بسم الله الرحمن الرحيم
القصة مستوحاة من أحداث حقيقية
برغم كل اللي حصل، أنا لسه بعتبر نفسي محظوظة بإني جزء من العيلة دي...
المفروض إن كل الأطفال بيبقوا متمسكين بأبوهم وأمهم لأطول وقت ممكن، مش بيبقوا عايزين يفارقوهم، خصوصًا وقت النوم، الطفل مش بيحس بالأمان غير لو نايم جنب أبوه وأمه، أنا بقى وضعي كان مختلف...
كنت بتسلل من جنبهم وهم نايمين وأنام في أي حته، على الكنبة، على الأرض، وفي أي مكان في البيت عشان لسه مكنوش وضبوا أوضة ليا مخصوص، معرفش، دايمًا كنت بتخنق من الزحمة، بحب أبقى لوحدي، ليا مساحتي، خصوصًا وقت النوم، وأغلب الليالي حد فيهم كان بيحس بغيابي، ويفضل يدور عليا لحد ما يلاقيني ويشيلني لو غرقانة في النوم أو "بمثل إني غرقانة في النوم"، أما بقى لو اتقفشت إني صاحية كنت باخد شوية تهزيق حلوين وبعدين اتشال واتحط تاني وسطهم...
ولما كبرت شوية صغيرين ولساني أخد على الكلام وبقيت أفهم عن الأول، أبويا وأمي نبهوا عليا إني لازم أنام جنبهم، مينفعش أنام لوحدي ولا ينفع أسهر، في كل حال من الأحوال مينفعش أكون لوحدي...
هم طبعًا اللي حكولي كل ده..
ده كان تمام ومفهوم لحد ما تميت 3 سنين، اللي مش مفهوم بقى هو تمسكهم بيا حتى بعد كده، وبعد ما الأوضة اتوضبت، ناقص إيه بقى عشان أنام في سريري لوحدي؟ وليه مينفعش ابقى لوحدي؟
اللي أنا أعرفه، مش في ساعتها طبعًا أنا كنت عيلة، اللي عرفته يعني لما كبرت إن الأهل بيشجعوا عيالهم يناموا لوحدهم ويعتمدوا شوية على نفسهم، ميقعدوش كل شوية يخوفوهم بالشكل ده!
............................
كنت فاكره الأحلام والأحداث اللي بتحصل لي دي عادية عشان كده محكتش لأي حد...
كان في حلم بعينه بيتكرر، بحلم بديابة، ديبين بيتكلموا! بيتكلموا عادي كده زي البشر...
الاتنين عنيهم حمرة بتنور، واقفين على قمة جبل اسود وانا واقفة وراهم وبسمعهم...
واحد فيهم بيقول للتاني إنه عايز ياخدني عشان أنا اللي عليا الدور وده دين لازم يوفوه، بأي طريقة لازم كنت أتعاقب زي ما الباقي اتعاقبوا...
الديب التاني بيرد عليه ويقول له يبعد عني ويبطل أذى، ينهي المسيرة...
الاتنين بعدها بيحسوا بوجودي وبسمع عواء الديب اللي عايز يأذيني والتاني بيهجم عليه وبتدور ما بينهم معركة شرسة وبصحى بعدها...
كل مرة، كل مرة نفس الأحداث وبصحى في نفس التوقيت، بعد المعركة ما بتبدأ ويندمجوا فيها، لكن قبل ما تخلص...
بالنسبة بقىى للأحداث اللي كانت بتحصل وأنا صاحية...
فمثلًا عندي ذكرى مشوشة لما كان عندي أربع سنين بس تقريبًا، كنت أنا وماما لوحدنا في البيت، وماما دخلت المطبخ وسابتني قاعدة في الصالة، بجنب عيني لمحت بابا...
فجأة ظهر، مش عارفة جه إمتى، لا سمعت صوت الباب ولا لمحته وهو داخل، كان بيبص لي وهو ساكت، بيبتسم وهو فاتح بوقه...
شكله كان مختلف، زيه بس مختلف، في حاجة فيه متغيرة وبصته كانت غريبة...
كل ده أخدت بالي منه من طرف عيني بس، اتلفت ليه بعد كده، كان لسه واقف، ثابت بنفس الوضعية وقال لي بصوت واطي:
-أنتي بتحبي تبقي لوحدك، خليكي علطول لوحدك!
أنا ببراءتي، بسذاجتي، ابتسمت ليه، أبويا برضه، صحيح كنت مستغربة كلامه شويتين تلاتة ومش فاهمة ليه قال لي كده مع إنه دايمًا بيقول لي العكس، لكن أهو...
ماما ندهتني، وجهت راسي لناحية المطبخ وبعدين بصيت تاني لبابا، بس بابا مكنش موجود!
اختفى...
اخترق الباب مثلًا؟
المشكلة إن بابا جه من بره بعدها بحبة، وبرغم إني مترجمتش أوي اللي حصل، لكن كان عندي إحساس إن اللي حصل مريب...
برضه لا قلت لماما ولا قلت لبابا...
مرة تانية وأنا عندي 5 سنين صحيت بدري عشان كان عيد وكنت متحمسة جدًا طبعًا، احنا عيلتنا كبيرة، من ناحية أبويا وأمي وفي بنات وولاد كتير قدي أو أكبر أو أصغر بشوية صغيرين، والتجمعات دي كنت بستناها، هي في ذاتها عيد، المهم صحيت قبل بابا وماما، لبست هدوم العيد اللي محضرينها من اليوم اللي قبليه وروحت على الجزامة وفتحتها عشان أجيب الجزمة الجديدة...
عيني دارت على الجزم، مكنتش لاقياها لحد ما عيني وقعت عليها....
وأنا بمد إيدي سمعت صوت، الصوت كان في دماغي كإنه هاتف...
كان بيقول: "لو عايزه، ممكن اعمل من جزمتك جزم كتير، بتحبي الجزمة البيضة اللي بفيونكة مش كده؟"
بعد ما مسكت الجزمة لقيت في الرف اللي تحتها جزمة تانية، بيضة وبفيونكة، وجنبها جزمة بيضة وبفيونكة وجنبهم جزمة بيضة وبفيونكة!
كل الجزم اتحولت لنفس الجزمة...
-واقفة عندك بتعملي إيه؟
اتخضيت من صوت ماما واتلفت ليها، ميقتش عارفة أرد أقول ايه، شافتني ماسكة الجزمة فابتسمت، بس أنا مبتسمتش وده لإني لما رجعت بصيت على الجزامة لقيتها رجعت لوضعها الأولاني، الجزم كلها مرصوصة في مكانها، ومش كلها نسخ مكررة من الجزمة اللي كنت مسكاها، إيه اللي حصل ده؟ إيه تفسيره؟
برضه مقلتش حاجة، الصدمة خلتني أسكت، والله ما أنا عارفه الصدمة ولا إيه اللي كان دايمًا بيلجم لساني ويخليني متكلمش، بس دي طبيعتي، حتى لما كبرت، أيًا كان اللي كنت بتعرض له، في المدرسة بقى، في تعاملاتي مع العيال والكبار، مكنتش بشتكي، ولما كنت حتى بقع وبتعور وبنزف مكنتش بقول... من سكات كنت بدخل الحمام وأفتح الميه على الجرح وكنت ببقى حريصة إني أخبيه لحد المرحلة دي...
ببساطة ده طبعي، بتكلم كتير، بس مش عني، مش عن حاجة تخصني، حتى لأقرب الناس ليا...
لما موقف الجزمة ده عدى عليه وقت بدأت اتلخبط، الموضوع اختلط عليا، يا ترى ده حصل فعلًا ولا كان حلم، مهو أصله غريب أوي، إزاي هيكون واقع؟؟
دي بس كانت البدايات...
كل ما أكبر الموضوع بيكبر معايا...
كتير لما كنت ببص في المراية سواء في الحمام، في أوضتي أو في الصالة كنت بشوف وشوش تانية!
وش بيظهر للحظة ويختفي، مش بيبقى واضح، مكنتش بشوف كذه وش في المرة الواحدة، دايمًا بيبقى وش واحد لكن مختلف، الوش اللي بشوفه عادة مش بيظهر تاني...
الفكرة إنه عشان كان بيظهر لوقت قليل أوي، لحظة مثلًا ويختفي كنت بقنع نفسي إني بتخيل...
محستش فعلًا إن في حاجة غريبة بتحصل غير لما مرة روحنا نزور خالة من خالاتي ال6...
كانت قعدة حلو أوي، أنا وأمي وخالتي وابنها الوحيد، كالعادة خالتي وماما كانوا بيتكلموا بسرعة وبصوت عالي في مواضيع كتير ملهاش علاقة ببعض....
وفجأة الصينية اللي عليها كوبايات الشاي وقعت من إيد خالتي وهي اتخشبت مكانها...
حتى عنيها كانوا ثابتين، مبرقين على الآخر وأطرافها مش بتتحرك، أمي اتنفضت وزعقت فيا أنا و"جمال"، قالت لنا نروح على أوضته ونقفل علينا الباب ومنفتحش غير ليها هي وبس!
جرينا على أوضة "جمال" وسمعت أمي بتتكلم في التليفون، بتكلم خالة تانية، وبعد ما قفلت الباب سمعتها بتكلم باقي الخالات، وحدة ورا التانية، بتستدعيهم كلهم..
اللي جم 3، دخلوا علطول على أوضة نوم خالتي "فوقية"، كنت سامعة صوت حركة جامدة وصريخ رهيب، اللي جه في بالي إن خالتي "فوقية" مريضة، بتمر بنوبة ما، ومش فاهمة ليه مودوهاش المستشفى بدل ما هم اللي قاعدين معاها؟
لما ركزت لقيتها مش بس كانت بتتألم، من وقت للتاني كانت بتزعق في حد فيهم وبتهددهم، كلام زي:
-لسه، لسه يا "عيشة" مخلصناش منك، هنرجعلك تاني، لسه هتشوفي...
و
-يا "كريمة" لا انتي ولا نسلك هيسلم مننا، ده دين علينا، واللي شفتيه زمان هتشوفي لسه أضعافه وبنتك كمان!
بالمناسبة "كريمة" دي تبقى أمي!
"دين"..."دين"...أنا سمعت الكلمة دي فين قبل كده؟
أيوه، سمعتها في الحلم اللي كنت بحلم بيه دايمًا وأنا أصغر، بتاع الديابة...
هل دي صدفة ولا الكلمة ليها معنى؟ وإيه معنى كلام خالتي "فوقية" كله؟
أخيرًا وبعد أكتر من ساعة فتحولنا الباب، أنا حالتي مكنتش قد كده، عايزه أدخل الحمام وجعانة وخايفة...
بس ده كله مخلانيش افقد تركيزي، أنا لمحت راجل غريب... أول مرة اشوفه، شيخ لابس جلابية، كان قاعد في أوضتة خالتي، ومبقتش سامعة منها إلا صوت أنفاسها العالية اللي بتدل إنها تعبانة أوي...
فاكره وشه كويس..خطوط العرق كانت بتجري على وشه، صدره بيعلى ويهبط، عنيه مبرقة ولونه مخطوف..
خالتي "تقوى" خدت بالها إني واقفة ببص، ظهرت فجأة من جوه الأوضة وقفلت الباب، بس قبل ما تقفل الشيخ كان لقطني، بصلي بصة طويلة مفهمتهاش وقتها...
وعدت سنين لحد ما تميت ال16، خلال الوقت ده الظواهر الغريبة كانت مستمرة وبتكتر، وأنا بقيت مقتنعة إن الشقة بتاعتنا مسكونة، مثلًا الوشوش اللي بشوف إنعكاسها في المراية مبطلتش تظهر، لأ دي زادت، كنت بلاقي الحاجات أماكنها بتتغير، وانا ممددة ومش غرقانة لسه في النوم بسمع حركة في أوضتي، لكن أنا كنت برتاح في أوضتي وعلى سريري بس، برغم كل حاجة بتحصل أوضتي هي الملاذ بتاعي، أكتر مكان في الدنيا برتاح فيه ومبدلوش لو حصل إيه، وعلى قد ما بفرح بتجمعات العيلة، مش برتاح أبدًا أنام في أي بيت تاني، هي أوضتي وبس...
وبرغم إن خبيت الأحداث دي في خزنتي السرية جوايا لكن كنت بستغرب من تصرفات أمي، كانت مثلًا بتتجنن لما تلاقيني قافلة النور ونايمة، تدخل تفتح النور وتندهلي وأفوق وتسألني إذا كنت غرقت في النوم، أرد وأقول لأ تقول لي خلي النور مفتوح لحد ما تغرقي في النوم وسيبي القرآن شغال ولو قمتي بليل لأي غرض، عشان تشربي ميه أو تدخلي الحمام ابقي أقفليه! طبعًا توجيهات عجيبة ومش منطقية، عشان كده مكنتش بنفذها وده كان بيجننها أكتر، وبيخليها كل مرة تشيط وتزعق أكتر من المرة اللي قبلها...
اللي أنا أعرفه إن أجسامنا بتحتاج النوم في ضلمة عشان ده بينشط الجهاز المناعي وبيمنع اضطرابات الجوع وبيحسن حالة الذاكرة والتركيز وغيره، لكن قوانين "كريمة" أمي مختلفة شوية، وفقًا ليها المفروض أخلي النور مفتوح!
مينفعش كنت أتجاهل شوية حاجات كده ومربطهاش بتنبيهات أمي ورعبها عليا هي وبابا من زمان، زي مثلًا المكالمات المريبة ما بينها وبين خالاتي، المكالمات اللي ماما بتوطي فيها صوتها لما تاخد بالها إني معدية أو تسكت خالص لحد ما أمشي، ومنساش الواقعة بتاعة خالتي "فوقية"، هو إيه اللي كان حصلها بالظبط صحيح؟
كل اللي فات كوم واللي حصل في اليوم ده كوم تاني...
كنت لوحدي في البيت، مقولتش لحد إني جيت بدري من المدرسة، مكنتش هخلص، هيقعدوا بقى يقولولي روحي لخالتك فلانة أو لعمتك علانة وأنا كنت عايز أريح لوحدي، مش قادرة على الفرهدة...
المهم إني أخدت دش ووقفت قدام مراية الصالة وبدأت أسرح شعري، سرحت في المراية، كل حاجة كانت طبيعية لحد ما لمحت حركة غريبة شوية في انعكاسي، كلكيعة في أطراف شعري، المشكلة إني مكنتش لاحظتها قبل كده، عادي حتة مش متسلكة من شعري، يمكن بس مخدتش بالي...
عديت عليها المشط لكن كانت معقدة أوي، فضلت أحاول وأحاول لحد ما قدرت أسلكها وبعدها...
شفت الكلكيعة قدام عيني بتتكون من تاني، زي ما تكون بفعل فاعل، فاعل مجهول، مش مرئي!
المشط وقع من إيدي وفي نفس اللحظة حسيت بوجع في جذور راسي، وده عشان شعري كان بيتشد!
الخصلات اللي فيها العقدة اترفعت لفوق وقوة رهيبة بقت تشد في شعري، الألم كان فظيع، كنت حاسه إن راسي هتنفجر، ده غير إني كنت بقاوم، جسمي كله بدأ يتشد مع شعري، جتلي فكرة غريبة في وسط الأحداث دي، معرفش إزاي كنت قادرة أفكر أصلًا، لكن عيني وقعت على سكينة في المطبخ، المسافة ما بين المطبخ والصالة كانت قليلة، لو قدرت بس أوصل هناك...
زي ما أكون طلعت في الفضاء، ومبقاش في جاذبية تثبتني في الأرض، اتحركت ببطء رهيب والقوة الخفية لسه بتشدني من شعري...
وصلت أخيرًا للمطبخ وشديت السكينة وقطعت شعري من فوق الخصلة المعقدة وفعلًا الكيان الخفي سابني...
مسكت الخصلات وكنت ناوية أرميهم في الزبالة لكن غيرت رأيي في آخر لحظة، رميتهم في الحوض ورميت عليهم شوية زيت وولعت فيهم وبعدين رميتهم...
مكنتش بس خايفة على نفسي، خفت أي حد يشيل الزبالة يتأذي بسبب الشعر ده، معرفش الارتجال ده كان صح ولا عك...
جريت وشغلت قرآن وبخور، ولقيت نفسي بواجه مشكلة يمكن أكبر من اللي فاتت، إزاي هخفي شعري عن أبويا وأمي، أيوه مكنش ينفع يعرفوا باللي حصل، عشان من ناحية ميخافوش عليا ومن ناحية تانية متهزأش عشان متبعتش تعليماتهم...
جبت إيشارب وربطت بيه شعري، كإنها حركة يعني...
حاولت على قد ما أقدر أخبي الخصلات المقصوصة، بس يا ترى هنجح أخبي ملامحي المفزوعة؟
ماما وصلت قبل بابا، الست دي عاملة زي الرادار، بتشم من بعيد أي حاجة مش طبيعية، مبدئيًا كده عرفت إني في البيت برغم غني كنت قاعدة في أوضتي، يجوز شافت سلسلة المفاتيح بتاعتي، ويمكن حست بوجودي من غير ما تشوف حاجة..
ندهتني...
طلعت من الأوضة وأنا ركبي بتخبط في بعض...
سألتني:
-أنتي جيتي من إمتى؟
=مم...مش من كتير، يدوبك قبليكي علطول.
-ومكلمتنيش ليه؟
=ما هو...أنا كنت، لسه جايه..
-ماشي، إمشي..
كنت متأكدة إنها بتراقبني، مثبتة عنيها عليا وأنا مدياها ضهري وبروح ناحية الأوضة...
خلاص كانت بتفصلني خطوة عن الأوضة، خلاص هدخل بس هي وقفتني...
-أنتي حاطة الإيشارب ده على راسك ليه؟
لفيت وأنا ببلع ريقي بصعوبة، كنت بحاول أفكر في أي حاجة أقولهالها، وقلت أول حاجة جت في بالي...
=عشان استحميت و..و شعري كان مبلول فكنت بردانة شوية.
-إنتي مش قلتي إنك لسه جايه؟
أخ! غبية! صحيح الكدب ملوش رجلين، اتقفشت، كنت متأكدة إنها فهمت إني مخبية حاجة، واتأكدت أكتر لما شاورتلي أقربلها...
من كتر الخوف عنيا اتملت بالدموع وأنا بقرب ليها، وقفت قدامها علطول، شالت الإيشارب من على راسي وشافت الحته المقصوصة...
صوتها اترعش، كنت حاسه إنها هتنهار، سألتني عن اللي حصل، مقدرتش أخبي أكتر من كده، حكتلها على الموقف بس محكتش عن الأحداث اللي بتحصل لي من زمان.
-يا ربي!
حطت إيديها الاتنين على بوقها وكملت:
-ابتدا، الموضوع ابتدا، إنتي كمان!
الله، الله، الله! هو إيه ده اللي أنا كمان؟ هي ليه ماما مكنتش مخضوضة، قصدي هي طبعًا كانت مصدومة ومرعوبة عليا لكن، شكلها كان عندها خبرة معينة وإن...في غيري بيحصل معاه حاجات غريبة، إيه إنتي كمان دي؟
وفي لحظة خوفي اتحول لفضول كبير، واضح كده إن القصة بتبدأ من قبلي، القصة أكبر مما كنت أتخيلها، ولازم كنت أعرفها، بالذات إني بقيت جزء منها..
-نبهت عليكي 100 مرة متبقيش لوحدك.
=مع احترامي لحضرتك، ده مستحيل، لازم كنت هبقى لوحدي في وقت، ده غير إني مش هقضي حياتي ألغاز، حضرتك لازم تحكيلي، يمكن لما أعرف اخد بالي من أيًا كان اللي بيحصل، هو البيت بتاعنا مسكون؟
هزيت راسها بتنفي، أخدت نفس عميق وبعدين قالت:
-عيلتنا هي اللي مسكونة، ملعونة...
وبدأت تحكي...
-الموضوع بدأ مع جدتك، من سنين كتير لما كانت لسه شابة صغيرة مكملتش 20 سنة، جدتك فجأة بقى يجيلها تهيؤات، تشوف واحدة ست في البيت، تعدي من قدامها بسرعة، مكنتش بتقعد، لحظات وتختفي، تشوفها وهي خارجة من الحمام، وهي بتتنقل من أوضة لأوضة، وهي بتنام، وكانت في الأول بتقنع نفسها إنها تهيؤات، كانت بنت عاقلة أوي بالنسبة للبنات في سنها وبالنسبة للوقت ده والمكان كمان، خدي بالك قنا يا "سماء" مكنتش زي دلوقتي خالص، الجهل كان منتشر ونسبة المتعلمين كانت قليلة أوي، وجدتك ما شاء الله عليها كانت مميزة في كل حاجة، في دماغها ورزانتها وطريقة تفكيرها المنطقية برغم إنها مكنتش متعلمة، وزيدي على ده إنها كانت آية في الجمال، مانتي شفتي صورها اللي بالأبيض والإسود، شعرها كان إسود لون الليل، كذلك عنيها الواسعة ورموشها وحواجبها، وكانت بيضة عروقها تبان من جلدها، وشعرها غير لونه، كمان كان طوال، الله أكبر واصل لقرب ركبتها من ورا وناعم زي خيوط الحرير، وبياض مش الشاحب ده بتاع العيانين، لأ، ده كان بياض بحمار وصحة...المهم إنها محكتش على الطيف ولا الوهم اللي بتشوفه ده في الأول، زيك كده كانت كتومة وبتحاول تلاقي تفسيرات منطقية، لكن طيف الست اللي بتشوفها كل مدى بقى أوضح، ومبقتش تعدي كده من قدامها زي الأول، لأ، دي بقت كل مرة تفضل أكتر، ومبقتش تدى ضهرها لماما، بقت تلفلها وتمشي ناحيتها، وكمان ساعات تلاحقها، أيوه، الوضع اتطور لكده، ماما شجاعتها بقت تقل شوية بشوية وكانت بتلف وتديها ضهرها وتسرع في الحركة لما تلمحها والست تلاحقها، وتسرع خطواتها هي رخرى، لحد ما في مرة الست دخلت عليها الأوضة بعد عملية الكر والفر، ولما جدتك "سناء" قفلت على نفسها الباب وقعدت على سريرها بتنهج من التعب والخوف لقت اللي بتخترق الحيطان وتعدي منها لجوه الأوضة، ولأول مرة تبقى في مواجتها وتشوفها بالوضوح ده...
الست شعرها كان احمر مجعد مسدول على كتفها، حواجبها وعنيها ورموشها واخدين من حمار شعرها، طول بعرض، كانت لابسة عباية شكلها غريب، تشبه الزي الياباني الشعبي لو بتشوفي مسلسلاتهم أو أفلامهم الكرتون، ماما طبعًا لما حكت مقلتش ياباني بس من الوصف حسيته شبهه، المهم، الست قعدت قدام أمي على السرير، فضلت تتملى فيها شوية، كانت مبتسمة ابتسامة مستفزة فيها تحدي وشماتة، وبعدين قالت:
-إنتي عارفة أنا هنا ليه؟
-ل..ليه؟
-أنا جيه أبلغ رسالة، ودي على فكرة حركة جدعنة مني، كان ممكن أسيبك تلفي حوالين نفسك، بس أنا شايفة إن حتى ما بين الأعداء لازم يكون في ميثاق شرف..
-رسالة إيه؟
-أنتي ونسلك من هنا لأجيال جيه ملعونين، أنا وعدد من عشيرتي قدرك وقدرهم..
-مل..عونين؟ يعني إيه؟ ليه؟؟
-مش مصدقة؟ إنتي هتخلفي 7 بنات، مش إنتي بتحبي البنات؟ هو إنتي كده، خالف تعرف، كل البلد عايزه ولاد إلا إنتي نفسك في البنات، أهو يا ستي هيبقى عندك 7 منهم، في كام واحد على واحدة تانيين بس دول هيموتوا من قبل ما يوعوا عالدنيا، اللي هيتبقوا ال7 بنات، وال7 وأولادهم من بعدهم هنعذبهم، اللعنة هتبدأ من عندك...ليه؟ ده سؤال طبيعي تسأله، سألتها ليه؟ ليه يبقى في لعنة، وليه لعنة شديدة وقاسية أوي كده عشان تبدأ منها وتمتد لنسلها، عملت إيه عشان كل ده...
الجنية، ما هو خلاص بقى إنتي فهمتي وهي فهمت في النقطة دي إنها جنية، كلام عن عشيرة ولعنة، وجسمها اللي ملوش الخصايص بتاعتنا، بيمر من الحيطة وكلام من ده، المهم إن الجنية قالتلها إنهم تحت أمر ساحر قوي، أخضعهم ليه هي وعدد من العشيرة بتاعتها، عشان هدف واحد، ينغصوا عليها حياتها هي وبناتها وأولاد بناتها وأجيال من بعدهم، يعني المحرك إنسان، هم ماخدوش القرار مع نفسهم..
=ومين يا ماما الساحر ده وليه عمل كده؟
-علمي علمك علم جدتك! ماما لسانها كان متلجم، مقدرتش غير على الكلمتين دول، لما سألتها ليه، وبس، قبلها وبعدها كانت مشلولة في مكانها، لا قادرة تتحرك ولا تنطق..بعد ما الجنية خلصت اللي عندها اختفت، هباب إسود انتشر في الهوا مطرحها، وعينيكي ما تشوف إلا النور، ماما طلعت تجري بره أوضتها وهي بتصوت، أبوها وأمها وإخواتها اتجمعوا حواليها في ثواني، كلهم كانوا مخضوضين، قالتلهم في ست بتظهرلي من وقت، والنهارده كلمتني وقالت إن في ساحر مسلط عليا جن وأكيد أكيد ده بسبب عمل حد عملهولي...ورغم يا "سماء" إن الجهل كان منتشر في المجتمعات دي والسحر والأعمال والكلام اللي زي ده لكن محدش كان مصدقها، محدش مصدق إن في جنيه كانت بتتجول في البيت عادي وواخده راحتها وبتتكلم مع أمي "سناء"، وبكده سمعوا من الودن دي وخرجوا من الودن التانية، ماما حاولت تاني تقول لهم لكن ملقتش رد فعل، خصوصًا إن هي نفسها مكنش باين عليها حاجة مختلفة، ممرضتش، متغيرتش، لا بتقوم تصوت بليل ولا نبرة صوتها بتتحول، اللي باين عليها إنها صاخ سليم، يعني بلغتهم مفيش مس، والبنت خيالها واسع... "سناء"، خلينا من هنا ورايح نتكلم عليها بإسمها، "سناء" قررت إنها متحكيش تاني وده لسبيين، السبب الأولاني إن كده كده محدش مصدقها، كإنها بتدن في مالطة، والسبب التاني إن الجنيه مظهرتش غير كام مرة بعد كده، وبعدين اختفت تمامًا...
=حلو، الحمد لله..
-الحمد لله على كل حال، بس إوعي تفتكري إن الموضوع انتهى لحد كده، دي الحكاية لسه بتبدأ، الحاجة العجيبة بقى واللي تدعو للسخرية زي ما بيقولوا إن "سناء" أقل واحدة اتضرت، المعاكسات في حياتها كانت تتعد على الصوابع، شوية كوابيس، على شوية وشوش غريبة كانت بتشوفها في بيتها من وقت للتاني وهمسات وضحك، وجوزها وبناتها اللي تشوفهم وميطلعوش هم، وكلام من ده، بس مش أكتر، وعلى فكرة إحنا مش بس السبعة اللي ماما خلفتهم، في كذه ولد على كذه بنت ماتوا في أول كام أسبوع بعد ولادتهم!
=زي ما الجنية قالتلها...
-التقل بقى في اللي بعد "سناء"، فينا إحنا! خالتك الكبيرة "جنة"، خرجت في يوم بعد الفجر علطول عشان تجيبلنا العيش من الفرن، كان عندها 14 سنة، "جنة" اتأخرت وأمي كانت هتتجنن من القلق عليها، أبويا كان بيهديها لكن كان باين عليه القلق هو كمان، كنا خلاص هنطلع كلنا ندور عليها لولا إن الباب خبط، ناس معارفنا من المنطقة بلغونا إن "جنة" قاعدة بتصرخ في الشارع، وزي ما تكون بتمر بنوبة ومحدش قادر يساعدها، "جنة" مكنتش لا سامعة ولا شايفة حد، أبويا وأمي جريوا عليها ونبهوا علينا منخرجش من البيت، لقوها بترفص في الأرض وعمالة تصرخ، "سناء" مسكتها، وجالها خاطر...
حست كده إن اللي بيحصل ليه علاقة بالتهديد القديم إياه من الست الغريبة اللي كانت بتظهرلها في بيت أبوها، برغم إن كان شبه مستحيل حد يقدر يمسكها أو يسيطر عليها لكن "سناء" نجحت، فضلت تتزق وتقع في الأول، "جنة" أصلها كانت عاملة زي جاموسة هربت من صاحبها وطايحة في الكل، المهم في الآخر "سناء" مسكتها وفضلت تقرا في سرها القرآن اللي حافظاه وتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لحد ما البنت هديت، لكن كانت لسه بتنهج جامد وفضلت الدموع تنزل من عينها...لما "جنة" رجعت البيت، أبويا وأمي قعدوا معاها وحدهم وخلونا ندخل أوضنا ونقفل علينا الأبواب...
بصراحة كده إحنا كتن عندنا فضول رهيب، حطينا وداننا على الباب وسمعنا الكلام اللي دار كله...
"جنة" حكت إنها بعد كام خطوة منالبيت حست نفسها بطيئة، كإن في حاجة ماسكة في رجليها وبتبطئها، جه في بالها إنها لسه مش فايقة أوي عشان كده جسمها تقيل، مع إنها متعودة تصحى في المواعيد دي، المهم إن كل مدى كانت بتحس بتقل أكتر في رجلها وبدأت تقلق، اللي جه في بالها إنها عيانة، بتمر بأزمة صحيةن وده كان الإنذار عشان ترجع فورًا البيت وتبلغنا ونروح بيها الاسبتالية بس المشكلة إن مش رجليها بس اللي ثبتت في الأرض، ده لسانها كمان اتلجم...وإحساسها بالشلل زاد، بقت حاسه إن فيه خطاف ماسك في رجليها، وبعد ما كانت رجليها ثابتة بس، بقت حاسة بألم وهنا ظهرلها السبب...
تعبانين ملفوفين على رجليها، واحد على رجلها اليمين والتاني على الشمال وعمالين يلفوا أكتر وأكتر ويعصروا في لحمها، وده طبعًا اللي خلاها تجيلها النوبة الهستيرية، المصيبة إن التعبانين كانوا مرئيين ليها وبس، محدش غيرها كان شايفهم، عشان كده لما الناس اتجمعت مكنوش مستوعبين اللي بتمر بيه، وهي في عز ألمها وخوفها أدركت ده، إنها هي بس اللي شايفاهم وده زود خوفها...
كان في بعدها لحظة صمت مريبة، دي يا بنتي اللحظة اللي ماما وبابا اللي كانت حكياله على قصة الجنية أدركوا اللي بيحصل، فتيل اللعنة كان لسه شغال ولسه بيسخن زي ما الجنيه وعدت أمي!
"يا وقعتي! عيني زاغت، والدم هرب من وشي، اللي بيحصل لي من وأنا صغيرة، الأحلام اللي بشوفها والوشوش اللي في المراية والعقدة اللي في شعري، وغيرهم، في اللحظة دي أدركت إني وقعت معاهم في الشبكة، شبكة الصياد اللي كان ناويلنا على شر، ورماها على جدتي ونسلها وأنا من ضمنهم، بس رفضت برضه أحكي لماما تاريخ الخوارق كله، الموضوع كان معكوس، أنا اللي عايزاها متقلقش، برغم إنه كان صعب في النقطة دي بعد ما عرفت بموضوع الكيان اللي شد شعري، لكن أهو، على الأقل نويت أحتفظ بالباقي لنفسي"...
-مالك يا "سماء"، سرحتي في إيه؟ أنتي يا حبيبتي اللي طلبتي أحكي، أنا ممكن مكملش...
=لأ، تمام، كملي...
-"سناء" أدركت إن جه وقت الجد، وإنها لازم تطلب المساعدة، لجأت لراجل متدين من القرية اللي عايشين فيها، هو لا كان ليه في فك السحر والأعمال ولا الكلام ده، بس معروف إنه متدين وحكيم والناس بتلجأ ليه، الاتنين، أبويا وأمي راحوا ليه وحكوله على القصة من أولها وطلبوا منه المساعدة، الراجل كان قلقان وحاسس إنه مش قد المهمة دي، وكان رأيه إننا نكتفي بالأذكار والقرآن، لكن هم أصروا وقالوله إنه الوحيد اللي بيثقوا فيه ومعندهمش اختيارات تانية، والراجل أضطر ييجي البيت وهو معندوش فكرة ممكن يعمل إيه أو يبتدي منين، طلع عنده حق...فشل فشل ذريع، كل اللي عمله إنه نشر الهلع في البيت كله، وده لإنه قعد مع كل واحدة فينا لوحدها وقعد يسألها كإنه وكيل نيابة، وخلانا كلنا نحس إننا ملبوسين وعرفنا بموضوع العمل اللي معمول لنا وإننا كلنا ما شاء الله إحنا واللاحقون هيبقى ما بيننا رابط قوي ألا هو اللعنة والعفاريت اللي بسبب العمل، أبويا سأله إذا كان حس بحاجة لما دخل البيت ولا شاف حاجة، فاكره فيلم أجنبي إياك، الراجل رد وقال لأ، لا شاف ولا دري، وبكده وبسببه، اللي ما يشتري يتفرج، كلنا عرفنا القصة وما فيها، وكل واحدة بقى بقت مستنية نصيبها من العمل...
"جنة" قصتها خلصت لحد كده، مشافتش أي حاجة غريبة من بعدها، الدور والباقي علينا...
أنا كنت مهووسة بالحيوانات زي حالاتك كده، بموت في الكلاب والقطط والحمام والأرانب، حتى البومة، بحب كل الحيوانات، وكل فترة ببلي أهلي بكلب ولا قطة، أشوفهم في الشارع جعانين ولا شكلهم تعبان أقوم واخداهم حضناهم وطالعة بيهم البيت، وأقعد أربيهم وأهتم بيهم، واكتئب لما يحصل لهم حاجة، ده غير القطط والكلاب اللي كنت برعاهم، قطة بتعدي قدام باب بيتنا، ولا في مكان قريب مننا، أحطلها الأكل وأتطمن عليها، وأوقات أقعد كده معاها شوية أسليها... وفي يوم ظهرت قطة جميلة، لونها كان برتقاني مزهزه، القطة مش بس كانت حلوة وتشد، كانت كمان ذكية ودمها خفيف، وبتفهم كويس أوي، كنت بحس إنها بتفهم بقول إيه وبتعمل رد فعل، يعني أقول لها إوعي عشان متأخرة على المدرسة توعى، أقول لها إني مدايقة ألاقيها تتشعبط عليا وتطبطب، أقول لها على سبيل الهزار قابليني بكره عند مدخل العمارة الساعة كذه تيجي تستقبلني في نفس المعاد! وبعد فترة مبقتش مرتاحلها، نفسها القطة اللي كنت معجبة بيها، وشايفة حركاتها لذيذة بقيت شايفاها مريبة، ذكية زيادة عن اللزوم بالنسبة لقطة، وصوت عوائها مزعج كإنها بتنده ومش بشكل ودي، بقيت أحاول أهرب منها، لحد ما في ليلة البيت كله كان نايم وسمعت خبط على الباب، قلقت، قعدت أهز في "تقوى" وقلتلها إن في حد بيخبط، هشتني واتقلبت وكملت نومها العميق، حاولت أتجاهل وغمضت عيني وقلت أرجع لنومي لكن سمعت خبط تاني..
قمت وروحت لحد الباب...
فتحته وملقتش حد في مستوى نظري، وبعد شوية بصيت لتحت، لقيتها! القطة كانت قاعدة قدام الباب..
اتخشبت، كنت عايزه أصرخ بس مقدرتش، صوتي اتحبس، مش بسبب الخوف لأ، في حاجة كانت حبساه...
القطة اتكلمت...
قالتلي "إنتي فاكرة نفسك هتقدري تهربي مني؟ مش هي قالت لأمك إننا قدرها وقدر اللي بعدها؟ إيه زهقتي مني؟ ده لسه بدري، لسه بدري أوي"..
وبعدين مشيت ومشوفتهاش تاني، مش في صورتها دي...
=يعني إيه مش في صورتها دي؟
-أنا متأكدة يا "سماء" إني لحد دلوقتي بشوفها أو بشوفه، بس في أجسام ناس تانيين، مرة زميلة ليا في الشغل فجأة أحس إنها هنجت، أبص لها ألاقي البياض في عنيها أحمر كإنه دم وعنيها تزوغ، تفضل تتحرك بسرعة، ومرة راجل في المواصلات الأكياس اللي في إيده تقع كلها مرة واحدة ويلفلي ويبتسم ابتسامة مرعبة، ويهمس ببوقه من غير صوت "قدرك"، وأبوكي مرات ألاقيه يضم كفينه ويفضل يخبط راسه فيهم وبعدين يرفعها ويبص لي وتجيله هستيرية ضحك ولما تخلص الحالة يكمل اللي كان بيعمله، يكمل قراية جرنال ولا فرجة على التليفزيون ولا مشي، ولا كإن!
بس برغم إن الموضوع لسه مستمر معايا لكن برضه حالتي أهون من حالات تانية، عندك "تقوى" مثلًا...
"تقوى" قبل فرحها بكام إسبوع قامت مقريفة من النوم، قالت إنها حاسة إن بطنها تقيلة كإنها أكلت وليمة قبل ما تنام وهي مكنتش كلت حاجة، يعني محطيناش في دماغنا، كلام عادي، جايز أكلت حاجة على مدار اليوم متضهضمتش بسهولة، لكن شكوتها بدأت تتكرر، كل يوم تصحى مقريفة وبطنها موجوعة، لحد ما قامت في يوم وحكت لماما إنها حلمت بحاجة...
حلمت إنها معزومة على وليمة كبيرة وحواليها عدد كبير من الوشوش الغريبة، المفروض اللي باين إن الناس كانوا مرحبين بيها، وبيبتسموا لها، لكن مكنوش مريحين أبدًا...بصت في الأطباق اللي قدامها وبرغم إنها شكلها مغري جدًا ما بين محمر ومطبوخ وحلو لكن مكنتش عايزه تاكل...فضلت باصة في الأطباق ورافضة تاكل والناس اللي على الطرابيزة المدورة بيمدوا إيديهم بالدور عشان تاكل، وهي برضه مش عايزه، لحد ما واحد منهم قام وجه ناحيتها وعلى وشه غضب رهيب، الراجل كان لابس بدلة ببيون، وشه أحمر من الغضب، نصه الفوقاني إنسان والتحتاني ... معزة..الراجل رفع إيده وبكل قوته حط راسها في طبق من الأطباق ورفعها تاني وكرر نفس الحركة في باقي الأطباق وأكلت غصب عنها...
أول لما "تقوى" خلصت حُكى قامت وهي ماسكة بطنها واستفرغت، جابت كل اللي في بطنها، كمية أكل، رهيبة!
ماما قالتلها إن ده العمل وكان بيتجدد بالطريقة دي، بيتجدد غصب عنها لما بتاكل الولايم...
ووصتها تقرا سور معينة من القرآن كل يوم قبل ما تنام، ده غير سورة البقرة اللي لازم كانت تقراها كل يوم...
وفعلًا بطلت تحلم الحلم المزعج ده...
والوضع فضل مستتب لحد قبل الفرح بكام يوم، "تقوى" اتلهت بترتيبات الفرح والحاجات اللي تتجاب وتتوضب والناس اللي تتعزم، وبقت تفوت القرآن والأذكار، وقبل الفرح بيومين بس "تقوى" وقعت!
وقعت وهي واقفة، جسمها كان متخشب، يدوبك نفسها ضعيف، بس هي لا بتتكلم ولا بتتحرك كإنها جثة...دكتور ورا دكتور جم، ومحدش عارف يشخصها، وبوقها ده كإنه متخيط، مش بيتفتح مهما حاولنا عشان نأكلها أو نشربها...
=أكيد إنتوا كنتوا عارفين اللي فيها، ده مكنش مرض طبيعي، ده ليه علاقة ب...
-بالعمل، أيوه يا بنتي كنا نعرف، بس هو ده اللي في إيدينا، كان لازم نحاول معاها ونطلب كل مساعدة ممكنة، أهم حاجة بس كانت تخرج من الحالة المرعبة دي وتاكل عشان تعيش...أربعة وعشرين ساعة عدوا، وخلاص كنا في آخر ليلة قبل الفرح ولحد وقتها محدش فينا اتجرأ وبلغ العريس وأهله بحالتها، "تقوى" أخيرًا نطقت... بس مكنتش بتكلمنا إحنا... كانت بتبص في اتجاهات معينة وتنده ناس من قرايبنا، ناس ماتوا! مرة عمي فلان ومرة خالي فلان وعمتي علانة..
وتقول : "دول بيندهوني، عايزنني معاهم، عايزينني اروحلهم"
وعينك ما تشوف إلا النور، أنا وخالاتك وستك وجدك نعيط ونقول لها قوليلهم إن أهلك واخواتك عايزينك وميستغنوش عنك، وبعد شوية صوتها الضعيف وكلامها يتقلب ضحك هستيري!
وتقول: "عليكوا واحد"!
=نعم؟ ده معناه إيه ده؟
-معناه إن كوول ده كان تمثيل، نمرة من صاحبنا اللي مس "تقوى"!
=يعني العيا والقرب من الموت والقرايب الميتين اللي المفروض شافتهم...
-كل ده مكنش "تقوى"، ده كان جن منهم، من العشيرة اللي متسلطة علينا، بيستهزأ بينا، بيسلي وقت، و اهو ممكن حد فينا قلبه يقف ولا يجيله السكر ولا الضغط، مصلحة، بجملة الأذى...
=أنا دلوقتي فهمت خوفك عليا إنتي وبابا من وأنا عيلة، دي لعنة كبيرة وطايلة الكل...
-ربنا يسترها عليكي إنتي وولاد خالاتك ومتطولكمش، المشكلة إن إنتي أول واحدة في الجيل الجديد اللي يبان عليها حاجة...
=طب وخالتي "فوقية"؟
-لاااا، دي حكايتها حكاية، دي أكتر واحدة اتأذت ولحد دلوقتي، الوضع مستمر، خلينا بس اقولك باقي قصة "تقوى"، "تقوى" قامت بعدها صاخ سليم ولا كإن، ومكنتش فاكرة حاجة من اللي حصلت لها، ولبست الفستان وحضرت الفرح وكانت أحلى ليلة، ولا حد حس بحاجة... "فوقية" بقى يا "سماء" واضح إنها وقعت في إيد جن قوي من العشيرة، كان ولازال بيتحكم في جسمها بالكامل وبيغيبها عن الوعي...
الموضوع بدأ معاها من وهي عندها 15 سنة، كنا بنشوف جسمها بيتنفض وبعدين نبرتها تتغير، تبقى نبرة راجل، صوت خشن، غليظ، وتبقى زي المارد، أي حد تشوفه قدامها تضربه علقة، حتى لو بابا، وتشوف أي حاجة حواليها ترميها، كراسي، كوباين، وأوقات سكاكين، اللي عليها إسمه "سلمان"، مهو عرفنا بيه بعد فترة، لما الحالة تجيلها و"سلمان" يتمكن، تقعد بالساعات غايبة وهو اللي حاضر، أول ما بنشك إنه حضر بنشيل أي حاجة حواليها ممكن تأذينا بيها أو تأذي نفسها، عشان كده جوازها اتأخر، عريس ييجي يتقدم وتطلعله هو وأهله بالصينية اللي عليها الشربات وفجأة "سلمان" يحضر والصينية بالمشاريب تقع من إيديها وتتهجم على العريس وأهله...
مرة تانية تصرخ من جوه وتقول مش عايزاه، مش عايزاه والعريس، ده راخر يتكل على الله، وطبعًا البلد كلها عرفت لإن العرسان وأهاليهم راحوا حكوا، وده اللي أخرها، لحد ما جه ابن الحلال جوزها وعرفناه من الأول كل حاجة، مكنش في داعي نخبي، يا هيظهر عليها، يا هيعرف من أهل البلد، بس هو كان شاريها ووافق، والراجل بصراحة طلع يتحط على الجرح يطيب واستحملها السنين دي كلها، جابلها شيوخ كتير لكن للأسف، "سلمان" يغيب يغيب ويرجع تاني، والغريبة بقى لما بترجع تاني لنفسها مش بتفتكر حاجة خالص، تقريبًا "فوقية" الوحيدة اللي متعرفش "سلمان"!
=طب أنا عايزه اسأل سؤال.
-اسألي..
=ليه في منكم أعراضه كانت أقل من التانية وفي اللي محصلش معاها حاجة صح؟
-صح، جدتك مثلًا و"جنة" اللي حصل لهم كان على خفيف وأنا بعدهم في الضرر وفي اللي متعاكسوش على الإطلاق...
ماما سرحت وسكتت شوية وبعدين لفتلي وقالت:
-بت يا "سماء" إنتي عارفة، أخدت بالي من حاجة غريبة أوي، كنت بقولها بهزار بس فعلًا إنتي شبه جدتك وشبه خالتك "جنة" في الطباع، إنتوا التلاتة فرفوشين وعندكم قوة شخصية ومش ميالين للاكتئاب ، معقول تكون صدفة إنكوا أقل 3 تضروا؟
=لأ يا ماما، مظنش إنها صدفة! اسمحيلي الأول أقولك على معلومة، زي ما في بشر كويسين وبشر خبثا وجواهم نار قايدة، الجن كمان في منه الوحش المؤذي وفي منه المسالم، زي ما في الكافر في المؤمن اللي بينصح وبيحاول يحمينا من بعيد بتحذيره للجن التاني المؤذي، مش معنى كده إننا نتعامل معاهم ونصاحبهم، ربنا حرم علينا نختلط بيهم أو نكون على اتصال، جن مؤمن بقى مش مؤمن، طيب، شرير، مش فارقة، مينفعش يكون ما بيننا اتصال لحكمة ربنا يعرفها، لكن صدقيني في حاجات إحنا معندناش علم بيها، ربنا بيسبب الأسباب عشان يحمينا...بالنسبة بقى لموضوع ليه حد يتضرر أكتر من حد تاني فأنا ليا وجهة نظر، مش بقلل من السحر والأعمال، أكيد في أساس للقصة بتاعة حضرتك، لكن أظن إن الموضوع مش عمل بيتعمل ويتسلط على ناس وقضي الأمر، ممكن يكون في مدخل لأي كيان، الباب يكون موارب ليه، النفسية الضعيفة هي الباب الموارب، الواحد لما يبقى ضعيف أو يميل للاكتئاب أو يسيب نفسه للأمراض النفسية التانية بيبقى موارب الباب لكل حاجة ضلمة، أي حاجة خبيثة، ده حتى الأمراض بتاعة الجسم بيقال إن الأشخاص اللي نفسيتهم وحشة بيبقوا عرضة أكتر ليها...
-يعني إيه؟ لو بابا وماما كانوا اهتموا بعلاجنا النفسي كان العمل تأثيره هيبقى أقل..
-أنا مقتنعة بده، مش شرط إنكم كنتوا تروحوا لدكاترة نفسيين، بس الاهتمام بالناحية دي بأي شكل أظن كان هيفرق، قفل الأبواب المواربة بالضبة والمفتاح...
ماما ملامحها ارتخت، دي كانت أول مرة اشوفها مرتاحة بالشكل ده، فهمت بس من ابتسامتها إنها اتطمنت عليا، برغم إن اللي حصل لي يومها المفروض كان يعلي مستوى الرعب ويحوله لهلع، لكن هي أدركت إني تقريبًا أول واحدة أشخص حالتي وأكتب العلاج، وحتى لو مقدرتش أتفادى الظواهر الخارقة لكن هعرف إزاي أتعايش معاها...وعشان كده مبقتش تقلق لما أكون لوحدي أو لما أنام في الضلمة، حتى إنهم بقوا يسيبوني من أول النهار لآخره لو عندهم مصالح، وفي يوم من الأيام دي، يوم الشمس فيه كانت غايبة والغيوم متكتلة ومخليه الدنيا شكلها مقبض جالي ضيفة...
ضيفة مش مرحب بيها، ضيفة تقيلة علينا...
المرة دي رفعت راسي وبصيت في المراية ولقيت إني مكنتش لوحدي، شفت انعكاس لوش تاني ورايا...
عادي مش أول مرة، متعودة على الوشوش اللي بشوفها طول الوقت، بس في حاجة خلتني أسرح...
حسيت إن الوش ده مميز، فضلت باصة في المراية عليه شوية، كان وش واحدة ست بيضة، شعرها أحمر مجعد وطويل، حواجبها وعنيها ورموشها واخدين من حمار شعرها، الشكل ده مكنش غريب عليا! سمعت وصفه فين قبل، فين قبل كده...
-من أمك!
ردت عليا! دخلت جوه دماغي وقرت أفكاري، لفيت ولقيتها لسه واقفة مكانها مختفتش زي ما متعودة مع الوشوش التانية اللي مكنتش بتفضل!
-أمك حكتلك عني، متهيألي إنك جمعتي، عرفتي أنا مين..
=اللي بلغتي جدتي بالعمل.
-أيوه، أنا اللي بشرتها.
=أنتي هنا ليه؟
-إنتي شخصية مثيرة، مستفزة، عقلك وافكارك مختلفين، اخترتك عشان أحكيلك الجزء الناقص من الأحجية...
=ناقص...
-اه، أمك أصلها معندهاش القصة كلها ولا أي خالة من خالاتك...تعرفي قصة "شمشون الجبار"؟
=بسمع عن الإسم..
-أنا هقولك الجزء اللي يهمنا من حكايته، "شمشون" كان قدره يمشي في سكة معينة لكن هو اختار سكة تانية، وقف عند مفترق طرق، وغوته السكة اللي فيها أنوار وهرج ومرج، سكة الشهوات، شمشون المفروض كان يخلص القوم بتوعه من شر ناس جبارين كانوا حاكمين الأراضي المقدسة لكنه وقع في حب بنت ليل، واحدة من اللي بيبعوا جسمهم مقابل الفلوس، والست دي بما إنها عديمة الشرف باعته، الناس الجبارين اتفقوا معاها تجيبلهم سر قوة شمشون، وعرفت سر قوته منه في لحظة ضعف وعشان كان بيثق فيها، قصت شعره وده اللي خلاه بلا حول ولا قوة وهو كان أقوى الرجال، أسروه، وحطوه في ساحة وربطوه، هم بس كان فايتهم تفصيلة صغيرة، إن أول ما شعر راسه يرجع يطول من تاني قوته هترجع، قوته كانت متجددة، وشمشون قرر من غيظه إنه يهد المعبد على اللي فيه، المهم ينتقم، وفعلًا هد المكان بحيطانه وسقفه على دماغه وعلى دماغ كل الحاضرين، بمبدأ "عليا وعلى أعدائي"...
=إنتي بتحكيلي قصة شمشون ليه؟
-عشان قصته مش بعيدة عن قصة أخت جدتك، كانت أكبر من جدتك بخمس سنين، كانت هتموت على الجواز، تنام وتقوم مش بتفكر غير فيه، واتجوزت فعلًا، واكتشفت مع أول شهر جواز إنها عصفور اتحبس جوه قفص صغير، الراجل اللي اتجوزته كان سادي، مختل، وراها كل أنواع العذاب، على الناحية التانية جدتك اللي كانت لسه بطولها، كانت بتعيش أجمل أيام حياتها، بروتينها اليومي وحياتي الضيقة والوشوش المتكررة، "مفيدة" كانت بتحسدها على الحياة اللي تبان بسيطة دي، وكرهها ليها كان بيزيد يوم عن يوم عشان شخصيتها المرحة وحبها للحياة وانطلاقها وحب الناس ليها، برغم إن "سناء" مكنتش لسه اتجوزت ولا بقى ليها بيت، لكن "مفيدة" كرهتها وحقدت عليها واتمنت لو حياتهم تتبدل وتكون هي العصفور اللي بره القفص، وعشان كده لجأت للراجل بتاع السحر وخلته يعمل العمل الإسود ده، عمل يمتد لأجيال، جبروت! ومن قوة السحر "مفيدة" منجيتش، أصلها داست على عش الدبابير، طلب زي ده كان يستدعي قوة رهيبة، قوة متلاقيهاش غير عند اتقل عشاير الجن، عشيرة كاملة اتسخرت للمهمة، لكن إحنا برضه زيكم لينا معارف وحبايب، وحبايبنا انتقموا لينا، للتسخير والأعمال الشاقة اللي اتحكم علينا بيها، احنا برضه مساجين! الحبايب قتلوا الساحر وقتلوا "مفيدة"، هدوا عليها بيتها، بس في الحقيقة هي اللي هدته بحقدها وعملها المهبب، زي "شمشون الجبار" هدته على دماغها ودماغ أختها ونسلها من بعدها...
=قتلوها وقتلوا الساحر؟
-إيه مستغربة؟ متعرفيش قصة الساحر اللي مثل في الفيلم إياه وقال تعويذة حقيقية بطلاسم، ولقوه بعدها ميت في ظروف غامضة؟ في كده ألغاز مش محلولة يستحسن متسأليش عليها ولا تدوري وراها ولا تهوبي منها... تعرفي إن جدتك عرفت إن أختها هي اللي عاملة العمل بس مرضتش تقول لحد؟ أصل لما البيت اتهد وراحوا شالوا جثتها، جدتك شافت أحجبة وسط الحطام وشافت كمان تراب اسود وشافت...ناس أو أطياف بوشوش بالنسبة لها مش مريحة عدوا قدامها بسرعة، هي بس اللي شافتهم وأخدت الأحجبة وخبتها عشان محدش يعرف، أصل يا "سماء" العمل مبطلش بموت "مفيدة"، يعني فضيحتها لا كانت هتقدم ولا هتأخر، الضرر وقع، زي كده قطع دومينو كتيرة مرصوصة جنب بعض واحد يقع واللي بعديه يكر، اللي حصل حصل، كتمت صدمتها وحسرتها في قلبها ومحكتش حتى لبناتها، أنا قلت أكملك الجزء المخفي من القصة...
=الوشوش اللي بشوفها...
-أيوه، دول أفراد القبيلة المتجندين، وأنا جايه عندي ليكي خبر حلو وخبر وحش، الخبر الحلو هو إنك هتبقى زي ستك الضرر عليكي مش كبير عشان تكوينك وطبيعتك، الخبر الوحش إن نسلك وضعه هيبقى مختلف...
وعدت سنين وكل الظواهر الغريبة اختفت، لا بقيت أشوف وشوش ولا اسمع همسات ولا أبويا يظهرلي ويطلع مش أبويا ولا أي حاجة، واتجوزت وخلفت، خلفت ولد جميل، عيبه بس إنه كان بيتعصب على أي حاجة، أعصابه دايمًا مشدودة...
في يوم من الأيام دخلت عليه أوضته، كان وقتها عنده 4 سنين، لقيته واقف سرحان قدام المراية، لفلي لما حس بحركتي، ابتسملي بيرحب بيا، أنا كنت فاتحة دراعاتي ورايحة أحضنه وبضحك لولا إني شفت انعكاسه في المراية...
المفروض أشوف ضهره وراسه من ورا في الانعكاس بما إنه بيبص ليا ومدي ضهره للمراية لكن اللي شفته هو وشه برضه وصدره والجزء القدام من جسمه، كإن في حد تاني واقف وراه، مش انعكاسه...
"تمت"