المتحف اللي هعمله هيتفوق على المتاحف اللي في أمريكا ودول تانية...
كنت حامل هم الخطوة الأولى ، إني أفاتح شريكي في الموضوع، الفرق الأساسي ما بيني وبينه هو إني طول عمري قلبي جريء وهو خواف وبيحسبها بزيادة، من ساعة ما كنا عيال ، جيران في المنطقة البسيطة اللي كنا ساكنين فيها، وبرغم الاختلاف الشاسع ده بس اتخلقت ما بيننا رابطة قوية جدًا واتعاهدنا من طفولتنا نبقى مع بعض علطول، محدش فينا يشتغل لوحده أو ينفصل عن التاني، ونحاول نوصل لأرض مشتركة، لكن الحقيقة إني كنت بشده في الغالب للسكك اللي أنا عايزها بس من غير ما يحس، هو اعتقد كل مرة إننا بنتنازل عن شوية من الصورة اللي رسمينها في خيالنا، أنا وهو بنتلاقى في سكة في النص، بس أنا ببقى متحكم من البداية، عارف دماغه رايحة لفين وعشان كده بقدمله دايمًا مقترح شاطح عن اللي عايزه بجد وبالطريقة دي بنوصل للي مخططله من البداية!
إنما المرة دي مختلفة، صعب العب عليه اللعبة دي، إزاي هلف وأدور، الموضوع هو إني عايز أفتح متحف بيعرض حاجات مرعبة، قطع تفكر الناس ببلاوي حصلت، زي حاجة تخص قتلة مشهورين ارتكبوا أبشع الجرايم أو قطع كانت موجودة في أماكن مسكونة ناس كتير اتأذت فيها....
أفاتحه إزاي بس....
جه في بالي إني أقترح عليه نروح نقعد لنا في مرسى مطروح يومين، البلد اللي اتولدنا واتربينا فيها، إحنا مروحناش ييجي من 15 سنة على الأقل وفي ساعة روقان أفتح معاه الموضوع....
وقد كان....
اتبسط جدًا من الاقتراح، مكنش مصدق نفسه أصلًا إني فكرت فيه.. برغم إننا دلوقتي عايشين في أحياء مختلفة ولفينا أماكن كتير بره مصر لكن مرسى مطروح لسه أحسن وأغلى الأماكن في نظرنا ومش بنرتاح بجد غير فيها....
أخدنا بعضنا وأجرنا هناك شاليه من غير ما ناخد معانا حد من الأسر بتاعتنا ولا نقول لأصحاب، أنا وهو وبس...
وف أول ليلة اقترحت عليه نتمشى في شارع علم الروم، ناكل حاجة حلوة ونقعد على أي قهوة وطبعًا وافق فورًا....
بقالي كتير أوي مشفتش "عثمان" وشه رايق كده، بحكم شغلنا إحنا دايمًا متوترين، دايمًا على أعصابنا، اللي بيبقى معاه فلوس ومسؤول عن شغل كتير ومتفرع دايمًا بيبقى شايل الهم، خايف ليخسر كل اللي عمله، سبحان الله ده اللي اكتشفته في كام ساعة من وقت ما وصلنا مطروح، على راحة البال اللي كنا فيها كأننا مش شايلين أي هموم...
بعد جولات كتيرة وأكل وتحلية، قعدنا على القهوة ومع أول بوق من الشاي عرفت أن لحظتي جت، هو ده الوقت المناسب إني أفتح معاه الموضوع....
قلتله:
=تعرف أن الدور جي على مطروح؟
-في إيه بالظبط؟
=مطروح هي هاسيندا الجايه، ولا حتى مراسي ولا هاسيندا ولا كل قرى الساحل هتقدر تنافسها، شكل المدينة هيتغير تمامًا في السنين اللي جايه.
-وبعدين؟
=السفرية دي، بالشكل ده، يمكن منقدرش نكررها تاني عشان لما نيجي بعد كده المدينة هيبقى ليها طبع تاني...تعرف، برغم فرحتي بده وإننا ممكن جدًا نستفيد كأشخاص وكبيزنس بس جوايا حزن، جوايا صوت نفسه يصرخ ويرجع أصحاب القرار عن الفكرة، نفسي نسيبها ف حالها، نسيبها زي ما هي، مطروح الجديدة المبهرجة الجذابة عمرها ما هتبقى ف جمال مطروح دي...
كنت بشاور براسي على كذه اتجاه وأنا بقول الجملة الأخيرة... حرك راسه موافقني على كلامي...
كملت بعدها:
=أنا بقى جت ف بالي فكرة، نعمل حاجة في مطروح بتاعة دلوقتي، بطبعها وجمالها وبساطتها، مطروح برغم زحمتها في أوقات كتير والحياة اللي بتدب فيها، لكن ليها طابع غامض، الطابع بتاع المدن الساحلية القديمة. البحر والشوارع الواسعة والشواطيء الهادية اللي بتضرب فيها الريح بتديك إحساس كده... بأنك مش لوحدك..
-ما هو أكيد مش لوحدي، مش شايف الخلق دول كلهم.
=يا "عثمان" أنا بتكلم جد.
-قصر يا "محب" ، قول اللي عندك.
= نستغل مطروح بشكلها الحالي، الأصالة والغموض، ونخليها مقصد لناس كتير من الشرق والغرب، جوه مصر وبراها، بحالها كده قبل ما تبقى شبه قرى الساحل المعتادة اللي شبه بعضها..
-ودي هنعملها إزاي؟
=هنفتح متحف..
"عثمان" فضل يضحك، بقى يبص لي وهو مش مصدق، مفهمش أنا أقصد إيه..
رد وقال لي:
-أنت متأثر بهوجة المتاحف اللي عماله تفتح جديد زي المتحف المصري والحضارة وطريق الكباش والمواكب، مش عايز العرض يفوتك، وهتجيب آثار ومومياوات منين يا خويا؟
=لأ، أنت فهمتني غلط، أنا هعمل متحف من نوع مختلف، متحف اللي يدخله يبقى بيرتجف بس مايقدرش يقاومه، هيتنقل من صالة لصالة وهو مش عايز لكن رجله جراه...
-إيه ده؟ متحف إيه ده؟
=متحف الرعب، هنقسمه صالات أو قاعات أو أوض أيًا كان، جوه كل أوضة موضوع ، حاجة بتحكي عن قصة معينة، حاجة من قلب الحدث، من مسرح الجريمة، يعني مثلًا سفاح دموي مشهور، هندور على أهله أو بلده أو قريته أو بيته أو أي خيط يقدر يوصلنا بحاجة كان يمتلكها، ويا سلام لو لقينا أكتر من حاجة، وهنحط حاجته دي في الأوضة اللي هتبقى أجوائها مش مريحة، إضاءتها خافتة مثلًا ، الموكيت كله أحمر، دلالة على بحور الدم اللي سالت بسبب السفاح، أوضة تانية نحط فيها مفارش أو دواليب كانت موجودة في مكان مسكون، مكان اتأذى فيه ناس، وهكذا...
"عثمان" معلقش أول ما خلصت كلامي.. فضل ساكت حبه حلوين، مهو أصل مكانش متردد وبيخاف من المجازفة بس، ده عنده مليون فوبيا وبيخاف من تقريبًا كل حاجة، بيخاف من العفاريت مع إنه عمره ما شاف عفريت، بيخاف من الحرامية مع أنه عمر حد ما أقتحم أي بيت كان ساكن فيه، وبيخاف من القتلة مع إنه عمره ما عرف بشكل مباشر أو حد من دايرته القريبة عرف قاتل، وطبعًا بيخاف من البلطجية وقطاع الطرق وسمك القرش والسباحة والأماكن الضيقة والمرتفعات والنضارات اللي بعدسات سميكة، يعني ممكن بالعكس نعرف اللي مش بيخوفه عن طريق استبعاد الحاجات اللي بتخوفه ونعمل ليسته بيها!
وبعد ما فاق من الصدمة أكيد أول رد ليه كان:
-لأ طبعًأ! إيه اللي بتقوله ده، هنعمل متحف بأضواء خفيفة وسجاجيد حمرا والله أعلم إيه كمان، نجري وره الفزع برجلينا، هو إحنا ناقصين؟
=يا عم فزع إيه بس؟ وإحنا مالنا؟ إحنا أصحاب الملِك مش الزوار..
-يا سلام، يعني مش هنشوف المكان قبل وبعد وأثناء ما بيتعمل؟
=لو مش عايز تشوف بلاش، خليني أنا أتابع الدنيا.
شفت في عينه إحباط عشان حجته بطلت ومش لاقي حاجة يرد عليا بيها.. حرك راسه وبعدين بص لي وقال لي:
-لأ..لأ، أنا مش مقتنع، شوفلك حاجة تانية ، بلاش دي.
=لأ، هي دي! هو ده وقته يا "عثمان"، هو ده التوجه دلوقتي، الناس هتيجي زي الدبان عالمتحف ومطروح هتبقى أزحم محافظة فيكي يا مصر!
الزرجنة يوم في التاني في التالت بدأت تخف والدراسات اتعملت والسعي بدأ...
زي ما وعدته، هو كان بره الموضوع تمامًا، شريك بس بالفلوس والإدارة وأنا اللي كنت بتابع إنشاء المتحف وتكوين محتوياته والديكورات والتصميم وكل حاجة... نيجي بقى لبند المحتويات ده، مكنتش متخيل أن المهمة هتبقى شاقة كده، عشان ألاقي قطع أو أي أثر للناس والقصص اللي استهدفتهم رجلي دابت وعينت ناس كتير تعمل بحث وتحاول تلاقي أي خيط يوصلنا ليهم، لكن بعد طول انتظار وكسرة ضهر واستنزاف فلوس أخيرًا بوادر النجاح بانت، كل اللي سعيت ليه لقيته، الصالات زي ما تخيلتها وأحسن، والصور والآثار والذي منه قدرت أجيبهم، والتحفة الفنية خرجت للوجود....
قبل ما المتحف يفتتح عملنا حملة إعلامية ملهاش سابق، أي حد في أي حته وأي كان نشاطه هيشوف إعلان عن "متحف الرعب بمرسى مطروح- أول متحف من نوعه يعرض مقتنيات ومعروضات تنتمى لأعتى السفاحين والشياطين"- "حان وقت الانتقال من خلف الشاشات إلى التجربة الحية"!
هما فاكرين إنها رحلة، كأنهم رايحين سينما أو ملاهي أو حتى السيميولايتر، ميعرفوش إننا مضحكناش عليهم لما قلنا إنهم هيعيشوا تجربة حية، نفس الذكريات هتتعاد، الشريط الدموي هيشتغل من جديد لما يخطوا جوه كل صالة...
المتحف فعلًا أجوائه كانت مريبة جدًا، نجحت في ده 100%، لو أنا مكنتش العقل المدبر وحد عادي من الزوار، مكنتش هحس بالراحة أبدًا وأنا بتجول...
وتم الافتتاح....
كنت موجود طبعًا في اليوم ده، وقررت أكون بنفسي المرشد للفوج الأولاني اللي شرف المتحف...
أي حد قبل ما يدخل خليناه يوقع على إخلاء مسؤولية نصه كالتالي:
"المتحف مش مسؤول عن أي حاجة ممكن تحصل أثناء التواجد فيه، بداية من نوبات الفزع والإصابات مهما بلغت وفقدان الوعي والوفاة"
كنت شايف إيد الناس بتترعش وهما بيوقعوا، لكن في حاجة كانت بتجبرهم على خوض التجربة كاملة، يمكن الفضول، الرغبة في أنهم يعيشوا الذكريات البشعة وأحاسيس الناس اللي كانت جزء من الحكايات، يمكن، ويمكن المتحف نفسه هو ليه التأثير ده.....
كنت في المقدمة وورايا الأعداد الكبيرة...دخلت بيهم الصالة الأولى....
الموكيت وورق الحيطة وحتى دهان السقف كان أحمر، وفي صور كتير متعلقة على الحيطة، صورتين وتحتهم باقي الصور. الصورتين اللي فوق كانوا ل"ريا" و"سكينة" ..بدأت أشرح:
-طبعًا أنتوا عارفين القصة المعتادة ، "ريا" و"سكينة"، اللي كانوا بيلبسوا زي ستات العصر بتاعهم ، ملاية لف ومنديل راس ، وكانوا في بيوت زي البيوت المعتادة، بيوت ضخمة بسراديب ، لحد ما استقروا في بيت في شارع "علي بك الكبير" في حي اللبان في إسكندرية . كانوا برده زي ستات كتير بينزلوا يتسوقوا في "زنقة الستات" قرب محطة الرمل، من الدكان ده للدكان لده، يجيبوا مناديل أويه وأقمشة، بس في الحقيقة مكنوش زي باقي الستات... كل النشاط ده كان غطا للنشاط الحقيقي، التمشية العفوية بحثًا عن الأقمشة كان الغرض منها الصيد...صيد من نوع مختلف، صيد بني آدمين، ستات، وشوش في الغالب متكررة، يعرفوهم، يعرفوهم كويس... أما وشوش "ريا" وأختها "سكينة" فكانت بتنور لما يلمحوا الفريسة بتاعتهم، دي اللي مش هتستغرب لما يعزموها على كوباية شاي في بيتهم، لإنها عارفاهم وبتثق فيهم ويمكن كمان بتعتبرهم صديقات...هي دي، هي الثقة، متصدقوش لما حد يقولكم أن أكتر سلاح فتاك هو النووي أو السلاح الفلاني، أكتر سلاح فتاك هو الثقة! اللي بيستغلها أبشع السفاحين والقتلة... المهم أنهم بعد ما كانوا بيستدرجوا ضحاياهم للبيت سواء اللي على معرفة مسبقة بيهم أو الغُرب عنهم وقدروا يقنعوهم بعرض أواني وهمية موجودة في بيتهم من المنطقة الجمركية بأسعار رخيصة ، كانوا بيقدمولهم مشروب جواه مخدر أو خمور، وبعد ما وعيهم يتهز وتركيزهم يقل باقي العصابة بتدخل، اللي هما حسب الله وعبد العال وعرابي وعبد الرزاق، يقربوا كلهم عليها زي قطيع من الديابة على غزالة شاردة ، يكتموا نفسها لحد ما تحس بروحها بتتسلل هربانة من جسمها ونفسها يضيع وذاكرتها تاخد آخر لقطة ليها في الحياة، مع ناس هدفهم متبقاش موجودة، حكموا عليها بالإعدام عشان شوية سيغة...
كل ده أكيد سمعتوه قبل كده، الجديد بقى إننا جبنالكم صور لكل الضحايا بتاعتهم، على الأقل اللي اكتشفوا جثثهم أو بقاياهم أو اللي تم الإبلاغ عنهم، والله أعلم بجعبة برنيطة الساحر واللي تخفيه من ضحايا مغمورين... اتفضلوا بصوا على الصور...
دي "نظلة أبو الليل" كان عندها 25 سنة بس لما قرروا يقطفوا روحها ودي "زنوبة " حرم "حسن محمد زيدان" أما دي بقى فإسمها "زنوبة عليوة" كان عندها 36 سنة لما خنقوها وكملوا يومهم عادي ودي "نبوية علي"...
"وهكذا، فضلت اقولهم على الضحايا واحدة واحدة، وكل التفاصيل اللي أعرفها عنهم، نبرة صوتي وطريقة حكيي لقصصهم خلتهم يتلفتوا حوالين نفسهم"
بعدين قلت:
=أنا عايزكوا تبصوا كويس للصور، متتنقلوش من صورة للتانية بسهولة، بصوا على عيونهم وملامحهم، افتكروا التفاصيل اللي قلتلكم عليها، كل واحدة فيهم بعيلتها اللي كانت بتحبها برغم الظروف القاسية والمهن الخليعة اللي في منهم اختاروها، بذكرياتها، بعشمها في اللي قتلوها، باللقطات الأخيرة اللي اتخدت من عدسة عينيهم، عايزكم تكونوا جوه إطار الصور بتاعتهم مش مجرد متفرجين...
"حسيت بمود مظلم، ملامحم بعد المرحلة دي اتغيرت، الضحك قل والكلام قل، نظراتهم كانت خوف وحزن. وهما لسه شافوا حاجة؟ ده لسه التقيل جي"....
ودخلنا بعدها الصالة التانية....
الحيطة كان فيها فجوات كتير، ده اللي يبان للمتفرج لكن الحقيقة إن الفجوات دي اترسمت بدقة بقتنية الثري دي عشان تدي إحساس بإنها فجوات لونها رمادي غامق، إتسببت فيها رصاصات... كان في فاترينه إزاز جواها بندقية، على الفوهة بتاعتها مادة ناشفة لونها بني....
أول ما وصلنا قدام الفاترينة اتلفت في حركة استعراضية عشان أبقى مواجه للناس، ابتسمت لحظات من غير ما أتكلم، إبتسامة مش مريحة أبدًا، وقعدت اتنقل بنظراتي ما بين كل واحد منهم، وأخيرًا اتكلمت بصوت شبه فحيح الأفاعي:
=حد عنده فكرة دي بندقية مين؟ وإيه البني اللي على الفوهة ده؟
بصوا لبعضهم، محدش كان عنده إجابة...
بفخر جاوبت:
=دي بندقية خِط الصعيد الأصلي، مهو أصل ناس كتير أخدت اللقب من بعده، لكن قليل اللي يعرف مين البطل الحقيقي اللي شيب الناس وقت وجوده، لدرجة اللي كان بينزل ويمشي في الطرق كان إحتمال رجوعه حي لداره 50% عشان المهووس المتعطش للدم ممكن يكون مترصدله في أي مكان... خط الصعيد كان إسمه "محمد منصور" اللي بداية حياته الإجرامية كانت لما أخد بتار عمه من عيلة شيخ الخفر في قرية درنكة، قصاد عمه قتل كذه حد منهم، بعدين هرب على الجبال واستخبى هناك وبعديها سلسال الدم كر، والنزيف فضل مستمر فترة...
عيلة شيخ الخفر قتلوا اتنين من إخواته ردًا على اللي عمله ودي كانت المرحلة الفاصلة....
المرحلة ما بين حالتين، حالة عقل وإدراك وحالة جنون وهوس. بقى عنده رغبة رهيبة في قتل الناس، بيستمتع بمشهد الدم وبيتمزج بالتضرعات وأن الضحية يترجاه عشان يعفو عن حياته ويخليه يعيش... كون عصابة من المطاريد، بقوا يقتلوا ويسرقوا ويخطفوا ويفرضوا إتاوات لحد ما أخيرًا الشرطة صفته في معركة شرسة ما بينهم وبينه سنة 1947....
البندقية اللي قدامنا على الفوهة بتاعتها دم ناشف بقاله أكتر من 75 سنة، دم مين بقى محدش يعرف وإزاي أصلًا وصل لها الدم برده محدش يعرف، ماظنش إنها قصة لطيفة أبدًا!
"أول ما خلصت كلامي سمعت حد من المجموعة بيهمس للي جنبه وبيقول له إنه عايز يمشي فورًا من الصالة عشان حاسس أن في حد أو حاجة بتراقبه ومش مستريح للمكان!"
ودخلنا الصالة الثالثة....
الحيطان كانت مدهونة بالرمادي والأسود وكان في طربيزة طويلة عليها عروسة من اللي بتنور وتغني وترقص....
قلت بتحمس:
=مستعدين تسمعوا قصة العروسة دي؟
محدش رد! محدش قال مستعد، محدش كان متحمس، ومع ذلك، برغم دمهم اللي نشف وأطرافهم اللي بترتجف محدش انسحب!
كملت كلامي:
=دي عروسة معتادة، شكلها عادي، شبه عرايس كتير، لو دوسنا على الزرار اللي في ضهرها هتغني أغنية مشهورة من اللي العيال بيحبوها، ووشها هينور وهتهز رجلها أو وسطها أو الاتنين... لكن أنا مش هشغل الزرار دلوقتي، الأول هحكيلكم قصتها...العروسة دي كانت مع طفل وصل مع أمه وأبوه شقة أجروها لمدة شهر واحد، عشان شغل لأبوه... الأسرة كانت متحمسة جدًا عشان المحافظة دي من أحب المحافظات لقلبهم. كانت إسكندرية والعمارة اللي سكنوا فيها هي عمارة رشدي...
من أول يوم وهما بقوا يسمعوا ويحسوا بحاجات غريبة... مثلًا دربكة في المطبخ.. الأطباق تتحرك من مكانها، يحطوها في مكان بعد شوية يلاقوها في مكان تاني، نفس الحكاية بالنسبة لهدومهم وأدواتهم، الحاجات أماكنها بتتغير باستمرار، لحد ما ف يوم الأب شاف بقع على الحيطة، بقع دم، حاول يقنع نفسه أن الدم قديم، دم حشرة مثلًا وأنه مخدش باله منه قبل كده..
بعدها بيومين كانت الأسرة في انتظار عدد من قرايبهم، قرايب الزوج وقرايب الزوجة اتحركوا مع بعض في كذه عربية ووصلوا في الميعاد المتوقع... الأسرة لاحظت أن أحوال قرايبهم غريبة، مش بيتكلموا كتير، مبلمين ومش بيبصوا ليهم بطريقة مباشرة. بعد ساعتين من وصول القرايب الزوج استقبل تليفون. اللي كان على الخط هو حد بيشتغل في مستشفى، بلغه أن في حادثة بشعة حصلت في الطريق السريع، كذه عربية خبطت في بعض وكل الناس الي في العربيات اتصابوا واتحجزوا في المستشفى، وقال له قايمة بالأسماء، كانوا كل القرايب! في وقتها بالظبط كانوا محجوزين في أوض في مستشفى ما... يعني ما وصلوش ولا حاجة، ماجوش ومقعدوش معاهم الكام ساعة اللي فاتوا... الزوج صرخ باسم مراته وهي اتذعرت ، التفتت في اتجاه أوضتهم اللي كان بيزعق منها ولما رجعت تبص في اتجاه القرايب ملقتش حد فيهم ، محدش كان موجود!
مين أو إيه اللي كان قاعد معاهم، العلم عند الله... المهم أن لحظتها، بعد اختفائهم علطول، ابنهم فضل يصرخ وهو بيبص في كذه اتجاه، صراخ رهيب، كأنه شايف حاجات هما مش شايفنها...
العروسة اللي قدامكم دي بقى هي عروسة الطفل اللي كانت معاهم في الشقة.. بعد ما خرجوا منها ومعاهم العروسة ولما شغلوها بدل ما يسمعوا الأغنية المعتادة سمعوا تسجيل للي حصل في المشهد ده، من أول زعيق الأب ورد الأم وصريخ الطفل وأصوات تانية غريبة مكانوش سامعينها في وقتها، نبرات تخينة لكيانات بتتعذب، بتتلوى من الألم...
"مشيت بعدها لحد العروسة وشغلت الزرار اللي في ضهرها... بعترف، مش بس الزوار اللي خافوا من الأصوات اللي في التسجيل أنا كمان اترعبت، بس حاولت أبان هادي، كنت أول مرة أسمع التسجيل، عارف القصة والتفاصيل بس مكنتش متخيل أن التسجيل بشع كده، من أول المشهد لآخره، وبصراحة برغم أني متأكد طبعًا أن دي العروسة فعلًا اللي كانت موجودة في الحادثة بتاعة الشقة، لكن مش متخيل إزاي التسجيل ده اتسجل، هو الأكيد، الأكيد أن حد استغل موضوع العروسة وسجل مثلًا الأصوات بعد ما سمع القصة وعرف أن دي العروسة اللي كانت موجودة، لكن معقول في حد شاطر للدرجة دي؟ الأداء رهيب، شغل حد محترف جدًا.. ما أنا مش عايز أتخيل السيناريو البديل، أن ده يكون حقيقي!"
ودخلنا الصالة الرابعة....
كان في خطوط عريضة على الحيطة باللون الأحمر، خطوط فوضوية، ملهاش نمط معين، وفي صينية محطوط عليها شوية كؤوس وسكينة كبيرة جنبها على طربيزة متغطية بمفرش شكله متوسخ ومكسر...
في المرحلة دي كنت اتهزيت، معرفش، الأجواء بدأت توترني، المتحف فعلًا كان مرعب والقصص مواضيع الصالات بشعة...
ومع ذلك كان لازم أكمل... بدأت أشرح قصة الأوضة والحاجات اللي فيها:
=الصينية دي والكؤوس والسكينة والمفرش كلهم كانوا في مناسبة معينة، فرح كان فيه عدد كبير من المدعوين في عزبة الحسيني، واحدة من المدعوين إسمها كان تحية، مش من السكان القدام للعزبة، كانت ظهرت قبل الفرح بكذه سنة، محدش عارف أصلها أو فصلها، وكل اللي يقرب منها يتأذي، الناس في العزبة بقى عندها يقين أنها بتعمل أعمال وبتلجأ للسحر، ده في منهم شافوا في الطرق في عز النهار حفر جواها نار، والحرايق كانت بتحصل في البيوت والدكاكين فجأة ومن غير سبب..المهم أنهم قرروا يقاطعوها كلهم عشان تتراجع ولا تمشي من العزبة.. اللي حصل بعد كده انها صالحتهم واتعهدت بعدم الأذية لحد ما جت ليلة الفرح... "تحية" كانت ذوق جدًا، باركت للعريس والعروسة وسلمت على الناس، كان شكلها مبسوطة بجد، كأنها اتبدلت، بقت إنسانة تانية... بس مقعدتش كتير، سابت الفرح ومشيت.
العصير اللي اتوزع بعد ما مشيت كان غريب، مش العصاير المعتادة في المناسبات دي، "تمر هندي"، بعد كام دقيقة الناس بدأت تتصرف تصرفات عجيبة، عنف وحالات إغماء وتيبس، واحد مثلًا سحب السكينة اللي أنتوا شايفنها دي وطعن بيها كذه حد، صدرت منه أصوات كتير وهو بيدبح الناس كأنه كذه شخص مش شخص واحد.. وواحدة من المعازيم سابت الفرح وراحت للمقابر والله أعلم عملت إيه أو شافت إيه هناك، وكتير اتكلموا لغات عمرهم ما اتعلموها في حياتهم والمدعوين بقوا يقتلوا في بعض، الدم اتنتور على الحيطان زي ما أنتوا شايفين ، الخطوط الفوضوية الحمره على الحيطة ودي الكؤوس اللي شربوا منها، المفروض إنها اتنضفت كويس، بس الله أعلم ممكن يكون في بواقي مش مرئية من الأعمال اللي "تحية" حطتها فيهم عشان السحر بتاعها يشتغل... والمفرش اللي تحت الصينية هو اللي كان موجود في البوفيه...
"سمعنا فجأة صوت صرخة مكتومة، حد بيتألم! كلنا بصينا لبعض، أيوه، أنا زيي زيهم سمعت الصوت بشكل واضح! معقول، معقول يكون ده مؤثر صوتي مقصود يشتغل في الصالة؟ مكنش عندي علم مثلًا؟ المفروض إني عارف كل التفاصيل، دارس كل الصالات والمؤثرات، محدش من المصممين قال لي على وجود الصرخة في الصالة دي.."
رجلينا كانت مشلولة، متثبتة في الأرض ومع ذلك الجولة كان لازم تكمل..
في النهاية دخلنا الصالة الخامسة....
الصالة كانت ضيقة أوي، كأنها أوضة خزين أو كراكيب، كتافنا كانت بتخبط في بعض... المساحة الضيقة والأنفاس المكتومة كافية إنها تقبض أي حد من غير ما يعرف قصة الصالة...
حقيقي مابقاش عندي رغبة أكمل، لكن ده اختياري، أنا أصريت على إنشاء المكان ده وكنت المفروض على علم بالتجربة والمحتويات، ولازم أكون قد الاختيار والمسؤولية، وبعدين أنا مش مضطر أبقى موجود في أي جولة تانية، هشيل إيدي زي ما "عثمان" عمل...
قلت وأنا ببص بعيد عنهم:
=دي أوضةكراكيب عملناها نسخة من الأوضة الأصلية، الأوضة كانت في بيت فخم في منطقة هادية وراقية، صاحب البيت لما جابه مكنش عنده علم باللي تحته، هو انبهر بالبيت من بره والمنطقة الشيك، مكنش يعرف أنه هيسكن فوق مقبرة فرعونية لملك سخر حراس من الجن عشان يفضلوا يحموا القبر ضد أي تدنيس أو إزعاج، تخيلوا بقى لما حد يبني فوقيها بيت ويسكن! "محيي" الساكن الجديد بدأت تحصل معاه ظواهر غريبة، يشوف قط شكله فرعوني في جنينة البيت ، والقط يفضل يراقبه كأنه هدف ليه، وكفه يتخربش من كائن مش مرئي ويحلم بكهنة أنوبيس ومقبرة جماعية فرعونية... المشكلة الكبيرة بقى أنه إستخف بالموضوع وقال في نفسه سحابة وهتعدي وخبى عن قريبه اللي جه يسكن معاه قصة البيت، النتيجة أن قريبه اتلبس، بسبب تخبيطه على بلاطة في الجراج، من وقتها والقريب بيشوف كل أنواع العذاب، بيتضرب وبيتوه ومش بيتحكم في جسمه كأنه عروسة مش بني آدم، ولما لجأوا لراجل يساعدهم طمع في آثار المقبرة وخلى الجن يحضروا أكتر.. أما قصة الأوضة دي بالذات فهي إن ف يوم "محيي" وقريبه "إكرام" كانوا قاعدين في الصالة و"إكرام" أصر يدخلوا أوضة الكراكيب بسبب حلم شافه ولما دخلوا، "إكرام" قفل على "محيي" وحبسه عشان في الحقيقة مكنش "إكرام" ده كان الجن اللي ساكن جسمه و"محيي" عاش دقايق بعمره كله، جاتله حالة هلع ومكنش عارف يتنفس كويس، الأوضة الضيقة رعب والجن اللي بره رعب برده، الاختيارات كلها شائكة وبشعة...
"سمعت صوت صرخة واحدة ست، بصيت مذعور في إتجاه الصوت، لقيت واحدة من المجموعة بتشاور في اتجاه معين، كلنا بصينا على المكان اللي شاورت عليه... عدد مهول من الخنافس، إزاي وإمتى ظهرت؟! المنظر كان مقزز جدًا.. بقينا نزق بعض، فتحت باب دخلنا من خلاله بسرعة للصالة السادسة وقفلنا الباب قبل ما الخنافس تزحف لينا...
حاولت أهديهم ، قلتلهم أن في عمال هييجوا ويموتوا الخنافس كلها وأن مفيش داعي للذعر... بس مبقتش عارف بعدها أقولهم إيه؟ أقول لهم أن دي غلطة والمكان مش نضيف كفاية؟ ده مش بس هيقضي على المتحف ويخسر المشروع ده هيقضي على الكارير بتاعي كله أنا و"عثمان"، محدش هيثق فينا وفي مشاريعنا، ممكن كل اللي عملناه يتهد... ولا أقول أن دي مؤثرات ومتخطط ليها وفي الحالة دي نبقى سيكوباتية بجد، بالغنا في المؤثرات وقاصدين نتسبب في كوارث ونأذي الزوار وممكن نموتهم كمان من الخضة؟
في الحقيقة دي مكانتش مؤثرات، محدش حط الخنافس هناك، لحد إمبارح مكانتش موجودة ولا خنفسة واحدة...
والغريب أن بقية قصة البيت المسكون أن صاحب البيت وقع في حفرة اتفاجيء بيها وخرج من الحفرة عدد ضخم من الخنافس حاوطوه من كل جهة وتم إنقاذه في آخر لحظة!
-مش عايزين نسمع قصة الصالة دي، مش عايزين نكمل الجولة أصلًا!
واحد من المجموعة قال لي الجملة دي بنبرة محتدة..
مردتش عليه علطول، سكتت لحظات بجمع أفكاري وبحضر ردي... بعدين رديت:
=كده كده إحنا محبوسين ما بين الصالة دي والصالة اللي بعدها اللي هي الأخيرة، عبال ما يحصل تنضيف وتعقيم للصالة اللي كنا فيها، مش هنقدر نرجع تاني في الوقت الحالي، فنكمل الجولة وأحكيلكم آخر قصتين، وبعدين إيه اللي كنتوا متوقعينه؟ أوض ألعاب من بتاعة لاقي الدليل عشان تخرج من سجنك؟ دي تجربة حية زي ما قلنا في الإعلانات، القصص حقيقية والرعب حقيقي، يأما نكون ناس نصابين ومعندناش مصداقية!
"معرفش جبت الكلام التقيل ده منين، أنا نفسي مكنتش مقتنع باللي بقوله، اللي حصل مكنش متوقع ولا متخطط ليه، جرعة الرعب خرجت بره إيد المصممين ، والمتحف بقى ليه شخصيته المستقلة ومؤثراته الخاصة"
كان في سرير صغير متحرك في الصالة السادسة، جنبه طربيزة صغيرة عليها مشارط وأدوات طبية وجوانتي...
مكنتش عارف أجمع الكلام، صوتي مش راضي يخرج، مرعوب، مرعوب من المكان ومن القصة اللي على وشك إني أحكيها.. ومع ذلك وحدة وحدة بدأت أتكلم:
=السرير ده، اتحط عليه شاب صغير، كان بيشتغل ديلفري في محل كان لسه مفتوح مبقالوش كام أسبوع... اللي حصل أن الشاب اتلقى مكالمة عجيبة في ليلة كان فيها لوحده في المحل، مكالمة مقتضبة، مش طلبية محددة، حد وصف له عنوان معين وبعدين قفل السكة... الشاب استغرب لكن خد بعضه وراح العنوان وافترض أن المتصل عايز الوجبة السبيشال اللي المتحف كان عارضها على صفحاته في السوشيال ميديا... المكالمة اتكررت بنفس الغموض أثناء ما كان بيحاول يوصل العنوان، بس لما وصل لقاها فيلا مهجورة، فضل يروح وييجي عليها لحد ما شاف بنت محبوسة في قبو مستواه تحت الأرض، مبقاش عارف دي بني آدمة ولا شبح ولا غيه نظامها، بس في الآخر افترض إنها بنت مخطوفة، وبرغم رعبه على نفسه قرر يساعدها ويخرجها، ولما نزل القبو اتفاجأ بوجود ناس غيرها وبإنها مش بنت صغيرة ولا حاجة زي ما كان باين، أصل الدنيا كانت ليل ومطرة والشارع كان عتمة، مفيش غير نور ضعيف فيه ... اتضح إنهم عصابة بيخطفوا الناس وبيقتلوهم وياخدوا أعضائهم ويبيعوها، شبكة أعمال وبيزنس كبير، البضاعة فيه هما البني آدمين..الحمد لله الشاب قدر يهرب وفلت منهم بس للأسف كتير قبله وبعده مقدروش، ماهي العصابة اختفت والشرطة مقدرتش تقبض عليهم، هما تلاقيهم بس غيروا مكان النشاط...
"محدش فيهم كان باصصلي، محدش قال كلمة، مفيش أي تحمس ولا استمتاع، عندهم حق! دي كانت شورة مهببة مني، أنا أصلًا رجلي مش شايلاني"
حاولت أبان لسه متحمس وقلت لهم:
=مستعدين لآخر صالة؟
-هتفرق، كده كده دي آخر صالة وآخر مرة نيجي هنا إن شاء الله!
واحدة ردت عليا الرد المفجع ده.. أنا أصلًا كنت بدأت أفكر إني أقفل المتحف بعد يومها، على رأي "عثمان" مش ناقصين فزع...
ودخلنا الصالة الأخيرة...
مكنش فيها غير مراية عتيقة متغطية بستارة سودة، المراية كانت في بيت واحد من الممثلين المشهورين ..
بدأت أحكي من غير أي شغف أو حماس:
=الممثل كان معروف بتقمصه الشخصية اللي بيمثلها بشكل مبالغ، لدرجة أنه حتى لما ميبقاش قدام الكاميرا كان بيفضل جوه الشخصية، وبيتعامل على أساس أنه الشخصية اللي بيأديها مع أي حد بيتعامل معاه سواء جوه لوكيشن التصوير أو في حياته بره اللوكيشن، لو دوره فتوة، يمشي يضايق في خلق الله ويفضل يتخانق معاهم ومش بعيد يضرب ويشتم، لو دوره أب حد جه على ولاده، يتخانق مع الممثل اللي ضايقهم ويفضل يرازي فيه طول مدة تصوير العمل ولو شافه برده في أي مكان، ولو دور قاتل بقى لازم يكون في كذه حد بيراقبه طول الوقت لحد ما يخرج من مود الشخصية تمامًا...
الممثل مات في ظروف غامضة، ملامحه كانت مرعبه، كأنه شاف حاجة فزعته قبل ما يموت.. وبعد موته بدأت تطلع إشاعات عن وجود مراية معينة في أوضة نومه، يقال إنها كانت المرايه اللي بيعمل قدامها البروفات، كان بيأدي قدامها أدواره ويقول سطوره، مرة وره التانية وره التالتة...
الشقة بتاعة الممثل أجرها الورثة لحد... المستأجر فاجأ المؤجرين أنه عايز يجدد عقد الإيجار مع إنه المفروض كان يرجع لمحافظته وشغله وحياته، لكنه أصر يفضل ودفع فلوس أكتر من المبلغ المتفق عليه في مدة الإيجار الأولى... أحوال المستأجر بقت غريبة، مبقاش يخرج بره الشقة تقريبًا، يوم بعد بوم وشه كان بيبهت أكتر، ودي شهادة البواب ومحصل الكهربا والمؤجرين...
وفي يوم البواب قلق لإنه كذه مرة يخبط على باب المستأجر وميستجبش، ده غير أن في ريحة بشعة بدأت تفوح من الشقة... في النهاية كسروا الباب ولقوا المستأجر سايح في دمه في أوضة النوم، جثته مرمية قدام المراية بالظبط، وكمية الدم كانت رهيبة، مغطية كل الأرض بتاعة الأوضة، كأن جسمه اتصفى تمامًا ومفيش أي سلاح أو آلة حادة في الشقة ولا دليل على وجود كسر!
في الحقيقة إحنا لما جبنا المراية في المتحف، محدش اتجرأ يبص فيها، سبناها بالستارة اللي عليها.. لو حد عايز يبص فيها يتفضل...
"محدش اتحرك... بس اتفاجئت بعد دقيقة بواحد بيمشي لقدام ناحيتها، في كذه حد حاول يمسكه أو يمنعه بالكلام والتحذيرات بس مسمعش، حرفيًا متهيألي إنه مسمعش ، كأنه كان زومبي، بيتحرك من غير وعي، منجذب بشكل عجيب للمرايه، نزل الستارة....الكل بعدها، واحد وره التاني مشيوا بنفس الطريقة اللي مشي بيها الشخص الأولاني... حاولت أتكلم معاهم، محدش رد، بقيت أزعق فيهم، أقول لهم يبعدوا، يبصوا الناحية التانية... معرفش، كان عندي يقين إن في حاجة مش مريحة أبدًا بتحصل، وأنهم لازم يرجعوا... لما مستجابوش جريت على المراية عشان اغطيها بالستارة لكن لما وصلت وعيني وقعت على انعكاسي، اتسليت في مكاني، سرحت في الانعكاس، مفيش حاجة غريبة، لا أشباح ولا سفاحين ولا أطياف، انعكاسي وبس، ومع ذلك، مكنتش قادر اتحرك، ولا أركز في أي حاجة غير الانعكاس، لكن...
محدش كان ورايا! الصالة كانت فاضية تمامًا، مش لاقي انعكاس لحد غيري. لفيت ورايا وملقتش أي أثر لأي حد... ولا أي صوت، الناس راحت فين؟ الزوار فين؟؟ إزاي أنا هنا لوحدي؟؟؟
اللقطة اللي بعدها هي أن الصالة رجعت تانيا تملت بالزوار، بس كانوا في حالة مختلفة شوية، كانوا كلهم ميتين، سايحين في دمهم في حتت متفرقة على الأرض، ولا واحد عايش! بقيت أمشي وسط بركة الدم لحد ما خرجت ، اتنقلت من صالة لصالة لحد بره المتحف...
مش بس الكارير بتاعي اتهدم، أنا دخلت السجن، مفيش أي دليل ضدي ولا منطق يقول إني قتلت الناس دي كلها، بس أنا المسؤول عن المتحف، أنا المسؤول عن القتل الغامض للناس دي، عثمان كان عنده مليون حق، كان اقتراح بشع ومش سوي، ويعصروا فيا لحد ما يوصلوا لأي تبرير للمجزرة اللي حصلت، لكن للأسف مش هيلاقوا تبرير ولا أنا هلاقي.......
"تمت"