أصعب السكك هي السكة البائسة، الطريق لأرض الجحيم، أرض الذل والمهانة، وللأسف مفيش مفر، مفيش وسيلة للهروب من المصير، كنت كل يوم الصبح أعمل كأني غرقان في نوم عميق لكن أمي، ست الكل، ولا كانت بتتأثر، قلبها مش بيحن، مش بتتأمل فيا وأنا عامل نايم وييجي في بالها تسيب الملاك الطاهر البريء في حاله، مبتيهزلهاش شعرة! حتى لما كنت بصعد الموضوع لليفل الأعلى، لما عملت إني تعبان، بطني وجعاني، مضروب رصاصتين فيهم، أو دماغي هتنفجر أو حاسس بسخونة خط الإستواء بتجري في جسمي، برده مكنتش بتتهز ولا بتغير رأيها، هروح المدرسة يعني هروح المدرسة، بقى عندي يقين إنها نفسها تتخلص مني بأي طريقة، مش عايزه وجودي في البيت، كأني بزاحمها في الأوكسجين، كانت بتجري بتحمس وهي بتلبسني وتحضرلي شنطتي وحاجتي عشان ترميني في بؤرة البؤس اللي إسمها مدرسة "الأرض" وهي أقرب لفيلم "الأرض" في الدراما والكآبة والمظاليم اللي بيروحوها مجرورين مجبورين... وحال البنات يا عيني كان أبشع والعن وأضل، بسبب فتاة ديزني المدللة، البنت إياها، المستفزة اللي تشبه في جمالها أميرات عالم ديزني، كل تفصيلة فيها، شعرها، عنيها، لون بشرتها ، لدرجة أنها قضت على كل فرص البنات التانية في المدرسة، محدش ممكن يبص لغيرها في وجودها ولا حتى غير وجودها لو اتشافت مرة واحدة بس، مش بس الحلاوة، كمان أسلوبها مبالغ فيه! هي كانت عارفه قد ايه كانت جميلة ومؤثرة وده خلاها بتتصرف بطريقة معينة، بتقصد تتمادى في الرقة، تتباطىء في الكلام وتوطي صوتها بحيث أنك متقدرش تسمعه إلا لو اتكلمت في بوق مثلًا. لما كانت بتعدي جنبي أنا وبقية الولاد، كلنا كنا بنسكت، مهما كان النقاش محتدم، حتى لو كنا في خناقة، في أي وضع كنا بنسكت ، رقبتنا بتتلوح وبتمدد كأننا بقينا نعام عشان نتابع السنيورة لحد ما تعدي وتفوت وتبعد لحد ما تبقى زي حبة الرمل وبعدين تختفي، ساعتها بس بنرجع لمرجوعنا، كلامنا وجدالنا وخناقتنا.... والعبد لله كان أقصى طموحه تعرف بوجوده، مظنش أنها كانت تعرف أصلًا إني على قيد الحياة، مخلوق معاها متواجد في نفس المساحة اللي بيمارسوا فيها ضدنا أعتى أنواع العذاب والمهانة، المساحة اللي إسمها الفصل. هي متعرفش أني كنت براقبها من بعيد، شغل مخابرات إحترافي، لدرجة أني بقيت حافظ تصرفاتها ودوافعها، يعني مثلًا أخدت بالي إنها بتروح تتكلم مع الولاد اللي مصروفهم كبير، والولاد اللي تقفشهم شايلين سندويتشات سوسيس أو همبورجير وما إلى ذلك من الأطعمة الغالية اللي بيجيبها الولاد اللي أهلها متروشين، أو قرروا يروشوا عليهم في ساعة صفا، كان ممكن تكون دي المناسبة الوحيدة اللي تكلم فيها ولدٍ ما، تقرب منه بخفة ورشاقة الزواحف لدرجة ميحسش بوجودها، بعدين في لحظة ما يلمحها جنبه يجيله إرتباك في الأعصاب ورعشة في الجفون والأطراف، وهي بقى مش تسكت لأ دي تميل الميلة دي، ميلة راسها عشان تبقى الضربة القاضية بالنسبة له، وقتها يبقى فريسة سهلة وتنقض عليه هي بطلب أكله وفلوسه ويستسلم الغلبان ويقضي بقية اليوم جعان،... وأنا بقى أروح وسط الناس دي فين؟ لا أهلي بيدوني مصروف عدل ولا معايا غير سندوتشات الجبنه أو الجبنه بالطماطم في أيام الصفا والروقان، طبعًا مش هتكلمني! ولا هتلاحظني أصلًا ، ومع ذلك، مبطلتش أفكر في عطيات، لا في المرحلة دي ولا اللي بعدها، مكنش يعني مجرد إعجاب طفولي، بالعكس إحساسي زاد مع الوقت، لساها عطيات ومفيش غير عطيات تشغل بالي....
طب وترجمت ده إزاي؟ بمنتهى الذكاء ، كنت أما أخبط فيها بالصدفة أرميها بنظرة اشمئزاز أو ابص الناحية التانية فجأة كأن النداهة ندهتني أو أفضل متنح فيها تتنيحة ملهاش أي تبرير أو وصف كأن حصلتلي صدمة عصبية ....لحد ما جت المرحلة الأخيرة، الثانوية العامة....
الوقت بدأ يفلت، الأيام بتمر بسرعة وبكره ييجي ملقيش عطيات قدامي، هي دي كانت الفرصة الأخيرة عشان أعبر لها عن اللي جوايا ، لازم أعرفها بنفسي وأشيل الصورة البلهاء العبيطة اللي أكيد اتكونت في بالها عني....
اليوم ده قربت منها وأنا راسم إبتسامة واثقة، متحكم في أطرافي ومش بترعش ولا بتنح ولا ببص الناحية التانية... حفظت كل الحوار في ذهني، الجمل اللي كنت هقولها ، وحضرت سيناريوهات مختلفة عن ردودها وإزاي منها الحوار هيمشي بينا، وفي كل السيناريوهات كنت هطلع منتصر، بدير حوار ذكي جذاب يثبت قد إيه أنا شاب لقطة ميتعوضش، ولقيتني بقول:
-عايز نمرة مدرس كيميا!
-نعم؟!
-مدرس كيممييا، أصلي مش مقتنع بالمدرس اللي معايا.
أكيد، أكيد مش هو ده اللي كنت مخطط أقوله، ولا دي الوقفة ولا دي البصة ولا دي النبرة، معرفش ليه اتكلمت كأني بلطجي رايح أثبتها مثلًا وأسرق كل اللي معاها أو بعرض عليها تشتري ممنوعات أو ناوي على نية سودة، ودي كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، خلاص، خلصنا، كات، أوفر، سنة دراسية إنتهى، فرص إنتهى، عطيات إنتهى إنتهى....
وفاتت سنين.........
دخلت الجامعة وإتخرجت واشتغلت واتنقلت ما بين الشغلانات، الحياة مشيت وعهود الصداقة الأبدية والمحبة اللا منتهية وروابط الزمالة والعيش والملح كله بخ، مبقتش على إتصال بأي حد من زملاء المدرسة أو حتى الجامعة، معرفش عنهم ولا يعرفوا عني حاجة، كل واحد بقى ليه عالم منفصل عن غيره، عوالمنا لا تلتقي كأننا في أبعاد زمنية مختلفة، وإن حصل وقابلت بالصدفة حد من المراحل دي أنا وهو أو أنا وهي نعمل كأننا مش واخدين بالنا من بعض ، أنا والشخص بنبقى مدركين تمامًا أننا شفنا بعض واحنا الاتنين متصالحين ومتعايشين تمامًا برده مع فكرة تطنيشنا لبعض، مبقاش عندنا طاقة، هي دي سمة العصر ده ، كل واحد روحه ف مناخيره، منكرش إني كنت من وقت للتاني بيجيلي لحظات اشتياق للأوقات القديمة لما بفتكر موقف أو يوم في المدرسة، لكن الموضوع مرتبط بالعصر القديم ده، العصر اللي كان فيه بركة والعصر راح ومرجعش......
**************************
أنا بقى ممكن أقول بكل ثقة إني اتغيرت، اتغيرت كتير، عارف أن ده ممكن يتقال عليه مبتذل ما كلنا بنتغير، بس ده مش صح، مش كلنا بنتغير، ومش بنتغير بنفس القدر، في ناس بتحسها زي ما هي، يعني، زي عربية جه عليه شوية تراب لو شلت التراب هتلاقيها نفس العربية، نفس الشكل والاستايل والحركة، أنا بقى إتبدلت، مبقتش نفس الولد الخجول الدحيح ، اللي بيغرق في شبر ميه، بقت متحدث جدًا ومنفتح واجتماعي (في حدود العلاقات السطحية طبعًا) يعني أي حد أقعد معاه مش بيعمل مجهود عشان يفتح موضوع، أنا اللي بفتتح المناقشات وبديرها، وأقدر أحسسه إني مهتم جدًا بيه، بأي تفاصيل عنده وأي كلام بيقوله، وده خلاني حد لقطة بالنسبة للستات، متأكد إني بقيت من فئة الرجالة الجذابين اللي عليهم العين وطبعًا دخلت في كذه علاقة.... بس النتيجة، مش فارقه كتير، كل علاقاتي ومشاريع الارتباط فشلت فشل ذريع... كل مرة كان الموضوع بيفشل بسبب مختلف وكل مرة بعد ما العلاقة تخلص، كنت بقعد أحلل، أراجع كل حاجة حصلت، من إختياري للبنت وبداية العلاقة وتطورها ، كلامنا ، تصرفاتي وتصرفاتها، مرة كنت ببقى السبب ومرة هي السبب ومرات ببساطة ومن غير تبرير منطقي الشعلة بتطفي، الشغف بيقل لحد ما يختفي، وأنا مكنتش ومازالت مش بلعب ، مش بدخل في علاقة على سبيل التسلية، أبدًا عمرها ما حصلت، يعني معنديش مشاكل نفسية تمنعني من الجواز ولا أزمات حقيقية، وفعلًا فهمت ليه ناس كتير بتلخص عدم التوفيق في الجواز بكلمة "النصيب"، في الآخر هي حاجة بأمر الله لو إحنا بنجتهد وبنحاول وبنتجدد...
**************************
كان بقالي كتير معملتش طقس كنت متعود عليه من وقت للتاني، أخد إجازة في يوم عمل عادي، مش عشان بعد كده في إجازة رسمية وهو تبقى إجازة طويلة، لأ، إجازة من غير مناسبة، يوم في وسط أيام شغل، عشان أبقى متأكد أن محدش هيزاحمني في اليوم ده، أقدر أخرج والاقي الدنيا هادية عشان الكل في اشغاله، يا على شوارع مصر وهي رايقة، شكلها بيبقى مختلف تمامًا، كام ساعة الصبح ميتقدروش بتمن، حتى الشرا بيبقى ليه طعم تاني، من غير طوابير وأدوار وخناقات، وهو ده اللي بالظبط حسيت إني محتاجة ، أخدت يوم إجازة في وسط الأسبوع، قلت أحيي الطقس بعد ما أهملته كتير....
طبعًا ماكنش ف بالي أشوف حد أعرفه، يعني واخد إجازة في يوم شغل ونازل بتسحب في أول النهار، فتقريبًا نزلت بالبيجامة، أي تيشرت على أي بنطلون مش مكويين طالعين من بوق كلب، ونسيت قاعدة مهمة جدًا، اليوم اللي تنزل فيه على سنجة عشرة كأنك رايح تقابل رئيس مجلس المجرة مش هتشوف فيه وش حد ولا هتسمع في الشارع صريخ إبن يومين أما اليوم اللي تقرر تلبس فيه أي حاجة، هتمد إيدك في الدولاب وتلقط أول حاجة إيدك تلمسها، ولا تبص على نفسك في المرايه ولا تسرح شعرك ولا تشوف دقنك وصلت لفين وأخبارها إيه وتلبس في رجلك شبشب زنوبة أبو صوباع، هو اليوم ده اللي هتشوف فيه حد تعرفه وممكن تقابل رئيس مجلس إدارة المجرة....
أهو أنا بقى مشوفتش حد أعرفه، حد من زملاء العمل أو صديق، أنا شفت حد تاني أو بمعنى أصح ضهر حد تاني....
مش معرفة جديدة، دي معرفة راحت لحالها، اتردمت واتخطيتها من زمان....
الشعر ده أنا عارفه كويس شكله ولونه وطوله، يمكن طول شوية عن قبل كده، بس مش كتير والمشية والحركة، دي كانت "عطيات"!
وبسرعة الضوء لفيت واستعديت للجري قبل ما تقع الطوبة في المعطوبة وتلمحني....
نجحت! فضلت أجري لحد ما بعدت جدًا، ده اللي كنت فاكره قبل ما أسمعها بتنده "بدددرررر"
ويكأنما صعقتني بصاعق كهربائي، وقفت مشلول في مكاني، دي مش بس فاكره شكلي لأ كمان عارفه إسمي، يعني كانت تعرف بوجودي على عكس اللي كنت فاكره، إيه الهنا ده!
هي اللي اتحركت برغم قلة ذوقي ، برغم إني مردتش ولا اتحركت ناحيتها أو اتلفت حتى، قربت ليا... وقفت قدامي وقالت:
- بدر ازيك!
= ازيكِ انتي؟
- انا كويسة، اهو الحياة روتينية ومملة.
ولقيتني بقول:
= متغيرتيش
- بس انت اتغيرت
= للأوحش طبعا
- بالعكس، بالعكس خالص....
إيه ده، إيه ده، هي كانت بتتكلم معايا أنا كده؟ بتلمح أني بقيت أحسن، معاكسة أو حتى مجاملة غير مباشرة؟ وتلقائيًا بصيت لإيديها، لا في خاتم في الإيد اليمين ولا الشمال، "عطيات" عضوة في نادي السناجل! والغريب بقى أني زي ما أكون لمحتها بتعمل نفس الحركة، بتبص بصة سريعة على إيدي الإتنين!......
فضلت تفتح في موضوع ورا موضوع، زي ما تكون مش عايزاني أمشي، بتمط في الوقت ونفسها أنهي المقابلة بوعد لمقابلة تانية وقد كان.... أخدت رقمها وسألتها إذا كانت عايزه نتقابل تاني يوم، بس بقى نقعد مع بعض ونشرب قهوة في أي كافيه...وافقت قبل ما أكمل الجملة، كانت بتهز راسها بشكل طفولي مع ابتسامة واسعة منورة وشها...
**************************
طبعًا وصلت قبليها، فضلت قاعد مستني، كنت متحمس، متحمس جدًا، حقيقي الدنيا أوضة وصالة، معقول أنا قاعد مستني "عطيات"، "عطيات" بذات نفسها؟! كراش الطفولة والصبا والمراهقة وكراش المدرسة كلها، لأ وإيه، هي كمان، متأكد أن عندها نفس إحساسي، هي كمان متحمسة تشوفني وتقعد معايا....
كأنها موديل، كل تفاصيلها، حركتها، ملامحها، كلها ملفتة جدًا، متهألي كل الناس كانت بتبصلها.... تابعتها بعيني وأنا مبتسم من أول ما دخلت الكافيه لحد ما قعدت قدامي، بس.....
في حاجة غريبة أوي، منبهرتش بيها! يعني كل اللي وصفته كان حقيقي جدًا، مفيش خلاف على جمالها، دي حتى إحلوت جدًا عن زمان، لكن عنصر الإنبهار مش موجود لسبب ما أجهله، مش قادر أوصل لإحساسي بيها ، مهو برده مش معقول الإحساس مش موجود، أكيد المشكلة أني لسه مش قادر أوصل له، يمكن مش قادر لسه أستوعب أو خايف أحس ناحيتها بأي حاجة، يمكن.....
أول ما بدأت تتكلم، سرحت، لقيت إني مش مركز في أي حاجة بتقولها، لأول مرة اخد بالي إنها بتتكلم بسرعة جدًا، بشكل مستفز! وفعلًا افتكرت، دي كانت طريقة كلامها من زمان، أنا بس اللي مكنتش باخد بالي ، وكل ما أحاول أعلق أو أرد عليها بلاقيها بتقاطعني، مش عارف أخلص أي جملة للآخر ، والمرحلة اللي بعديها، بدأت اسألها عن اهتماماتها، مفيش أي حاجة تهمها! على الأقل أي حاجة من اللي سألتها عنها، لا بتتابع أخبار، ولا بتحب تتفرج على مسلسلات ولا عارفه ممثلين ولا بتحب تربية القطط ولا الكلاب ولا بتطيق الحيوانات وملهاش في السفر برغم أنها ساعات بتضطر بناء على زن أهلها أو أصحابها، ومش بتحب الناس، عشان الناس يا بيئة يا مملين يا من جوه وحشين ، ومع ذلك مش بتحب الكتب ولا ليها في القرايه، أمال بتحب إيه؟ الشوبنج، بتحب الشوبنج، تشتري وتشتري وتشتري وبعديها تشتري... طب بلاش دي، مش همسك في اهتماماتها، قلت اسألها عن ارائها في أي حاجة... الإجابة موحدة، هز في الأكتاف وكلمة "مش فارقة!"، طب الزلابية بالعسل أحلى ولا السكر؟ مش فارقة، طب الأهلي لا الزمالك؟ كل الماتشات مملة..... طب الشتا ولا الصيف؟ الاتنين تكدير.....طب الفستان شفتيه أخضر ولا رمادي؟ مشفتش الفستان أساسًا، وهكذا، وقعت في دوامة حيرة وكله محصل بعضه لا منتهية.......
معلش، إيه يعني؟ مقابلة واحدة مش مقياس للعلاقة، إحنا لسه في البدايات..... والمقابلة بقت مقابلتين وتلاتة وأربعة والمكالمة بقت اتنين، واحدة الصبح وواحدة بليل، ومبقتش عشر دقايق دول بقوا ساعة واتنين وتلانة، ومع ذلك مش قادر أحس بحاجة! غموضها متفكش، إسلوبها متغيرش....
وبغض النظر عن إني مكنتش حاسس بإنبهار أو إنجذاب ناحيتها من ساعة ما قابلتها إلا أن إسلوبها ده كمان خلاني أقفل أكتر وأكتر، من قبل حتى ما أركز على دوافعها.... بدأت أدرك أن ده ممكن يكون تكنيك بتعمله عشان تجذب الرجالة، حالة الغموض، وأن اه يعني لأ وأن لأ يعني اه، ومش فارق معايا يعني فارق معايا ومش عايزه شاورما يعني هاتلي شاورما، وكانت متخيلة أن ده هيخليها مثيرة للاهتمام، عشان الراجل يحب يدور في الماورائيات وأقصد بالماورئيات ما وراء الظاهر من عطيات، البحث ورا إهتماماتها وفك ألغازها ومحاولة معرفة مودها ويمكن برده ده نجح مع رجالة كتير، بس مش أنا!
مش أنا الراجل اللي بيحب يلعب دور المحقق ومش أنا اللي انبهر بأميرة ديزني لو من غير روح ولا خفة دم ولا وضوح، أيوه أنا اتغيرت ، بقيت عارف نفسي أكتر، عارف أنا عايز إيه ومش عايز إيه، واللي حصل لي زمان ، هوسي بعطيات مكنش إنجذاب حقيقي، كان حاجة ممكن نضيفها لعلم النفس بسميها "عدوى الإنطباعات"، يعني عشان كل اللي حواليك عندهم قناعة بحاجة معينة، أن الجبنة مثلًا أكله قرديحي زي الفول والطعمية والسويس أكلة علية القوم يبقى أنا كمان هتعدي من الانطباع ده من غير ما أواجه نفسي أنا بحب أنهي الأكلة والحقيقة أني كل مرة هختار الطعمية وهسيب السوسيس! وفيما يتعلق بعطيات فهي كانت أكبر كدبة وعدوى، شفتها حلوة عشان الكل بيقول إنها حلوة، بصتلها بانبهار عشان كنت بشوف عيونهم متعلقة بيها، لكن مش ده الواقع، ده مش أنا، عطيات زيها زي السوسيس، زي أفلام الإعلانات بتاعتها شيقة وفي الحقيقة هي أي كلام أو على الأقل ممكن تعجب ناس ومتعجبنيش أنا، وأنا عطيات متعجبنيش، مفيش إحساس من أصله عشان أعرف أوصله أو معرفش.....
وبفضل عطيات قدرت أكون صورة مثالية للبنت اللي عايز أكمل حياتي معاها، البنت اللي عكسها ف كل حاجة! مش عايزها جمالها زاعق، بحب الجمال الهادي، اللي كل ما أقعد أكتشف في حاجة مكنتش شايفها قبل كده، عايزها عيونها طيبة ، مش لئيمة، عايزه تفهم في أفشات الأفلام وتضحكني، أسألها ترد عليا حتى لو في شوية دبش، لا عايز لوع ولا غموض ولا متاهات، ودي بالنسبة ليا البنت المثالية، وإن لسه مقابلتهاش بس على الأقل هعرف، هعرف إنها هي المناسبة ليا لما أقابلها وده مكنتش هعرفه إلا بعد عطيات....
عطيات كانت فاكراني ببتسملها وأنا سرحان في ده كله، مالت براسها وضيقت عنيها على أساس إنها كيوت جدًا كده وقالت:
-ساكت بقالك كتير، يعني هو أنا كمان مش بحب الرغي الكتير ولا الرغايين.
=بتحبي الساكتين؟
هزت راسها من غير داعي عشان شعرها يتحرك ويهفهف وفضلت ساكته لحظات كأنها بتفكر (لازم تعمل فورمة الغموض المعتادة) وبعدين ردت:
-امممم، معرفش...
=متعرفيش بتحبي الساكتين ولا الرغايين؟
هزت كتفها وطلعت كلام مش مفهوم من بوقها، اللي هو "أهو"....
=طب يا عطيات انتي إيه انطباعك عني؟
-لأ لأ لسه بدري عالكلام ده.
=على إيه؟
-على اسئلتك دي.
=هو أنا بسألك عايز المطبخ أمريكان ولا بباب؟! أنا بقولك رأيك فيا.
-لأ ما هو أنا بتوتر.
=إيه اللي بيوترك؟
زاغت بعينيها وحركت راسها عشان الشعر يهفهف كأنها بتفكر وبعدين ردت:
-عندي فوبيا من حاجات كتير.
=لأ مش بسألك عن الفوبيا، بسألك إيه اللي موترك؟
-مبحبش الأسئلة الكتير.
ابتسامتي بقت أوسع وعيني مركزة عليها وهي خدودها بقت حمرا زي الورد البلدي من الكسوف، على أساس إن دي بصة حب وإنبهار وأني واقع لشوشتي....
قالتلي:
-هشوفك تاني إمتى؟
قمت وأنا ببصلها بنفس الإبتسامة ورديت:
=مظنش.
-نعم؟
=مظنش يا عطيات مظنش...
"تمت"