الفصل13
خرجت من الحجز، ذاهباً الى منزلي، لم اجد والدتي ولا أسماء ولكني وجدت شيخاً بمنزلنا يقرأ القرآن برفقة أبن خالتي وشخص آخر لا أعرفه.
شعرت انني لم احتمل صوت الشيخ وهو يتلو آيات القرآن، إقشعر جسدي لم احتمل، خرجت ثانية لا أعلم إلى أين ولكن كل ما كنت اريده هو الفرار.
وجدت أبن خالتي لحق بي بخطوات سريعة وأردف
_ امير.. ! انت كنت فين ؟وحازم؟ انتو معرفتوش الل حصل لخالتي فغيابكم!
زفرت بنفاذ صبر وقلت له
_انا كنت محبوس وحازم.. إتوفى!
إتسعت حدقة عيناه ذهولاً مما سمع مني، وصرخ فوجهي يتسائل ان كان الخبر حقيقي ام لا، لم اكترث سألته
_ماما فين؟
_خالتي عندنا فالبيت جالها غيبوبة سكر، بس قولي انت كنت فالحبس ليه ؟
_انا رايح لها
امسكني من ذراعي يوقفني وقال
_ طيب تعالى اقعد ويانا ..احضر جلسة القرآن دي، انت متعرفش ان بيتكم عبارة عن جهنم من سكنة الشياطين الل فيه
مشدوهاً رددت خلفه
_شياطين!انت جبت الكلام ده منين ؟
جذبني من ذراعي وهو يدخلني عنوة لأستمع إلى جلسة القرآن ولكنني رفضت وسحبت ذراعي منه بقوة وهرولت على الدرج كي اذهب الى أمي واطمئن لحالها، ظل محدقاً بي دون أن تنفرج شفتاه وكأن هناك اعين بظهري تريني شكله بوضوح.
=-=-=-=-
ذهبت إلى أمي واخبرتها ب ان حازم قد توفى! لم اصدق مشاعرها وبكاءها الحار حينما علمت، برغم أنه اتعبها كثيراً منذ ولادته، ولكن هي أم والابناء دائمآ قطعة من القلب مهم صنعوا.
اخبرتها إنني سأقيم له عزاء فور استلامي الجثة ودفنها، ربتت على كتفها وقبلت رأسها وانصرفت.
رأيت اسماء لأول مرة تنهار وكأنها ستموت بعده من شدة تعلقها به رغم أنه كان شديد الجفاء والقسوة في المعاملة معها، تركت ساحة البكاء هذه واتجهت إلى وجهتي كعهدي وحيداً!
=-=-=
" ياايتها النفس المطمئنة.ارجعي الى ربك راضية مرضيه، ف أدخلي فى عبادي وأدخلي جنتى "صدق الله العظيم
كان العزاء خاوياً من البشر، فقط عدد ضئيل من الناس قد حضروا، من الواضح ان حازم كان مكروهاً لهذا الحد، كان المقرئ يتلو القرآن على مسامعنا بصوت عالِ في مكبر الصوت، وكلما سمعت حرفاً كنت اشعر بأنني أريد إسكاته، أريدُ ان اصعد إليه واكسر مكبر الصوت هذا واقوم بطرده.
جسدي يتشنج، اعصابي مشدودة، شعر جسدى كله واقفاً، شعرت ب أنفاسي لاهثه
، لاحظني ابن خالتي واقترب مني قائلاً
_ البقاء لله ي امير
_سبحان من له الدوام
_زعلان طبعآ..ده اخوك وتؤامك
_هو طول عمره ميت بالنسبة لنا ..مش فارقه
_هو انا ليه حاسس انك واقف مش مرتاح وكأنك عايز تمشي!
حاولت تصنع انه شيئاً عاديا ً فباغتني مردفاً
يبقى كلام الشيوخ صح، انت فعلاً مخاوي ياامير؟؟
_مخاوي ؟! ازاي يعني
_يعني مصاحبك جن ؟
ارتبكت وقلت متلعثماً
_جن ! لا طبعآ ليهشايفنى عيونى حمرا، ولا سناني شكلهم اتغير مانا عادى اهو
بص بقا من الآخر، احنا بقالنا 4 ايام كل يوم بنجمع الشيوخ ونقرا فبيتكم ب الكام ساعه
بيتكم كانت سكناه شياطين كتير والعياذ بالله وواضح انهم حد استدعاهم لسكنه البيت
هو على حق ولكنني س أنكر خوفاً من فقدان فريدة مرة ثانية للأبد
_يعني إيه حد استدعاهم، هو احنا شغالين فالزار!
ابتسم ابن خالتي ساخراً واردف
_وعارف إيه كمان، قالوا انك انت السبب! هما مرتبطين بيك انت
نهضت واقفاً اصيح في وجهه محاولاً ضلاله عما توصل
_ انت بتقول ايه؟
اكمل هو رسالته التي يريد توصليها الي وكأنه لايراني ولايرى ردة افعالي هذه
_احنا تقريبآ طهرنا البيت من كل الى فيه .. والحمدلله اعانا الله اننا نخرجه
وفيه ميه بزيت كافور وملح وعليها شوية حجات مقرى عليها دى هتترش فكل ركن فالبيت كل يوم مع تشغيل سورة البقرة، بس لسه فاضل حاجة
وكأنني قرأت افكاره وعلمت ماذا يريد قبل ان يتفوه بها ف اردف هو
_الل سكان جواك انت !! لازم يطلع
_انت بتقول ايه ؟ انا سامعك من الصبح وسايبك تحكي بمزاجك
_متكابرش يا امير..لازم يخرج منك والا الشيخ خيرى قال انه هياخد روح وممكن تموت
قلت في لامبالاه
_اموت!! مش مهم، انا عايز اموت
_بص.. كابر براحتك بس احنا مش هنسيبكم تاني ..لا انت ولا خالتي
تحجث بثقة اربكتني! هل سأفتقد فريدة قبل ان اعرف القاتل وأريح روحها الموجوعة؟ ام ستأخذ هي روحي وسنكون معاً ىلابد!
-=-=-=-
صعدت الى منزلي افكر فيما اخبرني به ابن خالتي، كنت منزعجاً للغاية.. عقلي مشتت من التفكير
سيحرموني منها للأبد إذا ظلوا على هذا الحال. انتظرت على فراشي انتظر فريدة ككل يوم، فروحها تأتي ليلاً وتختفي نهاراً كما اعتدت..
سمعت صوت طرقات على الباب، انتبهت ونهضت متعجباً ياتُرى من سيكون؟!
فتحت الباب ووجدت والدة فريدة تقف أمامي!
تعجبت من حضورها، فهي لاتعلم بخبر وفاة اخي، ادخلتها وبعد السؤال عن الأحوال، مدت يدها لي بكيس بلاستيكي يحتوي على أوراق واردفت
_فريدة جاتلي فالمنام، بتدور على ورقة فيها حاجه مهمة.. وانت عارف يابني انا مبعرفش اقرا
ف انا جبتلك كل اوراق فريدة الل كانت في أوضتها تقرا واحدة واحدة لحد م نوصل للي هي عايزاه.. ممكن يا أبني؟
تعرقت جبهتي، شعرت بقلبها المكلوم مثلي حزناً على فراق غاليتنا، امسكت منها الاوراق وبدأت في قرأتهم واحدة تلو الأخرى.
-=-=-=-
_أنا اسف اني طلبت اقابلك دلوقت.. بس انا محتاج مساعدتك لان انت الوحيدة الل معاك حل اللغز
اجابت دعاء على جملة الطبيب ايمن الاخيرة قائلة
_ وفاة فريدة مش لغز ولا حاجة ..
_لما تكون مقتولة بقالها من فترة.. . وانت متتكلميش غير من كام يوم اكيد ده وراه سر
عقدت ساعديها امام صدرها وقالت
_طيب وانت هتعمل ايه بالحقيقة ؟ القضية اتقفلت واتضح ان حازم الل قتلها
تنهد ايمن وقال
_حازم مقتلهاش.. حازم سرق الفلوس وهرب وسابها عايشة !
عقدت دعاء حاجباها واردف متعجبه
_ وانت عرفت منين ؟ مافيش حد كان معاها اليوم ده
لا استطيع كتمان السر اكثر من ذلك، أود ان اعرف الحقيقة كي يستريح مريضي
_عشان فريدة بتظهر لامير وبتقوله كل حاجة !
هبت دعاء واقفة غير مصدقه حتى ان انقلب كوب الشاي من يدها على الأرض، قام ايمن بتهدئتها وقص عليها مايعرفه، واخبرها ب انه مجرد طبيب نفسي لحالة مثل جميع حالاته وهو ليس وكيل نيابة ليحقق بجريمة قتل، ولكن بعد استدعاء روح فريدة ف هناك خطر عليه ان لم نحرر روحها ونعيد إليها حقها قبل ان تقنع أمير بالانتحار!
وايضاً استشهدت ب شاهد على حديثي ان فريدة قُتلت بسكين فاكهة من سكاكين منزلهم، اي ان هناك شخص آخر هو من فعل الجريمة بعدنا رحل حازم.
_انا هقولك كل حاجة اعرفها، مش عشان انا خايفه منك
انا ماليش صلة بالموضوع، بس عشان ارتاح بقى لانها مش سايباني فحالي
صعق ايمن حينما علم انها تظهر ل دعاء، ولكن دعاء عدلت له الفكرة ب انها تراها في صورة كوابيس ليس إلا.
_قولي يادعاء.. وتأكدي كل الل هتقوليه ده مساعدة لامير يرجع لحالته الطبيعية
وصاحبتك يجيلها حقها !
بدأت دعاء ب إفراغ مافي جعبتها حتى تستريح وترتاح روح فريدة الغاضبة منها.
كانت في هذا اليوم فريدة تجلس بمفردها دون والدتها وشقيتها لأنهم كانوا عند الخالة كوثر وسينامون هناك الليلة.
لم تذهب معهم فريدة لأنها كانت قد تشاجرت مع امير وكانت في مزاج سئ، وقتها اتصلت بدعاء كي تقيم الليلة معها وتذهب إلى منزلها في الصباح، ترددت دعاء وبعدها وافقت نظراً لانهما يقيمان في نفس الشارع، اي انهم جيران وأصحاب.
ذهبت إليها واحضرت منامتها معها، قصت لها قصة شجارها مع أمير ودعاء عقبت على الأمر ب ان فريدة متسرعة وهي المخطأه، ولأن فريدة كانت بمزاج سئ هذا اليوم، نهرت دعاء بشكل سخيف حتى شعرت دعاء بالاحراج ف ارتدت ملابسها وتركتها وحيدة عائدة إلى منزلها تشعر بالضيق منها.
وبعدها كانت تقف بشرفة غرفتها ف رات حازم واعتقدت انه امير، ففكرت بهما تفكير غير محمود لأن الوقت كان متأخراً وفريدة بمفردها، اي ان الشيطان ثالثهما!
شهقت دعاء عندما رأته وتغيرت بعيناها صورة فريدة إلى الابد.
=-==-=-
انزلت الاوراق محطماً النفس باكياً، كانت فريدة تدون يومياتها بالتفصيل كل يوم وتصف ماتشعر وكأنها تعطي لنفسها جلسة نفسية عند طبيب نفسي، وعندما تنتهي تقوم بطي الأوراق ووصعهم في دفتر ودسهم ب درج مكتبها.
ما ابكاني هو انها كانت محطمة للغاية، لم تكن يد واحدة هي من قامت بقتلها! كلنا قومنا بقتلها دون انسانية.
بكت أمها وقصت لي رؤيتها بها وما قاله الشيخ، اردفت هي بصوت يكاد مسموعاً
_ انا عرفت دلوقتي ليه يابنتي بتقولى خدي لي حقي من ابويا، كلنا ظلمناها وانت يابني الوحيد الل كنت حنين عليها وبتسعدها،الله يرحمك يابنتي الله يرحمك
مسحت عيناء إثر بكائي واردفت لها انني اريد ان اعرف كل شئ حدث معها منذ يوم مقتل فريدة حتى يومنا هذا.
اومأت السيدة زينب ب رأسها بالايجاب وشرعت في اخباري كل شئ.
-=-=-
مرت الليلة، نويت السهر على كتابة رواية شمس ديسمبر التي تلخص قصتي مع محبوبتي فريدة، ولكني اشعر ان هناك حلقة مفقودة.. حلقة ضائعة مني لم استطع ان استدل عليها كي تكتمل الرواية ، وفي الصباح ذهبت لاحضار امي بعدما تم تطهير المنزل من الجن والعياذ بالله.
لم يحدث شيئاً آخر غير عادياً، وانا لم اعد اقرأ بالكتاب فهو مع حامد الآن، الشئ الوحيد الذي مازال قائماً هو ملازمة ؤوح فريدة لي، وهذا الأمر لم اخبر به احد الا ايمن.
عدت مرة ثانية اعتني ب أمي وارافقها اليوم ب أكمله كالسابق حتى ورضى عني وتتحسن حالتها.
جلست بجانب امي استمع إلى التلفاز فنودي إلى صلاة المغرب بالمسجد الملاصق لنا، فقامت أمي بخفض درجة صوت التلفاز الذي كان يذيع خبر منتج شهير يدعي "عزت حنفي"
اثر حادث اليم بسيارته، وفجأة ظهرت فريدة بجانبي واردفت بنبرة مخيفة
_ انا الل قتلت عزت حنفي!