في المقهىٰ..
أجلسُ وحيدًا أرتشِفُ الوقتَ،
وأرسِمُ من الفراغِ دوائرَ،
وأصنعُ من ملامُحِ العابرينَ صَديقًا أثَرثِرُ معَه في اللّاشيء،
أسفلَ قَدَمي صحيفةٌ مُمَزقةٌ،
مكتوبٌ عليها "سيَفنىٰ العالَمُ بعدَ حِفنةٍ من الوقتِ"،
ونَعيٌّ، عليه صورَتي!!
يبدو أنّني مَيتٌ منذُ عشرينَ عامًا!!
فانتفَضتُ واقِفًا، فتَحدّثَ معي عجوزّ مرَّ سريعًا،
ولم أسمعَ مِنه سوىٰ:
"لا يوجَدُ بالمدينةِ شيءٌ، إلا أشباحٌ وجدارُ الزمنِ،
أسرِع، فربّما تجِدَ مكانًا فارِغًا فيه"،
الآنَ فهمتُ؛
لماذا جيبُ مِعطَفي مُخبأٌ به ليلٌ كانَ أمِنًا منذ سنواتٍ،
سُحقًا، أينَ أنا؟!!
أنظُرُ في ملامِحِ المارّةِ، ملامِحٌ مَمحيةٌ،
أمَزِقُ رجفةَ مُسافرٍ في ليلةِ شِتاءٍ بارِدةٍ،
ارتجِفُ..
فأسقُطُ في غَفوةٍ،
ثمّ استَيقِظُ علىٰ دُخانِ النارجيلةِ يتطايرُ قاصِدًا اغتيالي،
وضحكةٍ رَقيعةٍ مِن إمرأةٍ يبدو أنّها عاهِرةٌ!!
مرّت أمامَ المَقهىٰ الفارِغِ إلّا مِنّي،
اقترَبَت كاقتِرابِ عقربٌ ينوي إغوائي،
وابتَسَمَت إبتُسامةُ الدنيا الساخِرَةُ من مريضٍ يحتضِرُ،
سألتني: أينَ "مِندي" يا "مُرقُص"؟
أجَبتُها: أتعرِفينَني؟
قالت: ومَن لا يعرِفُكَ!!
أنتَّ إبنُ اللّحظةِ، و السرابُ في زمنِ الخوفِ..
ثمّ سقَطَ منها مَنديلٌ أزرقٌ، اقتَرَبت نحوَ الأرضِ لتَلتَقِطَه، فابتلعَها ساقي، فأصبَحتُ في زِحامٍ!!
ينتظِرُ الزحامُ العبورَ داخِلَ كبوَةٍ،
والعجوزُ يبتسِمُ لي، ويموءُ برأسِه، فأشيبُ مِثلَه في لحظةٍ، ويصبِحُ المُنتظِرونَ جميعُهُم نفسَ الملامِحِ،
ثمّ فجأةً؛
أخرَجَ أحدَهُم مَنجلًا، واغتالَ الوقتَ،
فسقَطنا جميعًا في جيبٍ فارِغٍ،
يلوكَنا الزَمنُ كعَلكَةٍ تحتَ أنيابِه..!