"القصة مستوحاة من أحداث حقيقية"
الأجواء دي دايمًا بتبقى كئيبة، يكفي إن أي حد بس يعدي من جنب الخيم ويشوف الوشوش الجد، والعيون اللي في الأرض اللي بتلمع بسبب الدموع عشان يدخل في حالة حزن، برغم إن الميت ممكن ميكونش يقرب ليه أو حتى يعرفه، فما بالك باللي جوا الخيمة، باللي ليهم صلة بالمتوفي....
إحنا مش قرايب "شيرين"، بس أكيد لينا علاقة بيها....
اللي يعدي علينا ويشوف وشوشنا يستنتج إننا حزانى عليها، زينا زي أهلها، واللي يعرفنا يقول إن دا بسبب تعاطفنا مع صاحبنا "منيب" لإن العزا دا بتاع أخته الصغيرة، لكن إحنا بس اللي نعرف السبب الحقيقي ورا الكآبة اللي على وشنا دي، إحنا الأربعة بس...
من وقت للتاني واحد فينا بيبص للباقي، بيرفع راسه ببطء، عينه بتتحرك لحد ما تقع على التلاتة التانيين أو حد فيهم وبعدين بتتثبت.. العين بتحكي بالكلام اللي مش قادرين نقوله بلساننا...
............................
-مفيش حاجة حصلت!
دي أول جملة اتقالت بعد العزا... إحنا الأربعة مشينا مع بعض بعد ما العزا خلص.. قعدنا لآخر لحظة مع "منيب" عشان إحنا أصحابه، أقرب ناس ليه والمفروض نواسيه ونقف معاه في الظرف دا.
فضلنا ماشيين على رجلينا مسافة كبيرة . محدش بينطق، لحد ما "كارم" قال جملته المستفزة "مفيش حاجة حصلت"!
رديت عليه بعصبية:
=أنت كدا تمام يعني، هتنيم ضميرك بالكلمتين دول؟ إزاي مفيش حاجة حصلت، ناقص تقول كمان "قضاء وقدر"..
-طب ما هو فعلًا قضاء وقدر! ربنا هو اللي أراد..
قربت منه. وقفت قدامه ، عيني بتطق شرار... في اللحظة دي "إياد" وقف ما بيننا..
وجه كلامه ل"كارم":
-بلاش إستعباط يا كارم، متزودش الطينة بلة، كل واحد فينا عارف إيه اللي حصل بالظبط وإيه اللي ورطنا نفسنا فيه..
بعديها بصل لي أنا وقال:
-وأنت يا "بلال"، برغم إدراكنا بعملتنا السودة بس المفروض نِكفي على الخبر، القصة نحتفظ بيها لنفسنا، حتى بيننا وبين بعض المفروض منتكلمش، فاهمني؟
............................
القصة بقى اللي أشار ليها "إياد" بدأت من شهر فات، لأ، لأ، الحقيقة إنها بدأت من قبل كدا بكتير، من حوالي 13 سنة ، من وقت ما "شيرين" كانت لسه طفلة صغيرة...
"شيرين" كانت طفلة مميزة، مختلفة عن الباقي، ودا بان من أول ما بدأت تنطق وتتحرك، إستيعابها مكنش حاضر، ردود أفعالها بطيئة وطريقة كلامها بريئة جدًا ودا مش متعلق بطفولتها لإن دايمًا اللي قدها في السن كلامهم كان مختلف، كان عندهم وعي أكبر..
إحنا بقى، إحنا الأربعة أصحاب "منيب"، اتولدنا في نفس الحي، العباسية. اتخلق ما بيننا رابط قوي جدًا، كإننا إخوات. برغم إختلافتنا ، طباعنا وأذواقنا اللي تبان مختلفة، لكننا مكناش نقدر نبعد عن بعض، ودايمًا حاضرين في كل مناسبات بعض...
و"شيرين" اللي المفروض نحتضنها ونحميها من مجتمع معندوش وعي كافي بحالات التأخر الذهني، كنا عاملينا لعبتنا! مادة للتسلية والهزار. طول الوقت كنا بنضايقها، ومتعتنا لما تتعصب علينا، حتى لو ضربتنا. كنا بننفجر من الضحك بعد كل مقلب أو محاولة ناجحة في إثارة أعصابها وأخوها كمان كان بيهزر ويضحك معانا. يعني هو كان بيعتبر إننا إخواتها برضه وشايف أن ده لعب دمه خفيف وهو نفسه كان بيهزر معاها بنفس الطريقة.
بس الوضع إتغير لما كبرنا شوية، "منيب" بقى عنده وعي أكتر بحالة أخته، معاملته إتحولت ليها، بقى حنين جدًا ومحتويها، وأكتر واحد بيعرف يتعامل معاها، أكتر حتى من والدهم...
إحنا بقى متغيرناش! الإختلاف الوحيد هو التوقيت ، يعني بقينا نسخف على "شيرين" في الأوقات اللي منيب ميبقاش موجود فيها.. قدامه بنعاملها بنفس طريقته، من وراه بقى بنتبع نفس المنهج بتاع زمان اللي عمرنا ما بطلناه، نزق فيها، نلف حواليها، نستفزها بالكلام، نسرق الحاجة اللي معاها ونخبيها أو نرميها لبعض وهكذا...
كنا بنقنع نفسنا أن دا مجرد هزار، وإننا بنحب شيرين فعلًا ومستعدين نحميها ضد أي خطر برانا، ومحدش ممكن يأذيها بجد وإنها كمان بتتبسط بهزارنا معاها....
مش بس حالة شيرين اللي كانت مميزة، كمان ظروف معيشتهم كانت مميزة,, "منيب" و"شيرين" وأبوهم مكانوش عايشين في شقة أو فيلا أو بيت، إقامتهم كانت في فندق عتيق...
الفندق ملك والدهم ، الملكية اتنقلت ليه من الأجيال السابقة... والسبب في دا إنه مكانش عنده ملك تاني ومسعاش يكون عنده. الفندق زمان كان علطول في حركة، بيستقبل نُزلا كتير ، بس مع الوقت وزي فنادق ومشاريع تانية كتير نجمه خفت والرِجل بقت خفيفة عليه، مظنش السبب كانت الحوادث إياها اللي حصلت جواه لإن حتى بعديها الناس فضلت تقبل عليه عادي، السبب هو ببساطة إنه مبقاش رائج، العباسية على بعضها بقت لسكانها وبس، مفيش حد يعني ييجي في باله يروح ينزل في فندق هناك...
وبكدا الفندق اتحول شوية شوية لمسكن خاص للأجيال الأخيرة.. يمكن من 30 سنة مثلًا كان لسه في زوار بييجوا من وقت للتاني وبيقيموا مع أصحاب الفندق لكن رسميًا الفندق اتحول لبيت للجيل الأخير، "حمزة" ومعاه ولاده شيرين ومنيب ، أما الأم ففارقتهم لما شيرين كانت طفلة صغيرة مكملتش الخمس سنين.. و"حمزة" مفكرش يتجوز من بعد موتها، كرس حياته لولاده الاتنين....
مش الفندق هو السبب الرئيسي لتعلقنا بمنيب لكن منكرش إنه كان عنصر مهم.. الأولاد في سن صغير بيدوروا على المغامرة والإثارة، بيروحوا أماكن غريبة، يفضلوا يلعبوا في الشارع لحد ساعة متأخرة، يزوغوا من الحصص بتاعتهم ويقعدوا في مكان مستخبي في المدرسة وهكذا، فما بالك بفندق ضخم قديم مهجور يقدروا يبرتطعوا فيه على كيفهم، لأ وإيه مش أي فندق، دا فندق بتدور حواليه قصص كتير مثيرة عن حوادث غامضة حصلت على مر السنين، مش حادثة ولا اتنين...
اللي أكد لنا أن الحوادث حقيقية أو ليها أصل حقيقي على الأقل برغم إنكار "حمزة" أبو منيب هو تنبيهه علينا منوهبش ناحية دور معين، الدور ال13، كل الأدوار التانية وصالة الاستقبال والقاعات كان مسموح بيها، إلا الدور دا....
الدور كان مقفول من سنين كتير، محدش بيقرب منه حتى "حمزة" نفسه....
وتعالى بقى إمسك عيال صغيرة وقول لهم ممنوع، طبعًا الممنوع هيبقى مرغوب، والعيال هتتشد أكتر للمحظور، هيبقوا عايزين يدوقوه، يلمسوه، حتى لو هيتحرقوا....
عملنا تحديات كتير، مين فينا هيبقى شجاع ويدخل الدور المحظور في غياب "حمزة"؟ وأكيد "منيب" كان بيشاركنا اللعب والتحدي... الدور جه علينا كلنا، كل واحد فينا تم اختياره في مرة، وكل واحد فينا كان بيقدر يخرج نفسه من المغرز ويتحايل...
مثلًا مرة وقفنا على عتبة آخر سلمة ، وأمرنا "مندي" يمشي في الدور... اللي حصل أن "مندي" اختفى لثواني وبعدين ظهر، إدعى أنه مشي في طرقة الدور ورجع ، وكلنا عارفين إنه مجرد استخبى ورا عمود مثلًا في طرف الطرقة ومدخلش فعلًا وهكذا من خدع مشابهه، الحقيقة إن مفيش حد مشي في طرقة الدور المنبوذ، الوحيد اللي نفذ التحدي كان أنا....
في مرة من المرات لما الدور لف وجه عليا للمرة المليون، قررت اتجرأ وأمشي فعلًا في الدور ال13...
الوقت كان 5 قرب المغرب، كنا في شهر 11، يعني النهار مبقاش طويل والشمس كانت قربت تغيب واللي زود جرعة الرعب هي نسمات الهوا الباردة اللي بتهب من وقت للتاني....
كالعادة وقفوا استنوا على السلم، محدش منهم اتجرأ يقف ورا الحيطة اللي في أول الدور واللي بتسد عنهم الرؤية أو يقرب حتى منها عشان يراقبني.
"أنا إيه اللي عملته ف نفسي ده؟!" ده اللي جه في بالي بعد أول خطوة ليا.. مفيش حاجة كانت لسه حصلت لكن قلبي كان مقبوض، المكان مش مريح أبدًا.. يمكن دا بسبب أن الدور مهجور ومهمل من كتير ، يمكن عشان كدا كان كئيب بالشكل المفجع دا...
المهم إني مشيت الخطوة الأولى ، بعدها خطوة وكمان خطوة وبعدهم خطوات... المشي انتظم، اتشجعت اكتر، مبقتش بطيء زي الأول.. فضلت مكمل في الطرقة الطويلة لحد الآخر.....من ضمن السيناريوهات المرعبة اللي كنت متخيلها أن أوضة من الأوض هتتفتح وأنا معدي من قدامها وحد أو حاجة هتخرجلي وتجرني جوا الأوضة ويحصل لي زي اللي حصل للضحايا زمان، لكن دا محصلش... مفيش ولا باب إتفتح ولا سمعت صوت ولا كان في أي حركة غير حركتي أنا...
بعد ما وصلت لآخر الممر حسيت بفخر، أنا الوحيد اللي أنجزت المهمة، أنا اللي كسبت التحدي....
لكن في حاجة اتغيرت ، الوضع مبقاش ساكن زي قبل كدا، الضلمة مكانتش لسه زحفت، المفروض لسه في نور في السما ومع ذلك....
النور اتطفى في مساحة معينة في آخر الممر مطرح ما كنت واقف . هو دا التعبير المناسب "النور اتطفى"، زي ما يكون نور لمبة اتطفى فجأة في حته محددة.. باقي الممر كان لسه في نور والبقعة دي بس اللي عتمة.
لفيت، كنت عايز أندهلهم لكن الخضة خرستني، مبقتش عارف أطلع صوت.. مشيت بسرعة. وأنا بمشي لمحت بجنب عيني تغيير تاني، النور ضلم في حته كمان وهكذا، النور فضل يطفي في بقعة ورا بقعة وأنا بحاول أسبق، أكون في المساحات اللي فيها النور ، مش عايز الدنيا تضلم عليا، وكنت متأكد أن في حاجة هتحصل لي لو الدور جه على المكان اللي ماشي فيه... المشي إتحول لجري عشان النور بقى يتطفي بسرعة أكبر لحد ما وصلت للسلالم، لمكان ما كانوا مستنيين، لكن قبليها، لفيت للمرة الأخيرة، النور كان موجود في الطرقة كلها مكنش فيه حتت ضلمة!
سألوني عن اللي شفته وأنا كان جوابي:
=ولا حاجة، مشفتش حاجة، مفيش حاجة حصلت!
وهو في حاجة حصلت؟ أنا كنت جبان ، جريت بسرعة ومجربتش بجد الأهوال بتاعة الدور والقوى الخارقة، كل اللي حصل أن مع أول ظاهرة غريبة وهي الضلمة اللي زحفت ورايا جريت، مكنتش مستعد أواجه أيًا كان اللي في الدور وبعدين، أنا لما بصيت ورايا الضلمة كانت اختفت، يعني ممكن جدًا خوفي هو اللي هيألي الموضوع دا.. المهم إني قررت محكيلهمش عن اللي شفته ومع الوقت بقى عندي قناعة أن دي كانت مجرد هلاوس، نتيجة لتأثري بالقصص اللي سمعتها عن الدور..
نيجي بقى للقصص.. يُحكى أن الغرفة 122 سكنها شخص ما في زمن غابر ، الشخص دا كان مرح جدًا وبيشتغل مألفاتي ، صاحب مزاج ، اختار تأليف القصص واسكتشات المسرحيات كمهنة.. كان متحمس جدًا وهو بيحجز الأوضة. وبيبص حواليه في صالة الاستقبال بوله. تقريبًا كدا كان ناوي يألف سكتش من اسكتشاته خلال إقامته في الفندق. لكن يوم بعد يوم، النجم كان بيتطفي، وشه بيضلم ومزاجه بيقل. بعد ما كان بينزل ويغيب برا الفندق وبعدين يرجع يقضي وقت في أوضته ، بقى يقعد وقت أكبر في الأوضة، ينبه على الاستقبال أن محدش يدخل عليه ولا حتى خدمة تنضيف الغرف ولما أخيرُا كان بيظهر، كان في لقطات بيبان على وشه فيها الرعب والرغبة في الاستنجاد، عينه كانت بتقول ساعدوني لكن لسانه مكانش بينطق زي ما يكون مش عايز يرجع الأوضة.. وبرغم دا كان برضه بيطلع.
في يوم نزيل في الأوضة اللي جنبه كلم الاستقبال وهو في حالة غضب، قال إن النزيل في الأوضة 122 عمال يفتح ويقفل في الشبابيك ورا بعض زي المجنون وأن الصوت بشع ومزعج...
موظف من الاستقبال خبط على الأوضة لكن المؤلف مردش... بعد فترة اضطر يفتح الباب بالمفتاح الاحتياطي.. وهو بيفتح كان سامع صوت الشبابيك وهي بترَزع .. فعلًا شيء مزعج ومرعب ومش مفهوم، ليه النزيل بيعمل كدا؟
لكن لما فتح الباب على أخره، الصوت وقف، مبقاش في رزع...والحقيقة الشباك كان مقفول بالشنكل من جوه...
بحذر الموظف قرب من الشباك، مد إيده وفتحه..رمى عينه على الشارع.. لقاه هناك، ممدد... المؤلف كان جثة هامدة في القاع.. جسمه متغرق في دمه!
المفروض كدا إنه وقع أو بمعنى أصح انتحر من الدور ال13 ، السؤال الأول إزاي الشباك كان مقفول من جوه الأوضة وصاحب الأوضة واللي المفروض هو النزيل الوحيد ليها مكانش موجود فيها ولا موجود أصلًا على قيد الحياة؟.. السؤال التاني مين اللي كان عمال يرزع في الشباك بالشكل الهستيري دا وإزاي أصلًا والشباك مقفول؟!
نزلاء تانيين، أسرة، أب وأم وطفلين نزلوا في الأوضة 124، كانوا مثال للنزلاء المثاليين، منتهى الهدوء والأدب والكرم، صحيح الزمن ساعتها كان بيتسم بالأناقة بشكل عام، لكن دول بالذات كانوا مهندمين بزيادة، اللبس مفيهوش أي كسرة وشعور الولاد دايمًا متسرحة، وريحتهم حلوة علطول كإنهم كل شوية بيستحموا ....وفي ليلة حصل تغيير...
النزلا في الأوض التانية جالهم هلع من صريخ سمعوه مصدره الأوضة 124 ، كان صوت أنثوي... إتضح إن الأم اللي مش بيطلعلها صوت طايحة في جوزها وولادها، جالها زي نوبة غضب ودي كانت بس البداية...
الست اتحولت، طباعها إتغيرت تمامًا ودا بان حتى في معاملتها مع موظفين الفندق مبقتش بنفس التهذيب والذوق، نوبات الغضب زادت لدرجة إن الناس بقت تتجنبها لحد ما جه اليوم اللي فضل محفور في ذهن كل اللي كانوا في الفندق وقتها....
المرة دي مش بس هي اللي كانت بتزعق، الأربعة كانوا بيصرخوا، الأصوات كانت عالية وحادة وبشعة، كلها كانت متداخلة في بعض,, الأصوات دي كانت كافية إنها تخلي أي حد في الدور أو معدي في الطرقة يهرب...
هوجة الصريخ استمرت بس دقايق معدودة، وبعدين هدوء تمام... كل الأصوات سكتت.....
موظف مسؤول في الفندق طلع بسرعة لما اتبلغ باللي بيحصل...فتح باب الأوضة بالمفتاح اللي معاه... التلاتة "الأب" و"الإبن" و"البنت" كانوا مرمين على الأرض، ميتين، أما الأم فكانت واقفة على حرف الشباك، فاتحاه على الآخر ، متنحة في الفضا، إيديها متغرقة دم.. بصت للأرض تحت المبنى وبعدين اتلفتت وبصت للموظف للمرة الأخيرة ونطت...
الموظف ملحقش، يدوبك مد إيده على الآخر وكان هيزعق فيها عشان متعملش كدا، مترميش نفسها، لكن التنفيذ حصل بسرعة، القرار كان خلاص اتاخد ومفيش فيه رجعة...
بالإضافة لجوزها وولادها الاتنين اللي قتلتهم كان في ضحية تانية، راجل كان ماشي في الشارع وقعت عليه ومات معاها!
الحادثة دي كانت في الخمسينات وبرضه في الخمسينات حصلت حوادث تانية...
مش كل الحوادث كانت في الفندق، لكن دايمًا الفندق ليه علاقة بشكل ما.....
زائد حوادث الانتحار والقتل الكتير، الفندق استقبل أعتى السفاحين والمجرمين، منهم الراجل اللي قلب الرأي العام وطير النوم من الشارع المصري...
كان حرامي محترف، بيقتحم البيوت بمنتهى السلاسة وبيدبح أصحاب البيت بأبشع الطرق ويسرق كل اللي في البيت، فلوس ودهب وألماظ وأجهزة وأي حاجة ذات قيمة. بس اختياره للبيت والضحايا مكنش عشوائي.. كان بينقي كبار السن، بالذات الستات اللي عايشبن لوحدهم، بيراقبهم ويحفظ روتينهم اليومي وزيارات ولادهم أو قرايبهم ليهم وفي اليوم اللي يتأكد إنهم لوحدهم في البيت بينفذ مهمته... ومش كل المرات كان بيراقب من بعيد، مرات كان بيتسلل، يتخفي في ضورة غفير ويشتغل مدة عند الضحية لو كانت تملك فيلا مثلًا ومحتاجة غفير، وأغرب جرايمه كانت لما سيرة السفاح بدأ تنتشر والشرطة بقت تدور عليه والناس خافت وبقوا حذرين.. المهم إن إبن ست كبيرة عايشة لوحدها في فيلا حاول يقنعها تروح تقعد معاه هو ومراته وولاده شوية عبال ما المجرم يتعرف ويتمسك، لكن هي أصرت متسيبش البيت فقال لها إنه هيجيب عمال يعلو سور الفيلا عشان السفاح ميعرفش يتسلقه ويقتحم المكان. وفعلًا جاب عدد من الصنايعية وبدأوا الشغل، من ضمن الصناعية دول كان صاحبنا، السفاح المتخفي المقيم في الفندق. طبعًا هي حفظت وشه وبقى مألوف بالنسبة لها ، عشان كدا لما جه في يوم لوحده وادعى إن باقي العمال جايين وراه مصرختش ولا حاولت تستنجد بحد، ودبحها بنفس النمط الدموي بتاعه، قطع جسمها بالفاس وسرق كل اللي كان في حوزتها...
في النهاية اتقبض عليه، وبكدا القضية دي اتحلت لكن الشرطة كانت في حيرة، مليون سؤال مكنش ليه إجابة، ليه الفندق دا بالذات، ليه أكتر المجرمين وحشية غير سفاح الفاس بيقيموا في الفندق دا ؟ إيه اللي بيشدهم ليه؟ وليه الدور ال13 بالذات؟
وغيرها وغيرها من القصص الكتير، سجل حافل من الموت والغموض، لدرجة أن أبو "حمزة" قرر يقفل الدور ال13 للأبد، والله بقى الفندق رجع يشتغل تاني وبقى ليه زوار أو لو مرجعش وفضل زي ما هو مجرد بيت الدور دا هيتنسي، كإنه مش موجود تمامًا، كفاية دم لحد كدا....
............................
في محاولة بائسة "حمزة" فكر إنه يحاول يخلي الفندق يرجع يشتغل تاني، بدأ يعمل شوية ترميمات، من ضمن، حط كاميرا جوه الأسانسير وكان هيكمل، لولا إنه درس الموضوع كويس ولقى إن ولا عنده الإمكانيات المادية الكافية ولا نجاح المشروع مضمون.. مكنش هيقدر يمول التسويق والحملات الإعلانية ولا حِمل أجور موظفين وعاملين وفي النهاية ممكن برضه الفندق ميجذبش الناس....
طبعًا الكاميرا ولا كان ليها أي تلاتة لازمة، اللي بيطلعوا في الأساسنير في الغالب هم التلاتة ، حمزة ومنيب وشيرين والقرايب اللي بييجوا من وقت للتاني وإحنا الأربعة وبس...
أصغر واحد فينا تم ال25 ولسه بنتصرف بنفس الطريقة مع "شيرين" كإننا لسه عيال، لسه بنتفنن في مضايقتها في عدم وجود "منيب". لكن كل اللي فات كوم، واللي حصل من شهر كوم تاني....
"كارم" جاتله فكرة مريضة عشان نكسر عجلة الملل ونعمل حاجة مختلفة مع "شيرين"، مستوى أعلى من الحقارة تحت بند الهزار...
فكرته كانت إننا نطلع بيها الدور ال13 ، نقنعها تمشي فيه ونستناها زي ما كنا بنستنى بعض زمان على السلم اللي بيوصل من الدور ال12 لل13 ونشوف هترجع تقول إيه...
وهي عشان زي الملايكة وذاكرتها ذاكرة أطفال فاقتنعت بإسلوبنا اللطيف ونسيت المضايقات بتاعتنا والأحاسيس السلبية وتجاوبت معانا وصدقتنا لما قلنا إننا عايزين ناخدها في جولة في الفندق ونوريها أماكن حلوة...
طلعنا الدور ال12 بالأسانسير وبعدين طلعنا على رجلينا لحد الدور ال13 بس وقفنا قبل ما نخطي جوا طرقة الدور. بقينا تنتاوب في إقناعها كإننا شياطين بتوسوس لها.. وكل واحد بيتفنن وبيرسم لها سيناريوهات وبيقول توجيهات معينة .. يعني مثلًا "إياد" قال لها تقف قدام كل أوضة وتخبط على بابها و "وافي" قالها تنده بصوت عالي وتقول : "في حد هنا؟" وأنا طلبت منها تمشي لآخر الممر وبعدين ترجع لحد عندنا...
البنت في اللحظة دي خافت، برغم برائتها وسذاجتها لكن بالفطرة مكنتش متطمنة، حتى هي كانت مقبوضة من الدور ومع ذلك فضلنا وراها، قعدنا نقنعها ونطمنها، قلنالها إننا بنلعب معاها وعايزين نفرحها وهنفضل مكاننا مستنينها لحد ما ترجع.....
وعشان بتثق فينا، عشان متربيين معاها وبتعتبرنا إخواتها وافقت في الآخر...
شفناها بتمشي لحد الحيطة العريضة وبعدين مشيت في الممر الضغير جنبها وغابت عن الرؤية....
كنا سامعين صوت الخبط على الأبواب، مسابتش باب إلا وخبطت عليه... كنا عمالين نضحك بهستيريا لحد ما حصلت حاجة خلتنا نوقف الضحك....
بعد حوالي خمس مرات تخبيط، يعني خمس أوض، سمعنا صوت باب بيتفتح.....
اتشلينا في أماكننا ومبقناش قادرين نتكلم، بنبص لبعض بس في ذعر و"شيرين" مش ترجع بسرعة، لأ دي جودت، قررت تنفذ بالظبط اللي قلناه ليها ، لما الباب اتفتح زعقت بصوت عالي:
-في حد هنا؟
ساعتها "وافي" قال برعب:
-هي بتعمل إيه، بتعمل إيه دي؟
وكان هيتحرك لولا إن "إياد" مد إيده ووقفه... معرفش هل السبب كان خوفه على وافي ولا عايز التجربة تتم لآخرها....
بعدين سمعناها بتكمل مشي، مشيت لآخر المممر ولفت وبدأت ترجع تاني....
بعديها سمعنا صوت رهيب، خبطة جامدة، زي انفجار والخبطة اتكررت كذا مرة و"شيرين" فضلت تجري لحد ما وصلتلنا، أول ما عنينا جت عليها حصلت هزة جامدة في الدور لدرجة إننا كنا هنفقد توازننا على السلم... الهزة كانت في الدور بس، زلزال هناك وبس!
شدتها ساعتها ، من غير وعي ضمتها، وحطيت إيدي على شعرها. قال يعني الواد حنين أوي! ساعتها بس إفتكرت إننا عملنا عاملة سودة في أختنا الصغيرة، في واحدة عندها 18 سنة لكنها في حكم طفلة عندها 10 سنين بالكتير...
فضلت اسألها بهستيريا:
=أنتي كويسة؟ حصل لك حاجة؟ وريني.... طب شفتي إيه؟ يا "شيرين" إنتي كويسة؟
شيرين مكنتش بترد، عينيها بصالي بس كإنها مش شايفاني، كانت في حالة صدمة.
شيرين مكنتش كويسة، كلنا، كلنا كنا مدركين دا، في حاجة بشعة حصلت لها، حاجة يمكن متقدرش تعبر عنها أبدًا، وإحتمال كبير كمان دي متبقاش النهاية، الأثر النفسي ممكن يستمر....
من كتر صدمتنا في اللي حصل، قعدنا كذا يوم نتجنب بعض، كل واحد فينا كان عامل زي إنعكاس التاني في المرايه، بيفكره بحقارته وبالعملة الدنيئة اللي عملها... طبعًا "منيب" كان مستغرب أحوالنا، ومش فاهم إحنا ليه مش عايزين نتجمع ... لكن في حاجة تانية بسرعة لهته عننا، "شيرين" وأحوالها الغريبة...
حكالي إنه سمعها بتصرخ بصوت عالي كإن حاجة بتهاجمها.. دخل عليها الحمام لقاها واقفة قدام المرايا وبتصرخ...
ونوبات الصريخ اتكررت... بقى يوم في نص الليل يلاقيها قاعدة على الأرض متقوقعة وحاطه إيديها الاتنين على ودانها ومش يتوقف صريخ وهكذا في أماكن وأوقات مختلفة.. دا غير المرة اللي غابت فيها فجأة... فجأة ملاقهاش في أوضتها ولا في أي مكان متعودين يقعدوا فيه في الفندق وكان هيتجنن.. طلع في الأسانسير وداس على زرار الدور الأخير وقرر يدور في دور دور، يبدأ بالأخير وينزل بعد كدا... كان معتقد أن دي محاولة بائسة وإنه مش هيلاقيها، لكن المفاجأة أنه لاقاها في الدور ال13!
كانت واقفة قدام أوضة من الأوض متنحة في الباب، زي ما تكون مستنياه يتفتح....
قرب عليها وهو مرعوب ، بدأ يتكلم معاه بالراحة، يسألها بتعمل إيه هناك ، ردت عليه:
-هنا، هنا مصدر الضلمة، هنا الضلمة بتبلع اللي يقرب وبعديها يبقى جزء منها.....
مشيت مع "منيب" من الدور لكن هو فضل مرعوب، كلامها عن الدور وكون إنها أصلًا طلعت ليه بقى يسببله كوابيس...
وإذا كان دا يخوف، فاللي حصل بعد كدا أبشع بمراحل... "شيرين" بدأت تحكي عن تاريخ الدور ال13، قصص اللي انتحروا واللي اتقتلوا فيه، واللي أقاموا فترة وكانوا سفاحين، بيشوفوا شغلهم برا الفندق ، اللي هو عبارة عن دبح الناس وتعذيبهم والاعتداء عليهم ، وبعد ما يومهم يخلص يرجعوا يناموا زي الأطفال في أوضهم!
المشكلة مش في إنها حكت هن قصص "منيب" مكانش يعرف عنها حاجة، المصيبة لما بدأت تحكي في القصص اللي هو يعرفها بس عمره ما قال لها عليها!
إنما بقى هي كانت بتحكي بتفاصيل جديدة، الحاجات اللي محدش يقدر يعرفها غير صاحب القصة نفسه أو شخص يكون طرف فيها... وفضلت تتكلم عن قوة مظلمة موجودة في الدور ال13، لعنة يأما بتحول الناس، يأما بتشد اللي جواهم ضلمة ، الضلمة بتدور على الضلمة، يأما يتخرج أسوأ ما في الناس وإن القوة دي شافتها ومش بتسيبها...
قوة، ضلمة، كانت تقصد إيه؟ متهيألي في حاجة بتمثل الضلمة دي، كيان معين بس هو اللي قادر على الشر دا كله، إجابة مكنتش عايز أواجهها، الدور ال13 بيسكن فيه شيطان!
هو اللي معاه القوة اللي مسؤولة عن كل المذابح اللي حصلت على مر العصور ، من ساعة إفتتاح الفندق والشيطان دا اُستفز من اللي شيرين عملته، شيرين حرفيًا استدعته ، خبطت على كل أبوابه، وأصرت واستنت يفتح لها الباب....
الكارثة إن "شيرين" الكيان أو الشيطان دا بقى بيلاحقها وملازمها، والبنت معندهاش الإدراك الكافي ولا القوة عشان تقاوم، هي أصلًا مش فاهمة اللي بيحصل لها... طب هل إحنا بقى، المسؤولين عن المس اللي صابها إتدخلنا في المرحلة دي؟ الإجابة لأ ولا كان عندنا حتى الشجاعة نعترف باللي عملناه ونحكي على اليوم إياه. إحنا أخدنا جنب، سدينا وداننا وبقينا نتفادى منيب، مجرد بنكلمه من وقت للتاني وبنتلكك بمشاغل وهمية...
حالة "شيرين" بقت من سيء لأسوء ، وشها بقى أزرق شاحب، بيتسحب منه الحياة، زيارتها للدور ال13 اتكررت، نوباتها الهستيرية زادت، وكلامها في أوقات الإدراك القليلة بقى غريب، كانت بتقول:
-هيأذيني، هيعمل فيا حاجة، بيمشي ورايا ف كل حاجة، شكله بشع، بيهددني، هيعمل فيا حاحة، هيعمل حاجة!
الوضع إستمر على كدا لحد من 10 أيام فاتت...
لأ، شيرين مبقتش كويسة، مش هو ده المقصود، الوضع إختلف لإن شيرين نفسها إختفت!
فص ملح وداب، ملهاش أي أثر في أي مكان، لا في الدور ال13 ولا ف غيره من الأدوار، مش موجودة في الفندق ولا في الشوارع القريبة... الشرطة عملت بحث مكثف عنها، منيب وبنت خالتها اللي كانت في مقام أختها والمعارف وإحنا وناس غريبة عملوا share لصورتها في الgroups المتخصصة في عرض صور المفقودين وفي الصفحات الشخصية... إحنا الأربعة كلمنا كل معرفنا المهمين، القضاة والضباط وأصحاب الرتب الأعلى عشان يساعدونا ويهتموا بالحالة بشكل شخصي ومحدش وصل لأي خيط حتى ممكن يقربنا لشيرين...
"حمزة" و"منيب" وبنت خالتها "شغف" اللي جت قعدت معاهم في الفندق وبقت مش بتفارقهم كانوا منهمكين في المساعي بتاعتهم والبحث لدرجة إنهم مكانوش مركزين ولا مهتمين بلون الميه وطغمها المقرف.... المسه بقت تنزل من الحنفيات وسماعات الدُش سودة، بتفضل كدا كام ثانية وبعدين ترجع للونها الطبيعي، وطعم الميه من الحنفيات بقى بشع، لا يطاق... لكن بالنسبة لهم دي كانت مسألة تافهة ، وملهاش أي أهمية قصاد اللي هم فيه، المهم يلاقوا شيرين وبعدين يشوفوا موضوع الميه دا.
بس لما شيرين غيابها طول والميه لسه متعكرة، حمزة قرر أخيرًا يجيب حد يبص على خزان الميه في سطوح الفندق..
سيناريوهات كتير كانت في بالهم إلا اللي لقوه جوا الخزان...
جثة شيرين كانت عايمة جوه الخزان... كل المدة اللي فاتت، من ساعة ما اختفت ، كانوا بيستخدموا ميه ببقايا التحلل بتاع جثتها!
شيرين مخرجتش من الفندق، لحد آخر لحظة ف عمرها كانت هناك...
انتحرت؟
إزاي؟ إزاي قدرت أصلًا تعرف سكة الخزان وتفكر بالطريقة دي؟ إنها تطلع لحد السطوح وبعدين تتسلق السلم العالي لحد ما توصل للغطا بتاعه وبعدين تشيله وتنط جوه الخزان؟ الموضوع مش منطقي إطلاقًا...
"شيرين" بقدراتها الذهنية مش هتعمل كل دا عشان تنتحر، مش هتفكر أصلًا في الانتحار.. السيناريو البديل بقى إنها تكون اتقتلت، ومين دا اللي يقتل البراءة ، شيرين هتعمل إيه عشان حد يقتلها؟
إحنا بقى، إحنا الأربعة بس، كان عندنا خلفية، صحيح منعرفش ملابسات الوفاة نفسها واللي حصل بالظبط بسعندنا فكرة السبب ممكن يكون إيه؟؟
السبب العاملة السودة اللي عملناها، الدور اللي المفروض مكنتش تدخله، والشر اللي بدون وعي أطلقته أو بمعنى أصح إحنا اللي أطلقناه...
الشرطة طلبت تشوف تسجيل الكاميرا بتاع الأساسنير في يوم الاختفاء. وطيعًا حمزة ومنيب قرروا بدافع الفضول يبصوا عليه قبل ما يدوه للشرطة وإحنا كنا معاهم...
شيرن فعلًا ظهرت في التسجيل يوم الاختفاء الصبح. دخلت جوه الأسانسير، كان باين عليها مضطربة، استخبتت في جنب الأسانسير أول ما دخلت، زي ما تكون بتستخبى من حد واقف براه.. فضلت تتلفت، تخرج براسها كل شوية وتدخل تاني.
داست على زراير كتير بشكل عشوائي، لكن الأسانسير متحركش! الباب حتى مقفلش. بعدين خرجت تاني، هي بس اللي كانت باينة، فضلت تتكلم مع حد مش باين، تحرك إيديها الاتنين بإسلوب غريب وكان باين عليها مرعوبة وهي بتتكلم مع الشخص الغامض دا... المهم أن بعدها، وهي بره الأسانسير، الباب بتاعه اتفقل وأخيرًا اتحرك!
لو هنلاقي تفسير منطقي للوجود اللي كانت بتكلمه، إنه مثلًا حد بعيد عن نطاق الكاميرا اللي في الأسانسير فطبيعي متلقطوش، حد واقف على مسافة فإيه بقى تفسير الأسانسير اللي متحركش بعد ضغط "شيرين" على أزراره وبعديها بفترة اتحرك، كإن في حد داس على زراره مع إن مكنش في حد جواه!
مش دا بس اللي رعبنا. صحيح مكنش فيه حاجة ظاهرة في اتسجيل، المفروض أن الأسانسير كان فاضي تمامًا، بس كان في أجواء مطمنش أبدًا، كإن برغم إننا مش قادرين نشوف بس حاسين بوجود كيان في الأسانسير، كيان مظلم، بشع، إحنا الأربعة بالذات كنا على يقين بدا عشان إحنا اللي نعرف....
جهات التحقيق كان عندهم تفسير للمشهد بتاع شيرين برا الأسانسير، كانوا متأكدين أنها حد واقف على مسافة منها ، لكن مكنش عندهم أي تفسير لحركة الأساسنير المريبة وبعدين حتى في السياق الأولاني (وجود شخص الكاميرا مش لقطاه) المفروض دي تكون إشارة لإن شيرين اتقتلت والفاعل الشخص اللي على حد قولهم مش باين وبتكلمه، لكن كان واضح أن التحقيقات رايحة في سكة إنتحار شيرين، خصوصًا إنهم لما شافوا تصرفاتها جوا الأسانسير وحركة إيديها استنتجوا إنها حالتها الذهنية مش مستقرة ودا اللي ممكن يخليها تنتحر...
يوم الدفنة كنا في حالة يرثى لها، مبلمين ومنهارين زينا زي منيب وأكتر... يا سلام على الوفاء والإخوة، دا ممكن يكون تفكير اللي شافوا حالتنا، على أساس يعني أن شيرين ومنيب زي إخواتنا وكدا....
أما أنا فانفجرت في العياط وجتلي زي نوبة لما كنا لوحدنا على مسافة من القبر.... فضلت أزعق فيهم وأقول:
=إحنا المسؤولين، شيرين كان هتعيش لولانا، إحنا اللي قتلناها، وديناها برجلينا للدور المشءوم، فتحنا عليها باب الشيطان..
كلهم حاولوا يهدوني، نبهوني إن أي حد معدي ممكن يسمعنا، زعقوا فيا وقالولي كلام من "خليك راجل، اثبت، منيب محتاج لينا، لازم نعوضه، لازم ندفع التمن بإننا ناخد بالنا منه ومن أبوه"
هديت وبطلت الهذي اللي كنت بقوله.....
..............................
عدى يوم الدفنة ويوم العزا وكام يوم بعديهم.. كنا خلال الأيام دي بنروح لمنيب وأبوه و"شغف" كتير... مسكينة البنت دي، "شغف" كانت روحها في شيرين إحساسها بيها أنها بنتها اللي هي مسؤولة عنها وعن سلامتها. طبعًا حالتها كان يُرثى لها.
في يوم كلمت كارم، مردش عليا، كلمت الباقي، اعتذروا، قالوا إنهم مش هيقدروا يروحوا معايا الفندق فقررت أروح لوحدي..
مدخل الفندق كان قدامي، على بعد خطوات، كنت خلاص هدخل، لولا أني سمعت رزعة جامدة على الأرض جنبي...
ناس كتير صوتت من الخضة... إيه الهزة دي؟ لوحت راسي على المكان اللي جه منه الصوت...لقيته هناك، رقبته مكسورة وجسمه متخرشم، "كارم"!
كارم وقع من دور ما في الفندق، وجسمه طبعًا أول ما خبط على الأرض إنهار، مات فورًا...
الناس إتجمعت، من ضمنهم حمزة ومنيب اللي يفضلوا يصرخوا. هم كانوا في حالة صدمة رهيبة، بس حالتهم لا تقارن بحالتي، ميعرفوش اللي أنا أعرفه..
منيب بتلقائية رفع راسه فوق، بيحاول يخمن أنهي دور اللي كارم وقع منه.. أنا بقى كنت متأكد، كارم وقع من الدور ال13 برغم أن الشبابيك كلها مقفولة في الدور دا....
في التحقيق منيب لمح للعنة الدور ال13، متكلمش كتير في أمور خارقة لكن قال أن الدور دا طول عمره غريب وبتحصل فيه حوادث وحالات إنتحار وأن شيرين قبل ما تموت كانت بتروح هناك كتير....
طبعًا دا كان كلام غير منطقي والنيابة استخفت بيه ومع ذلك، الدور اتفتش، أوضة أوضة، ومفيش أي دليل على وجود حد أو على إن كارم دخل أي أوضة منهم، لكن العساكر والظباط والبحث الجنائي بلغوا أنهم مكنوش مرتاحين أبدًا وهم في الأوض وفي اللي حلف إنه شاف ظلال بني آدمين واختفت علطول، واللي سمع همسات بأصوات زي الفحيح...
دي كانت البداية....
كنت متأكد أن الموضوع مخلصش على كدا، كارم كان الأولاني بس مش هيبقى الأخير!
"إياد" اختفى بعدها بيومين. كلنا تم استدعائنا تاني للتحقيق بما فيهم حمزة ومنيب. الله يعينهم على النكبات اللي مش بتخلص ويعيننا على الرعب اللي إحنا فيه!
طبعًا كنا بدأنا ننهار، نفقد اتزاننا.. إجاباتنا بقت متخبطة ومريبة، كان باين علينا إننا مخبيين حاجة. "وافي" مثلًا في وسط التحقيق قعد يستنجد ويقول "إحموني، مش عايز أموت!". وكل الإجابات والخيوط بتشير لمكان واحد، الدور ال13.
تاني الدور اتفتح.. الإوض اتفتشت، بس المرة دي مكانتش خالية وساكنة زي المرة اللي فاتت. الأوضة "124" جوه الحمام الخاص بيها ، في البانيو تمددت جثة "إياد"، البانيو كان مليان لكن مخدش حمام ميه، كان حمام دم، دمه هو...
رجليه الاتنين مقطوعين وفي طعنات في أماكن كتير في جسمه. القطع الطب الشرعي صرح إنه غالبًا تم بفاس والطعنات بآلة حادة جدًا. التاريخ بيكرر نفسه!
الانتحار ، القتل باستخدام الفاس، فاضل إحنا وهنشوف بقى هنموت بأنهي طريقة من اللي حصلت زمان!
كنت متوقع يكون عليا الدور لكن كنت غلطان. الدور على وافي. وافي إختفى...
المفروض أن الشرطة كانوا حطوا كذا كاميرا في الدور ال13 وحظروا على أي حد يدخل الدور .اللي حصل بقى إنهم لما فرغوا التسجيلات لقوا عتمة، الدور مكنش باين منه حاجة. والدور اتفتح للمرة التالتة وأوضة أوضة اتفتحت واتفشت. مكنش في أي وجود ولا أثر لجريمة أو ل وافي لحد آخر أوضة، الأوضة "130"، فتحوا الدولاب العتيق لقوه جوا، جسمه متخشب، واضح أنه ميت.. لكن بعد ثواني بدأ يكح، كان لسه عايش، لسه فيه نفس...
قد فترة في المستشفى، كان في حالة صدمة عصبية وكان في آثار خنق على رقبته وعنده مشكلة في التنفس.. أخيرًا لما فاق بدأ يحكي عن اللي حصل وكانت الصدمة...
اتفاجأ بشغف بتتصل بيه وبتطلب منه يتقابلوا في الفندق...طبعًا متأخرش عليها. قعد معاها، كان بيواسيها. قدمتله مشروب. بعد شوية الدنيا لفت بيه، حس إنه دايخ ومش قادر يقف على رجليه.. شغف جرته، كان مستند عليها.. دخلوا الأسانسير وضغط على الزرار 13 .
-بتعملي إيه؟
كان بيسألها بصوت ضعيف.. بصتله بصة باردة ومردتش.
لما وصلوا . جرته لحد الأوضة 130 . هو بقى يترجاها متدخلوش. ولا كإنها سمعته، فتحت الدولاب ودخلته. قبل ما يفقد الوعي قالت:
-المرة دي مش هقتلك بإيدي، زي ما عملت مع "كارم" و"إياد"، أيوه أنا اللي زقيت كارم من الدور ال13 وأنا اللي دبحت إياد في البانيو. الاتنين زيك كدا كانوا واثقين فيا ومتعاطفين معايا وحاسين بالذنب بسبب اللي عملتوه ودا خلاهم صيد سهلة.. أنا مجرد ودتهم الأماكن اللي عايزاها وعملت خطوتي، مهو أنا معايا كل المفاتيح بتاعة الأوض، لما زقيت كارم قفلت شباك الأوضة بسرعة. تلاقيك بتسأل عرفت منين اللي عملتوه.. غبائكم، مخدتوش بالكم مني في المدافن، سمعتكم لما قلته إنكم طلعتوا شيرين الدور ال13 ، أنتوا اللي اتسببتوا في موتها.، بعديها بصيت على التسجيلات الي قبل موتها بفترة لحد تسجيل معين، اليوم اللي كنتوا فيه معاه ، واحد فيكم داس على الدور ال12 ، دا طبعًا عشان أنتوا جبنا ، وطلعتوا من 12 لل13 على رجليكم بس مخطوش جوه الدور نفسه...موتك أنت هيبقى فيه إبداع، عشان مش أنا اللي هموتك. زي ما اكتشفتم كدا، الدور دا مسكون، واللي قتل شيرين هو الشيطان اللي بيرمح فيه. هو اللي هيقتلك....
اديته ضهرها ومشيت، النور فجأة ضلم، كإنه لمبة بتتطفي في بقعة ورا بقعة... الدولاب اتقفل لوحده وهي بتمشي.
شغف إعترفت بكل حاجة، حتى إنها اعترفت انها لعبت بالتسجيلات بتاعة يوم اختفاء وافي...
اللي وصفه بقى وافي بعد ما اتساب في الدولاب لوحده إنه كان مش قادر يتحرك، المخدر اللي شغف حطته في الشاي شله تمامًا بس كان لسه واعي. حس بإيد خفية بتتلف حوالين رقبته وبتخنقه، وشفايف بتقرب من ودنه وبتهمس:
-أنت ليا، ليا أنا، موتك إبداع، أنا المبدع...
وبعديها فقد الوعي لحد وصول الشرطة وفقد الإحساس بالزمن ، ميعرفش قعد قد إيه جوا...
أما أنا، فنفسي أختفي من الوجود. مفيش أي تهمة عليا ولا على وافي، مفيش جرم مادي معترف بيه قانونًا نتجازى عليه لكن أنا مش متخيل لو شفت منيب أو أبوه صدفة ممكن إحساسي يبقى إيه، إيه اللي هيقولوه ليا؟
دا غير إني متأكد أن الشر اللي جوه الفندق اتسلل براها، اتحرر، مبقاش بس متصل بالدور ال13 والدليل هو الضل الإسود اللي بقيت أشوفه دايمًا ورايا لما ببص في المراية وأديني مستني مصيري.....
"تمت"