تحدث معي بلهجة منتصرة ف هممت بجذب ياقة قميصه واخرجته خارج غرفتي مع صراخي بصوت عالِ.
فُزعت أسماء ابنة خالتي ووالدتي عندما رأوا هذا المنظر، قامت أسماء من مكانها تنهرني بعدما قمت بطرد الطبيب بشكل مهين، صرخت في وجهي لاتعلم لماذا افعل كل هذه الافاعيل ف قلت لها
_تانى مرة محدش يعمل معايا الحركات الزبالة دى بدل م اقلبها ع دماغكم، جايبالي دكتور مجانين يا اسماء! فاكراني مجنون
بكت أسماء وقالت بصوت متهدج
_أنا بساعدك يا أمير، انت مش شايف حالتك إزاي بقالها كام شهر
_ محدش له دخل ! محدش له دعوة.. دى حياتى وانا حر، اكتئب
مكلمش حد.. أموت.. انا حر
تدخلت والدتي تتحدث بنبرة حزينة كعهدها
_يابني حرام الل بتعمله فيا دا انت واخوك، ارحموني
لم اعير اهتماماً لحديث والدتي واسماء، دلفت الي غرفتي واغلقت الباب خلفي بقوة، لم يشغل بالي حديثهم، بكاؤهم.. كل مايشغل بالي وعقلي ووجداني.. هي!
هي الفتاة التي تحملت اعباء ومسؤليات الحياة وهي صغيرة، بدلاً من اللعب بالدمى والعرائس، خرجت تبحث عن عمل كي تستطيع أن تعيش هي ووالدتها وشقيقتها بعدما فر والدها هارباً بيومٍ ما ولم يعرفن طريق الوصول إليه.
كان من الصعب ان تعمل والدتها، فهي تعاني من السمنة المفرطة زائد مرض روماتيزمي مزمن بساقيها، كل هذا كان له العامل الأكبر في ضعف حركتها.
عملت فريدة بكثير من الأماكن، وكانت لاتجد راحتها بمكان بسهولة، تارة تتركه لقلة الراتب، تارة تتركة من أجل المعاملة السيئة، واحيان اخرى بسبب المضايقات والتحرش اللفظي، ف فريدة تتمتع بجمال غربي، عينان ملونتان.. جسد ممشوق، حاجبان بنيتان ينمان على أن شعرها نفس اللون.
بيضاء البشرة ذات ملامح جذابه، عانت فريدة كثيراً وهذا ما جعلها كثيرة التجهم والغضب، وبرغم ذلك كان بداخلها حلم ولد معها منذ الصغر، ان تصبح نجمة لامعة!
سواء بالسينيما أو بالتلفاز، بداخلها موهبة حقيقية تقوم بممارستها حينما تختلي بنفسها في غرفتها وتقوم بتجسيد مشهد أمام المرآه قد شاهدته من قبل.
كان جمهورها الوحيد هي الاء شقيقتها الصغيرة، التي تركها والدهما رضيعة واختفى.. تاركاً خلفه خطاب به اعتذار لهم انه لن يستطيع العيش معهم بعد الآن وانه ترك له منزلهم كي يستترون به ويحتمون فيه، ولايريدهن ان يبحثن عنه، فهو لن يعود!
تذكرت حينما لعب القدر لعبته معي ورأيتها ثانية في نفس يوم تعطيل المصعد بالمشفى وكأن الحظ حليفي.
ذهبت إلى مكان اختبارات الاداء الذي اعلن عنه مساعد منتج شهير عن حاجته إلى مؤلف قصص واقعيه رائعة وممثلين شباب وممثلات.
ذهبت ب روايتي الأولى ووجدت هناك صديقي شادي ينتظرني.
سألني عن حال شقيقي حازم ف طمأنته، اخبرني ب أنه لابد وان يقلع عن تناول المخدرات بكثرة التي جعلته مدمن لها بصورة واضحة واهدر عليها صحته وماله.
تنهدت بحزن وذكرت له أنني لم ألبث في نصحيته ب الإقلاع ولكن دون جدوى، أخاف ان تعلم والدتي فيصير لها مكروهاً خاصة انه عندما صُدم بالسيارة كان خطأه هو لأنه كان تجرع جرعة كبيرة من المخدرات ولم يأبه لإشارات المرور فحدث ماحدث.
أراد شادي تغيير الحديث ف سألني هل أنا مستعد لتقديم روايتي والتحدث عن سطورها العامة كي اعطي لجنة التحكيم نبذة عنها وخلفية حقيقية عن موهبتي.
كنت انتظر دوري للدخول، وامشط المكان بنظري، فهناك من يتدرب ومن تبكِ ومن يضحك مع اصدقاءه، ومن ينتظر مثلي، حتى سمعت صوتها!
ياللحظ السعيد، هي.. تقف بجانب شجرة تتدرب على مشهد تمثيلي وكأنها لاترى أحداً ولاتهاب شئ.
إبتسمت وأشرت لها وانا اتحدث مع شادي
_شادى !
_ايه
_ شايف البنت الل عند الشجرة لوحدها هناك دي
_اه .. مالها ؟
_ البنت دى من شوية حصل بينى وبينها دروب كده ! ملحقتش احكيهولك
بس كنت حاسس انى هشوفها تانى مش عارف ليه
مط شادي شفتيه وأردف
_بس عادى يعنى .. م احنا كل يوم بنشوف
_لالالا دى غير ..
عقد شادي ساعديه واردف متحزلقاً كعهده
_غير ازاى ؟ انا شايفها عادية، ولبسها بسيط
_ مش عارف، عاوز اتكلم معاها
اثناء حديثنا، نادى المساعد "فريدة عادل" ف انتبهت جميلتي متلعثمة ورفعت يدها تقول
_أنا.. جاية حاضر
إبتسمت، إسمها إذاً فريدة! لا أعرف من أين اتى انشراح صدري وتبسمي الغير مبرر هذا عندما رأيتها تهرول للداخل بعدما علمت إسمها،هناك شيئاً خفي يجذبني إليها، أشرت الى شادي قائلاً
_شفت .. ادينا طلعنا فنانين زى بعض واحساسنا مرهف
نظر شادي إلى عيناي ساخراً واردف
_اه تصدق.. مرهف وهينط من عنيك اهو
مرت عشرة دقائق، وخرجت فريدة غاضبة عابسة الوجه تسب اللجنة والقائمين عليها، ذهبت ناحيتها اظن قد سنحت لي فرصتي الآن، سألتها ما خطبها هل تم رفضها؟ اخبرتني هي
_ متقبلتش ايه .. دول قالولى انى موهبتى ممتازة
_أومال زعلانة ليه ؟
_ عايزنى اقلع الحجاب !! شوفت.. قالولى ينفع تمثلى من غير حجاب ؟
_مممممم وانت هتعملى ايه
هزت رأسها لي بحزن وهي تتمتم
_هعمل ايه بقى م خلاص
شردت قليلاً ثم تذكرت شيئاً، نظرت لي بعبوس واستنكار وقالت وهي تصرخ
_ايه ده ؟انت مين عشان توقف وتتكلم معايا وتاخد وتدى
ارتبكت ولكن أردت أن اظل على موقفي فقلت لها
_هو انا عملتلك حاجة انا شوفتك متنرفزة فحبيت اعرف مالك ، غلطان؟
_وانت مالك متنرفزة ولا لاء، قريبى؟اعرفك ؟ايه التلاقيح دي
كان يراقب شادي الموقف من بعيد ويضحك ف اردفت انا بنبرة هادئة كي تهدأ ثورتها
_وهو انا عملت ايه بس يافريدة، جيت سألتك، وبعدين انت مش لسه كان مغمى عليكى وانا فوقتك
يعنى يعتبر فيه معرفه سابقه
استنكرت جملتي واردفت تسخر مني
_وهو انا عملت ايه يافريدة ؟!! كمان عارف اسمى وبتنادينى كأننا اتنين أصحاب مثلا، اوعى ي عم من سكتي
تركتني وذهبت تسبني بعدما كانت تسب لجنة التحكيم، إبتسمت بدوري ماحدث الآن جعلني احترمها اكثر وجعلها تشغل حيز من تفكيري أكثر وأكثر.
انتبهت والمساعد يقول رقمي وإسمي، فعدلت من ثيابي وشعري ودلفت حاملاً دفتري.
قطعت أسماء أحبال الذكرى وهي تقوم بترتيب غرفتي ومسح الاتربة من على مكتبي وكتبي، انتبهت إليها
سألتها قائلاً
_ انت بتعملي ايه ؟
_بنضفلك الاوضه يا أمير ، مكركبة اوى وممكن تكون الكركبة دى وعدم دخول الشمس فيها ده السبب
فسكنة الجن والعفاريت فيها.. اللهم احفظنا!
أومأت برأسي ساخراً منها وقلت
_اه ! يعنى اوضتي مسكونه جن وعفاريت؟
توقفت عما كانت تفعل واردفت بنبرات يشوبها الخوف
_انت مبتشوفش نفسك لما بتتحول ياامير ، إحنا عايزين مصلحتك والله
هززت رأسي ونهضت من مكاني وجعلتها تترك كل شئ وطردتها بالخارج واغلقت الباب.
تعجبت مما يدور حولي، ماذا يريدون فليتركوني وشأني.. أنا أريد أن امضي حياتي هكذا
كما يحلو لي طالما لا أقوم بأذية أحداً أو يؤذيني أحداً.
قمت بترتيب كتبي بعدما بعثرتهم اسماء ف وقعت عيناي على كتاب منهم، اسمه "شمس المعارف"
لا أعرف متى اشتريته وهل قرأته ام لا؟
فتحته، تصفحت أول صفحاته.. فتذكرت!
=-=-=-=
_ماما ، هو احنا مش هنروح عند فريدة ؟
توقفت والدة فريدة عن غزل القميص الصوفي الذي تصنعه بإبر التريكو، واردفت دون النظر إلى طفلتها
_لا مش هنروح يا الاء، واسكتى بقى شوية
اقتربت ألاء منها ووضعت كف يدها الرقيق على فخذ والدتها وقالت بحنو وعينان دامعتان
_ هو احنا مخاصمينها ياماما؟
_ لاء مش مخاصمينها
_ اومال مش بنشوفها ليه بس ؟
تنهدت الأم بحزن، واردفت لها بلهجة قاسية كي تسكتها عن اسئلتها الكثيرة
_بقولك ايه، روحى العبي فالشارع مع ولاد خالتك
استجابت الطفلة وذهبت بعيداً ترتدي خفيّها ونزلت إلى الشارع، اتت شقيقة والدة فريدة _السيدة كوثر_ربتت على كتفها وجلست بجانبها ف اردفت والدة فريدة بعدما تنهدت بحزن
_ وأنا هفضل لإمتى شايلة لوحدى وساكته
_يعنى وايه ذنبها الطفله المسكينه؟! وبعدين ايه الى عرفها بس باللى انتى فيه يا زينب.. ده قدر ومكتوب يا حبيبتى
هبطت دمعة من عيناها وسالت على وجنتها واردفت
_ ونعم بالله .. ربنا يصبرنى ،انا حالى ربنا وحده الى يعلم بيه
زفرت الخالة كوثر ببطء وقالت
_ ربنا يصبرنا كلنا
-=-=-=-=-
فريدة بمفردها، جالسة على فراشها تغلق وتضئ الإضاءة الجانبية
متعجبة كونها بمفردها كل هذا الوقت دون اسرتها ودون سؤالهم عليها، وفجأة قُطع التيار الكهربائي!
نفثت فريدة غاضبة، ونهضت تبحث عن أي شمعة او مصباح للإضاءة.. خرجت وقبل ان تكمل سيرها بالردهة
سمعت صوت جلبة وصوت اقدام بالخارج، تعجبت وعادت إلى غرفتها تختبئ.
دار بذهنها أن بالتأكيد والدتها باعت الشقة وذهبت إلى منزل شقيقتها كوثر الارملة كي تعيش معها هي والاء.
صنعت ماكان يدور بذهنها وكثيراً ما رفضت فريدة وظلت متمسكة بالشقة ولا تريد تركها.
من الواضح أن والدتها فعلتها وماتسمعه الآن هو صوت اقدام مؤجرها الجديد؟ ام ان الشقة مسكونة ب الأشباح!! لقد وضحت الرؤية هذا ما جعل والدتها تصر على ترك الشقة ومغادرتها إلى منزل شقيقتها..
اختبأت فريدة بالخزانة خائفة، تلعن الحظ.. وتتمتم بسرها
_سلام قول من رب رحيم..سلام قول من رب رحيم
=-=-=-=-=-
_وهو احنا كل م نيجى نقعد معاك ياض تبقى ماسكلك كتاب وشغال قراية فيه ؟
اردف بها شادي ممازحاً صديقه حامد أثر جلستهم سوياً، ف اردف حامد
_أولا ًيا ابو جهل ، دى ثقافه.. ثانيآ يا عم شادى خليك انت فالمكرونة والبطاطس
والوجبات السريعه الى مبتفهمش فحاجة غير فيها، وخلينى انا اقرا
وضع أمير يده على الكتاب وأنزله واردف له
_طب خلى القرايه بعدين يا حامد وخليك دلوقتى معانا ياعم
_ اصل الكتاب ده بجد شاددنى اوى، عايز اعرف اخره
تعجبت منه، أرى ان الكتاب بالفعل حائز على كل تفكير صديقي حامد فسألته
_ هو عن ايه ؟
_ده كتاب " شمس المعارف" تاليف احمد البونى، هو عن الجن والسحر بس خطر جداً
كان فيه لقاء فالتلفزيون من اسبوع وكانو بيتكلمو عنه ان كبار الكتاب بينصحو الناس بعدم قرأته
بس طبعآ معظم الناس زى حالاتى كان نفسهم يعرفو فيه ايه عشان الناس تحذر كده محدش يقراه
قررت اشتريه، مستورد والله لأنه ممنوع ينزل في مصر، ومن ساعه م جبته
مبطلتش قرايه فيه
الفضول وحب الاستطلاع تملكوني، أردت أن اعرف ماهذا الكتاب العجيب وماذا يحوي ف انا مولع بقراءة الكتب مثله ف أردفت له
_ممكن بعد م تخلصه، استعيره ؟
ف اردف شادي خائفاً
_ياعم بيقولك سحر وجن وبلا ازرق وممنوع قرايته!
_ لاء بجد، عايز اقراه.. يبقى عندى خلفيه عنه عالاقل
افرض فيوم طلعت فالتلفزيون بعد م رواية من رواياتى تنجح وسألوني عنه!
اقعد كده مش فاهم حاجة، مش لازم ابقى مثقف ياقفل انت
ضحكوا حامد وشادي واردف حامد
_أنا هديهولك بس خد بالك .. الل بيقراه بيبقى عارف إنه ماسك بين ايديه مفتاح جهنم !!
"يتبع"