بدأت المحاكاة وتقمص "مهيطل" و"جعيدي" شخصية رجلان آتيا لإستخراج البطاقة القومية. إقترب "مهيطل" من مدام "كوثر" وقال مبتسمًا:
-صباح الخير.
-.......
-صباح الخير.
-.......
-يا أستاذة!
رفعت رأسها أخيرًا وصاحت:
-نعم! نعم!
-لو سمحتي إيه الأوراق المطلوبة عشان أطلع البطاقة؟
-شهادة ميلاد سياتك.
تدلى رأسها من جديد وحملقت في شاشة محمولها الآيفون إكس بلاس بلاس.
-معقوله بس كده؟ مفيش أوراق تانية؟
ردت عليه دون أن ترفع رأسها:
-هات اللي قلتلك عليه ، وبعدين كان ممكن تعرف من قبل ما تجييني عن طريق الويب أو الفيس أوالواطس أو حتى الإنستا بدل ما تيجي وتضيع وقتي الغالي والثمين ووقت المواطنين زمايلك شركائك في الوطن والسجل المدني.
في ذلك الوقت توجه "جعيدي" إلى مدام "صافيناز" فوجدها تتحدث عبر المحمول..
إنتظر دقيقة كاملة دون جدوى فإستمع رغمًا عنه إلى مكالمتها.
-ايوه أنا بقول لحضرتك أنا بحبك أوي أوي يا شيف أسامة ...وماله دقيقة مش كفاية عشان أعبر عن مكنونات صدري وأدلي بحبي وتقديري لحضرتك، حضرتك الطشة اللي بتعملها بتزغلل عيني وتحرك نغاشيشي وتهفهف على قلبي، انا بستنى حضرتك من اليوم لليوم اللي بعده ومسجله كل حلقاتك على شرايط فيديو وكاسيت وسيديهات، سيديهاتك معايا.
قاطعها "جعيدي":
-لو سمحتي... مدام "صافيناز".
حولت "صافيناز" نظرها إليه في غضب وبرقت له حتى كادت مقلتيها أن تخرج وتتدلدل من جحورها. إرتعدت فرائص "جماجم" ونظر إلى الأرض في توتر ورعب.
-ششششش أنا على الهوا!
-مفهوم، مفهوم.
حمل "مهيطل" ورقة بيضاء فارغة ويكأنها شهادة الميلاد وتوجه إلى الأستاذة "كوثر" ، رسم إبتسامة إنتصاروفخر ومد يده بالورقة:
-إتفضلي الشهاااادة، يلا إعمليلي البطاقة.
-إيه التهريج ده يا أستاذ!
-إيه في إيه؟
-فين صورة بطاقة الأب؟
-أنتي مقلتليش!
-وهو أنا لازم أقولك على كل حاجة، إتفضل روح هات صورة بطاقة والدك.
-طيب في حاجة تانية؟
أطرقت ولم ترد عليه.
-في حاجة تانية يا مدام كوثر؟
-ألاقيها من ايه ولا من ايه، أنت عارف إحنا بنعاني إزاي؟ أنا بحاول أعمل جمعية بقالي 7 أشهر ومش قادرة.
-أنا آسف، مكنتش عارف أن ظروف حضرتك وحشة كده.
-نفسي أبقى زي بقية الخلق وأجيب آيفون إكس بلاس بلاس بلاس.
-طيب أنا هروح دلوقتي أجيب صورة من بطاقة الوالد يا مدام كوثر، تمام يا مدام كوثر؟
لم ترد عليه فقد عاد رأسها ليتدلى داخل شاشة محمولها القديم البائس آيفون إكس بلاس بلاس.
لاحظ "مهيطل" شيئًا غريبًا فقد لمح تجعيدة على ظهر يده لم يلمحها من قبل، هو متأكد أنها لم تكن هناك، لم يأبه كثيرًا للأمر، تراها هلاوس، لايهم، ما يهم هو إكتشاف الثغرة أو العنصر الماورائي المسؤول عن الدخول في صدع زمني والذي تسبب في شيخوخة الشاب الضحية.
إستند "جعيدي" على طرف مكتب مدام "صافي" بينما إستمع إلى باقي المكالمة
-من أكتر الأكلات اللي حبتها المسقعة بالريد فيلفت، تجنن، تجنن، وأنت تجنن، تؤبرني.
إبتسم "جعيدي" حيث إندمج في الحوار ومال إلى مدام "صافي" وسألها وقد إعتلت وجهه إبتسامة:
-هو سوري؟
-لأ إمبابي.
شعر "جعيدي" فجأة بألم في ضرسه ثم إستطعم دماء في فمه، أخرج محموله ونظر فيه فوجد ضرسه قد تدلى ثم إنخلع حين فجأة وبركة دماء صبغت فمه ، كما لاحظ بعض الشعيرات البيضاء بسوالفه وهو الأمر الذي لم يلاحظه من قبل. مده يده وأخرج الضرس في إندهاش.
************
أمسك "مهيطل" ورقتين ورسم إبتسامة الفخر والنصر ووضعهما على مكتب الأستاذة "كوثر":
-ايه دول؟ أنت مين؟
-أنا الشخص اللي عايز يطلع البطاقة، اللي قلتيله يجيب صورة بطاقة الوالد و...
-ايوه ، ايوه إفتكرتك، نعم؟
-عايز أطلع بطاقة.
-طب هو في حد يطلع بطاقة بالشكل ده؟
-؟؟
-فين يا محترم صورة بطاقة الأم؟
-حضرتك مقو...
رفعت يدها تقاطعه في حزم.
-هو انا لو قلتلك ترمي نفسك في البحر هترمي نفسك في البحر؟
-ده ايه علاقته بموضوعنا؟
-رد على سؤالي!
-لأ.
-امال ايه بقى ؟ وترجعوا تشتكوا وتقولوا إحنا غلابة ومش بيطلعلنا بطايق زي الكبار وإشمعنا إحنا!
حملقت به بعينيها الحمراوتين ووجنتيها المنفوختين ونظارتها الثابتة على طرف أنفها والتي بسببها خرج صوتها أخنفًا حادًا يخترق صرصور الودان ويشق الوجدان مثل صوت الخفافيش.
بدأ ينتحب وحاول كتم بكاءه وحبس دموعه وسيطر على هز رجليه وأكتافه وقال بصوتٍ مرتعش:
-أوكيه أنا اعمل ايه دلوقت إيه اللي فاضل؟
-روح هات صورة بطاقة الوالدة.
مشى "مهيطل" بخطوات متثاقلة حيث شعر بألم عجيب في رجليه وعظامه وركبتيه حتى أنه سار متخبطًا مستندًا إلى الحوائط ولم يقدر على فرد ركبتيه وإنحنى ظهره.
************
-ايوه يا شيف أسامة، كنت عايزه ايه؟ كنت عايزه أعرف منك وصفة العسل بالطحينة، بس عايزه اللون يبقى كوفي باودر، تمام.. أحط برطمانين طحينة وربع برطمان عسل أسود تمام.. تمام، شكرًا يا شيفنا، متشكرة، مع السلامة، سلامة، سلام، سلا، سل، معسل، معس، مع، ماه، لاه...
شعر "جعيدي" بألم رهيب ناحية موضع آخر من فمه، أخرج المحمول ونظر في الشاشة فوجد ضرسًا آخر قد إنخلع ومزيد من الدماء المتفجرة ثم .. وجد سوالفه في الجهتين قد غزاهم الأبيض بالكامل، صارت كل الشعيرات بيضاء وظهرت عدة شعيرات أخرى في جبهته بل وبفتحتي أنفه!
-ده علميًا فيزيائيًا مستحيل، مستحيل!
************
عاد "مهيطل" بالثلاث ورقات وقبل أن يقدمهم لمدام كوثر وجد... وجد يداه قد امتلأت بالتجاعيد واليد الأخرى أيضًا! كما إستند على مكتبها في آخر لحظة قبل الوقوع لأنه لم يعد قادرًا على فرد ركبتيه. مد يده إلى جبينه ليمسح عرقه فشعر بخطوط تحتل جبهته!
-أنا...أنا جبت شورة الوالدة.
-يا سلام وأنت كده تمام؟ فين بقى وصل المرافق، الميه أو النور والكهربا!
-لأ، لأ.
إلتفت "مهيطل" على صوت خطوات تقترب في سرعة إليه فوجد "جعيدي" يمشي مهرولًا في إتجاهه.
-يلا بينا يا "مهيطل" أنا سناني بتقع وشعري إبيض . سرعة! أنا لسه صغير أنا ملحقتش العب PUBG.
-مش قلتلك في هنا شدع زمني وتفشير خارق للطبيعة برمودي.
-يلا بينا بس ونصطفل في المكتب.
إستند "مهيطل" على "جعيدي" وخرجا من هناك وقد تكونت لديهما فكرة عما حدث للشاب هناك لكنها لم تكن شافية وافية ولم ترض فضول "جعيدي" العلمي الممنطق.
*************
جلس "جعيدي" اليوم التالي أمام الآلة الكاتبة وقد إستعاد زهرة شبابه وعافيته ليكتب تقرير عن العملية السرية أوي :
" لا يسعني إلا أن أحذر الجهات العليا وعموم الشعب والمواطنين من الدخول إلى ذلك المبنى ولا أقدر على إعطاء توصيف دقيق له أو ما يحدث بداخله. لقد شاهدت هناك كل ما يتحدى عقيدتي بأن العلم قادر على تفسير كل شيء وإعطاء الأجوبة عن واقعنا بكل ما يحويه وإختبرت ظواهر وتغييرات يشيب لها الطفل ويندى لها الجبين فقد تحولت الخصائص الفيزيائية والمادية لجسدي وجسد زميلي "مهيطل" . وللأسف وبرغم إجتهادنا ومن وجهة نظري المتواضعة يظل هذا الملف السري أوي سري أوي، غير مفسر والنتائج غير مرضية أبدًا أو كافية للوقوف على ما يحدث بالضبط"
دخل عليه "تعلب" وقد إستعاد هو الآخر شبابه وووسامته وجاذبيته وذاكرته ونباهته بإبتسامة كشفت عن أسنانه البيضاء اللامعة وقال:
-في إتنين محاصرين ف مبنى عجيب، دخلوا بقالهم يومين وفي شهود على كده ولحد دلوقتي مخرجوش، الناس بتقول إنها بتسمع أصوات صريخ وديابة مش غلابة وناس بتغني حكايتهم عالربابة، أنا شايف إن ده مبنى مستوليه عليه طائفة بتعمل فيه طقوس وبتخطف ناس عشان الطقوس دي، بيكهربوهم أو بيفرجوهم على أفلام يوسف منصور وفي النهاية بيحضروا قوى شريرة قادرة تحقق المستحيل وتديهم قدرات الإختفاء والتغفيل.
-طبعًا أكيد في تفسير عقلاني علمي سيكولوجي سيكوباتي مش زي ما أنت بتقول.
-طيب مستعد يا عميل "جعيدي"؟
-أنا إتولدت مستعد..
"يتبع"
"تو بي كونتينود"
#الملفات_السرية_أوي
#مهيطل_وجعيدي_في_مواجهة_المستحيلات
#ياسمين_رحمي