وقف "أنيس" مشدوهًا لا يتحرك من هول ما يراه حتى بعد أن فرد التمثال جناحيه الأسودين.
-أنت رحت فين يا أنيس ، مش هنلعب الويجا...أنيس، يا أنيس.
التفت "زينهم" بالبطيء لزوم زيادة الأمورة إثارة وتشويق حتى لمح "أنيس" واقفًا محملقًا وقد تغير لونه إلى الأصفر الكموني كمن يعاني من عسر هضم ثم رأي الذي أمامه يرتفع شيئًا فشيئًا ويحلق في الهواء. هنا أطلق "زينهم" صرخة مدوية كفتاة صغيرة صدمت إصبعها الصغير في حرف السرير ومعه إنطلق "أنيس" يصرخ كأنه ذات الفتاة . قام "زينهم" من مكانه وهو ما يزال يصرخ وإنطلق جاريًا وهو لا يعلم إلى أين يهرب ثم تبعه "أنيس" وهو يحاول اللحاق والتشبث به . وما زالا يجريان حتى إصطدما بجسد فزاد ذلك من هلعهما وزادا في الصراخ وتداخل مع صراخما صراخ من مصدر ثالث، إتضح أنه الجسد الذي إصطدما به.
-أنتوا مين، حراميه؟ أنا مش معايا كاش في البيت، يدوبك كارت سبينيزوكارتين فوادفون فكه.
هدأ الإثنان بعد أن أدركا أن هذا إنسان وليس شبحًا.
-ثانية واحدة مين حضرتك؟
سأل "زينهم" في فضولٍ شديد.
-أنتوا اللي مين، أنا صاحب البيت.
-أنت ساكن هنا؟
-أمال ساكن فين؟ أنا سمعت دوشه وأدركت أن حد فتح الباب السري ورا المكتبة وجيت أشوف، قلت أكيد حراميه، أنتوا مش حراميه؟
-لأ إحنا تايهين من الشبوره، مكناش عارفين أن في حد ساكن هنا، طب وتفسر بإيه التمثال المتحرك اللعوب أبو عيون حمرا وسنان بيضا ناصعة وأجنحته وهو بيطير ويرفرف في الفضا ويهرب من الدنيا الفضا وكفاية عمري كفايه عمري اللي انقضى وانا بخاف الملامه وانا بخاف الملامه.
-لونه أسود؟
-ايوه هو ده.
-ده "لاكي" الخفاش بتاعي.
-نعم ، حضرتك مربي خفاش؟!
-اه ده حيواني الأليف هو و"بودي" و"روكي" و"ماكس" الخفافيش التانيه.
-مربي أربع خفافيش؟
-اه ، تحبوا تشوفوهم؟
-لأ، شكرًا. يعني البيت مش مسكون ومفيهوش أشباح؟
-أشباح إيه ، ليس هناك ما يسمى بالأشباح أو الوحوش أو تقضية مصلحة حكومية في سلاسة وسرعة.
-طيب إحنا آسفين على الإزعاج، وهنستأذن بقى.
-لأ، أبدًا ، خليكم، الشبورة لسه موجودة ومخفتش، كده كده مش هتعرفوا تروحوا حته، أنا بس هدخل الحمام دقيقتين وجايلكم إتفضلوا، خدوا راحتكم.
شعر الإثنان بإمتنان لصاحب البيت المضياف وراحة كبيرة حيث لم يكن هناك شيء خارق للطبيعة أو ما ورائي بشأن البيت.
تقدمت سيدة إليهما مبتسمة ، ظنا في البداية أنها الخادمة ثم غيرا رأيهما عندما وجداها تعاملهما بذات كرم الأخلاق والضيافة كما الرجل فعلما أنها من أصحاب البيت ربما زوجته أو أخته.
-طيب عبال ما "سوبر" يخرج من الحمام، تعالوا أفرجكم على البيت وعلى الكولكشن بتاعي من الكتب.
-هو إسمه "سوبر"؟
-اه، "سوبر ماريو"، إتفضلوا، إتفضلوا.
مشت أمامهما وهي تتحدث عن المستوى الركيك الذي وصل إليه الوسط الأدبي ومقاييس الثقافة وكيف أن الناس أصبحوا تافهين لا يأبهون بالكتابات العميقة التي تُنمي الشخصية والإدراك حتى وصلوا إلى مجموعة من الكتب إتضح لاحقًا أنها "ميكي" و"سمير" و"روايات عبير".
التفا على صوت خطوات إتضح أنها ل"سوبر" وقد خرج من الحمام. إبتسما له وقد بادلهما بإبتسامة مرحبة ثم سألهما:
-إيه يا شباب بتعملوا إيه هنا؟
-أخت حضرتك كانت بتورينا الكتب بتاعتها.
-أختي؟
-آسف، قصدي المدام.
-مدام؟ مفيش هنا لا أخت ولا مدام، أنا عايش لوحدي.
أطلق "زينهم" ضحكة وقال وهو يلتف إلى حيث كانت المرأة.
-امال مين دي؟
ليدرك هو و"أنيس" عدم وجود السيدة وكأنها تلاشت في الهواء!.....
تو بي كونتينيود