جميع البشر الآخرون مثيرون للشفقة ينظرون فوق ليروا الشجر بينما عاد ينظر تحته فيراهم، يرى الشجر كامل غير ناقص، لم يعطه الله الطول الفارع فقط (الذي وصل إلى ستة أمتارعلى حد قول البعض) الذي تميز به عن باقي البشر بل الحكم، كان عاد عطشًا دومًا للسيطرة ومعها السلطة وقد أورث ولديه هذا الداء المزمن فنشأ شداد وشديد على نهم القوة الذي لا ينضب وأورثهم أيضًا التشبع بالحضارة والثقافة الذي ورثه من قوم نوح، اتحد الإثنان وأخذوا القرية تلو القرية عنوة لتزداد حدود الحكم في مشرق الأرض ومغربها وتزوجوا النساء وانجبوا الذرية التي لها مثل خصائص جسد عاد، فكانوا كالعماد وسط الناس، أشخاص أتوا من أساطير يمشون وسط الباقي كأنهم سكان كوكب آخر حتى مات شديد وبقى شداد فأكمل التسلل في مملكة الأرض لتتحد مملكة الأرض مع مملكته وتصبح تقريبًا واحدة وخضع له باقي الملوك. وبرغم ولعه بالقراءة، خاصة الكتب القديمة وحروف وعقول من سبق من أهل الأرض إنما كان عقله قاصرًا فعبد ما لا ينطق وهو الذي كان قادرًا على أن ينطق الحجر من جبروته ، عبد الأصنام كما أبوه والجيل الذي سبق وذاك الذي سبق وما زاد من عنده وإصراره ظهور النبي "هود" الذي دعاه وأهل عاد إلى ترك تلك العادة وعبادة الله الواحد:
- اتكفرون بالله وقد جعلكم حلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة؟
- إنا لنراك في سفاهة، خف عقلك، ما تقوله يجافي المنطق.
- سفاهة! لم؟ ليس بي سفاهة أو خفة عقل ولكني رسول من رب العالمين، أبلغ رسالات ربي وإني لكم ناصح أمين.
- ما تقوله يجافي المنطق ليس هناك بعث بعد الموت، إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين، العلم يقول عكس ما تقول، ليس هناك دليل على ما تقوله أنت، ليس هناك حياة بعد الموت، بل هناك علم، هناك مادة، هناك اكتشافات، هناك مصانع وأدوية صنعناها بأيدينا بالعلم الذي توج الصناعة، بعد كل تلك السنين وما توصلت له البشرية امازال البعض يؤمن بوجود الخرافات، الحياة بعد الموت!! وإن كان هذا حق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب في الحياة الدنيا.
كما أن هذا ما وجدوا عليه آباءهم، الإيمان بالأصنام وعدم الإيمان بالجزاء والحساب! ولكن "هود" لم يرد عليهم ويقول "أنتم قوم تجهلون" أو "سيجعل الله مصانعكم وحضارتكم العظيمة ترابًا ويبدل الأرض ويجعل عاليها سافلها" إنما قال "العلم عند الله".
وبعد ردهم وتكذيبهم إنقطع المطر عن الأحقاف، أرضهم الخضراء لسنوات دون قطرة مطر تروي الجنان والزروع. وبعد فوات تلك السنين القاسية إذا بثلاثة سحب تمر، سحابة سوداء وواحدة بيضاء وأخرى داكنة فسمعوا صوتًا يهمس لهم : "أي سحابة تختارون؟" فردوا جميعًا في نفسهم :"السوداء!" طبعًا فتلك لابد أن تكون مليئة بالماء والأرض عطشة كحلق صام لشهور ولم يرتوي إلا بأحلامه. لحظة صمت، صمت شديد، أعين تتجه إلى السماء وأفواه تخرص ، لم يسبق لإرم أن شهدت هكذا صمت ولابد أن يتبعه صوت المطر الغزير، لابد! ريح صرصر عاتية تأتي ببرودة تشل الأفواه الصامته وتوسع الأعين المتأملة وتخيب الآمال العالية وبدلًا من أن تروي تقتلع الأشجار والحشائش والحيوانات والأفراد الذين فاقوا النخل طولًا في يوم من الأيام وكأنهم أنفسهم أعجاز نخل خاوية، سبع ليال وثمانية أيام لا تتوقف فيهم الريح عن اقتلاع كل ما ومن يقابلها وكأن أي قائم هو هدف ومصدر مزعج بالأحقاف يجب التخلص منه بما وما بقى غير البيوت التي صنعوها من الجبال والحجارة لكنها خالية وتبدلت الخضرة صحاري والبيوت آثار أما الجثث فوحدها لم تتبدل بل انعدمت ولم يعرف لها طريق أو أثر منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا........
"كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)"
"وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (😎"
صدق الله العلي العظيم