آخر الموثقات

  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. مقبرة سوهاج

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من احداث حقيقية

"درس تاريخ"

"المقبرة"

ياااه أخيرًا اجازة، الولاد هيرتاحوا، وأنا كمان، الراحة مهمة مفيش كلام، لكن أنا هعمل إيه في التلات شهور دول؟ حياتي هي الولاد اللي بدرسلهم والقصص اللي بحكيهالهم، لما يتقفل عليا باب وأبقى لوحدي هعمل إيه؟ ويا ترى هعرف أعيش مع نفسي والعفاريت بتاعتي؟ عفاريت الماضي اللي لسه بتطاردني، الجروح القديمة اللي متقفلتش، يا ترى هو زيي، يا ترى "قاسم" برضه بيعيش نفس المأساة اللي اتعرضنالها كل لما يبقى لوحده ولا حالته أحسن مني، وفعلًا تخطى التجربة؟؟

هي دي نفس الأفكار اللي بتتكرر مع آخر يوم في الامتحانات كل سنة، ببقى عاملة زي العيلة المرعوبة اللي محبوسة في أوضة فيران ضيقة، أنا بكدب، طول الوقت بكدب، بعمل لنفسي صورة مزيفة، صورة ست قوية، ناجحة في مجالها، قلبها ميت وعندها ثقة رهيبة في نفسها، ده مش صح، أنا نفس البنت الصغيرة اللي قاتل متسلسل ضربها وكان حاططها في قائمة ضحاياه وشافت صاحبتها مقتولة بطريقة بشعة، قصدي شافت جزء منها، لكن ربنا أراد إني أفلت من القائمة من غير مجهود ولا مقاومة مني، الفرق هو في الإنجاز البسيط اللي حققته، الولاد اللي كسبت حبهم، تلاميذي والقصص اللي مش بتخلص من الصندوق بتاعي....

بالي كان مشغول بكل ده خلال المسافة ما بين باب الفصل وحمام المدرسة، الامتحان كان أصلًا خلص بقاله ييجي ساعتين ولا حاجة وأنا كنت من المراقبين في اللجنة، وفي بنتين من اللي كانوا بيتمحنوا قعدوا معايا الساعتين دول، هم اللي طلبوا نقعد نتكلم، ياخدوا رأيي في شوية مواضيع مهمة بالنسبة لهم ونتكلم في مواضيع تانية تافهة...

احنا التلاتة روحنا على الحمام، خرجت الأول وبعدين بنت تانية وغسلنا إيدينا في الأحواض، والتالتة كانت لسه مخرجتش من الكابينة بتاعتها، سلمت على البنت اللي خرجت واستعديت عشان أخرج من الحمام كله لكن معرفتش!

وده لإن الباب كان متربس، الباب اتقفل من بره!

وده أكيد حصل واحنا التلاتة في الكباين، مسمعناش صوت المفتاح، اللي قفل ميعرفش إن لسه في ناس جوه المدرسة لإننا كنا آخر تلاتة متبقيين، الكل كان مشي وبكده...اتحبسنا..

الحل بسيط مش كده؟ أي واحدة فينا تقدر تطلع موبايلها وتكلم حد من المدرسة تبلغه إننا لسه موجودين عشان ييجوا يخرجونا، صح، بس المشكلة إن الإرسال في الحمام ضايع، لو عملنا إيه الموبايلات مش بتلقط شبكة، البنت اللي معايا كانت متوترة شوية لكن الوضع بقى مزري لما البنت التانية طلعت من الكابينة واكتشفت إننا محبوسين، الاتنين قوموا بعض، وبدأوا يفقدوا أعصابهم وجالهم هلع، والحقيقة أنا وضعي كان زيهم، بس مكنش ينفع أبين ده، لازم كنت أبان قوية عشان يتطمنوا، قلتلهم:

=إسمعوا، إيه أوحش حاجة ممكن تحصل؟ هنا الأنوار شغالة يعني لو الليل جه هنولع الأنوار وهنفضل مع بعض، ولو حتى عدى يوم كامل ومحدش عرف يوصل لنا، تاني يوم في موظفين ومدرسين هييجوا، مش الكل بياخد شهور الصيف إجازة زيي، في إداريين وموظفين تانيين...

كلامي معملش معاهم فرق يذكر، كنت شايفة جسمهم بيعلى ويهبط كإن قلوبهم هتخرج منهم من الخوف واللي زود الطينة بلة كمية الرسايل اللي كانت بتجيلنا عن مكالمات مش بتوصل لينا ونصها لمعرفة "كذه كذه مكالمة لم تصلك اطلب الكود الفلاني" وعدد المكالمات كان مهول، أهالينا ومعارفنا هيموتوا من القلق علينا، معندهمش فكرة إحنا فين، وكويسين ولا لأ...

=ممكن تهدوا، اقعدوا!

قلتلهم كده بعد ما أصواتهم بدأت تعلى وشدوا مع بعض، وبقوا يقولوا حلول مش منطقية زي يالا نصرخ والناس اللي معدية في الشارع هتسمعنا أو نخلع باب كابينة من كباين الحمام ونزق بيه الحمام الرئيسي ونكسره وكلام عبيط من ده...

=إيه رأيكم أحكيلكم قصة؟

تلقائيًا كده الابتسامات اترسمت على وشوشهم وأجسامهم هبطت وأنفاسهم انتظمت، حقيقي عيال غريبة الأطوار! بقى قصصي العجيبة السيكوباتية هي اللي بتهدي أعصابهم، سبحان الله، زي كده الأدوية اللي معمولة من سموم التعابين، أهو لله في خلقه شؤون، المهم إنهم هديوا وبان عليهم الروقان وكانوا متحمسين جدًا للقصة...

=كان في ترعة شبه جافة في سوهاج من 20 سنة، الميه اللي فيها ضحلة، عارفين يعني إيه ضحلة؟

-عميقة؟

=عميقة يا "سندس"؟! يا خسارة التعليم اللي بنعلمهولكم، لأ يا حبيبتي، ضحلة يعني ميتها قليلة أوي، بالعكس.. الترعة دي لقوا فيها أوتوبيس مقلوب جواه 5 ضحايا، كلهم ميتين، من ضمنهم السواق والتباع، أكيد السبب مش الغرق، مستوى الميه قليل جدًا، سبب الوفاة طبيعي يكون نزيف داخلي وكسر في الجمجمة مثلًا أو ارتجاجات أو دم كتير مفقود نتيجة الخبطات وكلام من ده، مش كده؟

قضية سهلة ومحلولة مش محتاجة، اللغز الوحيد اللي فيها هو سبب الحادثة، ازاي العربية اتقلبت، يجوز عشان حد عدى من قدام الأتوبيس فجه السواق يتفاداه وهو ماشي بسرعة فحصل انزلاق واتقلب الأتوبيس، أو عربية ظهرت فجأة ونفس السيناريو حصل؟ أو رصيف أو..أو.... نتيجة الطب الشرعي ظهرت، اتنين ماتوا بسبب ذبحة صدرية والباقي كان في أجسامهم جروح مميتة سببها لازم يكون جسم حاد زي سكينة أو إزاز...

-طب ما هي متفسرة أهي يا ميس "هايدي"، الأتوبيس اتقلب فأكيد الإزاز اللي جنب الكراسي اتكسر والذبحة الصدرية بسبب الصدمة بتاعة الحادثة نفسها.

=برافو يا عليا، تنفعي محققة ممتازة، بس الغريبة إنهم ملقوش أي قطع إزاز جوه الأجسام المشقوقة، ولا حتى شظايا صغيرة، طب إزاي؟

تم استدعاء 5 اشخاص في قسم الشرطة بعد العثور على الأتوبيس المقلوب وقبل ما يحصل التشريح، الخمسة دول كانوا باقي ركاب الأوتوبيس اللي نزلوا قبل الحادثة بدقايق معدودة...

الخمسة كانوا عمالين يبصوا لبعض، بيتوشوشوا، وأغلب الكلام كان موجه للست العجوزة اللي فيهم ومحتواه كان كالتالي:

-هنقول إيه؟ نقول اللي حصل؟

=لأ طبعًا انتوا اتجننتوا؟ محدش هيصدقنا، كده بالعكس هندخل في سين وجيم وممكن يعتبرونا سبب في الحادثة.

-سبب في الحادثة إزاي يعني؟ إحنا اللي قلبنا الأتوبيس مثلًا؟؟

=معرفش بقى يا بني، شوفوا هتعملوا إيه، همشي عاللي هتتقفوا عليه.

وبعد شد وجذب وآراء كتير، وصلوا إنهم يقولوا الحقيقة واللي هحكيهالكم دلوقتي...

في ليلة من ليالي شهر أكتوبر قرب الهالوين، عيد الهلع اللي بيحتفلوا بيه بره ، في سواق أتوبيس قرر يطلع شيفت كده مع نفسه، لقى عنده لسه شوية صحة فقال ليه لأ أزود اليومية النهارده، وطلع مع التباع اللي شجعه على القرار ده، الناس في الخط اللي مشيوا فيه كانوا قليلين أوي، بالعافية جمعوا 8 ركاب، بس السواق كان راضي وطبعًا حكى للركاب قصة الكفاح دي وهما كانوا مبسوطين إنه كان سبب إنهم يعرفوا يروحوا مصالحهم وبيوتهم، الجو كان ظريف جدًا، بره الأتوبيس وجواه، هوا منعش لا منه برد ولا حر، والشوارع فاضية والأتوبيس رايق، أجواء أوريجينال خالص، لحد ما الأتوبيس فرمل مرة واحدة، اللي خبط في ضهر الكرسي اللي قدامه واللي خبط في الراكب اللي جنبه واللي دماغه اترجت من الخبطة، والمشترك ما بينهم كلهم هي الخضة...

السواق اضطر يقف فجأة عشان في اتنين ظهروا من العدم قدامه في الشارع الهوو، كانوا قدام الأتوبيس مباشرة، ما بينه وبينهم يدوبك كام خطوة، السواق قلبه كان هيقف، مصدقش إنه أصلًا قدر يقف على آخر لحظة أما بقى الاتنين اللي في الشارع فمتهزلهمش شعرة، فضلوا واقفين مكانهم، متحركوش، محاولوش حتى يتفادوا الأتوبيس، وعنيهم فضلت ثابتة عليه..

السواق كان عايز يشتمهم بأبشع الألفاظ، يهزأهم ويمرمط بكرامتهم الأرض، لكن جه في باله إنهم غلابة، أكيد مش لاقيين توصيلة في المكان المقطوع ده والمعاد المتأخر، فبص للتباع وقال له:

-إيه رأيك نركبهم معانا؟

-دول شكلهم مأشفرين خالص.

-معلش أهو نكسب ثواب...

الست العجوزة اللي إسمها "زُهرة" مكنتش مبسوطة بالقرار اللي أخدوه، في حاجة مكنتش مطمناها، بس قالت في نفسها هي مسافة السكة وهتقعد في حالها، ملهاش دعوة بحد وشوية ومحطتها هتيجي...

اتفتح الباب والاتنين طلعوا....

مرموش السلام، ملامحهم فضلت جامدة، مبصوش لحد وراحوا للكنبة الأخيرة قعدوا عليها...

كل اللي في الأتوبيس كانوا لابيس لبس عادي، قمصان وبناطيل أو جيبات بالنسبة للستات، مفيش غير الحجة "زُهرة" هي اللي كانت لابسة عباية سودة، الاتنين بقى اللي طلعوا كانوا لابسين جلاليب وعمم، ده مش غريب، يجوز في ناس لسه متمسكة بالزي الصعيدي القديم أو يكونوا بيشتغلوا في الفلاحة، لكن كان في حاجة تانية لفتت انتباه الحجة "زهرة"....

بعد شوية صغيرين، "زهرة" اتلفتت بسرعة وسرقت نظرة ليهم من غير ما ياخدوا بالهم، رجعت بصت قدامها، مدت إيديها للي قاعد جنبها، مسكت في هدومه وصرخت:

-يا حرامي يا بن ال&^)، ده شقايا، بتستحل شقى ست عجوزة قد أمك ولا أكبر كمان!

-جرى إيه يا ست أنتي، أنت اتجنيتي؟؟ أنا جيت جنبك؟

الناس اتدخلت، اللي قام من مكانه، واللي زعق من بعيد، اللي بيهاجم الشاب واللي بيدافع عنه، وزيطة، في الآخر السواق وقف الأتوبيس وزعق في كل اللي شارك في العركة:

-يالا منك له ليها، انزلوا من الأتوبيس، أنا عارف اليوم ده ماله، مش ناقصة وش، امشوا اللي متبقي على رجليكم، يالا...

ودول كانوا خمسة من الركاب، من ضمنهم واحد كان بس واقف بيتفرج كده من باب الفضول، حاول يشرح للسواق ويقول له إنه ملوش ذنب، لكن مفيش فايدة، السواق أصر ينزل معاهم وال 5 نزلوا...

"زهرة" كانت آخر واحدة نزلت، وهي نازلة على السلم مسكت دراع التباع وضغطت عليه وبصتله بصة مفهمهاش، قال لها:

-يالا يا ست.

ال5 وقفوا في الشارع الفاضي وراقبوا الأتوبيس وهو بيمشي وبيختفي، ويعدين اتدوروا على "زهرة"... الشاب اللي مسكت فيه عينه كانت بتطق شرار، كور صوابعه في كفه من الغيظ، وكان على وشك الانفجار...

-بقى أنا حرامي، أنا سرقتك ولا جيت جنبك؟ إيه اللي عملتيه ده؟

-أنقذتك!

-إيه؟

بصتلهم كلهم في حركة مسرحية وقالتلهم:

-أنقذتكوا كلكوا.

السكوت هو اللي غلب على المشهد، الكل حط لسانه جوه بوقه، مستنيين تفسير "زهرة"...

-الاتنين اللي طلعوا من شوية، خدتوا بالكم من لبسهم؟

-إيه؟ بيشتغلوا في الأرض مثلًا.

-وهم اللي بيشتغلوا في الأرض ده لبسهم، الجلابية والعمة مش شكلهم قديم شوية؟

فعلًا، لبس الاتنين كان قديم أوي، قصة الجلبية وكمامها الواسعة وشكل العمة ولفتها، كله قديم، الكل صدق على كلامها لما افتكروا شكلهم...

"زهرة" كملت كلامها وقالت:

-من أول ما الأتوبيس وقف وهم طلعوا وأنا مش مستريحة، ومنظرهم وهم معديين ما بين الكراسي، وشهم كإنه حتة حجرة خرسة..بصتلهم بصة سريعة وهم قاعدين على الكنبة مش واخدين بالهم، المفروض كانوا قاعدين عادي والمفروض أشوف الحته المكشوفة من رجليهم اللي لامسة الأرض، واللي شفته كان رجلين حمير! اللي كانوا معانا على الأتوبيس مش بشر، دول جن...واللي خلاني مش مرتاحة من أول ما الأتوبيس وقف هو المكان اللي وقف فيه، جنب المقابر إياها اللي عليها كلام كتير...ربنا يستر على اللي معاهم لسه في الأتوبيس، حاولت أحذر التباع بس مفهمنيش، أنتوا ربنا نجاكم...

"وهي دي بقى يا بنات القصة اللي حكوها في النيابة، الخمسة حكوا نفس القصة، محدش أخد كلامهم جد، أصل أهل المناطق دي بيخافوا من المقابر وفي قصص كتير بيقولوها معليهاش أي دليل، لكن اللي خلى موقف النيابة والتحقيق يختلف هي نتايج التشريح اللي قلتلكم عليها... تخيلوا معايا بقى إحساس الشخص الخامس اللي كان بيتفرج على الخناقة المزيفة وقعد يقنع السواق يخليه في الأتوبيس لما عرف باللي حصل لباقي الركاب اللي منزلوش...

-هاه وبعدين يا ميس "هايدي"؟

=القصة دي خلصت يا عليا بس قصص المقبرة مخلصتش، المقبرة اللي الراجلين ظهروا قدامها ورجليهم كانت رجلين حمير والركاب اللي معاهم ماتوا في ظروف غامضة...

في واقعة تانية في نفس السنة...

كان الراجل اللي إسمه "ساهر" ماشي بعربيته في الطريق الفاضي بليل لوحده لما شاف واحدة بتمد إيديها وبتشاورله عشان يقف...

كانت بنت متكملش عشرين سنة، لابسة فستان أبيض بكم، شفاف شوية، مش لابسة طرحة على شعرها، شعرها إسود طويل ملزق شوية وأطرافه مش متساوية، الكحل اللي في عنيها سايح على وشها...

"ساهر" كمل طريقه وتجاهلها، بس بعد ما بِعد شوية حس بتأنيب ضمير، رجع مرشيدير لورا ووقف..

البنت فتحت الباب اللي ورا وقعدت على الكنبة...

سألها:

-حضرتك رايحة فين؟

بصتله في المراية ومردتش، البصة كانت جامدة، مش مفهومة...

كرر السؤال:

-معلش بس عشان سكتك ممكن متبقاش نفس سكتي، عشان كده بسأل، أنزلك فين؟

وهنا بدأت تدندن، الدندنة كانت همهمة، بوقها متفتحش وهي بتدندن اللحن الغريب...

"ساهر" ابتدى يخاف، البنت دي مكنتش طبيعية، في الغالب مجنونة، يمكن هربانة من مصحة أمراض عقلية، مش متزنة أبدًا، مجاش في باله أبدًا السيناريو التاني...

فجأة قربت من الكرسي بتاعه، مدت إيديها ومسكته!

صوابعه اتلفت جامد على إيده قرب المعصم وكانت تلج! كإنه في لوح تلج محطوط على إيده، الألم كان رهيب لدرجة إنه صرخ بصوت عالي وفقد التحكم في العربية، عينه جت على المراية، شاف جمجمة عليها شعر، وفي ديدان نازلة من محاجر العيون الفارغة، مد إيده اللي إيديها كانت غارزة فيها بصعوبة وفتح زرار الراديو، الراديو كان مظبوط على محطة القرآن الكريم، محسش بعدها بإيدها، بص في المراية ملقاش حد في الكنبة اللي ورا، وقف العربية واتلفت ملقهاش فعلًا، تعرفوا المكان اللي البنت شاورتله فيه عشان يقف كان فين؟

-متقوليش..

=صح يا "سندس"، جنب المقبرة، نفسها المقبرة اللي الرجالة اللي مطلعوش رجالة ظهروا قدامها والأتوبيس وقف عندها.... تعالوا بقى نرجع بالزمن 5 سنين لورا، يعني من 25 سنة...

كان في واحدة ست غلبانة بتربي بنتها لوحدها، الراجل الكُمل اللي كانت متجوزاه هو وأهله رفضوا يصرفوا على البنت فالأم لقت نفسها مجبرة تشتغل وكانت قصة كفاح....

البنت كبرت ملقتش غير أمها، الاتنين كانوا صحاب جدًا بحكم كمان إن فرق السن ما بينهم مش كبير، والست كافحت في شغلها وتعمل جمعيات عشان مصاريف البنت وتعليمها وتعمل مشاريع صغيرة جنب شغلها الأساسي لحد ما حققوا حلمهم وهو إنهم يجيبوا عربية، ياااه ده كان يوم عيد، صحيح العربية صغيرة وتقيلة في حركتها ومهكعة، يعني لو جابوا حنطور كان هيبقى أفيدلهم بس أهو، فرحوا جدًا، وأول يوم العربية جت فيه الأم راحت ودت بنتها المدرسة وخدتها منها واتفسحوا في كذه مكان والوقت سرقهم وسرحوا، تجولوا في شوارع سوهاج الزحمة منها والفاضية، لحد ما عدوا جنب مكان هس هس، الشارع مكنش مسفلت أوي، في مطبات ومتعرج كده، بس مش هو ده أكتر عنصر مش مريح ، في حاجة كده في الأجواء هي اللي كانت مخليه الاتنين مش مرتاحين، يمكن الريحة النفاذة البشعة اللي مع كل هبة هوا بتبقى قوية أكتر، يمكن لسعة البرد اللي موجودة في المكان ده بالذات، أو يمكن الأسباب دي مجتمعة مع سبب تاني...

المهم إن اليوم كله عدى سلامات، العربية كانت ماشية زي الفل بالنسبة لإمكانياتها اللي على قدها طبعًا ولما عدوا في المكان الهس هس ده شافوا قدامهم على مسافة كده راجل وست، الراجل كان شكله كبير، من ضهره المحني شوية يبان إنه في أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات، كان لابس بدلة وبنطلون مبهدلين، فيهم حتت مقطعة، وكان مترب، كله على بعضه مترب كإنه كان مدفون في رملة واللي معاه بنت متكملش عشرين سنة لابسة فستان أبيض شفاف شعرها إسود طويل ملزق ، الاتنين مدوا دراعاتهم وشاوروا للعربية عشان تقف، الأم وبنتها بصوا لبعض في نفس الوقت، عنيهم كانت مليانة خوف، والأم بعدها بصت قدامها وزودت السرعة، وتلقائيًا كده غمضت لما عدت من جنبهم بسرعة ولما حصل وعدتهم العربية وقفت...

عطلت فجأة!

المفروض في بنزين ومكنش في مشكلة في البطارية ولا أي سبب منطقي يخليها تقف، الراجل والبنت ابتدوا بتحركوا ناحية العربية بشويش بشويش، "هالة" بصت وراها وشافتهم بيتحركوا وصرخت، قالت لمامتها إنهم جيين عليهم، وكالعادة في المواقف اللي زي دي التوتر هو بيبقى سيد الموقف وبيلغي المنطق، المفروض إن الأم "سناء" تحاول تدور العربية، تركز في ده وبس، لكنها رفعت إيديها من المفتاح والدريكسيون ولفت تبص عليهم وفعلًا لقيتهم بيقربوا، بعد كده رجعت للواقع وأدركت الوقعة السودة اللي هم فيها... "هالة" ابتدت تفقد أعصابها، بقت تخبط بإيديها على التابلوه قدامها وتصرخ:

-يا ماما، يالا، يا ماما شغلي العربية...

وبعد نوبة الهستيريا سكتت، راسها اتحركت معاهم وهم بيقربوا وقالت بصوت هادي:

-دول...فيهم حاجة غريبة.

وصلوا للعربية من ورا وبعدين اتفرقوا، الراجل راح ناحية "هالة" والشابة راحت ناحية "سناء"، "سناء" هي اللي بقت تصرخ وتعيط وهي بتحاول تدور المفتاح للمرة الألف، و"هالة" من الصدمة سكتت تمامًا وفضلت مركزة في وش الراجل اللي جه ناحية شباكها ووقف...

إيدين الراجل اتمدت ببطء على سطح العربية، نفس الحكاية بالنسبة للشابة.... "سناء" فضلت مكملة في النوبة اللي هي فيها بس قالت أخيرًا وهي بتعيط:

-يا رب، يا رب، بسم الله الرحمن الرحيم...

والعربية استجابت! في صوت خرج وابتدت تتحرك، لكن كانت زي ما تكون غارزة في الأرض، الاتنين اللي حاطين إيديهم على سطح العربية كانوا مقيدينها، بس في الآخر العربية انطلقت...

"هالة" قالت وهي سرحانة في الفراغ قدامها وعنيها مش بترمش:

-الناس دول يا ماما فيهم حاجة غريبة ، الراجل لما بقى جنب الشباك بتاعي ووشه في وشي شفته بوضوح...عنيه كانت كلها بياض وجلد وشه كان عمال يقع!

"تعرفي يا "عليا" إنتي و"سندس" المكان اللي عدوا من جنبه اللي الراجل والست ظهروا فيه ده فين؟

-يا الله..

=أيوه، برضه المقبرة، المقبرة هي العامل المشترك في ال3 حوادث اللي فاتوا وفي الحوادث كمان اللي لسه هحكيهالكم..من 18 سنة كان في اتنين صحاب ، كانوا أكبر منكم بكام سنة، في الثانوية، السن ده بيبقى الإنسان فيه مش مفهوم، لا حد فاهمه ولا هو فاهم نفسه، متزعلوش مني يا بنات، لما توصلوا السن ده هيجيلكم فجأة كده إحساس إنكم كبار ومسؤولين ويا أرض اتهدي ما عليكي قدي، وأنتوا بتبقوا عيال، مجرد عيال لسه مخرجتش من البيضة، اه جسم مفرود ويمكن عضلات، لكن عقل لسه بيتكون، نفس تايهة لسه مش ناضجة، والخطورة بقى في الوهم، إحساس إنكم قادرين تاخدوا قرارتكم بنفسكم وإنكوا عارفين إنتوا عايزين إيه... المهم الاتنين دول واحد إسمه "ممدوح" والتاني "معتز"، كان عندهم عادة روشة أوي، وهي إنهم بيخرجوا في مكان مختلف، خروجة كده مش معتادة، مش على القهوة زي باقي الشباب اللي في سنهم ولا في سايبر من بتوع البلاي ستاشن ولا سيما ولا مطعم، مكان سري محدش غيرهم يعرفه، المقابر!

المقبرة إياها....

كانوا بياخدوا بعضهم لما الدنيا تضلم ويروحوا يتمشوا هناك يشربوا سجاير ويتجولوا ويتكلموا في أي مواضيع، روشين روشين يعني، السبب مش معروف أوي، يمكن إحساسهم بإنهم بكده قلبهم ميت، حب المغامرة، إن يكون ليهم موقع سري ليهم لوحدهم، أو يمكن كله مع بعضه، بس مكنوش يعرفوا باللي بيحصل في المقبرة دي بالذات وحواليها...

وفي جلسة من جلساتهم في المقبرة "ممدوح" قطع كلامه فجأة، رمى سيجارته وحط إيده بكم القميص على مناخيره...

فضل يكح من بشاعة الريحة ، "معتز" قال له:

-في إيه متنشف شوية، طبيعي يعني إحنا في المدافن هتشم ريحان ياخي؟

-لأ، دي مش الريحة العادية، دي ريحة هبت فجأة، أنت إزاي مش واخد بالك؟

-تصدق صح؟ فعلًا الريحة هبت فجأة، طب يالا نتمشي شوية ونبعد عن هنا..

وفعلًا، مشيوا حبه بس لاحظوا إن كل شوية تيجي هبة ريح مع الريحة الرهيبة الغير محتملة... قرروا يقعدوا ويسندوا على مدفن من المدافن ويحاولوا يتجاهلوا الهبات الغير مبررة دي...

كملوا نقاشاتهم الفارغة اللي بينسوها أول ما يخلصوها، لكن "معتز" فجأة سرح قدامه وفصل تمامًا...

"ممدوح" سأله ليه مسهم كده، "معتز" مد دراعه وشاور في اتجاه معين...

"ممدوح" بص على نفس الاتجاه، لقى منظر غريب، عقله مقدرش يفسره، نار عالية وواقف قصادها راجل شكله من بعيد لابس جلابية وعمة...قال بصوت مقطع لصاحبه:

-هو..بيعمل إيه ده؟

"معتز" بص ل"ممدوح" بعيون مليها الخوف، بلع ريقه بصعوبة وقال:

-معرفش، بس شكلها حاجة مش ولابد..

وهنا.. الراجل...حس بوجودهم...

مستحيل يكون سمع كلامهم اللي كان عبارة عن همس، إزاي حس، الله أعلم، المهم إنه اتدور، ضهره بقى للنار الكبيرة ووشه ليهم، مال براسه كإنه بيدرسهم وبعدين بدأ يتحرك في اتجاههم...

الراجل ده مش ناويلهم على خير أبدًا...ده اللي جه في بالهم، اتنتروا من مكانهم ولفوا وبدأوا يجروا، خطوته كانت سريعة أوي، ولما قرب شوية سمعوا صوت حاجة بتحك في الأرض، فاس ماسكه بيجره عالأرض، قربوا لبوابة المدافن بس عشان يطلعوا كان لازم يتسلقوها زي ما دخلوا، وقفوا قدام البوابة والاتنين بحركة تلقائية لفوا وبصوا له بصة أخيرة، بقى قريب أوي، شافوه لابس كوفيه على كتافه والعمة لاففها حوالين راسه وجزء منها مخبي بيه أغلب وشه، يدوبك عيونه اللي باينة، وعيونه بتطق شرار، إيد حاططها جنبه وإيد بيجر بيها الفاس، نظرته كانت بتقول "أنتوا بتوعي، مفيش مهرب" وهوب قفشوا بإيديهم في البوابة وبقوا يطلعوا عليها بسرعة...

الراجل رمى الفاس وجري على البوابة، خلاص كان هيطلع عليها لكنه اتكعبل ووقع!

والوقعة دي بأمر الله هي اللي أنقذتهم من مصير ميعرفهوش، لما خرجوا من المدافن وقدروا يهربوا ووصلوا لبيت حد فيهم افتكروا تفاصيل أكتر، النار العالية كانت زي ما تكون طالعة من مكان عميق، أعمق من مستوى الأرض العادي، حفرة!

وده يفسر وجود الفاس، الراجل المرعب ده كان بيحفر ومولع نار في الحفرة، ليه؟ كان بيعمل إيه بالظبط؟ إيه اللي هو تخيل إنهم شافوه عشان كده طاردهم وكان ناوي يأذيهم بسببه؟ يا ترى كانوا شاهدين على إيه؟

-ميس هايدي إشمعنى المقبرة دي، ليه كل ده يحصل بسببها؟

=أيوااا يا "سندس" هو ده مربط الفرس، إيه اللي في المقبرة دي يميزها عن غيرها ويخليها سبب في كل الرعب ده؟ خليني أحكيلكم الأول حكاية كمان ونرجع للسؤال ده في الآخر، كان ياما كان من 28 سنة كان في جماعة بيشتغلوا شغلانة مش تقليدية، مجموعة ستات بيغنوا في الأفراح، الأفراح اللي الرجالة فيهم بيتفصلوا عن الستات، يعني بيدخلوا الساحات المخصصة للستات بس وبيعملوا فقراتهم، في مغنية رئيسية ومغنيات تانيين بيغنوا معاها، وواحدة بترقص قدامهم، أدواتهم كانت بدائية جدًا وبسيطة، طبلة ودف وصاجات، والمغنية الرئيسية حتى صوتها مكنش قد كده، أهو حاجة تفاريحي...

كانوا كلهم بيقضوا مع بعض معظم اليوم في شقة، ده لو كرمناهم واعتبرناها شقة، هي اشبه بأوضة كبيرة شوية، لكن خلينا نقول شقة، أهي دي كانت موقع العمل، المكان اللي الناس بتجيه عشان تحجزهم للأفراح والمناسبات...

في يوم لسبب ما المغنية الأساسية كانت غايبة، رجعت الشقة لقيت وشوش الفرقة منورة، سألتهم، واحدة ردت:

-في واحدة جت حجزتنا عشان فرح بكره بليل..

=حلو وقلتلها القواعد؟ إننا بنروح بدري وبنروح بدري وإن طبعًا لازم المناسبات اللي نروحها الستات بيبقوا مفصولين عن الرجالة؟

الفرقة كلها بصت لبعض، عنيهم زاغت واتوتروا، نفس البنت ردت عليها:

-هي دي بقى المشكلة، احنا المرة دي نعمل استثناء.

=إستثناء إزاي يعني، مش فاهمة؟

-الحفلة مختلطة، رجالة وستات مع بعض.

اتصدمت، في الأول مردتش، بعدين بسرعة بان عليها الغضب، كانت هتقوم تهزقها لولا إن البنت لحقت نفسها وقالت:

-ادتنا 20 الف جنيه!

=كام؟

-20 الف...

مبلغ زي ده كانوا يجمعوه في حوالي 10 أفراح على شوية مناسبات تانية، فهمت "جيهان" ليه وشهم كان منور، هي كمان فرحت أوي، ده مبلغ مكنتش تحلم بيه، لما يتوزع نصيبها هيبقى 2000 جنيه، كله في ليلة واحدة، لكن برضه... اتوغوشت، ليه؟ ليه المبلغ الكبير ده وهم يعني إمكانيتهم مش قد كده؟ مش فرقة رضا يعني، بس رأيها اتغير شوية وهديت لما عرفت العنوان...

العنوان كان "قصر نصار"، في شارع على مسافة من شارع العارف، هي في الحقيقة لا شافت "قصر نصار" ولا سمعت عنه قبل كده، لكن الكتاب يبان من عنوانه "قصر"، دي حفلة في قصر، طبيعي يدوهم المبلغ ده، العشرين الف كإنها عشرين جنيه بالنسبة لأصحاب القصور، "يا سعدك يا هناكي يا جيهان، هتقبضي كبشة فلوس، ومين عارف؟ يمكن ده يبقى باب خير لشغل زيه تاني، وبدل ما تغني في البيوت الضيقة الكئيبة رجليكي تاخد على القصور" ده اللي جه في بال صاحبتنا، مجاش في بالها أبدًا اللي هيحصل...

راحوا العنوان المقصود في المعاد المحدد، الساعة 7 بعد المغرب، الشوارع والميادين حوالين المنطقة دي كانت ونس، أما المنطقة فكانت مختلفة، مقطوعة، مفيش حد بيمر، لا عربية ولا حد على رجليه، والقصر مكنش باين من بعيد لدرجة إنهم شكوا إنهم راحوا مكان غلط، فين القصر ده، مش المفروض يبان من بعيد، ده قصر!

لكن القصر بان لما قربوا، ومكنش قدامه ولا جواه أي لمبة منورة!

زي ما يكون مفيش ناس ساكنين فيه أصلًا...

وفجأة بعد الهدوء التام وسكوت أفراد الفرقة كلهم، باب...القصر...اتفتح...

العشرة دخلوا، كل واحدة فيهم بصت في اتجاه، جوه القصر كان حاجة تانية، كان بيشغي ناس، زحمة رهيبة وأضواء ساطعة!

وطبعًا مع الزحمة كانت دوشة فظيعة، لكن كل الأصوات سكتت والناس في القصر انتبهوا للفرقة، السكوت فضل مسيطر ثواني، الناس كانت بتبصلهم وبيبتسموا من غير كلام وبعدين عدد مهول سلم عليهم والباقي حييوهم من بعيد..

الفرقة استنتجوا إن أصحاب القصر هم راجل وست معينين سلموا عليهم بحرارة وكانوا بيضايفوا الباقي، كلهم بقى على بعضهم، أصحاب القصر والمعازيم مكنوش من سوهاج ولا من أي محافظة في الصعيد، ده اللي أعضاء الفرقة أدركوه من اللكنة بتاعتهم، لكن مقدروش يحددوا بالظبط هم منين..

"جيهان" حست برعشة في جسمها لما واحدة معينة من المعازيم سلمت عليها، وده لإن إيديها كانت خشنة أوي كإنها حتت خشبة مش لحم وجلد ومكنتش مرتاحلها أبدًا...

قبل ما يروحوا أوضة عشان يحضروا نفسهم أصحاب القصر وقفوهم، الراجل اللي عرف نفسه وقال إن إسمه "أمين" قال لهم:

-عشان بس تبقوا فاهمين ومتتخضوش، في برنامج معين للحفلة اللي هتتعمل، بالنسبة لكم أنتم مش هتوقفوا غنا لحد ما أنا والمدام نقول لكم، لكن هيبقى في شوية فقرات في النص، مثلًا مسرحية، وأنا والمدام هنبقى جزء منها ومعانا ممثلين تانيين، هنبقى قدامكم بنمثل وأنتوا بتغنوا...

ده إيه الجنان ده؟! مسرحية إيه وأداء إيه اللي في فرح؟ لا وكمان أهل العريس هيشاركوا فيها، دي حاجة أول مرة كانوا يسمعوا عنها، ربنا يعينهم على الهلاهوطا اللي في دماغهم، لكن مش مهم مدام هيقبضوا، إن شا الله حتى يجيبوا مهرجين وناس تمشي على الحبل، ده اللي فكروا فيه، ملهمش دعوة، خليهم في شغلهم...

أما "أنيسة" مرات الراجل فختمت الكلام وقالت:

-أهم حاجة متوقفوش غنا غير لما نقول لكم أو نشاورلكم، دي أهم حاجة!

كانت نبرتها جد أوي، حواجبها معقودة ومرفوعة... محدش رد عليها، أعضاء الفرقة كلهم هزوا راسهم وبعدين دخلوا الأوضة...

"جيهان" سرحت في المراية اللي قدامها، إيديها كانت بتترعش وهي بتحط أحمر الشفايف، "غادة" سألتها:

-إيه يا جيهان، مالك؟

-ولا حاجة، عادي، عادي...

-لأ قوليلي...

-يا ستي عادي..

"غادة" قربت من راسها وبصت هي كمان في المراية وقالت بهمس:

-لو قلتيلي هقولك على اللي عندي.

-إنتي كمان؟

-قوليلي بس يمكن أكون غلطانة..

-في واحدة ست، سلمت عليا، إيديها..

-كانت زي الخشب! خشنة وبتشوك..

هنا "جيهان" برقت في المراية وسكتت...

"غادة" قالت:

-مش مهم، طنشي، إحنا هنركز في شغلنا وأخدنا أجر حلو، وإن شاء الله هي دي المناسبات اللي هنروحها من هنا ورايح، ركزي بس في الغنا، وأنا كمان هركز وهطنش أي حاجة غريبة...

البنات طلعوا من الأوضة والليلة بدأت...

لاحظوا إنهم من وقت ما ابتدوا غنا المعازيم كلهم والعروسة والعريس مقعدوش على حيلهم، تنطيط ورقص أوفر وأصوات عالية أوي... عادي، عادي، ناس مهيبرا شوية، مزعجين بس عادي، في كده عائلات صوتها عالي وتصرفاتها أوفر، بس بقى اللي مش عادي هو العرض العجيب اللي ابتدا قدامهم...

بعد فترة من الغنا "أمين" و"أنيسة" وقفوا قدام الفرقة وادوهم ضهرهم واتوجهوا للمعازيم واتحركوا بطريقة استعراضية كإنهم على مسرح وقالوا كلام غريب أوي زي... "مفيش حياة مثالية من غير تمن يتدفع، مفيش حاجة ببلاش، لازم نضحي عشان نسمو، بس التضحية مش شرط تبقى مننا، كالعادة هنضحي بالعرق الأدنى، اللي المفروض يبقى عايش عشان يخدمنا"

بعدها ظهر واحد شكله مرعب، ملامحه حادة، عنيه لونها لبني ومش باين فيها بؤبؤ وكان ماسك راجل، بيجره، والراجل كان لا حول ليه ولا قوة، كان مبهدل أوي، زي ما يكون مشرد...

"أمين" قال بنبرة استعراضية عالية:

-واادي ضحيتنا الليلة دي..

كل ده والفرقة مبطلتش غُنا، طبعًا كانوا مبلمين، بيبصوا لبعض باستغراب وأصواتهم تلقائيًا وطيت، الغُنا بقى هادي، ماشي مع العرض الغريب السريالي اللي كان شغال...

التمثيل كان واقعي أوي، الراجل المفتري اللي بيقدم ضحية وبيتكلم عن طقوس كان زي ما يكون بجد مفتري ومعندوش قلب، والمشرد أداءه مذهل! كان بيترجاهم عشان يخلوه يعيش، بيعيط ويتشحتف وبيترعش...

"أنيسة" طلعت سكينة من جيبها ومررتها على رقبته، ونافورة دم خرجت منه...

ده...دم...حقيقي، وصوته وهو بيتخنق حقيقي، وجثته اللي اترمت على الأرض حقيقية، ده...مكنش عرض...

كل البنات اللي في الفرقة اتأكدوا من كده، لثانية قطعوا الغُنا لكن "جيهان" برقتلهم وهي بتدمع، وشاورتلهم براسها عشان يكملوا غُنا...

فاتت ساعات، رجليهم مبقتش مستحملة الوقوف، ركبهم بتخبط في بعض وصوتهم بقى مبحوح، كل ده والناس في القصر مبيتهدوش، لا بيقعدوا ولا بيسكتوا، وأصواتهم كل مدى بتعلى، لحد ما جه الفجر والآدان أدن، وكل واحد من المعازيم وقف متسمر في مكانه، كلهم وقفوا على الحركة اللي كانوا بيعملوها قبل الأدان، وهنا "غادة" قالت بصوت عالي:

-يالاااااا.

بسرعة رهيبة اتحركوا لحد باب القصر، وكل الناس كانوا عبارة عن تماثيل، مش حاسين بحركة الفرقة...

قبل ما يمشوا لفوا وبصوا بصة أخيرة، القصر كان..فاضي!

مفيش ولا بني آدم فيه، النجفة الكبيرة واقعة على الأرض، عليها شبكة عنكبوت، التراب مالي المكان، العفش قديم ومكسر، القصر عبارة عن حطام، كإنه مهجور من سنين كتير...

خرجوا بره القصر وشكله من بره كان زي من جوه، مقشر ومترب، القصر ده محدش سكنه من زمان...

-أمال مين يا ميس هايدي اللي استدعوهم للفرح؟ وإيه اللي كان جوه القصر؟

=خلينا في السؤال الأهم، القصر ده قصاده الناحية التانية في إيه؟

-ال...مقبرة..

=أيووه، المقبرة... بنات الفرقة لما رجعوا مقرهم شيكوا على الفلوس بتاعة الفرح لاقوها محروقة، كلها محروقة..سألتوني قبل كده إيه المميز في المقبرة دي، ليه كل ده بيحصل حواليها، من 5 سنين في غارة حصلت على المقبرة شرطة على مدنيين من أهل سوهاج، حفروا في كذه مكان، لقوا صور لناس كتير وحاجات عجيبة ، أقمشة جواها ورق عليه حروف مش معروفة شبه نكش الفراخ والصور مش لناس غريبة، دول من أهل سوهاج، من أماكن مختلفة، الصور كان عليها علامات وأرقام وكلمات منتورة، زي "مرض"، "خراب"، "جنون"، "فلس"، "عمى"... الصور مش بس كانت لناس كبار، في برضه أطفال وفي..حيوانات، محدش كان في أمان منهم..

-هم مين؟

=أصحاب القلوب السودة، النفوس المريضة، اللي بيلجأوا لدجال معين، دجال المقبرة، اللي نقى المقبرة دي بالذات عشان تبقى الموقع بتاعه، اللي بيدفن فيه الأعمال والسحر، ناس تدفعله فلوس عشان يأذوا ناس تانيين وهو يعمل تعويذته وعمله ويدفنه في المقبرة، عشان كده المنطقة دي نشيطة، الرجالة اللي طلعوا الأتوبيس كانوا من الجن، الشابة اللي ظهرت للراجل وركبت معاه جن، ونفس الجن اتشكل تاني في صورة نفس البنت معاها الراجل الكبير لما ظهروا للأم وبنتها ، والفرح اللي الفرقة راحوه بالمعازيم وأصحاب القصر من الجن، إلا المشرد المسكين اللي اتدبح، ده كان بني آدم، أما بقى الراجل اللي كان مولع نار من حفرة في المدافن وشافوه الشابين وحاول يمسكهم فده الشيطان الأكبر، ده بني آدم، شيطان أخطر من كل شياطين المقبرة، ده الدجال، ووقت ما الشابين شافوه كان بيدفن الأعمال وبيعمل طقوسه، بس دي كلها صفحة اتقفلت، الأعمال خرجت من الحفر، الدجال اتقبض عليه والناس اترحمت من شره...

-والمقبرة يا ميس هايدي؟

وقتها باب الحمام اتفتح، احنا التلاتة حطينا إيدينا على وشنا، نور الشمس اخترق المكان، اتارينا قضينا ليلة كاملة في الحمام ومحسيناش بالوقت...

عاملة النظافة اتخضت، مكنتش تعرف إننا جوا، قلت للبنات يكلموا أهاليهم بسرعة يطمنوهم، وقصدت أهرب من سؤالهم الملح "والمقبرة؟ مبقاش في حاجة حوالين المقبرة؟ الجن بطل يظهر؟ الناس مبقتش تشوف ولا تسمع حاجة؟"

وده لإن المقبرة بقت مكان موبوء، برغم إن السحر اللي فيها خرج، الجن علم عليها واعتبرها مكانه، ولسه قصصها مخلصتش، لسه البنت أم فستان أبيض شفاف وكحل سايح بتظهر للسواقين بليل ولسه بتصعب عليهم وبيقفولها، ولسه القصر بيخرج منه من وقت للتاني أصوات ناس بتحتفل بصوت عالي بشع ومشردين بيختفوا في المنطقة ومش بيرجعوا تاني...

"تمت"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب334111
2الكاتبمدونة نهلة حمودة190176
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181640
4الكاتبمدونة زينب حمدي169805
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130999
6الكاتبمدونة مني امين116802
7الكاتبمدونة سمير حماد 107905
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97996
9الكاتبمدونة مني العقدة95078
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91890

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

451 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع