حفارو القبور.
الحضارة التى تحفر للإنسانية قبرها..
روجيه جارودى..
زمان لما قريت الكتاب وعلى حبى فى جارودى نفسه كشخص و كرحلة...محبتش نبرة السواد و التاتش اليسارى اللى مازال واضح فى توجهات جارودى كشيوعى قديم....
لكن و بتراكم المشاهدات...هو صح ..
طول التاريخ الإنساني البشر كانوا بيحاولوا يخلقوا "نظام" أو "قانون" .. قوانين هدفها حماية الضعيف من بطش القوى..تقليل المنازعات بين البشر..وإذا حصلت يبقى لها إطار أخلاقى ...يتفق هنا مع ايمانويل كانط فى رؤيته عن مشروع السلام الدائم ...الحرب هى أم الشرور والتدنى الشيطانى للنفس البشرية..وإذا حدثت فيجب أن تكون استثناء...و أثناء الحرب يجب وضع إمكانية السلام نصب أعيننا..عن طريق ضوابط وقوانين حتى أثناء الحرب..و آليات لحل المنازعات بغير طريق الحرب.. تكوين عصبة الأمم زمان -على حد علمى- كان تفعيل وتأثر بأفكار كانط...
ماذا فعلت الحضارة الغربية ممثلة في الوايت مان؟
خلقت الاستعمار والوايت سوبريماسى...كائن له الحق في أى شىء وفى كل شيء..بما فيه ما يملكه الآخرين...يقتل وقت ما هو عايز ويسرق وقت ماهو عايز...يحتل ويغتصب وينهب وقت ماهو عايز..و هو فوق الحساب..ليه؟ عشان هو وايت مان...
مفهوم الحضارة عند جارودى لا يتوقف عند المفهوم السياسي..الوايت مان بيحفر قبر لكل جانب من الحضارة على حدة..إذا كان تطور الفنون مشى فى اتجاه قيم الجمال و الواقعية و حرفية وتقنية الفن ..احنا حنحطم القوانين ونخليه شىء همجى مقزز ونجبرك تقول عليه جميل عشان دا فن...حتى سريالية سلفادور دالى كانت لها قيمة ومعنى على غرائبيتها..لكن احنا حنعمل ما هو اكتر...احنا حننزع القيمة...و ننزع الجماليات وننزع كل شيء ونسميه فن...
قيم الأسرة..و تركيبة الإنسان نفسها والتسامى فوق شهواته ...لا مفيش أسرة.. مفيش انسان.. مفيش سمو..كل دى قيود ومن حق كل مخلوق يعبر عن نفسه..مش عن نفسه بس..عن أحقر شهواته و ميوله و يجب نزع قبول الآخرين لها ..مش بس قبول دا انت تحبها كمان وتشجعها...فنحول الإنسان من مخلوق عاقل بيفكر فى العلم والكون و يبتكر لمخلوق مشغول طول الوقت بالعبث بأعضائه السفلية واستكشاف هويته الجندرية وميوله...ناخده من سلم التطور اللى هو واقف على قمته ده ونرميه تحت أحقر الدواب ... مفيش سيطرة على شهواته ولا هرموناته ولا حتى فيتيشاته...
المشاهد دى مش منفصلة عن بعضها..دا نسق واحد واخد البشرية معاه للحضيض .لا عدالة ولا قوانين ولا مواثيق...لا جمال ولا قيم ولا مثل...ولا أسرة ولا إنسانية ولا نظام اجتماعي...إدفن كل ده وإردم عليه ...نسق حضارى محمى بتكنولوجيا هائلة و نظام اقتصادي ناجح وآله عسكرية جبارة لكن معندوش حضارة...بيسلب الإنسان كل ما يجعله إنسان وياخده لرتبة أقل من الدواب و البهائم...
جارودى مش بيقدم الحل...حتى شعارات العودة للدين مش حل... بالعكس...على حد تعبيره عن الحركات الإسلامية "يقرؤون القرآن بعيون الموتى" ...و عندهم تصور طفولى أن كل معضلات البشرية تم حلها مسبقا فى يوتوبيا اسلاميه فى عصر سابق بالتالى ليس علينا الفهم أو ابتكار الحلول..علينا فقط النبش فى ماضينا و استخراج الحل أو استنساخ مجتمعات قديمة "تخيليه" بالكامل...أما النسخة المسيحية من الأوروبية ..انتهت وأصبح الإيمان بالله سبه فى أوساط العقلانيين و الأكاديميين.. والمشروع المسيحى الأمريكي فهو امتداد للفكر الاستعمارى و سبب ونتيجة للصهيونية...
الكتاب وان كنت فى وقته محبيتش نبرته العالية الغاضبة ...بس دلوقتى جوايا كمية غضب واحتقار اكبر منه ..بين جثث أطفال بلا رؤوس على دراعات أهاليهم و صور أشخاص ملط مدهونين ألوان وبيحاكوا صورة الإله فى لوحة خلق آدم على سقف كنيسة سيستين لمايكل انجلو...غضبى من السلالة كلها ومن النموذج الغربى المتعجرف المنافق قتال القتلا لا يمكن وصفه أو احتوائه...ولا عقلنته...
جتكو الأرف...