الفصل الثامن
بدأت تستوعب أسماء شيئاً ف شيئاً ويعود لها وعيها، وما إن رأتني أمامها حتى باغتتني بالصراخ!
_ بسم الله الرحمن الرحيم، يالاهوي يالاهوي
عبست بوجهي وأردفت متعجباً
_ مالك يابت شايفه عفريت ؟
نهضت مبتعدة بجسدها عني وهي مرتعبه وقسمات وجهها ترتجف قائلة
_نا شوفت امير مرتين ياخالتي فنفس الوقت، فمكانين!
عقدت أمي حاجبيها وقالت
_ يابت مالك ؟ ايه التخاريف دي يااسماء ع الصبح
_والله والله شوفته هنا فالحمام، وفأوضته فنفس الوقت ياخالتى والله
تعجبت أمي وقالت بدهشة واضعة سبابتها على ذقنها
_يكونش حازم رجع!
قلت مستنكراً عاقداً ساعدي
_ أصلاً أنا صاحى ومنمتش من بليل ..يعني لو كان جه حازم كنت حسيت بيه
، تلاقيها بيتهأ لها ولا حاجة
_ طب والله ياخالتي الل بقوله ده حصل كان قصادي فالحمام هنا زى مانا شايفاكِ كده .. وبعدين سمعته بيقرا فأوضته .. انا افتكرت حازم رجع لاقيته برضو امير قاعد ف الاوضه وانا لسه شايفاه فالحمام
حاولت اسماء تبرير موقفها وأنها صادقة، تصنعت التماسك أمام أمي.. ولكنني كنت خائفاً.
هل صنع الكتاب شيئاً عكسياً؟ هل أحضر قريني بدلاً من روح فريدة محبوبتي؟
لافائدة من الجدال الذي نشب بداخلي، لابد من وضع حد قبل أن يأذي الكتاب اي شخص من عائلتي مثلما حذرني حامد، سأكمل قراءة به وسأرى هل رؤيتي أنه مجرد كتاب ليس إلا صحيح؟ أما انه كتاب مخيف مفتاح جهنم كما قال حامد كان علي أن أخذ حذري قبل قراءته.
=-=-=-==-
بينما كنت جالساً غارقاً بين سطور الكتاب، كانت والدة فريدة وخالتها تقومان بعملهم البسيط الذي تكتسبان منه الرزق سواء بالخياطة أو غزل الصوف.
لاحظت الخالة كوثر شرود زينب ف سألتها مابها، وكأن زينب والدة فريدة كانت تريد الإفصاح كي تزيح الجبال عن صدرها، اخبرتها بكم وجع قلبها بعد فراق إبنتها المفاجئ، قصّت لها ماتعلمه الخالة ولكنها سمعتها كي تريح قلبها المعبئ بالهموم.
إنها كانت تقوم ب أعمال المنزل بعدما تأتي من عملها متعبه، كانت تريح والدتها قدر الإمكان.. تحملت المسؤلية مبكراً منذ رحيل والدها واختفاؤه، كانت بمثابة رجل وإمرأه، تحملت كثيراً دون أن تفصح عن ما تشعر من تعب وإرهاق وهموم ومسؤلية.
قصّت لها إنها لم تسعد بحياتها إلا حينما تقدم أمير لخطبتها، كانت هذه هي اللحظات السعيدة بحياتها، ثم صمتت وباغتت الخالة كوثر بالسؤال
_تفتكري أبوها معرفش ان بنته ماتت؟ محسش؟ قلبه موجعهوش؟
مطت الخالة شفتيها حانقة وقالت في ضييق
_مش لما نعرف هو عايش وللا لاء؟ وهو لو قلبه هيوجعه على موت بنته، كان الأفضل يوجعه لما بعد عن بناته ومراته يسيبهم وحدهم ف ظروف الحياة الل احنا فيها ويهجّ، منه لله ياشيخة مطرح ماهو قاعد
عادت زينب تنكب على غزلها ناكسة رأسها بحزن منذ وفاة إبنتها، وعادت الخالة كوثر إلى عملها ايضاً كاتمين بنفوسهم الحزن والضيق والمعاناة. ولهم الله على كل حال.
=-=-=-=-=-
شعرت بالتعب، منذ البارحة أقرأ بالكتاب.. أردد الطلاسم، أعد قراءة باب تحضير الروح أكثر من مرة.
قد أنهك ذهني وجسدي من التيقظ منذ البارحة دون طعام وشراب ونوم!
تركت الكتاب، واسترحت بجسدي قليلاً، فردت جذعي على الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة بلا هجف.
وفجأه، شعرت وكأن هناك كهرباء أمسكت بجسدي وأخذت تسير ب عروقي!
انتفض جسدي، ووقف شعر رأسي.. انكمش جلدي.. دق قلبي واجلاً
واجفل جسدي حينما سمعت أذناي صوتها
_أمير!
شعرت بخروج عيناي من محجرها، هي أمامي الآن بشعرها أشعث ومنسدل على ظهرها واكتافها، ملابس نوم وحافية الاقدام!
_فريدة!!
_انت شايفني ياامير؟
إرتجفت شفتاي وتلجلج لساني وقلت خائفاً
_ب..بس..بسم الله ال..الرح..الرحمن.الرحيم، انتِ رديتِ عليا؟
أقتربت خطوتين مني وقالت بعينان دامعتان
_ايوة .. يعني انت شايفنى ياامير وبتكلمني دلوقت؟
اقتربت منها ثم توقفت، تذكرت إنها مجرد روح أمامي لا استطيع لمسها أو عناقها، اردفت لها ب إشتياق
_وحشني صوتك، وحشني أشوفك قصادي، انتِ بتتكلمي معايا طيب؟
_واشمعنا انت الى بترد عليا فيهم ؟ اصل انا كلمت ماما وكلمت خالتي ومحدش رد عليا
إنهمرت دموعها التي لا أتحملها ف اردفت لها بحنان
_فريدة ياحتة من روحى، متعيطييش عشان خاطري
_ تخيل ياامير بيقولوا اني مت؟!طب إزاى؟ ما انت شايفني وسامعني اهو
ظللت أمشط بعيناي وجهها الذي افتقدته وصوتها دون أن تنفرج شفتاي، فقالت هي
_انا متضايقه اوي ياامير حياتي اتشقلبت، مبقاش فيه حد بيشوفني
كل يوم بصحى فالوقت ده وبنام مرة واحدة زى الغيبوبة، كل يوم لازم اشوف حلم وحش وافوق عليه
حتى شغلي جابوا ناس غيرى فيه، انا مش فاهمة حاجة
حديثها كأنه نصل سكين غرس في قلبي، هي تنكر حقيقة إنها قد ماتت!
كيف لي شرح ما حدث لها رغم عدم تصديق عقلي له حتى الآن، إنها ماتت وها هي روحها أمامي قد أحضرتها بفعل الكتاب، لذلك أنا الوحيد الذي يمكننه التواصل معها وسماعها ورؤيتها.
بالخارج وضعت اسماء أذنها على باب غرفتي تتحقق مما سمعته، هل بالفعل أنا اتحدث إلى نفسي؟
مصمصت شفتيها وتنهدت قائلة في نفسها ربما إنني اتحدث بالهاتف ولم يصل جناني إلى هذا الحد.
=-=-=-=-
بغرفتها تجلس دعاء تستمع إلى أغنية تذكرها بفريدة، كانت هي أول من أرسلها إليها، دلفت والدتها إلى الغرفة تدعوها إلى العشاء فرفضت.
جلست الام تحاول فهم مايدور بداخل ذهن إبنتها ولكن دون جدوى، دعاء شخص حريص جداً، حريص على مشاعره، حريص أن يبوح، حريص أن يقوم بتفريغ مافي جعبته لأحد.
لم تجد الأم جدوى مع إبنتها فنهضت وتركتها بمفردها بالغرفة واغلقت الباب خلفها.
زفرت دعاء بحرارة وهي تلامس شاشة هاتفها تعاكس صورة تجمعها بفريدة قائله في ندم
_يمكن مكنتش أفضل صاحبة ليكِ، بس لما مشيتِ عرفت قيمتك ووحشتيني
يارب تسامحيني يافريدة.
=-=-=-
_هو أنا ميتة بجد يا أمير؟
نظرت لها وقلبي يتمزق لحالها، ياليتني كنت أنا.
اردفت لها بحب
_إنتِ عايشة جوايا يافريدة
_يعني أنا فعلاً ميتة، طب ايشمعنا انت الل شايفني وسامعني
تنهدت بضيق وأردفت لها
_هو انت ليه بعدتِ عني؟ ليه اختارتِ النهاية دي، ليه استكترتِ نفسك عليا
_أنا معملتش حاجة يا أمير، صدقني أنا مش فاكر حاجة
اقتربت منها بضع سنتيمترات وقلت لها
_اديني ايدك يافريدة، عايز ارتاح زي زمان
مدت يدها لي وما إن لامستها حتى حدث ماحدث!
-=-=-=-
غفت دعاء وهي ممسكة بصورتها التي تجمعها بفريدة، ف رأتها في منامها، تجلس على حافة نهر تلعب بعصا خشبية صغيرة في الثرى.
وقفت دعاء تشاهدها وقالت
_حبيبتي ي فريدة وحشتيني
نظرت لها فريدة نظرة غاضبة مخيفة، خافت دعاء وواردفت
_مالك يافريدة بقولك وحشاني
نهضت فريدة من مكانها وقد انقلبت عيناها لشكل مخيف وكلما اقتربت ابتعدت دعاء بجسدها للخلف.
اردفت دعاء إليها خائفة
_هو انتِ زعلانة مني ي فريدة؟
ظلت تسير فريدة ناحيتها وهي غاضبة وعيناها تقطر دماً، ودعاء تبتعد
_أنا مش هعرف اقول حاجة يافريدة
دفعت فريدة دعاء وقامت بخنقها ب كلتا يديها ضاغطة على رقبة دعاء بقوة.
ظلت تعافر دعاء وهي تلتقط انفاسها بصعوبة مع قولها
_بتموتيني ليه؟ عاوزة مني إيه.. يانااااااس إلحقوني!