ربما أصعب ما في المسافات التي قطعتَ أغلبها وقاربتَ نهايتها أن تصف أول طريقها لمن يحاول أن يبدأ الطريق.. تماما كما لو اضطررتَ أن تشرح أن الأبجدية تبدأ بالألف ثم الباء وأنت منشغل بتأليف كتاب في شروح المتنبي.. إذ ما بين بداهة المعرفة وصعوبة توصيل ما هو مفرط البساطة وتنميق قدر المعلومة بحسب قدر العقل الذي سترسلها إليه وإشفاقك على أن هناك من لا يعرف أن الألف أول الأبجدية تليه الباء تجد نفسك محبوس الكلمات محدود التفسير.. تنظر في عين السائل لا تدري كيف تقطع كل هذه المسافة رجوعا وأنت من قضيتَ عمرك كله تقطع المسار رواحا من أول الألف والباء حتى استقبلك المتنبي مرحبا وسعيدا..
لكنني أحب أصحاب السؤال المرتبك عن أول الطريق.. تأسرني حيرتهم وتقطف دهشتي علامات الاستفهام في عيونهم.. أحب أن أكون الدليل.. أن أشير إلى الطرقات الصحيحة والمسارات الصائبة..
أحب الواقفين على أول الطريق مسلحين بعزيمة تنبئ بوصولهم لآخره.. لا ينقصهم إلا قلب محب يجمع المعرفة.. قلب مثل قلبي..
يا سعد قلبي بالسائلين.