عزيزتي نور
حين كنتِ طفلة صغيرة، كنتِ أشبه بعصفور حرّ، مليئة بالحيوية والمرح، تبحثين دائمًا عن المغامرة والقفز والتنطيط وكأن العالم كله ملعبكِ الخاص. كان اللعب يملأ حياتكِ بالضحك والفرح، ولكن خلف تلك الضحكات كان هناك فراغٌ صامتٌ ينتظر كلمة واحدة… "بابا".
وجوده كان يعني الكثير، ومع ذلك كانت الحياة تقسو وتُبقيه بعيدًا، مسافرًا، منشغلاً بأعبائها التي لم يدرك أنكِ كنتِ في حاجة إليه أكثر من أي شيء آخر. لكنكِ كنتِ تجدين في "ماما" كل القوة والحب، رغم أنها تحملت أعباءً فوق طاقتها، تهتم بكِ وبإخوتكِ، وتعمل بلا توقف لتوفر لكِ حياة أفضل.
أحيانًا كانت تترككِ عند جدتكِ وجدكِ لساعات طويلة، ليس لأنها لا تهتم، ولكن لأن مسؤولياتها كانت تسرق وقتها معكِ. ورغم دفء وجودهما، كنتِ دائمًا تفتقدين قربها، صوتها، حضنها. كنتِ طفلة صغيرة تحتاج إلى حب واهتمام لا ينتهي، لكنها قدمت لكِ كل ما استطاعت، حتى وإن كان قلبها يرغب أن يكون أقرب إليكِ في كل لحظة.
الآن، وأنتِ تكبرين وتقتربين من بناء عائلتكِ الخاصة، تخافين أن تجبركِ الحياة على أن تكرري ذات التجربة، أن تبعدكِ المسؤوليات عن أطفالكِ. لكن دعيني أخبركِ شيئًا مهمًا: تلك المشاعر التي عشتها جعلتكِ أكثر وعيًا، وجعلت قلبكِ مليئًا بالرغبة في تقديم حبٍ لا يشوبه الغياب.
أنتِ أقوى من كل المخاوف، وستجدين الطريق لتحقيق التوازن بين العمل والحب، بين السعي نحو تحقيق طموحاتكِ والوجود مع أطفالكِ. لأنكِ تعلمين كم يعني لهم حضوركِ، ولأنكِ تحملين في داخلكِ القوة التي حملتها "ماما" يومًا، مع الرغبة في أن تكوني أقرب إليهم مما كنتِ تفتقدين.
أنظري ياطفلتي الكبيره إلى الماضي ليس كخوف، بل كدرس، وكوني على ثقة أنكِ ستكونين الأم التي تمنح الحب بلا حدود.