الفصل السادس
سمعني أيمن وفغر فاهه لوهلة! ترك القلم من يده وترك هاتفه قبل أن يبدء في تسجيل الجلسة، وأردف لي بهدوء
_كنت حاسس!! إستنتاجي عمره م كان غلط، البنت الل بتحبها ماتت مش كده ؟
=-=-=-=-
خرجت فريدة من الخزانة منزعجة، تريد وضع حد لما يحدث معها، م الذي يجعلها تظل وحيدة بمنزل غريب الاطوار هكذا، ولماذا لا تسأل عنها والدتها أو خالتها أو أمير.
تحققت من أمر أصوات الاقدام والاشخاص التي تجوب بالخارج قد هدأت، وخرجت إلى منزل خالتها تريد التحدث إلى والدتها ووضع النقاط على الحروف.
=-=-=-
_انتحرت!!
ترقرقت الدموع بعيناي وأكملت له بعد زفرة حارة خرجت من أعماقي
_حتى الموت إستكترها عليا وأخدها منى ، وهى إستكترت نفسها عليا واختارت الموت وسابتنى
أنا مبحبش اصدم نفسي بالحقيقة دي ابداً، بس دا الل حصل
أردف لي وكأن كلماته تربت على قلبي
_ممكن من البداية وواحدة واحدة تحكيلي كل حاجة عن علاقتكم من بدايتها .. لغاية م انتحرت !
_هى كل حاجة واغلى حاجة يا دكتور، كانت فرحتى ودنيتى وكل الناس هى، انا مش عارف اعيش
مسحت عبرة هبطت من إحدى عيناي وقلت له من بين شهقاتي
_انا دلوقت هقولك انا وهى كنا عاملين إزاى وانت تحكم إن كان فعلا أقدر أعيش من بعدها ولالا ؟
أبتسم لي أيمن مرحباً وأردف
_وانا مش هستقبل جلسات بعدك حتى لو جلستك طولت عن معادها، المهم
انت انهاردة !!
=-=-=-=-
كانت والدة فريدة توزع الثياب التي تقوم بغزلها والبعض منها تقوم بخياطتها للجيران والمعارف كيف تكتسب قوت يومها.
عادت للمنزل مطأطأة الرأس مهمومة، ف لاحظتها شقيقتها الخالة كوثر ف أردف لها
_مالك ي زينب، راجعة من برة ساكتة ليه وحزينة
_معرفش، فريدة إنهاردة قاطعة بيا أوي، حتى أمير خطيبها مش مصدق وبيقعد يتصل على تليفونها فاكر إنها هترد عليه..
صمتا الاثنتين فقالت الخالة كوثر بدهشة
_ايه دا.. شامة الريحة دي، ريحة فريدة ..في المكان!
هززت رأسها الأم إيجاباً وقالت بنبرة الحزن التي إعتادت عليها
_من اول م صحيت وانا شماها .. فريدة كانت وردتنا وفجأة الوردة انطفت !
الله يسامحك يابنتي، الله يسامحك ع الل انت عملتيه فينا ده
_متقوليش كده يا زينب واطلبي لها الرحمة
فرت دمعة من عين الأم وأردفت ب إحتراق قلب
_ربنا يرحمك يابنتي، ويارب م تكون من أهل النار عالل عملتيه، طول عمرك كنتِ بتصلي وتصومي
وجيتِ في الآخر ضيعتِ كل حاجة وغضبتِ ربك، وحرقتِ قلب أمك
أخذت تبكي ككل يوم منذ فراق إبنتها، تطلب من الله الصبر يعينها على قسوة الأيام ووحشتها.
-=-=-=-
كنت أقص على الطبيب أيمن حكايتنا منذ بدايتها، رويت له كيف سكنت أوصالي فور رؤيتي لها أول مرة، حينما ذهبنا إلى اختبار المواهب، نجحت هي وأنا تم رفضي، طلبوا مني أن اعزز افكاري أكثر واقدمها ثانية.
رويت له عن كل مرة كنت اتقدم خطوة كي اقترب منها، كانت شخصاً يشع حيوية وطاقة، كانت تعشق التمثيل
تقوم بتقليد المشاهد المشهورة ب الافلام والمسلسلات، كانت تتحرك كثيراً وتثرثر أكثر، تتحدث عن الشهرة عن النجومية عن الحياة التي ستصبح أكثر ثراءاً.
كيف لشخص يعشق الحياة هكذا ويخطط للمستقبل أن يُنهي حياته، أن يترك قلباً خلفه مغرم به كقلبي؟!
تترك والدتها التي تعتمد عليها في كل شئ، شقيقتها آلاء التي كانت لها بمثابة أمها الثانية.
كان يدون أيمن كل م اقول بدفتره، شرحت له انها كانت كل بطلات رواياتي متجسدة في فتاة رقيقة مثلها.
كنت أخرج مافي صدري كي أستريح، ولكنني أشك إني من بعد فراقها س أستريح!
على الناحية الاخرى، دلفت فريدة إلى شقة خالتها كوثر، كان الباب مفتوحاً بسبب أن آلاء تلعب بالشارع وهم في انتظارها.
وقفت فريدة في رُدهة المنزل تراقب والدتها وهي تغزل فستاناً وخالتها تقترب من والدتها وهي تخرج من كيس النقود مبلغاً مالياً تعطيه إلى والدة فريدة تخبرها ب أن الحاج صلاح رآها ليعطيها إيجار الشهر الجديد لشقتهم.
تركتها الخالة وذهبت إلى المطبخ، وقفت فريدة بجانب الأم وقالت
_ماما، أنا مكنتش هاجي ع فكرة وعارفة انكم من بدرى هنا ، بس انا بجد اتخنقت من اسلوبك ده
يعنى سيباني ومقولتيش واخدتِ اختى الاء وكمان مقولتليش ان البيت مسكون !
إقشعر جسد والدة فريدة فجأة، فقامت بترك الإبرة وهي تقوم بلف الشال حول كتفيها أكثر مع تمتمتها لنفسها
_ياترى ظالمينك ولا ظلمتِ نفسك يابنتى !
_ ماما كلميني وردي ع اسئلتي لو سمحتِ بيتنا مسكون صح ؟
تنهدت الأم وامسكت ب الإبرة ثانية لتكمل ما كانت تصنعه، ف قالت فريدة في غضب
_يعني مش عايزة تردي عشان كلامي صح؟
_عملت كوبايتين شاى زى الفل
قالتها الخالة كوثر وجلست بجانب والدة فريدة، توجهت فريدة ناحية الخالة كوثر وقالت بصوت عال
_خالتي.. قولي لماما ترجع معايا
_بقولك ايه يا كوثر .. كنت عايزة اطلب منك طلب
_عيني ياختي اؤمري
_كنت عايزة اروح اشوف فريدة دلوقتي، كنت مستنياكِ من بدري عشان نروحلها لما تفضي
شعرت فريدة بالغضب وقالت بعصبية
_ تروحولي فين انا هنا !!محدش بيرد عليا ليه ؟
كانت تفكر الخالة كوثر وقالت
_هنروح دلوقت يا زينب؟ الليل دخل ياختي ،خليها الصبح
إعتصر قلب والدة فريدة وقالت بنبرة متهدجه
_ حلمت بيها عايزانا ياختي ..معلش نروح ونيجي بسرعه
بس مسيبش بنتى عايزانا واقف واسكت وانفذش طلبها
عبس وجه فريدة تحاول ان يصل صوتها لهم
_ انتو بتتكلمو كده ليه ؟؟ هتروحوا لي فين وانا واقفة بينكم اهو
ارجفت الخالة كوثر
_ هنجيب الاء معانا ؟
_لا سيبيها تلعب ومتقوليش رايحين فين ، انا لحد دلوقت معرفتهاش ...اختها فين من يومها
_خلاص يا ختى استهدى بالله .. غيرى انتى هدومك ع بال م انا انزل اشوف عربية تودينا
كانت تسير فريدة ذهاباً وإياباً في الرُدهة واضعه كفها ع مقدمة رأسها وهي تقول
_هو محدش بيرد عليا، ياناس جاوبوني قربت اتجنن
=-=-=-=
كنت أكمل جلستي مع الطبيب أيمن، توقفت إلى اليوم الذي كان يسبق اليوم المشؤم، رويت له إنني صنعت لها يوماً من الأحلام، كان اليوم ب أكمله لها، ذهبنا إلى السينما وتناولنا الغداء بمطعم شهير، اشتريت لها بعض الكلابس الجديدة، والتقطنا عدة صور على هواتفنا.
شكرتني على تحقيق أحلامها معي بهذه السهولة، كانت طوال الوقت تنقم ع حياة ددعاء صديقتها المدللة، بعكسها منذ الصغر وهي لاتعيش يوماً هانيء.
كانت دائماً تردد "نفسي أكون مشهورة ومصر كلها تحكي عني" كنت اداعبها ضاحكاً
_وبكرة تتكبري وتبقى ممثلة مشهورة وتقوليلي طلقنيييي
كانت تضحك وتردف لي إنني من جعلها ترى الحياة بعين مختلفة وأنها لن تتركني ابداً ماحييت.
وضحت لها إنني سأبذل قصارى جهدي كي أوفر لها معيشة هانئه كما تحلم، اخبرتها ب إني قد ادخرت مبلغاً كي اوسع نشاطاتي بجانب محل الورد، حتى يأتيني عائداً يجعلني اعيش أنا وهي بمستوى جيد.
عبست هي عندما سمعت قراري، اخبرتني ان م ادخره من مال هو لزواجنا، وضحت لها اننا سنصبر سنتين او ثلاث حتى اتمكن من بدء حياتنا الزوجية المستقرة كي أوفر لها كل متطلباتها ويرزقنا الله الذرية التي نستطيع تربيتها في مستوى أفضل مما وجدنا به.
غضبت مني ونهضت تريدني ان اعود بها لمنزلها، وطوال الطريق ظلت عابسة صامته لا تنطق ببنس كلمة.
أوصلتها وتركتني واغلقت هاتفها، شرعت ان اتركها تهدأ وغداً س أحاول معها مرة أخرى كي لا يطيل الخصام بيننا.
اردف لي أيمن متسائلاً
_وبعدين، روحت تاني يوم؟
رفرفت ب أهدابي أحاول ان اجمع شتات فكري، واردفت بحزن
_روحت عشان أواجه اصعب يوم فحياتي
=-=-
ظلت فريدة تنادي ولكن بلا جدوى، ساعدت الخالة كوثر شقيقتها في النزول على الدرج وخلفهم فريدة نريد أن يجيبها أحد.
استقلوا سيارة الاجرة ف ركبت معهم فريدة غير مستوعبة اي شئ، استقرت السيارة عند المقابر
هبطا السيدتان وخلفهم فريدة تنظر هنا وهناك.. ما الذي أتى بهم هنا؟
توقفا عند قبر وقالت الخالة كوثر
_اطلبي لها الرحمة واقريلها الفاتحة ياختي
نظرت فريدة إلى القبر وجدت إسمها على الشاهد مكتوب "فريدة عادل صالح"
ولدت عام ١٩٨٨ توفيت عام ٢٠١٥
شعرت ب انفاسها محترقة، اخذت تمسد شعرها ووجها غير مصدقة وقالت
دا قبري! أنا ميتة!! يعني إيه إزاي
وفجأة تذكرت الحلم الذي تراه كل يوم والصور الغير واضحة المتداخلة
*عودة إلى الماضي*
أمير بجانب جثتها يقوم بهزها قائلاً
_إصحي بقى بلاش هزار، على فكره استعباط مبحبش ، انت عايزه تعرفي غلاوتك عندى اد ايه ، قومي بقى بلاش دلع !!
وقف الجمع حوله يقنعونه ب ان ينهض فقد ماتت وعليه بتسليم أمره إلى الله،
جلب الدمية لها وأردف
_طب بصي الدبدوب اللى كنت عاوزاه، جيبتهولك اهو، انتِ مش بتردي عليا ليه ؟
، طب إفتحي عينيكِ لو سمعاني ، طب حركي ايديك
حبيبتى انتى عارفه انى ماقدرش اعيش من غيرك ، وبعدين احنا اتفقنا مش هنسيب بعض وانت عايزه تسيبيني، طب قومي وانا والله عمرى ماهزعلك ، هعمل كل الل انت عايزاه ،مش هعمل المشروع الى مدايقك وهنتجوز بالفلوس
هبطت من عيناه الدموع بغزارة، اخذ يهز جسدها وهو يرى بقعة الدم بصدرها تتسع والدماء حولها
_حبيبتي قومي بقى قلبي وجعني والله مش قادر استحمل، انا مش مجنون انتوا بتعملوا معايا كده ليه ، هي هتقوم دلوقتي، وتمشي معايا ، انتوا مش فاهمين حآجه انا وهى اتفقنا على كل حاجه في
حياتنا ، اتفقنا على فرحنا هيكون فين ، ولادنا هنسميهم ايه ، كل تفاصيل حياتنا راسمينها مع بعض ، بعد كل ده تيجوا تقولوا انها هتسيبني ، هى بس تعبانه شويه وحتقوم دلوقت ، حبيبتي قومي ابوس ايديك مش قادر اتكلم مش قادر اخده قومي بقى ، مين هياخد باله مني طيب ما انت عارفه ومش بعرف اعمل حاجه من غيرك قومى ماتسيبينيش ، ماتمووتييييش حرام انا مش هعيش فى الدنيا دى من غيرك
يأخذ رأسها على صدره ويصرخ، جلست فريدة بجانب قبرها تبكِ، علمت الآن ماهية الحلم الذي تراه
لماذا هي وحيدة بشقتهم تنام بجانب الطاولة، هذا المكان الذي ماتت فيه!
وتركت والدتها شقتهم بعد وفاتها.
شرعا الخالة والام في الرحيل، هرولت فريدة خلفهم وهي تقول من بين دموعها
_ماما متعيطيش.. انا جاية معاك، متسيبونيش هنا لوحدي فالضلمة
انت عارفه إني بخاف، يا أمي!
-=-=-=-=-=
على الناحية الاخرى كان جسدي كله يهتز ويرجف عندما رأيت أمامي المشهد الذي لا أنساه..
بدأت اتمتم ب كلمات غير مفهومة
_ سابتنى وحدي.. انا استنتها انهاردة عشان عيد ميلادها وجبتلها هدية هى بتحبها
وطلبتها مني ومجاتش! كانت بتقول نفسى ابقى مشهورة وكل الناس تتكلم عني
بقت مشهورة والناس اتكلمت عليها، فريدة البنت الل اتكلمت عنها كل الجرايد والاخبار والسوشيال ميديا..الل انتحرت فظروف غامضة يادكتور، كانت مضروبة بسكينة فقلبها وملاقوش بصمات غير بصماتهاواتقفل المحضر ع انها انتحرت
لأول مرة تنتابني حالة التشنج، قام ايمن ب إعطائي إبرة مهدئه ف انتظمت انفاسي ولم أرى أمامي سوى شاشة سوداء.