الهدنة… ليست مجرد توقيع على ورق أو إعلان رسمي، بل هي فرصة للنجاة، لوقف القتل، ولإيقاف نزيف الدم الذي لا يرحم كبيرًا ولا صغيرًا. إنها فرصة للسلام، فرصة للمدنيين لاستنشاق هواء الأمان ولو للحظات، فرصة للإنسان ليشعر بأن الحياة لم تنته بعد. في قلب السودان، حيث الحرب تركت آثارها على كل حجر وكل شارع، تأتي الهدنة كنافذة صغيرة للراحة، لتفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية، ولتعطي فرصة للقلوب لتستعيد هدوءها وسط الدمار.
لكن الهدنة وحدها ليست كافية. السلام الحقيقي يحتاج إلى شيء أكبر: وفاق وطني يقوم على محبة صادقة للوطن، وتلاحم بين السودانيين، إدراك بأن الوطن أكبر من أي خلاف عابر. يبدأ في قلوب الناس قبل أن يُكتب على الورق، ويترجم إلى أفعال، مثل نزع سلاح الميليشيات، وبناء مؤسسات قضائية مستقلة وأجهزة أمنية مهنية تحمي الجميع، وإرساء آليات تمنع الفوضى وتحمي المدنيين. كما يجب أن ترافقه آليات رقابية حازمة تضمن جدية الالتزام من جميع الأطراف المتحاربة، وفي مقدمتها القوات العسكرية الفاعلة على الأرض، بما فيها قوات الدعم السريع، التي أثبتت تاريخها ضعف الالتزام أحيانًا، مما يهدد هشاشة السلام، مع ضرورة وجود ضغط دولي حازم يضمن احترام جميع الأطراف لبنود الاتفاق.
ولا يمكن لهذا السلام أن يتحقق إلا إذا أصبح المواطن السوداني جزءًا لا يتجزأ منه: أن يرفض العنف، ويقف سداً منيعاً أمام الفوضى، ويشيّد جسورًا من التلاحم بين الناس، ويشارك بوعي ومسؤولية في حماية الحياة والكرامة. كل فرد هو حجر في بناء السلام، وشريك حقيقي في إعادة الأمان والثقة للمجتمع.
السلام اليوم هو بداية لمسار طويل نحو مستقبل مستدام، يثبت أن السودان يمكن أن يكون أرضًا للسكينة وسماءً للأمل، إذا عملنا معًا بكل صدق ووعي لنسقي بذرة سلام الغد.





































