ضرب الهواء كتفيه وعظامه فشعر به يتكسر داخل جسده، لا يتذكر كم من الوقت أمضى وهو ينتظر، لابد أنه وقف هناك منذ الكثير، ثم أخيرًا ظهرت عربة "ميكروباص" وحيدة شريدة في هذا الطريق الموحش . كان مترددًا ايشير الى العربة لتقف أم لا، فهو لم يعتاد على المواصلات، لم يركب لا ميكروباص ولا أتوبيس منذ مدة طويلة ولا يستريح ابدًا بالمواصلات ولكن ماذا يفعل، هذا الطريق مقطوع لا به تاكسي ولا هو معه سيارة، لماذا لم تكن السيارة معه؟ لابد أن أخته الغبية اللحوحة قد أخذتها رغمًا عنه لتخرج هي مع رفيقاتها وبإيدِ مرتعشة أشار إلى الميكروباص ليقف. وكأن السائق كان ينتظره الإشارة ، ضغط على المكابح فورًا ووقف بجانبه حتى صار في مواجهة الباب مباشرة! لماذا تسلل ذلك الإحساس اليه، لا يعلم...إحساس غريب، رجفة أصابته. ثبتته رجله لثوان لكنه عاند وصعد.....
لم يكن هناك سوى مقعدًا شاغرًا...يا للصدفة، كم كان ذلك ملائمًا! لا يكف الناس عن الحديث ، هذا هو المجرى العادي للأمور، بالذات في المواصلة ، لكن هؤلاء لا يتحدثون أبدًا، ولا واحد فيهم ولا حتى عبر الهاتف، الصمت، فقط الصمت. أخرج من جيبه الأجرة ثم ناولها للذي أمامه وتنقلت حتى وصلت للسائق.
-فلوسك غريبة!
صاح السائق
-غريبة إزاي؟
-شكلها غريب.
كيف تكون النقود غريبة؟؟... عاد السائق إلى صمته وكأن شيئًا لم يحدث. لماذا الكل متجهم هكذا. ثم سقط نظره على يد الجالس بجانبه.... يبدو لون بشرته مختلفًا عنه، ليس مختلفًا بالمعنى المعتاد ليس مجرد اختلاف لون بل النسيج.
وبعد برهه التفتت السيدة التي أمامه ونظرت اليه بعينين غريبتين حائرتين وقالت:
-أنفاسك بتضايقني!
-إزاي ؟
في الحقيقة هو من تضايق بأنفاس الجالسين بجانبه، لكن الزجاج كان مغلقًا، إذا من أين أتى ذلك البخار، بخار البرد، برد شديد قارص وكأن أنفاسهم هي ما تسبب ذلك البخار والبرد.
تلك المرأة....شكلها، ذلك الإيشارب الذي غطت به شعرها بالدبوس الذي عقدته تحت ذقنها مباشرة يبدو قديمًا للغاية، شكله وربطته وذلك الدبوس وكأنها من عهد آخر ثم لماذا لا تقف العربة أبدًا؟! ألا يصل أيهم إلى وجهته، لماذا ينظر اليه الجميع بتلك الطريقة، لماذا يشعر أنهم أغراب عنه ليست غربة طبيعية وإتما غربة من نوع آخر...
لم يعد يحتمل ، إرتعدت فرائصه وشعر برعب شديد من هذه العربة بأكملها
فتح فمه كي يصرخ ويخبر السائق برغبته في النزول لكن قبلها توقف الميكروباص! نظر السائق على الطريق بجانبه وكل من في العربة، ثم بدأت أصواتهم تتعالى :
-لا حول ولا قوة إلى بالله.....يا حبيبي دمه مالي الأسفلت.....اللي في العربيتين ماتوا؟
ثم نظر إلى حيث ينظرون فوجد سيارتين مهشمتين بالكامل لكنه لم يجد أي أجساد ثم نظر بعيدًا ، بضعة أمتار عن سيارة منهما فوجد الجثة التي أشار الناس في الميكروباص اليها، كانت مغطاة بالدماء وحتى ملابسه غارقه بدماءه وجيوبه....بتلقائية أسقط نظره إلى جيوبه هو وأخرج آخر نقود متبقية قوجدها مبتلة ورائحتها دماء...."فلوسك غريبة" ثم نظر إلى جلده وجلد الذي بجانبه فوجد نفسه شاحبًا للغاية مقارنة بالجالس . عاد فنظر الى الجثة وأمعن النظر إلى وجهها فوجده وجهه هو! ووجد مصدر البخار أنفه هو، أنفاسه، أنفاسه باردة للغاية أثلجت العربة بكاملها.
أما ركاب الميكروباص فالتفتوا إلى الزائر الأخير فوجدوا مقعده شاغرًا، التفوا يمينًا ويسارًا بحثًا عنه لكنهم لم يجدوه تمامًا.......