(قراءة فلسفية في الذات، من خلال أنثى النص)
--
مقدمة
في زمنٍ مُنهكٍ بالإجابات المعلّبة، تُطلّ "امرأة الأسئلة" بوصفها لا تشبه أحدًا. لا تُروى كما تُروى النساء، بل تُرويك بأسئلتها. وجودها ليس حدثًا، بل اهتزاز في بنية الذات. كلما اقتربت منها، اقتربت من نفسك، وكلما ظننت أنك فهمتها، انكشفت غربتك في فهمك لذاتك.
"كلما ظننتَ أنك أمسكتَ بها،
وجدتَ يدَكَ تُمسك بظلّك أنت."
هي ليست أنثى في النص، بل نصٌّ في هيئة أنثى. مراوِغة، غائبة، حاضرة، تتسلل من بين المعاني، وتتركك مشوشًا، مشدوهًا، محاصرًا بجمالٍ لا تفسير له.
أولًا: ليست موضوعًا... بل زاوية رؤية
"امرأة الأسئلة" لا تُكتب كما تُكتب الشخصيات؛ إنها زاوية نظر، عدسة تكشف القارئ قبل أن تكشف نفسها. تبحث عنها، فتجد وجهك. تعتقد أنك تحللها، فتكتشف أنك تحلّل أوهامك.
"حين تقول: 'أنا أفهمك'،
تعلمُ أنك لم تفهم شيئًا بعد."
هي تساؤل دائم: هل أحببتها لأنها تشبهك؟ أم لأنها تُريك ما لا يشبهك؟ أم لأنها ببساطة، تُريك ما لا تعرفه عنك؟
ثانيًا: الحضور المتواري... حضور عبر العطر
تغيب، لكنها تترك أثراً لا يُمحى. عطرها، حضورها، صمتها، كلها إشارات باقية في غيابٍ كامل.
"في آخر رسالة لها، كتبت:
'سأغيب كي تتعلم كيف تراني في كل شيءٍ غائب'."
الغياب هنا ليس فقدًا، بل طريقة جديدة للحضور. هي التي تُصمم غيابها ليكون لغة، وتنسحب لتفتح فيك مساحات لا يملؤها إلا الأسئلة.
ثالثًا: اللغة... سلاحٌ من صمت
لا تتحدث كثيرًا، لكنها تقول كل شيء. كلماتها فخاخٌ فكرية، وصمتها مساحة تأويل لا تنتهي. حين تصمت، تصرخ المعاني.
"حين سألتها: 'أتحبينني؟'،
أدارت ظهرها وكتبت على الحائط:
'هل يعرف البحر أنه مالح؟'"
هي لا تُجيب، بل تُرغمك على التفكير في سؤالك ذاته. وكأن وجودها امتحان للغة، واختبار لقدرتك على القراءة ما بين السطور.
رابعًا: كائن الاحتمالات
لا تُحدّ، لا تُكرَّر، ولا يمكن التنبؤ بها. هي في كل امرأة وفي لا أحد. كلما ظننتَ أنك عرفتها، تغيّرت النسخة التي تعرفها.
"في إحدى النسخ المُحتملة،
تكون قد أحبّتكَ حقًا...
لكنك لن تعرف أبدًا أي نسخةٍ قابلتَ."
هي الحياة، في احتمالاتها. تتكرر ولا تتشابه. تتغير ولا تغيب. كأنها المرايا الكثيرة التي ترى فيها وجوهًا لنفسك لم تكن تعلم أنها موجودة.
خامسًا: الصداقة... المساحة بين الأضلاع
ليست عشيقة فحسب، بل صديقة الروح. تفهمك دون أن تقول، وتُربكك بصمتٍ أكثر من أي صراخ.
"ذات ليلة، أرسلتْ إليك ورقةً فارغة،
فبكيتَ لأنك عرفتَ فجأةً كل ما لم تُخبرك به."
الصداقة هنا ليست مشاركة كلمات، بل اشتراك في الأسى، في الخيبة، في الأمل الصامت. هي تلك الورقة البيضاء التي تقول كل شيء لأنك صرت أنتَ القارئ الوحيد لها.
خاتمة: الظل الذي يصنع الضوء
هي بداية الأسئلة، ونهاية الإجابات. لا تُختزل، لا تُدجّن، لا تُلخّص. هي الكائن الذي يُربك الثبات، ويهزّ يقينك لتكتشف أنك أنتَ أيضًا... سؤال.
"في النهاية،
ستكتشف أن 'امرأة الأسئلة'
لم تكن سوى ذلك الجزء منك
الذي ظلَّ يسأل:
مَن أنا؟"