فتحت الستائر كعادتها على الغارق في النوم فعاد من سباحته إلى سطح الحياة الذي فقد طعم الحياة، تحركت جفونه في حركة عنيفة متمردة ثم أخيرًا استسلم وفتحهما، التفتت وتبسمت له وهو رد الإبتسامة دونما كلمات. جلس على الطاولة يتناول الفطور وهي قبل أن تجلس قبلته واعتذرت له عن ايقاظه لكنها اضطرت حيث حل الظهر وما بعده وتأخر جدا وهي كانت "قلقة". تناول كل منهما الأكل دون التحدث أو النظر إلى الآخر وقبل أن تقوم أخيرًا نطقت تستأذنه في الخروج. اومأ دون رد ثم قبل أن تمضي إلى غرفتها سأل:
-رايحة فين؟
قالها بنبرة هادئة لا تنم عن إهتمام حقيقي وكأنه "واجب".
جاوبته فألحق سؤاله بسؤال آخر. تلك المرة كان جديًا، الإهتمام بان في نبرته:
-انهي شبابيك مفتوحة في الشقة؟
-مفيش شبابيك مفتوحة!
-بس في برد، الدنيا برد، في مصدر هوا.
-مفيش شبابيك مفتوحة.
ارتدت ثيابها وخرجت وتركته. في وجودها لم يجد الكلمات والمواضيع ، ضاعت منه الأفكار وما أن رحلت شعر برغبة عارمة في الكلام، مواضيع عدة، اسئلة، نكات، أحاسيس ولكن لم يوجد أحد ليتحدث معه. رفع هاتفه واتصل بها. ردت عليه.
-انا نسيت حاجة ولا ايه؟
-أ.....أ.....
-الووووو.
ضاعت الكلمات منه مرة أخرى، وكأنه نسى اللغة ولم يعد يتعرف على الحروف.
-كلمتك بالغلط.
-ماشي حبيبي..باي باي.
لم تقل له لكنها أيضًا شعرت بذات البرودة التي شعر بها، تلك الشقة أصبحت غير محتملة. مهما حاولت تدفئتها بالمدفأة، أو تدفئة فراشها بطبقات ومزيد من الطبقات لا يتدفأ أبدًا، هناك مصدر للهواء لم تكتشفه مهما حاولت.
عادت بعد يوم طويل، وجدته جالسًا بغرفة المعيشة، يقلب في القنوات، وجدته ضاحكًا ، وجهه منيرًا ينافس القمر في ليلة "14" ، هذا كان قبل أن يلمحها، أظلم وجهه وانعقد حاجباه كما جزمت أن السواد تحت عينيه لم يكن موجودًا قبل أن يلمحها فعاد متسللًا وأغرق محيط عينيه .
-حمد الله على السلامة، الجدول ايه بكره؟
-ممكن نعمل الجدول بتاع كل يوم، أو جدول جديد نعترف فيه أن الحياة مبقتش ماشية، أني بطلت أحبك وانك بطلت تحبني وأن الشعلة انطفت من زمان ومش هترجع.
أغمض جفونه في إرتياح. أخيرًا اتخذ احدهما الخطوة، استغنت عن الحذر والملائمة ومسميات "العشرة" و"ضرورة الإبقاء على الزواج مهما كان" وقررت أن تسعد نفسها وتسعده. حان الوقت وأخيرًا أن يتقبلا أن هناك شعلة عشق تبدأ هائجة قادرة على الصمود في وجه أمواج البحور، المياه والبحر لن يطفئاها أو حتى يخففاها حتى تخفت وحدها، دون مؤثرات خارجية، دون نية من أحد لإطفائها، تظل تخفت وتخفت حتى يأتي اليوم الذي تنطفىء به نهائيًا حتى أن أصحاب الشعلة يفضلون النوم والغرق بالأحلام ولا يتمنون الرجوع ابدًا ويحدث ذلك كل ليلة حتى يتحرروا من قيود العشق الزائفة.
ترك البيت وعاد الدفأ، ما عاد هناك برد، ما عاد هناك حاجة لها لتدفأ الشقة، ما عادت بحاجة إلى طبقات بالفراش، اخترقت الشمس كل الأركان والقمر اخترق روحها وأنارها......
"تمت"