أحيانًا تتسلل اللغة إلى صمت الغائب،
وتحاول أن تمنحه ضميرًا،
وكأن الكلمات تريد أن تقول: "ها هو موجود، حتى لو لم يُرَ."
كيف يكون للغائب ضمير؟
وكيف للغائب أن يمتلك ذاتًا بين أسطرٍ لم يخطها؟
الضمير هنا ليس حقيقة الغائب،
بل حقيقة اللغة نفسها،
قدرتها على أن تصنع وجودًا من الفراغ،
على أن تعطي للشخص الذي اختفى، صوته الخاص،
على أن تمنحه مكانًا في وعي الحاضر، رغم رفضه الوجود.
اللغة تخلق الغائب كلما أرادت،
تمنحه "هو" أو "هي"،
وتحيله من مجرد غياب مادي إلى ضمير حيّ في صفحاتنا،
حتى نحتفظ به،
حتى نتذكره،
حتى نسأله بصمتنا ما لم يسأله هو.
ربما الضمير للغائب ليس حقه،
لكنه حق للغة،
حق للكلمة،
حق للوعي أن يملأ الفراغ بما لم يُختَر من قبل.
وهكذا، يبقى الغائب حاضرًا،
ليس لأنه اختار أن يكون،
بل لأن اللغة اختارت أن تمنحه ضميرًا،
لتحفظه من النسيان،
لتبقي له صدىً في الوجود،
حتى لو كان صمته أعمق من كل الكلمات.