اعتدتُ كلما انكسرت لديَّ حاويةٌ زجاجية أن أسارع بجمع شظاياها في التو واللحظة، كنت أبحث عن كل شظية في كل نقطة بموقع الكسر، أظل أجمعها وأعيد البحث مرة وراء مرة لأجد شظية هنا وأخرى هناك، فأجمعها جميعا وأتخلص منها بطريقة آمنة..
لم أكن أستطيع فعل أي شيء قبل أن أشعر أنني جمعت كل الشظايا وتخلصتُ من كل خطر محتمل لبقايا ما انكسر بين يدي، وكنت أطمئن بعد ذلك حينا من الزمان، إذ غالبا ما لا أصادف بعدها شيئا من البقايا لأيام وربما لأسابيع.. ثم تفاجئني شظية كبيرة تحت قدمي فتجرحني جرحا نصف ألمه في القطع ونصفه في المفاجأة..
أفاجأ في كل مرة بهذه الشظية الهاربة، وأتعجب كيف غابت عن عيني وبحث يدي رغم كل ما بذلت من جهد للتأكد من أنني جمعت كل أخواتها ساعة الحادث! أرفعها وأتخلص منها بطريقة آمنة، وأقول "هي قطعة واحدة ربما تاهت عن عيني، الآن لا توجد شظايا.. الآن تخلصت من أسباب الجروح كلها.. الآن خطوتي آمنة"..
أبقى على ذلك الحال أياما وربما شهور، إلى أن تفاجئني شظية أخرى كانت قد اختبأت يوم الحادث المشهود بين تكوينات حجرتي فأسفرت عن وجهها المدبب حين حاولتُ إعادة ترتيب حاجاتي.. أتعثر فيها فتجرحني جرحا نصف ألمه القطع ونصفه القلق الوليد.. أمسكها وأتخلص منها بأمان وأقول "لا بقايا بعد هذه، لقد كشفتُ المخابئ كلها"
غالبا ما تكون هذه هي الشظية الأخيرة التي يمكنني رؤيتها، لكنني بين خطوة وأخرى أشعر تحت قدمي بنخسة صغيرة، فأنظر محل خطوتي ولا أجد شيئا، لكنني أشهد أثرا من دم.. حتى فهمت بعد عشرات الحاويات المنثورة
"لا أحد يمكنه جمع كل الشظايا.. وكل خطوة هي جرح محتمل"..
لكن أنا.. لا أتوقف عن مطارحة الخُطا غرامَ التسليم..
حتى لأسمي آثار الدم دليل قوة خطاي.. والتوجس فطنة.