هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نجلاء لطفي
  5. عشقت أجنبيا - الجزء الثاني

الفصل الثالث

مضت حياتي مع وليد على نمط واحد في الصباح نذهب للجامعة لحضور محاضراتنا ، وأعود بمجرد انتهاء محاضراتي لإعداد الطعام وترتيب البيت ومذاكرة محاضراتي ،حتى يعود وليد ونتناول الطعام  معا ثم يتوجه لغرفته لينغمس في مذاكرته. كنت أدخل حجرتي وأجلس أتأمل حياتي التي يحسدني عليها الجميع مع الشاب الوسيم الثري ابن العائلة الكبيرة ، وأضحك كلما تذكرت وصية والده بضرورة إنجاب الحفيد وإلا ألقوا بي في الشارع من حيث جئت. كم أتمنى أن أرى والده وأخبره أنه يتعذر إنجاب الحفيد لأنه لا يمكن الحصول عليه بالمراسلة عبر الواتس آب. في البداية كنت أظن أن وليد غير معتاد علي بعد ، لكن بعد فترة أدركت أنه يتجنبني بقدر الإمكان لسبب ما لا اعرفه. بقدر ما كان ذلك فيه امتهانا لأنوثتي وكرامتي ، إلا أني شعرت بالراحة لأني مجبورة عليه ولكنه حتى لم يبذل أي مجهود لتحطيم الجدار العالي بيننا ولم يسمح لي بالاقتراب حتى من ذلك الجدار بل كان يزيده صلابه يبعده وانعزاله. كنا نسكن في بناية متعددة الطوابق في أحد الشوارع الجانبية فكنت أطفئ الأنوار وأجلس بالقرب من النافذة أشاهد جيراننا في البناية المقابلة التي لم تكن تبعد عنا كثيراً لأتسلى بهم في مجتمع بارد العلاقات. تعرفت على الجميع ففي الطابق الأول تسكن عجوز وحيدة مع كلبها وقطتها وتزورها فتاة يوم في الأسبوع للتنظيف ،وفي الطابق الثاني تسكن مجموعة من الفتيات اللاتي يتشاركن في الشقة و هن دائما صاخبات ، إما يتشاكسن أو يتناولن الطعام أو يقمن حفلات. كم كنت أحسدهن فأنا لم يكن لي يوماً أخت أو صديقة فسمعة أبي كانت تجعل الآباء يخشين على بناتهن مني ومن دخول بيتنا ،كما كانت الكثيرات يغرن من جمالي الذي كان بمثابة لعنة لي في كل مراحل حياتي. كم كنت أتمنى أن أشارك هؤلاء الفتيات في حياتهن وصخبهن ومرحهن وحكاياتهن ،لكنها تظل أمنيات.

أما في الطابق الثالث فلم يلفت نظري سوى ذلك الضخم الذي يبدو وكأنه أحد المصارعين بذلك الوشم على كتفه وتلك البنية الضخمة ، ورغم ذلك كان زوجا محبا لزوجته فبمجرد دخوله للبيت في المساء يغمرها بقبلاته هي وابنته الصغيرة ، ويجلس للطعام ويطعم زوجته وابنته قبل أن يأكل هو. تعجبت من سلوكه فهل يوجد من يفعل ذلك؟ هل هناك حب حقيقي في عالم المصالح والمنافع فقط؟ كم كان يغمر زوجته بحبه حتى أني كنت أخجل من مشاهدتهما وأسرع بإغلاق نافذتي ودقات قلبي تتلاحق ،فكم أحلم بزوج مثله يعوضني الحب والاهتمام والحنان المفقودين في حياتي.  تظل الأحلام جميلة وهي وحدها من تجعلنا نتحمل الواقع المختلف المفروض علينا ،فقدري أن أحلم بالحب والاهتمام بينما واقعي يفرض علي أن أحيا مع رجل بلا قلب ولا مشاعر ،مجرد آلة مُبرمجة لأداء بعض المهام.

تعرفت خلال دراستي على زميلة أردنية جاءت مصاحبة لزوجها الذي يعمل ويدرس هنا أيضاً ، فسعدت بالتعرف إليها فكنا نقضي معظم أوقاتنا معا ،حتى أنها كانت تصطحبني معها للمركز الإسلامي لحضور بعض الدروس الدينية ،كما أنها كانت متطوعة لتحفيظ النساء والأطفال القرآن. أخذتني ميسون لعالم  آخر لم أكن أعرفه وعلمتني أن نجاتي في القرب من الله ، فبدأت في الصلاة بغير انتظام لأن الأمر كان شاقاً جدا لكني كنت أقاوم نفسي وأحاول أن أنتظم في صلاتي ليس من أجل ميسون ولكن من أجل نفسي فقد كنت أشعر بالراحة وأنا أقف بين يدي الله أدعوه أو أستغفره أو أشكو إليه. لاحظ وليد أني بدأت أصلي فقال لي ساخراً:

-أخشى أن تنضمي في النهاية للجماعات المتطرفة الإرهابية.

فقلت بنفس اللهجة الساخرة:

-أخشى أنك تسير في الطريق الخاطئ فالقرب من الله ليس تطرفاً وليس مجالاً للسخرية.

فزاد من تهكمه وقال:

-بركاتك يا مولاتنا

فقلت له بجدية:

-ليتك تعلم أنه فاتك الكثير في بعدك عن الله.

فقال باحتقار:

-هل تريدين أن تخبريني أنك طاهرة وعفيفة؟ كلكن عاهرات

آلمتني الكلمة جدا ، لكني أدركت أن فكرته تلك تكونت بسبب عدة خبرات سيئة.

خلال تلك الفترة زاد التقارب بيني وبين ميسون وحكيت لها عن حياتي مع وليد وأنها جافة خالية من المشاعر فمنحتني خلاصة تجربتها الزوجية ونصحتني كيف أذيب الجليد بيننا وأن هذا دوري كزوجة وليس عيبا أن أبذل جهدي لأحبب زوجي في.  فكرت في كلامها ووجدت أنها محقة فصرت أتقرب من وليد وأزيد فترة مكوثي معه وحديثي إليه فكنت أحكي له أي شئ حتى أجعله يشاركني حياتي ،كما غيرت شكل ملابسي في البيت فارتديت الملابس القصيرة التي تظهر مفاتن جسدي بألوان صاخبة لعلها تحرك الراكد في علاقتنا ولكن بلا فائدة فكان يصرعلى الهروب مني.

حتى ذات يوم حضرت كعادتي قبله وأعددت الطعام ورتبت المنزل ودخلت لأغتسل لكني نسيت ملابسي في غرفتي فخرجت وأنا أغطي جسدي بالمنشفة لعلمي أنه ليس بالبيت لكني فوجئت به في وجهي فوقفت مرتبكة وأحاول أن أخفي جسدي بيدي فنظر إلي متفحصاً جسدي ثم قال بغضب:

-ما زلتي مصرة على إغرائي بطريقتك الرخيصة؟ كنت أظنك مختلفة لكنك عاهرة مثلهن ولا تسعين سوى وراء المال ورغباتك.

ثم جذبني بعنف من ذراعي نحو غرفته وقال بحدة وسخرية:

-سأمنحك ما تريدين لكن لا تندمي بعد ذلك

الصدمة أفقدتني القدرة على الكلام أو المقاومة ، فنزع المنشفة  وألقى بي بقوة على السرير وراح يغمرني بقبلات عنيفة وكأنها عقاب لي على أني تخطيت حدودي معه. بدأت يداه تعبث بجسدي وخلع ملابسه وحاول معي بكل قوة وعنف ولكنه فشل. بعد أن يأس من المحاولة صفعني بقوة ودفعني من على سريره وقال بحدة :

-اخرجي حالاً

خرجت وأنا أستر جسدي بالمنشفة ودخلت الحمام أغتسل وأنا أبكي بانهيار لعلي أغسل آثار يده عن جسدي.

بقيت في الحمام أغتسل حتى تمالكت نفسي قليلاً وأدركت الحقيقة الغائبة عني أن وليد عاجز جنسياً لذلك اشتراني والده بماله لأني لن أجرؤ أنا أو أهلي على فضحه أو طلب الطلاق ،كما أن والده شدد على ضرورة إنجابي لينفي عن ابنه ذلك الاتهام.

خرجت من الحمام واتجهت لغرفتي مباشرة ارتديت ملابسي وجففت شعري وصليت وبكيت كثيرا بين يدي الله ودعوته أن يلهمني الصواب ،ثم دخلت سريري وتدثرت بالغطاء السميك وبكيت حتى خارت قواي وغرقت في النوم. رأيت نفسي في بحر عميق ومظلم وأنا أغرق بين موجاته وليس معي سوى وليد الذي تخلى عني وتركني أغرق ،حتى أني لم اعد قادرة على الصراخ فاستسلمت للغرق لكن يد قوية امتدت إلي لتنقذني وبمجرد خروجي واستنشاقي للهواء استيقظت.

بقيت عدة دقائق بالسرير حتى استوعبت أنه كان مجرد حلم، لم أستطع النهوض بسبب آلام في كل جسدي لكني تمالكت نفسي ونهضت وبمجرد أن نظرت في المرآة فوجدت كدمة زرقاء في وجهي أثر صفعة وليد لي. قررت ألا أذهب للجامعة اليوم فآلام جسدي ووجهي كانت شديدة. انتظرت قليلاً حتى تأكدت من خروج وليد ودخلت المطبخ لأعد لي إفطار وكوب من الشاي ثم اتصلت بميسون لأخبرها أني مريضة ولا أستطيع الحضور اليوم. تناولت إفطاري ثم بحثت في حقيبتي عن الدواء المسكن للآلام وتناولته. نهضت متكاسلة من مكاني وجلست في حجرتي وأنا أحمل كوب الشاي وتأملت المبنى المقابل لي فوجدت معظم شققه خالية ماعدا شقة السيدة المُسنة وشقة الرجل الضخم فلم تكن بها سوى زوجته التي أعطت لابنتها دواء نامت بعده ثم جاءها رجل ودخل شقتها وفوجئت به يقبلها وتصطحبه لغرفة نومها لتمارس معه علاقة آثمة في غياب زوجها. أسرعت بإغلاق النافذة فأنا لم أعد أرغب في رؤية المزيد من هذا العالم القاسي الغريب. تعجبت من خيانتها لزوج محب لا يريد سوى رضاها، لماذا يبحث الإنسان دائما عما لا يملك متجاهلا ما يملك؟ لماذا يطمع الإنسان دائما في المحرمات وهو يظن أن فيها سعادته؟ فلو كان فيها السعادة ما حرمها الله.

شغلت نفسي بالبحث عن العجز الجنسي لدى الرجال وأسبابه وعلاجه، واكتشفت أنه قد يكون بسبب عيب دائم أو بسبب مرض يمكن علاجه ،والأخطر لسبب نفسي، وتساءلت بيني وبين نفسي ترى وليد أيهم؟ أعتقد أنه يعاني من العجز لسبب نفسي فهو انطوائي قليل الكلام ،ليس له أصحاب يتحدث معهم ولا زملاء دراسة. أرهقني التفكير مع آلام جسدي فقررت أن أستسلم للنوم لعل فيه راحتي. استيقظت وأنا أشعر ببعض الراحة فقررت أن أنزل لأتسوق وحجابي وغطاء الرأس الخاص بمعطفي كفيلين بإخفاء العلامات على وجهي. نزلت ومشيت في الشوارع بلا هدف وشاهدت واجهات المحلات وعندما استنزفت طاقتي ذهبت للمحل المجاور لبيتي واشتريت بعض ما ينقص البيت.

بمجرد عودتي فوجئت بعودة وليد مبكرا والغضب يسيطر عليه وكأنه بركان على وشك الإنفجار فقال بغضب:

-أين كنت؟

فقلت ببرود:

-أشتري احتياجات البيت

فقال بحدة :

-كل هذا الوقت؟هل تظنيني غبي؟

ثم أمسك بذراعي بعنف وقال بصراخ:

-أين كنت؟ هل كنت مع رجل أخر يشبع غريزتك؟ هل ظننت أني ضعيف وسأتقبل خيانتك؟

نزعت يدي من يده وقلت بحدة:

-أنت مجنون وتحتاج لعلاج نفسي، ولست أنا من تخون ، ورغم عنفك وعجزك وقسوتك لن افعل ذلك، ليس من أجلك فأنت لا تستحق ولكن لأني أخاف الله.

فنظر إلي للحظات ثم قال بحدة:

-لا تنسي  أنك ملكي اشتراكي أبي بماله

فقلت ساخرة:

-الآن فقط علمت لم أختارني، ليضمن أني لن أفضح السر فالمال الذي دفعه ليس بقليل، ولكن تذكر أنك تملك الهيمنة على جسدي فقط ولكنك لا تملك الهيمنة على قلبي وروحي.

 رأيت الذهول على وجهه فهو لم يتوقع ثورتي فانصرفت ودخلت غرفتي وأغلقت بأبي وبكيت وقد أدركت أن السعادة ليست قدري.

نزلت الجامعة في اليوم التالي وبمجرد أن رأتني ميسون شهقت متعجبة وسألتني ماذا حدث؟ فاخبرتها أني سقطت في الحمام، سكتت ولم تجب ولكن يبدو أنها فهمت ما حدث فقد ظهر الحزن جليا في عينيها.

واصلت حياتي مع وليد وقد أصر على أن أخبره بكل خطواتي بل أنه وضع برنامج تتبع على موبايلي ليعرف مكاني باستمرار حتى لا أخونه كما يظن. مسكين لا يدرك أن المرأة عندما تقرر الخيانة لن يستطيع شيئاً أو أحداً أن يوقفها، فها هي زوجة الجار الضخم رغم كل حبه واهتمامه ورعايته لها لكنها تخونه في بيته وعلى فراشه ثم تعود ليلاً وتمثل الحب عليه. وافقت وليد على رغبته ولم أعترض لعله يرتاح، حتى جاءت أجازة أعياد الميلاد وظننت أنه سيستغل الفرصة لينزل إلى مصر ليرى أهله لكنه لم يفعل ولما سألته ألا يرغب في رؤية أهله فأجاب أنه لا يرغب في رؤية أحد فوالده مشغول بأمواله ونفوذه ، وزوجته ليست أم وليد وإنما هي زوجة أبيه ،و أخواته البنات لابد أنهن نسينه لطول غيابه.

كنت أود أن أخبره أنهن بالتأكيد يحتجن إليه لكني آثرت الصمت لأنه لم ولن يستمع إلي. في اليوم التالي أخبرني أن أستاذه المشرف على رسالته دعانا مع كل زملاؤه المغتربين لقضاء ليلة رأس السنة في بيته وعلي أن أستعد بملابس لائقة حتى لا أكون محل سخرية الجميع. كان ذلك  اللقاء بعد نحو أسبوع من الآن فأخرجت كل ملابسي التي اشترتها لي زوجة أبيه وكنت حائرة بينهم فاتصلت بميسون لعلها تساعدني فطلبت مني تجربة كل فستان وإرسال صورته على الواتس آب وفي النهاية اخترنا فستان أزرق غامق ومعه غطاء رأس باللون الفضي وحذاء بنفس اللون وتذكرت المعطف الذي سخر منه وليد لأنه من الفراء وليس عملياً فأدركت أن هذا وقته.

في يوم الحفل قررت أن أبهره هو والجميع فوضعت القليل من مساحيق التجميل التي أبرزت جمالي وبمجرد خروجي من غرفتي رأيت علامات الانبهار على وجهه لكن سرعان ما أخفاها وقال متهكماً:

لا بأس -

خرجنا معا لأول مرة منذ زواجنا في مناسبة اجتماعية وكان علينا أن نبدو أننا زوجين سعيدين فأجدنا التمثيل بمجرد أن وصلنا لبيت الأستاذ چورچ الذي يبدو عليه الفخامة ورغم ذلك كل شئ فيه قيم لكن بسيط وفي المكان المناسب له، أعجبني أن الاجانب رغم ثراؤهم لا يكتنزون أشياء لا لزوم لها مثلنا ولا ينفقون الكثير من المال على البذخ إنما كل قرش يُصرف في مكانه الصحيح، فليس لديهم دواليب لأشياء لا يستخدمونها مثل (النيش المصري) الذي نكنز فيه أطباق وأكواب وكؤوس لم ولن نستخدمها يوماً ولي لديهم غازات وورود لا داع، ولا صور تغطي البيت كله. بمجرد دخولنا البيت بدأ رحب بنا الأستاذ وزوجته وعرفت أنهما لم ينجبا لذا يعتبر طلبته أبناؤه ويحتفل معهم كل عام بالعام الجديد ،ثم بدأ التعارف بيننا وبين زملاء وليد وزوجاتهم، إن كانوا متزوجين،فسرعان ما اندمجت مع الجميع وعرفوا أن دراستي متخصصة في تعليم أطفال الحضانة وبدأت الأسئلة عن كيفية تعارفنا فأخبرتهم أنه زواج يدبره الأهل. تناقشنا في عدة موضوعات وعندما حان وقت الاحتفال أمسك وليد بيدي وأبقاني بجانبه ثم قبلني في وجنتي كما تقتضي العادة ثم بدأ الاحتفال وتناول الطعام وعندما وجد البعض بدأ في تناول الخمر استأذن أستاذه وانصرفنا، شكرنا الأستاذ جداً وقال لنا أن بيته مفتوح لنا أي وقت، ثم قال لوليد أن الجميع يحسدونه على جمالي ولباقتي.انصرفنا ولم يتحدث وليد بأية كلمة حتى وصلنا شقتنا ثم قال بسخرية:

-الجميع يحسدونني على زوجتي الجميلة اللبقة ويبدو أني وحدي من لا أقدر النعمة التي بين يدي

لم أجبه إنما دخلت حجرتي وأغلقت بابها وبدأت في تغيير ملابسي وفجأة فتح وليد الباب واقتحم الغرفة فوجدني بملابسي الداخلية فقال متفحصاً جسدي:

-لقد كنت في انتظاري إذاً؟

فلم أجب إنما ظهر الذعر على ملامحي وتراجعت للخلف وجذبت المنشفة أغطي بها الظاهر من جسدي، فجذبها بعنف بيد ووضع الأخرى على خصري وقربني إليه وقال بغضب:

-دعيني أرى ماذا أعجبهم فيك وأنا لا أعرفه

وكرر نفس المأساة السابقة في التعامل معي بعنف وعندما حاولت صده صفعني بشدة فاستسلمت له ودموعي تنهمر وهو لا يبالي ، وفي النهاية فشل مرة أخرى فصرخ غاضباً:

-لا ارى فيك إلا حجر يخلو من الشعور وحتى الأنوثة ، أنت مُزيفة ككل النساء وحقيقتكن لا تظهر للناس.

وتركني وخرج وصفع الباب خلفه وأنا أرتجف من الذل والامتهان وشدة البكاء. لم أخرج حتى لأغتسل خوفاً من أن ألقاه مرة أخرى إنما دخلت سريري ونزعت ملاءته التي شهدت إهانتي وانتهاكي وتدثرت بغطائي وأنا أطلب من الله الموت لأرتاح من حياتي التعيسة.

في اليوم التالي خرج وليد مبكرا رغم أن الجميع في أجازة إلا أنه لم يستطع البقاء في البيت. نهضت واغتسلت وشغلت نفسي بتنظيف وترتيب البيت وإعداد الطعام وعندما عاد وليد من الخارج دخلت غرفتي وأغلقت الباب ولم أعد له الطعام وشغلت نفسي بالبحث عن موضوعات وأبحاث متعلقة بدراستي لأستفيد منها أكثر. كذلك اخترت عدة كتب لتحميلها على اللاب توب لأقرأها طوال مدة الأجازة.

مضت أيام الأجازة ببطء وعندما وجدت وليد لم يخرج من البيت ارتديت ملابسي وخرجت حتى دون أن أخبره وأنا أتمنى أن أضيع في هذا العالم ولا يجدني أحد فقد سأمت الناس وخداعهم، وهذا العالم المادي القائم على المصالح فقط. أفقت من أفكاري على رسالة من ميسون تطمئن علي فقد سافرت لأهلها في الأردن وتطلب مني أن أمر ببيتها لأسقي الزرع وأنها تركت لي المفتاح مع صاحبة البيت. انتهزت الفرصة لأبتعد عن البيت وأفعل شئ مفيد. ذهبت إلى بيتها وأخذت المفتاح من صاحبة البيت وفتحت الباب ودخلت بهدوء لأتأمل البيت البسيط في أثاثه، المُرتب، وصورة زفافها هي وزوجها المُعلقة على الحائط فوقفت أتأملها وأنا حزينة لأني لم أجد الحب أو الفرحة إنما انتقلت من حزن لتعاسة وكأنه هذا قدري. كانت نظرات الحب بينها وبين زوجها ظاهرة في الصورة فتمنيت لهما السعادة من كل قلبي. تركت حقيبتي على الأريكة وخرجت للشرفة لأسقي الزرع كما أوصتني ميسون وعندما انتهيت سمعت قرعاً شديد على الباب ففزعت فأنا غريبة ولا أعرف احد هنا فقررت أن استجمع شجاعتي وفتحت الباب وفوجئت بوليد يندفع كالإعصار ويقول غاضباً:

-إذاً هذا منزل عشيقك الذي تسللت من البيت لتقابلينه؟ أين هو

فقلت بذهول وغضب في آن واحد:

-أنت مجنون، أي عشيق هذا؟

فقال بغضب:

-لما أنت هنا إذاً؟

فقلت ودموعي تنهمر:

-وهل ستصدقني إن قلت لك الحقيقة؟

فقال بحدة:

-لا بل سأبحث بنفسي عنه

تركني وراح يفتش الشقة ، وعندها جاءت صاحبة البيت وتساءلت عما يحدث فحضر وليد فقلت لها:

-لا شئ إنه زوجي خاف علي عندما تأخرت عليه.

فقالت  وهي تشك بنا:

-هل انتهيت من ري الزرع؟

-نعم

فقالت بصرامة:

-إذاً أرجوكما غادرا فلا يصح أن تتجولا في البيت في غياب أصحابه

اعتذرت لها وغادرنا وأغلقت الباب خلفنا.

عدنا إلى البيت  في صمت وبمجرد دخولنا قلت له غاضبة:

-احتملت إهاناتك، وعنفك ، وتجاهلك وغرورك وتذكيري كل لحظة أنك اشتريتني بمال أبيك، لكني لن أتحمل جنونك وعدم ثقتك في نفسك ومحاولتك أن تؤكد خيانتي لتثبت لنفسك أن كل النساء عاهرات كما تردد دائماً، لا تظن أني ضعيفة أو عاجزة عن التصرف لكني مازلت ألتمس لك الأعذار فلا تستنفذ كل صبري.

فنظر إلي بغرور وقال:

-أريني ماذا ستفعلين؟

فقلت بثقة لا أعرف من أين اكتسبتها:

-سأفعل الكثير ولكن في حينه، ولكن كف عن مراقبتي ووفر وقتك وجهدك فليس في حياتي أي رجل فبفضلك كرهت كل الرجال.

دخلت غرفتي وصفعت الباب في وجهه وأنا أقول لنفسي إنه حقا مريض ويحتاج لعلاج نفسي، فليس لديه ذرة ثقة بنفسه. انتهت الأجازة التي قضيت معظمها في غرفتي لأتخلص من رؤيته، فكنت أقضي وقتي بين المذاكرة والقراءة وفي الليل أجلس خلف الستائر أشاهد الجيران فلم تكن هناك سوى السيدة العجوز مع قططها فباقي السكان يقضون الأجازة إما لدى ذويهم أو في رحلات. بمجرد عودتي وجدت ميسون تسألني عما حدث فقد أخبرتها صاحبة البيت بشجار وليد معي وشكها في أننا كنا نسعى لسرقتها، فحكيت لها ما حدث فقالت لي:

-أشعر أن علاقتك بوليد منذ البداية مضطربة لكني لم أرغب في التدخل و انتظرتك حتى تخبريني بنفسك لكنك لم تفعلي ربما تعتبريني غريبة عنك لكني أعتبرك صديقة  وربما تفيدك خبراتي فإن أردت أن تحكي في أي وقت فأنا سأصغي لك ولن أبوح بسرك لأحد.

سكت قليلاً ثم قلت:

وربما لم أحك لك لأنني أخجل من حكايتي ومن ظروفي

فقالت متعجبة:

-لكل إنسان ظروفه التي قد تضطره لفعل أشياء رغماً عنه ولكن من نحن لنحاكم غيرنا؟

-سأحكي لك ربما عندك الحل.

حكيت لها حكايتي باختصار ولكني لم أخبرها أن أبي نخاس يبيع لحمه وشرفه مقابل المال وربما يعيد بيعي مرة أخرى، إنما أخبرتها أننا فقراء وأن أبي زوجني لأول عريس غني لينفق على إخوتي وحكيت لها حكايتي مع وليد وعجزه كزوج وضربه وإهاناته لي. استمعت إلى ثم قالت:

-ليس معنى أنه غني وأنك فقيرة أنه اشتراكِ بماله ففي النهاية انت زوجته ومن أول واجباته أن يعفك عن الحرام وكذلك عليه احترامك، فلا تسمحي له أن بقربك قبل أن يعالج نفسه ويبحث عن سبب علته ، ثانياً لا تسمحي له لأي سبب أن يضربك فإن فعلها فاطلبي له الشرطة فأنت لست جاريته.

فقلت بدهشة:

 -وكيف أفعل ذلك؟

فقالت بهدوء:

-في البداية تحدثي معه بهدوء أن مشكلته ربما لها علاج وأنك عندك استعداد أن تقفي بجواره حتى يتم شفاؤه، فإن لم يستجب هدديه بإخبار والده بعلته وأنه يرفض العلاج لإنجاب الحفيد الذي ينتظره وعندها سيخشى والده بل وربما والده سيتدخل لصالحك.

فكرت للحظات ثم قلت:

-لا أعلم فأنا خائفة من رد فعله وليس لي سند في هذه الدنيا

-ألا يكفيكِ أن الله معك؟

-ونعم بالله.

الفصل الرابع

لا أعرف كيف شغلت عقلي رغم أني أحتقرها فهي تبيع جسدها وروحها من أجل المال و حتى الفقر لا يمنحها العذر لتفعل ذلك. ربما ما يجذبني لها تلك البراءة الظاهرة في عينيها وسلوكها فهي ليست خبيرة كالخادمة ،وليست جريئة ك زوجتي السابقة ،إنما هي بريئة لا تعرف كيف تلمسني أو تستجيب لي وربما ذلك ما يزيد رغبتي بها. لكن كل رغباتي تتحطم في النهاية على صخرة عجزي وتجعلني أصب غضبي كله عليها و أستغل ضعفها وخوفها وخنوعها لأظهر أني أنا القوي رغم عجزي، المسيطر عليها وأنا مثلها لاحول لي ولا قوة فما أنا سوى مجرد أداة في يد أبي يتحكم فيها ويحركها كيف يشاء.

عادت بي ذكرياتي عندما كنت في الصف الثاني الثانوي في القسم العلمي وكنت أرغب أن اتخصص في الرياضيات لألتحق بكلية الهندسة ،لكن والدي أصر أن أتخصص في العلوم لألتحق بكلية الطب البيطري لأعالج حيوانات القرية ولرغبته في بدء مشروع مزرعة أبقار ويرغب أن أكون المسئول عنها. بالطبع

 لم يبالِ برغبتي وأصر على ما يريد والتحقت بكلية الطب البيطري رغم شدة كرهي للحيوانات ورائحتها.

هكذا مضت حياتي كلها وأنا مُرغم على كل شئ فيها، حتى شريكتي حياتي كانوا من اختياره وأنا كل دوري أن أقوم بالمعاشرة كالبهائم حتى أنجب له الحفيد ليضمن استمرار اسمه ونسله وجبروته. كان الإكراه حتى في الزواج وعدم مراعاة ما يناسبني في الاختيار سبباً من أسباب عجزي ربما.

كنت أكره سهيلة من قبل زواجي بها لكن ندى في البداية احتقرتها لأنها فتاة رخيصة تبيع نفسها مقابل المال ،إنما بعد ذلك بدأت أتعاطف فربما تكون مُكرهة مثلي ،ربما أرغمها أبوها ،أو أجبرتها الظروف. منذ أن دخلت حياتي وهي تبذل جهدها لإرضائي فقامت بواجبها كسيدة البيت على أكمل وجه فرتبت ملابسي ونظفت البيت وكل يوم تُعد لي طعام بيتي لذيذ ، حتى أنها أيضاً حاولت القيام بدورها كزوجة فبدأت بإغرائي. في البداية كنت أضحك على سذاجتها فمن الواضح أنها غير ذات خبرة في ذلك ، لكن مع الوقت بدأت أعتادها وأميل إليها وكنت أكره ذلك الإحساس كثيراً ، فالحب يعني الضعف والتعلق يعني الخيبة والخذلان فقد تعلقت بأمي وتركتني وحيداً أعاني مرارة فقدها في سن صغيرة، وتعلقت بمربيتي فحرمني أبي منها وعانيت بعدها آلام الوحدة والاهمال، وتعلقت بني فخدعتني واستغلت سذاجتي لتصل إلى هدفها . لذلك قررت ألا أتعلق بأحد حتى لا أعاني مرة أخرى حتى جاءت ندى وكانت بمثابة قطرة ندى نزلت على نبات جفت أوراقه فمنحته الأمل في الحياة ،لكني كنت أخشى أن تخذلني وتتركني أو أن تفرق بيننا الأيام كعادتها. كنت أعمالها بقسوة حتى لا تتعلق بي وتعلقني بها ،لكني في النهاية بشر وأمام جمالها لم أستطع المقاومة فقررت أن أنالها وبينما هي بين ذراعي مرت أمامي صورة الخادمة وسهيلة والمُربية وأبي يتهمها بالعهر ونظراتهن التي تقول أنهن قادرات وأني وحدي عاجز ضعيف ، وكذلك تجبر أبي علي وضعفي أمامه كل ذلك كان بمثابة حائط كبير يزداد علواّ وصلابة مع كل مشهد حتى تحولت رغبتي الشديدة لعجز شديد. كنت أرى في عينيها الشفقة علي وعلى عجزي فكنت أنهال عليها ضرباّ لأثبت لها أني قوي ، وفي نفس الوقت كنت أرغب أن أرمي نفسي في حضنها وأبكي وأشكو إليها حالي ربما أرتاح إن صارحت احداّ بما يجثم على صدري.

مشاعر متضاربة أثارتها ندى بداخلي وهو مالم تفعله امرأة أخرى فكلهن كنت إما احبهن أو أكرههن ،لكنها وحدها من كنت أشعر معها بالارتياح ولكني لا أظهر ذلك حتى لا تظنه ضعفا وتبدأ في استغلالي.

كنت أخشى أن تتركني بسبب عجزي وتبحث عن رجل أخر يمنحها ما عجزت عنه لذلك قررت أن أراقبها وخاصة بعد أن أبدى أستاذي وزملائي إعجابهم بها بشكلها وعقلها وشخصيتها فاشتعلت نيران الغيرة بقلبي وأدركت أني سأفقدها قريباً.

 أنا لم أمنحها الحب ولا الأمان لأني لم أعرفهما،كما لم  امنحها علاقة زوجية فلم ستظل وفية لي؟من أجل المال؟ ربما تظل معي من أجله لكني لن أضمن وفائها وأنا أريدها لي وحدي فهي ملكي أنا فقط حتى لو كنت عاجزاً عن إسعادها.

تعقبتها عندما خرجت وحدها ووجدتها تدخل ذلك البيت فجن جنوني فلابد أن هذا بيت عشيقها وأنها أتت لمقابلته. تتبعتها وبمجرد دخولها دخلت ورائها لأضبطها متلبسة بخيانتي ولكني فوجئت بها بمفردها وعندها أدركت أنها ليست كغيرها.

ثارت ثائرتها وتحولت من الهرة الضعيفة المُسكينة إلى أخرى متوحشة وقد برزت لها مخالب لتدافع عن نفسها مني. أدركت في تلك اللحظة أننا نحتاج لبداية جديدة مختلفة فقررت أن أذهب لطبيب متخصص لعلاج العجز الجنسي لعلي أنعم معها بحياة هانئة وأيضاً ليتوقف أبي عن سؤالي عن أسباب تأخر إنجابي لأول حفيد وخاصة وأن سهيلة تزوجت وأنجبت ولدين توأم.يبدو أن قدري أن اعيش العمر كله ألاحق سهيلة وإنجازاتها ودائما سيظل أبي يقارنني بها ولم أتخلص من لعنة سهيلة للأبد.

بالفعل بدأت المتابعة مع الطبيب في العلاج، ثم انشغلت عن كل شئ بمناقشة الماچستير بعد شهرين، فأغرقت نفسي في المذاكرة لأحصل على درجة الامتياز. كما انشغلت ندى بدراستها في العام الأخير لها لتحصل على شهادة البكالوريوس.

حان موعد المناقشة وحضرت ندى معي وبعد أكثر من ساعتين أعلن أساتذتي حصولي على الماچستير بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وعرضت علي جامعتي أن أبقى لأدرس الدكتوراه وأيضا يمكنني التدريس في الجامعة، كما عرض علي أحد أساتذتي أن أسافر معه للعمل في كبرى المزارع الهولندية لتربية الأبقار وبإمكاني التحضير للدكتوراه هناك.

سعدت كثيراً بالعرضين ولكني أرجأت الرد عليهما حتى أفكر جيداً. اتصلت بوالدي وأخبرته بحصولي على الماچستير فقال بجفاء:

-يكفيك غربة فلتعد أنت وزوجتك وتكمل حياتك هنا بجواري لتهتم بالأرض ومزرعة المواشي.

-لكن يا أبي..

قاطعني بحدة وقال:

-لقد قلت كلمة نهائية وأنا أنتظرك في نهاية الأسبوع.

-لا بل انتظرني في نهاية الشهر فمازال أمامي بعض الإجراءات علي الانتهاء منها.

قضى أبي على فرحتي بقراره هذا فهو مُصر على أن أحيا حياته بطريقته ولا يفكر نهائياً أني إنسان مستقل ولي رغباتي وأحلامي. انتشلني الزملاء من أفكاري عندما أصروا على إقامة حفل عشاء لي بأحد المطاعم فوافقتهم.

عدت مع ندى إلى  البيت وساد الصمت بيننا وحاولت أن أكسره فحكيت لها عن العرضين وعن محادثة والدي فقالت بتعجب:

-أنت ماذا تريد؟ كنت أحسد الرجال دائماً لأن لا أحد يستطيع فرض رغباته عليهم وكنت أظن أن الأثرياء لا يضطرون لفعل شئ لا يريدونه لكن يبدو أني مخطئة.

فقلت بتهكم:

-هل تخبريني أنك كنت مُجبرة على اشياء في حياتك؟

فضحكت بسخرية وقالت:

-لا بل قل  مُجبرة على كل حياتي ولم أختر شيئاً فيها.

فقلت لها:

-لكل إنسان ظروفه الخاصة، زملائي دعوني لاحتفال بنجاحي في أحد المطاعم هل ترغبين في الحضور؟

-لا فأنا مُرهقة جداً وأرغب في النوم.

تركتها ودخلت غرفتي وألقيت بجسدي على السرير وأنا أفكر في كلامها، المفروض ألا يختار لي أحد حياتي حتى لو كان أبي، والمفروض أن أختار أنا ما أريد لا ما يريده أبي. غفوت قليلا ثم استيقظت على صوت هاتفي فكان اتصال من أحد زملائي يذكرني بالموعد وأرسل لي خريطة المكان.فاستيقظت واغتسلت وارتديت ملابسي وذهبت لحجرة ندى وقرعت بابها فلم تجب ففتحت الباب فوجدتها غافية وجزء من الغطاء منحسر عن جسدها وكذلك ملابسها تكشف عن جزء من ساقها فشعرت بمشاعري تتحرك تجاهها ولكن رنات هاتفي جعلتني أتراجع وقررت أن أنفذ ما نصحني به الطبيب عند عودتي، فغطيتها جيدا وقبلت وجنتها وانصرفت.

قضيت وقتا طويلا مع زملائي في تناول الطعام ثم توجهنا نحو إحدى الحانات وعندما رفضت مشاركتهم في احتساء الخمور سخروا مني وجاءوا لي بمشروب خفيف ولكن لأني لم أكن معتادا عليها فقد كان تأثيرها شديد على وعيي.

عدت إلى البيت وتذكرت ندى وقررت أن تكون لي الليلة فتناولت إحدى الحبوب المُنشطة التي كنت أتناولها أثناء زواجي من سهيلة فأنا مازلت غير واثق من قدراتي رغم طمأنة الطبيب لي.

دخلت غرفتها فوجدتها مازالت غافية فخلعت ملابسي ودخلت تحت الغطاء أتلمس جسدها مما جعلها تفيق مفزوعة فقلت لها هامسا:

-لا تخافي إنه أنا

فنظرت إلى مذهولة والذعر واضح في عينيها فقلت والرغبة تطغى على كل جوارحي :

-أنا أريدك يا ندى

ولم أترك لها الفرصة إنما غمرتها بقبلات عنيفة وحاولت أن تقاومني بكل قوتها لكن كنت أقوى منها فتغلبت عليها وحصلت على حقوقي الزوجية بالقوة، فانتشيت عندما نجحت فكررت العلاقة عدة مرات رغماً عنها وفي أخر مرة كفت عن مقاومتي تماماً حتى خارت قواي فرقدت بجوارها وجسدها خامد وتنفسها ضعيف فظننت ذلك من فرط قوتي، لكني شعرت بسائل لزج بجواري فلما رفعت غطاء السرير وجدتها غارقة في دمائها في البداية ظننت ذلك بسبب غشاء البكارة. تذكرت أن سهيلة لم تنزف بذلك القدر، فحاولت إفاقتها ولكنها لم تستجب فشعرت بالخوف وأحضرت زجاجة عطر ورششتها  بالقرب من انفها ولكنها لم تستجب بل شعرت ببرودة جسدها، فأسرعت ارتدي ملابسي وسترت جسدها برداء البيت واتصلت بالإسعاف فنقلوها فورا للمستشفى وأخبرني الطبيب أنها تعاني من نزيف حاد بسب اغتصاب وسألني عمن أكون فأخبرته أني زوجها فنظر إلي بغضب وانصرف لمحاولة إنقاذها.

وقفت على باب غرفة العمليات انتظر خروج الطبيب وأنا أتساءل هل كنت عنيفاً لتلك الدرجة؟ ولماذا لم تعترض؟ فتذكر أنها حاولت أن في البداية ولكني صفعتها بعنف عدة مرات حتى أني سمعت صوت ارتطام ذراعها بالحائط المجاور السرير فلم أبال، بل كان كل ما يهمني هو أن تستجيب لي. وقفت حائراً لا أدري ماذا أفعل حتى خرج الطبيب ويبدو من ملامحه أنه عربي وسألني عن فصيلة دمي فلما أخبرته قال إنها ليست نفس فصيلتها ،وهرع ليبحث عن فصيلة مماثلة ففصيلتها نادرة جداً ،وأعلنت المستشفى عن حاجتها لمتبرع فوري بتلك الفصيلة لمريضة على وشك الموت، فشعرت بالخوف يجتاحني، هل سأكون سببا لموتها؟ هل حياتها هي ثمن إثبات رجولتي؟ ارتعدت خوفا من القادم.

بعد عدة دقائق جاء رجل ضخم ونظر إلي شزراٌ وأنا أحاول أن أتذكر أين رأيته من قبل لكن لم تسعفني ذاكرتي بسبب اضطرابي، ثم أدركت بعد ذلك أنه من تبرع بدمائه لإنقاذ حياة ندى. خرج الطبيب وأخبرني أن حالتها مستقرة الآن وقبل أن أجيبه جاء ضابط شرطة وتحدث مع الطبيب عن حالة ندى فشعرت بالخوف فنظر إلي وقال:

-هل أنت زوجها؟

فقلت بفزع:

-نعم أنا

-هل أنت من فعلت هذا بها

فلم أجب ونظرت الطبيب إلى العربي لعله ينقذني لكنه نظر إلي باحتقار فقال لي الضابط:

-تعال معي لمركز الشرطة نحتاج لاستجوابك

وأمسك بيدي بقوة فانصرفت معه وأنا أرتجف فمثل ذلك الاتهام قد يدمر مستقبلي. ذهبت إلى مركز الشرطة وبدأ الضابط في استجوابي وحاولت أن اجعله يفهم أن العلاقة الزوجية عند العرب ليس فيها اغتصاب ولكنه قال لي بما إني مقيم هنا فستطبق علي قوانين البلد مالم تتنازل زوجتي عن القضية وهو في انتظار تحسن حالتها ليستجوبها.

عجزت عن التفكير وكيفية التصرف فأنا يوما لم اتخذ قرارا في حياتي، ولم أتعرض لأي موقف مشابه أو ادخل يوما القسم، وبينما أنا غارق في أفكاري قال لي أحد المتهمين في إحدى القضايا:

-لماذا أنت مُرتبك أهي أول مرة لك؟

فاومأت بالإيجاب فقال:

-هل معك محام؟

-لا وهل سأحتاج إليه؟

-بالتأكيد ...لا تقلق المحامي الخاص بي سيأتي الآن يمكنك الاستعانة بخبراته وهو سيعاونك.

-شكرا لك

بالفعل وصل المحامي وبعد أن تحدث معه أوصاه بي فحكيت له ملخص المشكلة فسكت قليلا ثم قال:

-وهل تضمن أن زوجتك لن تستمر في الشكوى؟

فقلت بثقة:

-بالطبع فهي لن تجرؤ على ذلك

فقال ببرود:

-إذا دعني اذهب إلى المستشفى لأراها وتنهي الأمر.

غادر المحامي وعاد بعد نحو ساعتين وصدمني بما قاله، فقد أخبرني أن ندى تشترط مقابل التنازل عن القضية أن أطلقها وأمنحها كل مستحقاتها وأدفع لها إيجار الشقة لمدة شهرين مقدماً. وفقت مذهولا فأنا لم أتخيل يوماً أن ندى الضعيفة المستكينة الفقيرة ستعلن تمردها علي وظننت أني ببعض التهديد والضغط سأجعلها تخضع، فرفضت طلبها وأخبرته أني لن امنحها أي شئ  وسأخبر أهلها وأعيدها لهم رغما عنها.

نظر إلي المحامي بتعجب وقال:

-موقفك أكثر من سئ في القضية خاصة بعد أن ذهبت الشرطة لمعاينة الشقة ووجدت غطاء السرير مغطى بدماءها، كما طلبوا من الطبيب إجراء فحص لإثبات أنك الفاعل، هل تعلم أن عقوبة الاغتصاب الزوجي هنا من ٤ أعوام إلى السجن مدى الحياة؟  فكر جيداً قبل أن تقرر.

سكت قليلاً وأنا لا أعرف كيف أتخذ قرار فطوال حياتي لم أخذ قراراً واحداً، ماذا لو اخذت قرار ثم كان خاطئا ويضر بي؟ عندها نظرت للمحامي وقلت:

بم تنصحني؟

فنظر إلي للحظات ثم قال:

 كما فهمت منك أنك حريص على مستقبلك العلمي، كما أنك ثري وتستطيع دفع ما تطلب فاستجب لمطالبها وسأحاول التفاوض معها لتتنازل قليلاً ولكن إن أصرت فلا تتردد فكما أرى اسمك وسمعتك لديك أهم منها.

فقلت بدون تفكير:

-إذا افعل ماتراه مناسباً في أسرع وقت.

أصرت ندى على مطالبها فاستجاب لها المحامي ومنحتها شيك بالمبلغ المطلوب كما سددت إيجار شهرين مقدماً وبمجرد إفاقتها أخذني الضابط للمستشفى لمواجهتها وسماع أقوالها وبمجرد دخولي عليها رأيت الشحوب ظاهرا على وجهها كما مازالت آثار الكدمات الزرقاء على وجهها، وبمجرد دخولها حضر الطبيب العربي وعرفت أن اسمه عمر فقال وهو ينظر إلي باشمئزاز :

-هل جئت لإتمام الطلاق؟

فقلت بغضب:

-و ما شأنك أنت؟

فقالت ندى بوهن:

-عمر زوج صديقتي وسيكون شاهدا على الطلاق إن كنت تريد التنازل عن القضية.

نظر إلينا الظابط وقال:

-تحدثوا بالإنجليزية لأفهمكم

فشرح له عمر الموقف فقال لي:

-هل ستنهي الموقف أم أبدأ عملي؟

فنظرت لندى التي أشاحت بوجهها عني ثم قلت :

-بل سأطلقها

فاستدعى عمر موظف أخر عربي وقال لي:

-طلقها طلقة بائنة لا رجعة فيها

فسألتها :

-هل تلك رغبتك؟

فقالت باستياء:

-نعم فأنا لا أريد أن أرى همجياً مثلك مرة اخرى

فقلت لها بغضب:

أنا الذي لا أريدك أنت طالق يا ندى  طالق طالق

فقالت للظابط  بهدوء:

-وانا تنازلت عن القضية

فجعلها تمضي عدة أوراق ثم أطلق سراحي وعندما أردت الخروج نادتني وقالت:

-يا دكتور وليد  انتظر الورق الموثق من السفارة في اسرع وقت والمحامي الخاص بي سيذهب معك فورا لإتمام الطلاق ،ونصيحة لكي تحيا حياة طبيعية انت تحتاج لعلاج نفسي فأنت لست شخصاً سوياً

نظرت لها بأسى وانصرفت من المستشفى.توجهت مع المحامي لإتمام الإجراءات في السفارة، ثم  ظللت أهيم في الشوارع حتى شعرت بالارهاق فعدت إلى البيت وجمعت أشيائي استعدادا للسفر وعندها وصلتني رسالة من أبي يسألني عن موعد عودتي ليقيم الاحتفالات ويتباهى بي بين أهل  البلد فضحكت وأنا أتساءل هل حقا سيتباهى بي وبما صرت عليه؟

وبينما أنا غارق في أفكاري وصلني إيميل من أستاذي يسألني إن كنت فكرت جديا في عرض العمل في هولندا فأرسلت أسأله عن التفاصيل فأجاب في الحال  فأخبرته بموافقتي، وقررت أن أسافر وأعمل وأعرف الدنيا وأتحمل مسئولية نفسي وقراراتي لأول مرة في حياتي بعيدا عن سلطة أبي وجبروته، سأحيا حياتي أنا بطريقتي أنا وأختار من يشاركونني فيها.

أرسلت لأبي رسالة أخبره فيها بقراري وأغلقت هاتفي ثم حجزت من خلال اللاب توب تذكرة سفري لهولندا لأبدأ حياتي من جديد ويكفيني ما ضاع منها.

الفصل الخامس

لم أصدق أني نلت حريتي أخيراً وصار أمري بيدي، فرغم كل الآلام والأحزان فأنا سعيدة بحريتي التي نلتها في بعد سنوات حزن وفقد ووجع. عدت إلى البيت الذي أكرهه ولم أستطع البقاء في غرفتي التي تحمل أسوأ وأبشع الذكريات، وتذكرني بامتهاني وانتهاك أدميتي، تذكرني بأيام تعيسة شعرت فيها أني بلا قيمة. كذلك لم أستطع البقاء في غرفة وليد التي تحمل رائحته وذكريات أول لمسه لي ،فقضيت أول يوم على الأريكة أمام التلفزيون، وفي اليوم التالي جاءت صاحبة البيت لزيارتي فرجوتها أن تجد لي شقة أخرى أصغر حجماً فوعدتني بذلك وتعاطفت معي كثيراً لأنها كانت تتعرض للعنف من أبيها ثم من زوجها حتى كرهت الرجال جميعاً، ورفضت أن تتزوج مرة أخرى بعد حصولها على الطلاق عندما كاد زوجها أن يقتلها من شدة ضربه لها وهو مخمور. أدركت حينها أن لكل إنسان منا مشاكله لكن علينا ألا ننكسر بعد كل صفعة أو طعنة غدر،بل يجب أن نتماسك وننهض من كبوتنا في أسرع وقت.  

كنت أقضي وقت فراغي بإعادة ترتيب الأثاث وأول شئ تخلصت منه هو السرير الذي شهد لحظات ذلي وهواني وانتهاكي، ثم أغلقت غرفة وليد فلم أكن راغبة في رؤية اي شئ يذكرني به.

أدركت أن وجودي في الشقة سيصيبني بالجنون فاتصلت بميسون وطلبت لقائها في أحد المتنزهات ووصلت قبل الموعد واخترت مقعدا قريباً من  حتى تراني عند قدومها وسرحت في أفكاري وتذكرت كل ما فعلته ميسون من أجلي منذ بداية معرفتنا فقد كانت صديقة وأخت أخذت بيدي  وعلمتني الكثير ولم تلمني على تقصيري في علاقتي بالله إنما كانت تحدثني بلطف وتصطحبني معاها في المحاضرات والدروس الدينية في المركز الإسلامي وتمنحني الكتب لأقرأها واتعلم منها فكانت لي نعم الصحبة الصالحة. حتى في الدراسة لم تكن بيننا غيرة النساء ولا زميلات الدراسة إنما كان بيننا تكامل وتعاون فكنا نذاكر معا ونشرح لبعضنا ما يصعب علينا فهمه.

لكن الموقف الذي سأظل طوال حياتي مدينة لميسون وزوجها عمر به هو وقوفهم معي بمجرد أن أفقت ووجدت نفسى فى المستشفى وأنا أصرخ بهيستيريا بعد أن تذكرت ما فعله بي وليد فوجدت ميسون بجواري تضمني لصدرها وتهدئني وتقول لي:

-لا تخافي يا ندى لقد انتهى كل شئ وأنا بجوارك ولن يتعرض لك أحد

نظرت إليها وارتحت في حضنها وقد تذكرت حضن أمي الذي افتقدته منذ سنوات عديدة وفقدت معه الحب والاهتمام والإحساس بالأمان، فهدأت وظلت هي ترقيني وتقرأ القرآن على رأسي حتى بدأت أحكي لها ما فعله بي دون أن تطلب فقد كنت أحتاج لشخص أثق به ليسمعني وينصحني. استمعت لي وبعد أن انتهيت قالت:

-في نفس اليوم كان عمر موجوداً بالمستشفى وعندما استقبل حالتك بالطوارئ بعد أن أحضرك وليد، عرفك عمر فوراً لكنه فوجئ بحالتك السيئة فقد نزفت كثيراً و فصيلة دمك نادرة وغير موجودة بالمستشفى فكدت أن تموتي لولا أن أعلنت المستشفى في الميكروفون الداخلي عن حاجتها لمتبرع وجاء رجل مرافق لزوجته المريضة وتبرع من أجلك. بعدها اتصل بي عمر وأخبرني انك في المستشفى وتحتاجين لملابس وغطاء رأس فأتيت مسرعة وعندما شاهدتك أصابني الفزع، فحكى لي عمر باختصار ما حدث فأصررت على البقاء بجوارك حتى تفيقي. والآن ماذا قررت أن تفعلي؟

فقلت بخوف:

-لا اعرف فأنا تفكيري مشوش وليس لي أحد لينصحني فإن عدت إلى أبي سيعيدني إليه ليغتصبني كل يوم، أو يزوجني من هو أسوأ منه، وإن بقيت هنا كيف أنفق على نفسي؟ وهل أستطيع العيش بمفردي؟

عندها قرع عمر الباب ثم دخل مبتسماً وقال:

-حمدا لله على سلامتك

فقلت بخجل:

-شكرا يا دكتور على إنقاذك لحياتي

فقال بامتنان وهو يتفحص وظائفي الحيوية:

-هذا واجبي بل اشكري ذلك الذي تبرع بدمه فهو من أنقذ حياتك فعلاً

فقلت بامتنان:

-بارك الله فيه وشفى له زوجته

فقال بجدية:

-هل تعلمين أن الشرطة ألقت القبض على زوجك وفي انتظار إفاقتك للاستماع لأقوالك؟

فقلت بدهشة:

-لا ولكن لم قبضوا عليه؟

فقال بحرج:

-لأن الاغتصاب الزوجي جريمة يعاقب عليها القانون هنا ولو اتهمتيه سيسجن على الأقل أربع سنوات، إلا لو تنازلتي عن حقك.

فقالت ميسون بغضب:

-لا تتنازلي طبعا

فقلت بتساؤل:

-وماذا سأستفيد من سجنه وكيف سأعيش وهو من ينفق علي ولن يتركني والده ولا أبي

فسكت عمر قليلا ليفكر ثم قال:

-ماذا قررت؟ هل ستستمري معه ام تطلبين الطلاق؟

فقلت بدهشة :

-الطلاق؟

فسألني:

-هل تحبينه وتستطعين أن تغفري له؟

فقلت بدون تفكير:

-لا ولكني ليس أمامي حل أخر

فقال:

-يمكننا استغلال الموقف قبل تدخل والده ووالدك وأيضا وهو ما زال تحت تأثير الصدمة وتطلبين منه الطلاق مع كافة مستحقاتك المالية وكذلك يدفع لك إيجار شهرين مقدماً حتى تجدي عملاً تنفقين به على نفسك سواء هنا أو حين عودتك لمصر.

فقلت بحيرة:

-لا أعرف

فقال:

-أمامك حتى الصباح فكري جيدا وبعدها قرري ماذا تريدين والآن اسمحي لي أن أعطيك حقنة مًسكنة قبل انصرافي أنا وميسون وفي الصباح ستعود إليك.

ابتسمت بوهن وقلت له:

 -لا اعرف كيف اشكركما على كل ما فعلتماه من أجلي.

خرجا وأنا أفكر هل أعود لأبي ليعيدني إليه واقع تحت سيطرة وليد وأبوه؟ أو يبيعني لشخص أخر ويستفيد من ورائي وربما أعاني معه أكثر وأكثر؟ أم أظل هنا وحدي أعيش وأعمل وأستقل بحياتي وأكون صاحبة القرار فيها؟ ترى هل أستطيع؟ كنت تائهة حائرة فطلبت من الله برجاء أن يُنير بصيرتي ويلهمني الصواب.

الصباح قررت أن أخذ برأي عمر فهو بمثابة الأخ لي فقد تخطيت سن الرشد منذ أشهر وآن الأوان لأتحمل مسئولية نفسي وقراراتي بدون استغلال من أحد، فلو كان لي أهل طبيعيين كباقي الأهل لكنت لجأت إليهم ولكني بنت نخاس كل ما يهمه ما سيكسبه من ورائي، وباقي الأهل قاطعونا وابتعدوا عنا بسبب مهنة أبي و جشعه وسمعته السيئة، فلم يعد لي في هذا العالم بعد الله عز وجل سوى ميسون وعمر اللذان وقفا بجواري بلا غرض ولا مقابل لذلك سأستجيب لرأيه فقد تكون تلك فرصة جديدة للحياة.

بالفعل جاءني المحامي الذي فوضه وليد للتفاوض معي فأخبرته بشروطي فطلب مهلة للتشاور مع وليد وعندما عاد إلي رفضت أية تنازلات لأني فهمت من عمر والظابط أن موقفي الأقوى ،فوافق في النهاية على شروطي ومنحني شيك بالمبلغ فطلبت من عمر صرفه سرعة للتأكد من وجود رصيد، كما منحني إيصال الإيجار باسمي لمدة شهرين كما طلبت. عندما أكد سحبه للمال وإيداعه في حسابي في البنك وافقت على التنازل عن القضية على أن يطلقني وليد أمام شهود ثم يوثق الطلاق في السفارة.

تم الطلاق وعندها شعرت بسعادة  وراحة لم أشعر بهما من قبل فالحرية تمنح الإنسان جناحان يحلق بهما فوق السحاب.

أفقت من أفكاري على يد ميسون وهي تربت على كتفي فابتسمت وقلت لها مازحة:

-تأخرت عن موعدك يا فتاة

فقالت بسعادة:

-عندي خبر جميل سيجعلك تسامحيني، لقد ظهرت النتيجة وأخيرا نجحنا وتخرجنا

صرخت بفرحة واحتضنتها وقلت :

-يبدو أن الحياة بدأت تبتسم أخيراً

فقالت :

والخبر الآخر أنا الأولى على الدفعة وسيتم تعييني بالجامعة

زادت فرحتي وجذبتها من يدها وتوجهنا لبائع الايس كريم ونحن نضحك وتناولناه ثم ذهبنا للملاهي فلعبنا وضحكنا حتى تعبنا وأثناء عودتنا قالت لي :

-عندي لك وظيفة ليست رائعة لكنها ستؤدي الغرض، سيدة فاضلة أعرفها جيدا تنوي افتتاح حضانة بالقرب من سكنك وهي تريد مدرسات مؤهلات علميا للتعامل مع الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، فأنا رشحتك لها، الراتب ليس كبيراً لكنه معقول ما رأيك؟

بكيت ولم أستطع تمالك نفسي فرفعت راسي للسماء وقلت :

-اللهم لك حمد والشكر نجاح ووظيفة في يوم واحد تلك نعمة من الله ودلالة على اني اخترت طريقي الصحيح

ثم التفت إلى ميسون واحتضنتها وقلت:

-لو كان لي أخت لما فعلت معي مثلما تفعلين شكرا جزيلا لك

فابتسمت وقالت:

-ومن قال لك أن الأخوة هي فقط صلة الدم بل هي صلة القلب فكثيرون نعتبرهم أخوتنا بحق من المحبة والمواقف الداعمة وأنت كنت لي خير معين في غربتي.

فابتسمت وقلت بحماس:

-متى سأبدأ العمل؟

فقالت ضاحكة:

-أراكي متحمسة

فقالت:

-جدا فمكوثي في البيت وتفكيري في الماضي سيقتلني

فجذبتني من يدي وقالت:

-هيا بنا إلى المركز الإسلامي لنقابلها هناك

التقيت صاحبة الحضانة كانت سيدة إنجليزية في نحو الخمسين من عمرها ومازالت آثار الجمال ظاهرة على وجهها  وترتدي الحجاب فعرفت أنها تزوجت بمسلم وبعد فترة أسلمت وتركت وظيفتها وعندما كبر أبناؤها وصارت تعاني الفراغ فكرت في عمل مشروع الحضانة لأنها كانت تعاني وهي تعمل بسبب عدم وجود حضانة للأطفال في تلك المنطقة فكانت تأخذهم لمسافة طويلة.

اتفقنا على نظام العمل وتفاصيله وكذلك على الراتب الذي كان ضئيلا لكني يمكنني إعادة ترتيب أولوياتي ونفقاتي لتتماشى مع الراتب، كما اتفقنا على أن أبدأ العمل من الغد.شكرت ميسون كثيرا وعدت إلى البيت وبمجرد صعودي قابلت صاحبة البيت التي أخبرتني أن هناك شقة خالية من أول الشهر بحجم وإيجار أقل ولكنها في الجهة الأخرى من المبنى فاتفقت معها على استئجارها وفارق الإيجار بين الشفتين تجعله جزء من إيجار الشهر التالي. دخلت شقتي وبدأت أحسب ميزانيتي وكم سيتبقى لي من الراتب بعد دفع الإيجار فوجدته مبلغ ضئيل بالكاد يكفي طعامي بعد تقشف شديد فلم أهتم، فقد عشت حياتي من قبل في فقر مع أب بخيل يدخر المال ولا ينفقه علينا ولا يمتع حتى نفسه بالمال ولا أفهم حتى الآن لماذا يدخره؟

شغلت نفسي بتحديد ما سأحتاجه وأخذه معي إلى الشقة الجديدة فقررت أن أترك غرفتي وغرفة وليد ولكني ساخذ الأجهزة الكهربائية والأريكة والكراسي وأدوات المطبخ  ويبدو أني مضطرة لشراء سرير ودولاب جديدين.عملت بحث على أسعار  فوجدتها باهظة الثمن وستكلفني مبلغاً كبيراً فتراجعت وقررت أن أخذ غرفة وليد.فتحت باب الغرفة ودخلتها وتفحصتها جيدا فقد كان سريره ودولابه أكبر مما لدي في غرفتي، فتحت الدولاب لأرى إن كان سيكفي ملابسي ، فوجدت بأحد الادراج مظروفا كبيرا به اوراق تخص وليد فكرت في تمزيقها ولكني تراجعت لأنها ربما تكون مهمة. فكرت في الاتصال به لكني تراجعت فأنا لا أرغب في سماع صوته ففكرت أن أرسل له رسالة على الواتساب.  فأرسلت له وقلت : وجدت في دولابك مظروف به اوراق تخصك ماذا افعل بها؟

أرسلت الرسالة وانتظرت الرد بلا فائدة، ثم بعد دقائق جاءني الرد بكلمة واحده(احرقيهم). وددت لو كان امامي لصفعته على صفاقته وغروره ، وفكرت أن امزقهم ولكني كنت مرهقة فقررت أن أنام وفي الصباح افعل ذلك. نمت على الأريكة من شدة الإرهاق وفي الصباح استيقظت واغتسلت وصليت وأعددت فطور سريع ثم ارتديت ملابسي وذهبت للحضانة سيرا على أقدامي لأنها كانت قريبة وكذلك لتوفير النفقات.انشغلت في العمل وتجهيزات المكان ولم أشعر بمرور الوقت حتى جاء موعد الانصراف فعدت إلى  البيت  منهكة القوى فنمت قليلا ثم استيقظت لأعد طعامي فوجدت عدة رسائل على الموبايل ففتحته فوجدت وليد ارسل لي العديد من الرسائل يطلب مني عدم إحراق الاوراق لأنه يحتاجها بشدة.لم أجب عليه إنما تركته يحترق بنيران القلق وتناولت طعامي و أنهيت اعمال المنزل ثم جلست أمام التليفزيون وأرسلت له رسالة قلت له (ارسل لي عنوان وسارسل لك كل الأوراق ولكنك ستدفع ثمن الشحن)فقال لي (مادية) فلم اجبه فأرسل لي عنوانه واسم شركة الشحن وعنوانها وهاتفها.في الصباح نزلت مبكرة عن موعد عملي وذهبت إلى شركة الشحن وارسلت له الاوراق ثم أرسلت له رقم الشحنة وقلت له (اتمنى ألا يكون بيننا اي تواصل أخر لأني أرغب في النسيان لأستطيع أن أحيا بسلام)،رأي الرسالة ولم يجب.

بعد انتهاء الشهر نقلت جزء من الأثاث إلى لشقة الجديدة بعد تنظيفها جيدا وتركت الباقي لصاحبة البيت .كم كنت أحلم ببداية جديدة أهرب فيها من كل الماضي وخاصة وأن الماضي لا يتركني أبدا حيث أن رسائل أبي لم تنقطع يسألني عن سبب الطلاق، وعن مصير المال الذي أخذته من وليد كمؤخر ويطالبني أن أرسله له ، ورسالة أخرى يخبرني فيها أنه وجد لي عريس ثري ويأمرني بالنزول لإتمام الزواج، فلم استجب له ولم أرد على أي من رسائله فهو لم يكلف نفسه  بالسؤال عن أحوالي وإنما سأل عن أموالي، لم يسألني عن مشاعري واحتياجاتي، وإنما قرر إعادة تزويجي ليربح من ورائي مرة أخرى، فأنا بالنسبة له لست سوى مجرد صفقة ووسيلة كسب سريع .

تناسيت أن لي أب وبالطبع لم يفكر أحد من إخوتي أن يتواصل معي لأي سبب وكأني لست أختهم ولم نعش معا سنوات عديدة، في البداية حزنت بقسوة أهلي وجفاؤهم، لكن مع الوقت تأقلمت ولم أعد أفكر فيهم أو أتأثر بما يفعلونه معي.

كنت أشعر أن ميسون وعمر زوجها أقرب لي من أهلي وأنهم يهتمون بي وبمصلحتي أكثر من أبي وإخوتي، لذلك قررت أن أعيش هنا وأنسى الماضي وألا أعود للوطن، فالوطن حيث يقيم أحبتك.

اندمجت في عملي وسعدت بالتعامل مع الاطفال ببراءتهم وعفويتهم وحبهم الذي بلا مقابل، كما أنني قبلت أن أعمل بعد ساعات الحضانة كجليسة أطفال لمن يرغب في ترك أطفاله معي لظروف ما، وأصبح ذلك يدر علي دخل إضافي فساعدني على العيش بشكل معقول. كان الآباء والأمهات يسعدون بترك اولادهم معي وخاصة في عطلات نهاية الأسبوع حيث يرغبون في السهر وقضاء الوقت مع اصدقاؤهم و نادرا ما يجدن جليسات ولأني كنت الوحيدة المتفرغة في ذلك الوقت فكان ذلك سبب لزيادة دخلي.

كنت معظم الوقت أجلس بالأطفال في بيوت ذويهم، لكن أحياناً إن كنت أعلم أن الأهل سيعودون في وقت متأخر كنت أطلب بقاء الاطفال معي في شقتي حتى لا أعود لبيتي في وقت متأخر، فكان البعض يقبل والبعض يرفض.

انقطعت من قبل انتقالي من شقة وليد عن متابعة جيراني فقد علمت من ميسون أن ذلك تلصص على الناس وهو مكروه، وعندما انتقلت للشقة الجديدة انشغلت بعملي في الحضانة وجليسة أطفال فلم يعد لدي وقت لأي شئ أخر.

في أحد الأيام أصرت إحدى الأمهات على رعاية طفلها الرضيع في بيتها رغم عودتها متأخرة لأن الجو كان شديد البرودة وهي تخشى عليه فوافقتها ،وعندما عادت بعد الحادية عشرة مساءً أعطتني أكثر مما اتفقنا عليه فشكرتها وطلبت لي سيارة أجرة اوصلتني حتى  الشارع الرئيسي ورفض السائق الدخول الشارع الجانبي حيث المبنى السكني الذي أقيم به ،فنزلت ومشيت المسافة الصغيرة المتبقية حتى المبنى السكني رغم برودة الجو وهدوء الشارع ،ولكني فوجئت بشخص يتعرض لي وهو يحمل مدية ويطالبني بالمال الذي معي، ارتجفت وبكيت وعندما حاولت الصراخ هددني بالقتل وبدأ يجذب حقيبتي وأنا متمسكة بها ،فلما سئم من تشبثي بالحقيبة أراد أن يجرح يدي بمديته ولكن قبل أن يلمسني ظهر شخص ضخم ، وأمسك بالمعتدي ولكمه عدة لكمات حتى هرب ، ثم نظر إلي ذلك الضخم وأنا متصلبة مكاني وأرتجف وأبكي هلعا وقال لي:

-هل انت بخير؟

فأومأت بالإيجاب، فاقترب مني وقال:

-ماذا أتى بك هنا في هذا الوقت؟

فتمالكت نفسي بصعوبة وقلت:

-أنا أسكن بهذا المبنى

فقال بحدة:

-ألا تعلمين خطورة العودة بمفردك في وهذا الوقت؟

فقلت بخجل:

-لقد كان لدي عمل

فنظرإلي بتعجب وقال:

-عمل في هذا الوقت؟ هل تعملين في حانة؟

فقلت مسرعة:

-لا بل أنا جليسة أطفال، اشكرك لما فعلته من أجلي وأنا مدينة لك أستاذنك للذهاب إلى شقتي فالوقت كما تقول متأخر.

تركته ودخلت المبنى السكني وظل هو واقفا حتى دخلت المبنى وأغلقت الباب، وكانت شقتي في الدور الأول فدخلت مسرعة ومازال جسدي يرتجف من هول الصدمة، ولا أصدق أن العملاق الذي كنت أراقبه هو وزوجته هو من انقذني من الموت. اغتسلت وصليت وشكرت الله على أن سخر لي من ينقذني وقررت بعدها أني لن أذهب إلى أي بيت في وقت متأخر مهما كانت الظروف، والله الغني عن المال الذي يصاحبه قلق وتوتر. جلست أحتسي مشروب النعناع الأخضر الساخن ليبعث الدفء في جسدي ويقضي على توتري حتى أستطيع النوم.

بعد يومين كنت أنا المشرفة على الحضانة بسبب سفر صاحبتها ، ففوجئت بذلك الضخم يدخل من الباب مصطحبا طفلته الصغيرة التي تبدو كدمية باربي من فرط هدؤها ورقتها ، كما لاحظت انها تختبئ من الجميع خلف والدها. رحبت به وظهرت المفاجأة على وجهه فقد عرفني ثم أظهر برودا وتجاهلا وقال:

-اريد التحدث مع المديرة

فقلت له بجدية:

-أنا أنوب عنها اليوم فهي غير موجودة

فقال وهو يتفحص المكان:

-كنت أرغب في إلحاق ابنتي ليزا بالحضانة وأرغب في معرفة كافة التفاصيل.

أشار إليها وبمجرد أن نظرت إليها اختفت تماماً خلف جسد والدها الضخم فنزلت إلى مستواها وقلت لها :

-مرحبا يا ليزا أنا ندى

فلم تجبني فقلت لها وأنا أشير للأرجوحة:

-هل تودين اللعب مع الاطفال في الأرجوحة؟

فنظرت إليها ثم نظرت إلى أبيها وتمسكت به بشدة،فقال لها:

يمكنك اللعب يا صغيرتي وأنا بجوارك سأتحدث معها قليلا-

ثم أمسك بيدها ووضعها على الأرجوحة مع باقي الاطفال وهزها برفق وهم يتصايحون فرحين وهي تنظر إليهم بخوف لكنها سرعان ما اندمجت معهم ونسيت مخاوفها فنظر إلي وقال:

-نسيت أن اعرفك بنفسي أن چون تشارلز والدا ليزا وبالطبع أعمل طوال اليوم  وارغب في مكان آمن أتركها فيه لحين عودتي من العمل.

فقلت بعملية:

-أنا ندى محمد المشرفة المسئولة عن الحضانة الآن حتى عودة صاحبتها وأعمل أيضا كمدرسة هنا

فرأيت الدهشة على وجهه فتجاهلت ذلك، وشرحت له نظام الحضانة ومواعيدها واسعارها والخدمات التي نقدمها مقابل تلك الأسعار، فسألني:

-وإن حدث وتأخرت عن موعد العمل أو رغبت فيمن يرعاها في أيام العطلات.

فقلت له وأنا أتجنب النظر إلى وجهه:

-يمكننا توفير شخص يرعاها حتى تعود بمقابل مالي إضافي وفي العطلات يمكنني رعايتها كجليسة أطفال مسجلة لدى الحكومة بشرط أن يكون في بيتي

فقال بتعجب:

-لماذا في بيتك تحديداً؟

نظرت له بتعجب وقلت:

-اظنك كنت شاهدا على ما حدث لي عندما تأخرت في بيت من كنت أرعى طفلهم.

سكت قليلاً وقال:

-هل انت مسلمة مثل محمد صلاح؟

ابتسمت وقلت :

-نعم

فقال بجدية وحسم:

-أرجو ألا تحاولي التأثير على ابنتي بأفكارك ومعتقداتك، فأنا لا أرغب أن أشتت أفكارها في تلك المرحلة العمرية.

نظرت له بقوة وقلت:

-ديني علاقة بيني وبين ربي وأنا لست داعية وأنا هنا لتأدية عمل محدد لا علاقة له بديني.

ثم قال بغلظة:

-وأتمنى ألا تتعرض ابنتي للخطر بسببك

فقلت متعجبة:

-اي خطر؟

-أية عمليات إرهابية

فقلت ساخرة:

-وهل تعرض فريق محمد صلاح للخطر بسبب وجوده؟ ولماذا لا أخشى أنا منك فأجدادك هم الصليبيون الذين احتلوا بلادنا وأشاعوا فيها القتل والسرقات؟ يا سيدي ما تذيعه وسائل الإعلام عنا غير صحيح فليس كل مسلم إرهابي ولا كل ألماني نازي ولا كل افريقي آكل للحوم البشر.

صمت للحظات ثم قال:

-سأفكر ثم اتواصل معكم

فقلت له بتهكم:

-ضع في اعتبارك أن صاحبة الحضانة أيضا  إنجليزية مسلمة وربما تكون هي الأخرى إرهابية.

التفت لابنته ليصطحبها معه فوجدها اندمجت مع الاطفال تلعب وتلهو بسعادة فوقف متأثرا بمشهدها فقلت له:

-يمكنك أن تتركها لتلعب مع الاطفال كضيفة لمدة ساعتين واترك رقم هاتفك إن بكت أو احتاجت لك سنتصل بك.

شكرني وانصرف وانشغلت بمتابعة الأطفال وخاصة ليزا فلاحظت أنها منطوية ولكنها تستجيب لمرح الاطفال بسهولة. لم تدرك غياب والدها إلا بعد ساعتين حينما حان وقت الطعام فرفضت تناوله وبكت وهي تقول:

-اريد أبي

فاتصلت بوالدها الذي تحدث إليها بعدة كلمات هدأت من روعها وجعلتها تجلس مع الاطفال تتناول القليل من الطعام بخجل ،حتى جاء چون فتركت كل شئ وجرت نحوه تمسك بساقه وتحتضنها فرفعها إليه وقبلها وقال:

-ماذا فعلت صغيرتي في غيابي؟

فحكت له عن لعبها وصداقتها مع الأطفال وعن تناولها الطعام معهم، فسألها إن كانت تحب الحضور في الغد فوافقت وهي سعيدة، فشكرني وأراد أن يدفع مقابل الوقت الذي قضته هنا فقلت له ساخرة:

-اعتبرها هدية مني لليزا ولا تخشى عليها فلست إرهابية

انصرف وهو يحملها وهي تتحدث بسعادة، فرغم تجاوزها الثالثة من العمر إلا أن جسدها الضعيف ونحافتها كانت توحي بأنها لم تتجاوز الثانية، اشفقت عليها كثيراً وأردت أن أسأله عن أمها لكني آثرت ألا أتدخل.

في اليوم التالي جاءت ليزا مع أبيها ومازال الخجل يعتريها ولكنها كانت تبتسم لي فرحبت بها بابتسامة وقلت:

-صباح الخير يا ليزا هل تريدين أن تلعبي مع الاولاد كما فعلتي بالأمس؟

فاومأت بالإيجاب وهي تنظر لچون الذي ابتسم لها وقبلها وقال:

-عديني أن تكوني طفلة مطيعة يا صغيرتي وأنا سأعود لأصطحبك بعد العمل

فقالت له ببراءة:

-أعدك يا أبي

فناديت لإحدى المشرفات فاصطحبتها إلى حيث باقي الأطفال، والتفت إلى چون وقلت له:

-تفضل معي إلى المكتب لنكمل باقي الإجراءات

ملأ استمارة التقديم واعطاني الأوراق المطلوبة ثم سألته السؤال التقليدي:

-هل تسمح لشخص آخر باصطحابها بعد انتهاء اليوم؟

-لا أنا فقط ولكن اسمحي لي برقم هاتف اتواصل معه للاطمئنان عليها

فأعطيته كارت به أرقام هواتف الحضانة و الإيميل فشكرني وقبل أن ينصرف أوصاني بليزا كثيرا فطمأنته. طوال اليوم كنت أؤدي عملي ولكن عيني على ليزا فكانت هادئة بشكل غير طبيعي وكذلك تنام كثيرا ولا تأكل إلا لقيمات ففسرت ذلك بعدم اعتيادها على التغيير الجديد بعد، فحرصت على أن أكون قريبة منها لأطمئنها فكانت تبحث عني وتجلس بجواري حتى غفت، فحملتها ووضعتها على الأريكة بجواري في المكتب حتى أنهي أعمالي. فوجئت بها تبكي وتصرخ وتقول:

-أمي أمي لا تتركيني وحدي، أخاف من الظلام

فاتجهت ناحيتها وضممتها لحضني وايقظتها برفق وقلت لها:

-لا تخافي يا ليزا أنت بخير

فتحت عيونها المملوءة بالدموع وقالت:

-أمي تركتني وحدي وذهبت

فقلت لها بحنان:

-لا تخشي شيئاً فأنا معك ووالدك سيعود قريباً ليأخذك معه ولن يتركك

تشبثت بي وقالت:

-أريد أبي

-سأتصل به ليأتي فوراً ولكن حتى يأتي تعالي نتناول وجبتنا واستمعي للحكاية التي سأحكيها للأطفال، ألا تحبين الحكايات؟

فقالت ببراءة وقد هدأت:

-بلى احبها كثيرا وأبي يحكي لي كل يوم حكاية قبل النوم

ابتسمت لها ومسحت دموعها وقلت:

-تعالي معي واستمعي لحكايتي

انشغلت بالطعام والحكاية واللعب بالمكعبات وتكوين الأشكال مع الاطفال حتى جاء چون فقفزت فرحة فرفعها إليه وقبلها وقال لها بحنان:

-كيف كان يومك يا صغيرتي؟

فقالت ببراءة:

-كنت أبكي وندى حكت لي حكاية

فقال بتعجب:

-ولم تبكين؟

وقبل أن تجيب قلت لها:

-احضري حقيبتك يا ليزا

ثم نظرت إليه وقلت له بعد انصرافها:-

 إنها تفتقد أمها

فظهر الاستياء على وجهه وقال:

-أعلم ولكني أبذل جهدي لتعويضها

فقلت له بشفقة:

-لا تقلق مع الوقت ستعتاد غيابها ولكنها تحتاج لحبها وحنانها.

فقال غاضباً:

-لم تكن تحبها ولا ترغب في وجودها وكانت تحتملها بصعوبة،أنا كنت لها دائما الأب والأم حتى في وجود أمها وعندما تركتنا ورحلت بدون سبب ضاعفت جهدي ومشاعري فهي لا ذنب لها أن أمها أنانية لا تفكر سوى في نفسها.

جاءت ليزا فانقطع الكلام ورأيت الحزن والأسى ظاهراً على وجهه فأشفقت عليه، فمن ينظر لذلك العملاق ضخم العضلات يشعر بالخوف لكن من يقترب منه و يشعر بمعاناته يشفق عليه، كم من أقنعة نتمسك بها لنخفي بها جراح الروح.

اصطحب ليزا وانصرف وهو يداعبها وهي تحكي له ما فعلته طوال اليوم وانا أتابعهما وأقول لنفسي:

-هل يعلم أنها كانت خائنة؟ وهل يعرف بإدمانها للمخدرات؟ أشفقت عليه كثيرا فكل منا يحمل بقلبه أحزانه التي تثقل كاهله ولكن ليس لديه رفاهية التوقف للحزن والبكاء إنما عليه أن يكمل في طريقه قبل أن تدوسه الاقدام.

عدت إلى البيت والإرهاق يعتريني ففكرت أن أغتسل بالماء الدافئ لعله يمنحنى بعض الراحة، ثم صليت وتناولت طعامي وجلست أمام التليفزيون لأشاهد أي شئ كوميدي ليخرجني من حالة الكآبة التي تخيم على قلبي، وللحظات تذكرت أني عندما بقيت في البيت نهارا شاهدت أن أم ليزا كانت تعطيها دواء نامت من بعده وعندها دخل عشيقها إلى البيت، فهل كانت تعطيها مهدئ أو منوم؟ دخلت على جوجل لأبحث عن تأثير الدواء المهديء أو المنوم على الأطفال، فوجدت له تأثيرات سلبية كثيرة ففكرت إن استمرت نفس اعراض الخمول على ليزا أن أعرضها على الطبيب الزائر الذي تتعاقد معه الحضانة، فتلك الطفلة المسكينة تؤثر في نفسي وتشغل تفكيري لأنها تُذكرني بنفسي.

اندمجت ليزا شيئاً فشيئا مع الأطفال وزادت شهيتها قليلا لكن مازال الخمول يعتريها وعندما جاء الطبيب استشرته في حالتها فقال:

-لابد من عمل تحاليل شاملة

 وأعطاني بطاقة بها تليفونه وإيميله لأعطيها لچون للتواصل معه، بالفعل اعطيتها لچون وشرحت له ما قاله الطبيب بالإضافة لخمولها الدائم وضعفها فوعدني بالذهاب في أقرب فرصة يستطيع الحصول على أجازة من عمله.

اعتدت على وجود چون اليومي وحديثي اليومي معه بشأن ليزا حتى أني كنت أفتقده عند غيابه، فشعرت بخطورة ذلك على قلبي، وعندما اتصلت بميسون لأسأل عنها كعادتنا حدثتها عن ليزا وچون فقالت بمشاكسة:

-لاحظت أنك مشغولة بهما كثيراً، وأنهما محور حديثك مؤخراً لماذا؟

ارتبكت وقلت:

-لا أبدا هي مجرد شفقة عليهما فكلاهما تعيس وحياتهما مرتبكة.

فقالت بجدية:

-احذري يا ندى فالاعتياد قاتل، فبمجرد أن تعتادي على شئ حتى لو كان خاطئ ليس من السهل التخلي عنه.

فقلت بحزن:

-معك حق ربما منحتهما اهتماما زائداً لأني أعاني من الفراغ

فقالت ميسون بجدية:

-يا ندى أنت مازالت صغيرة ووحيدة ولابد أن تتزوجي وتكون لك أسرة، فما حدث لك ليس نهاية العالم.

فقلت بأسى:

-أخشى أن أقابل شخص غير سوي مثل وليد ويحول حياتي لجحيم ولا أستطيع التخلص منه.

فقالت مطمئنة لي:

-ليس كل الرجال مثل وليد، لكن هناك أيضاً من هو مثل عمر، ادعي الله في صلواتك أن يرزقك بالزوج الصالح، وإن ظهر تزوجي وانسي الماضي.

فقلت بشجن:

-بل سيظل الماضي محفورا في ذاكرتي حتى لا يخدعني أحد مرة أخرى.

فقالت بحب:

-أسأل الله أن يريح قلبك ويمنحك السعادة.

-اللهم أمين يا حبيبتي، المهم أخبريني ألن أصبح خالة قريباً؟

ضحكت وقالت:

-ادعي لي أن يرزقني الله بطفل، فرغم انشغالي لكن قلبي يهفو لطفل أمنحه حبي وأمارس معه أمومتي وأشعرباكتمالي في وجوده.

-إن شاء الله سيرزقك بطفل لنسعد كلنا.

انتهت المكالمة وقررت أن اشغل عقلي في وقت فراغي بكل ما هو مفيد حتى أمتنع عن التفكير في ذلك الضخم الذي شغل تفكيري وليزا الرقيقة التي احتلت قلبي.

الفصل السادس

نشأت في أسرة  كبيرة العدد في الريف، من تلك الأسر التي مازالت متمسكة بالعادات والتقاليد، كنت أعمل مع أبي في الصيف أنا وأخوتي الصبيان في الزراعة، كما كنت أذهب لتدريب الملاكمة التي أعشقها. كان ترتيبي الثالث بيت أخوتي الستة، وكان كل هم أمي إطعامنا وترتيب البيت وغسيل ملابسنا ولكنها لم تكن تمنحنا الحب أو الحنان حتى أني لا أتذكر حضنها أو قبلتها، ربما كانت مُنهكة من المجهود الكبير الذي تبذله من أجل تلبية احتياجات كل أفراد الأسرة لكنها تناست أن لنا احتياجات نفسية أيضاً، لكن كل ما كان يهمها هو إطاعتنا لأوامرها وعدم التمرد على سلطتها.

لم تكن الدراسة محور اهتمامي إنما الرياضة كنت متفوقاً فيها وكنت أحلم بالحياة في لندن لأحقق الشهرة و أيضاً الكثير من المال، لذلك بمجرد أن أكملت عامي السادس عشر تركت بيت الأسرة وسافرت إلى لندن لتحقيق حلمي رغم اعتراض أمي بشدة ولكني لم أبال. لم تكن الحياة سهلة كما ظننت فقد تشردت لعدة أيام حتى قابلت إدي وكان منافسي في إحدى بطولات الهواة فرحب بي ودلني على طرق و أماكن التدريب بل ووفر لي عمل في إحدى محطات البنزين، كما عرفني على زميل لأخيه يحتاج شريك في السكن وبذلك حُلت كل مشاكلي ،فعملت بكل جهدي وكذلك تدربت بكل جدية واشتركت في عدة بطولات، كما تعرفت على منظم مسابقات كان يقيمها بشكل ودي في مقابل مادي فتحسنت أحوالي المالية فاشتريت ملابس جديدة للتدريب وتناولت الطعام الصحي.

انتقلت من عمل لأخر أفضل وغيرت سكني عدة مرات وانتقلت من مرحلة الهواة إلى المحترفين، وفي إحدى المباريات التي كنت أحقق منها دخلا تعرفت على ماري وكانت فتاة مرحة ومنطلقة وتعشق الحياة والمغامرات، فكانت تأتي باستمرار مع أصدقائها لمشاهدة مباريات الملاكمة وكانت كثيرا ما تشجعني، حتى أنها وعدتني إن فزت بالبطولة أن تقضي الليلة معي. فرحت كثيرا فقد كنت بدأت أميل إليها، وبالفعل فزت بالبطولة من أجلها لكن جسدي ووجهي كان بهما العديد من الإصابات، لذلك أرجأنا موعدنا ليوم أخر. كم انتظرت اتصالها أو حضورها المبارايات كما اعتدت منها، لكنها اختفت فجأة بعد أن تعلقت بها فشعرت بالحزن والفراغ بدون صخبها ومرحها وكلمات الإعجاب الصريحة. وكما اختفت فجأة ظهرت فجأة ولكنها كانت أكثر ذبولا وانطفاءا ولم تكن ماري المرحة بل كانت مكسورة. اعترفت لي بعد إلحاح مني أن زوج أمها شخص عنيف جدا وأنه يضربها هي وأمها، وفي المرة الأخيرة كان مخمورا وحاول اغتصابها فلما قاومته وصرخت تستغيث بأمها وحاولت أمها إنقاذها دفعها حتى أصيبت في رأسها إصابة شديدة وبقيت في المستشفى كل تلك الفترة الماضية، وعندما تماثلت للشفاء أخبرتها أمها أنها يجب  أن تبحث عن سكن جديد لأنها لم تعد تحتمل وجودها مع زوجها، وأنها الآن بلا مأوى. عرضت عليها أن تشاركني السكن حيث أن شريكي تركني منذ أسبوع و أنا أبحث عن غيره. سكتت قليلاً ثم قالت أنها ليس لديها عمل ولن تستطيع سداد نصيبها من الإيجار، فأخبرتها أني سأتحمل نصيبها وعندما تعمل بإمكانها سداده. أقامت معي وكنت سعيدا بقربها و رغم أنها كانت مهملة في كل شئ وتترك البيت غير مرتب أو نظيف، إلا أني كنت أحب مرحها والحيوية التي ملأت بها  حياتي، لكني كنت شديدا معها بخصوص النظام والنظافة فكانت تستجيب أحياناً وتتكاسل أحياناً، فكنت أقوم بمهامها وأنا مُكره لأني تربيت على ترتيب البيت والنظافة. عملت ماري في عدة أماكن لكنها سرعان ما كانت تمل وتتركها أو تُفصَل بسبب رعونتها واهمالها، فلم تستمر في عمل واحد لأكثر من شهرين، فكانت تسدد نصيبها من الإيجار حينا وتتقاعس أحيانا. بعد فترة تحولت علاقتنا من شريكي سكن إلى حبيبين وذلك الشئ الوحيد الذي أثبتت جدارتها فيه، حتى علمنا بحملها بعد عدة أشهر فطلبت منها الزواج كنت أظنها ستطير فرحا بذلك، لكن كان رد فعلها باردا فقد أخبرتني أني فاجئتها وأنها كانت تفكر في إجهاض الجنين لأنها لا تريد أن تكبلها المسئوليات في هذة السن الصغيرة. أقنعتها بصعوبة أن تحتفظ بالجنين وأن نتزوج لأني أحبها وسأتحمل مسئوليتهما معا ولن أطلب منها أن تعمل، بل كل المطلوب منها أن تنجب لي طفلاً وترعاه، فقد تربيت في أسرة كبيرة العدد وتمنيت ان تكون لي أسرتي أيضاً.

وافقت ماري بصعوبة بعد إلحاح مني وتزوجنا في غضون شهر، ولم تحضر أسرتي بسبب رفضهم لماري ولأسلوب حياتها الذي يختلف كثيراً عما تعيشه أسرتي وعما تربيت عليه.

كنت بعد الزواج أعمل وأتدرب وأراعي ماري في حملها وأتحمل تقلباتها المزاجية ونوبات غضبها، وسُكرها أحياناً رغم تحذير الطبيب لها من تأثيره السئ على الجنين، لكنها كانت تفعل ما تريد ولا تبالي بأحد.

أنجبت ماري ليزا وكانت نسخة منها بشعرها البني المائل للأحمر وعيونها الزرقاء، وبشرتها البيضاء ذات النمش ، فعشقتها منذ أن وقعت عيناي عليها حتى أني حصلت على أجازة لرعايتها  هي و ماري في أول أسبوعين،لكني اضطررت إلى العودة إلى عملي وكنت أؤكد على ماري أن ترعاها وتبدل حفاضاتها ولا تنسى مواعيد الرضعات. كانت ماري بأنانيتها واستهتارها لا تصلح كأم، فكانت تترك ليزا تبكي وتنام هي وتغلق باب الغرفة حتى لا تسمع صوتها، وتتصل بي صاحبة البيت تشكو لي من صراخ ابنتي الذي مزق قلبها ،وعندما اتصل بماري مؤنبا  تثور وتصرخ وتذكرني أنها لم تكن تريد الإنجاب وأني حملتها فوق طاقتها.

أحيانا كنت أترك عملي و أعود مسرعا من أجل ليزا وكدت أفقد عملي أكثر من مرة حتى فاض بي الكيل وهددتها بطردها من المنزل وقطع صلتها بي وبليزا فبكت وانهارت واعتذرت ووعدتني أنها ستتغير. بالفعل بدأت معاملتها لليزا تختلف وزاد اهتمامها بها،فسعدت بذلك وإن كانت مازالت متهورة ولا تراعي صغر الطفلة وسهولة تعرضها للخطر والأمراض، لكنها كانت تقنعني إنها تبذل كل جهدها لتصبح أفضل. كنت أحبها كثيرا فاحتملت دلالها علي وتقصيرها في شئون البيت، ولكن الشئ الوحيد الذي لم تقصر فيه كان علاقتنا الزوجية.

بعد أن بلغت ليزا عامين وصارت تستطيع الأكل بمفردها إلى حد ما ،بل والمشي والتحدث ظننت أن ذلك سيسعد ماري لأن العبء المُلقى على عاتقها صار أقل، لكنها عادت لشكواها وتذمرها، بل وتغير سلوكها وصارت عصبيتها مفرطة فظننتها عادت لشرب الخمر فكنت أبحث في أشيائها لعلها تخفي الخمر عني في دولاب ملابسها. ففوجئت بما هو أسوأ من الخمر، فقد وجدت كيس من الهيروين مخبأ بعناية بين ملابسها فكدت أجن، هل هي مدمنة مخدرات؟ ومن أين تأتي بها ؟ وهل تصطحب ليزا معها وهي تشتريه من هؤلاء الخطرين؟ وهل تتعاطاه في وجود ليزا وتعرضها للخطر؟ عشرات الأسئلة توالت على عقلي حتى كدت أفقد عقلي  ولما واجهتها أنكرت صلتها به، لكني لم أصدقها ولأول مرة تعاملت معها بشدة حتى قالت لي أن إحدى صديقاتها القدامى اتصلت بها وزارتها وسقط ذلك الكيس من حقيبتها فاحتفظت به حتى تُعيده إليها. ادعيت تصديقها لكني أخذت حذري منها وفكرت في تركيب كاميرات مراقبة داخل البيت وخارجه، لكني ترددت قليلا حتى أفقت على صدمة هروبها مع عشيقها بعد أن تركت ليزا مع صاحبة البيت بحجة شراء مستلزمات البيت، وتركت لي ورقة تخبرني فيها برغبتها في الطلاق لأنها تحب أخر.

طار عقلي فبعد كل ما فعلته من أجلها تتركني وتهرب مع عشيقها وتطلب الطلاق؟ لابد أن سبب تغييرها هي علاقتها به، أكانت تلاقيه أمام ليزا؟ الوضيعة كانت تخونني في بيتي وعلى سريري وأنا من أبذل كل جهدي لإسعادها، كم هي حقيرة غدرت بمن منحها الحب والأمان وأحسن معاملتها رغم أنها لا تستحق ربع ذلك الجهد الذي كنت أبذله من أجلها. حتى ابنتها لم تفكر فيها ،إنما كل ما فكرت فيه متعتها وحياتها فقط.

صدمتي فيها كادت أن تُذهب بعقلي فلم أتخيل يوماً أن تذمرها من الحياة معي سببه شخص آخر، فمهما كان الآخر فإن يفعل معها جزء مما فعلته لها، لن يحبها ويحنو عليها مثلي، لكن يبدو أني كنت مخطئاً في حسن معاملتي لها فهي لا تستحق حبي وحناني.

وافقت على إجراءات الطلاق واتصلت بالمحامي ليرتب تلك الإجراءات بأسرع ما يكون بشرط تنازلها عن حضانة ليزا، وافقت وتمت إجراءات الطلاق، وخلال تلك الفترة كنت أترك ليزا مع صاحبة البيت وأدفع لها مقابل رعايتها ،حتى رأيت إعلانا عن افتتاح حضانة في حينا فذهبت إليها في أول مرة بمفردي لكني ترددت في ترك ليزا هناك فهي مازالت صغيرة والأهم أنها ضعيفة صحياً.

حتى مرضت صاحبة البيت واضطررت لاصطحاب ليزا لترى إن كان يمكنها أن تتأقلم مع وجودها في الحضانة وخاصة وأنها خجولة ولا تندمج بسهولة مع الأغراب. وهناك تفاجئت بوجود تلك القصيرة التي أنقذتها ذات ليلة من الموت في المستشفى عندما جاءت مصابة بنزيف وتحتاج لنقل دم فتبرعت لها بدمي لتشابه فصيلتنا، حيث كنت  متواجدا هناك مع ماري في إحدى نوبات هيجانها عندما أجبرتها على الإقلاع عن الخمور. والتقيتها مرة أخرى في الشارع ليلا وكانت تتعرض لهجوم من مُسلح فانقذتها، وربطت بين الحادثتين فخمنت أنها إما نادلة في حانة أو عاهرة لكن ملابسها التي تغطي جسدها ورأسها أربكتني لكني أرجعت ذلك لبرودة الطقس. فقد ظننت أن إصابتها الأولى كانت بسبب تعرضها للضرب ربما من صديقها أو من أحد زبائنها، وكذلك عودتها المتأخرة تدل على أنها لا أهل لديها، فمن تسهر بمفردها يوم الأجازة وتُعرض نفسها للصوص والسكارى سوى العاهرات والعاملات بالحانات؟ لكنها أخبرتني أنها جليسة أطفال فلم أهتم بها فلم تكن تعني لي أي شئ. لكن عندما قابلتها في الحضانة وهي ترتدي ملابس تغطي جسدها وشعرها في الصيف، أدركت أنها ربما تكون مسلمة وخاصة وأن ملامحها تبدو شرقية، وعندما سألتها لم تنكر بل بالعكس بدت فخورة بدينها وواثقة في نفسها، لكني كنت أخشى من تعصب المسلمين وعنفهم كما نسمع ونرى في وسائل الإعلام، لكنها جادلتني وهزمتني بل وسخرت مني وأنا صامت لا أعرف لماذا، لكن كل ما أعرفه أن تلك القصيرة لديها حجة مقنعة.

كنت ألتقيها كل يوم عندما أترك ليزا بعهدتها وكان الحديث بيننا مقتصرا على ليزا فقط في كلمات قليلة ومختصرة، حتى طلبت مني يوما أن أجري بعض التحاليل اللازمة لليزا وفقا لتعليمات طبيب الحضانة بسبب خمولها الدائم وفقدان الشهية، فقمت بإجراء التحاليل وحجزت عند طبيب اطفال وعرضت ليزا عليه فأجرى عليها فحصا كاملا وتصفح تقارير التحاليل، ثم سألني إن كنت اعطيها مهدئات فنفيت تماماً، فسألني عن حال والدتها فأخبرته فقال إنها ربما هي من كانت تعطيها المهدئات في غيابي. استشطت غيظا وأردت أن أراها لأبرحها ضربا تلك الأنانية المستهترة، ألا يكفيها إدمانها للمخدرات؟ أتريد أن تجعل الطفلة الصغيرة مدمنة للمهدئات؟ أي أم تلك؟ لكنها ليست مخطئة بل أنا من أخطأت عندما وثقت بها وظننتها تصلح أن تكون أما رغم أن كل الشواهد كانت تنفي ذلك. أعطاني الطبيب علاج وطلب مني الاهتمام بطعامها وتغذيتها جيدا وطمأنني أنها مع الوقت ستتخلص من تأثير المهدئات على جسدها.

احتضنت ابنتي وأحضرت لها الدواء ،وعندما عدنا للحضانة أخبرت ندى بتعليمات الطبيب وضرورة تناولها طعام صحي ومواعيد الدواء أثناء تواجدها في الحضانة، فتعهدت بالالتزام بذلك. كنت أسأل ليزا كل يوم عند عودتنا للبيت عما فعلت وهل تناولت طعامها ودوائها فكانت تجيب بالإيجاب فأدركت أن ندى محل ثقة.

كان على أن أعود لتدريباتي التي أهملتها في الفترة السابقة بسبب هرب ماري ،وارتباك حياتي والمسئولية المُلقاة على عاتقي، لكن عودتي للتدريبات ستكون بعد عملي وأين سأترك ليزا؟ فكرت أن أسأل ندى فربما توافق على أن تجلس برفقة ليزا. في اليوم التالي طلبت منها أن تبقى ليزا معها بعد الحضانة وسأدفع لها المقابل الذي تحدده فوافقت بشرط أن تكون في شقتها فسألتها لماذا فقالت:

-ألم تكن حاضرا في المرة السابقة عندما تعرضت لهجوم اللصوص بسبب عودتي المتأخرة؟

فقلت بجدل:

-نعم ولكننا نسكن في نفس الشارع في العمارة المقابلة لك، أي أن عودتك لشقتك لن تستغرق أكثر من خمس دقائق.

فقالت بجدية:

-أنا أيضاً لا يمكنني البقاء في شقة رجل غريب بمفردي، وإن كنت تخشى من وجودها  معي في شقتي يمكنك البحث عن جليسة أخرى.

فقلت بعد تردد:

-للأسف لا أستطيع الرفض لأن ليزا متعلقة بك بشدة وليس من السهل أن تعتاد على الناس بسهولة، لذلك أنا موافق بإمكانك اصطحابها لشقتك وعندما أعود سآتي لأخذها.

فقالت:

-من فضلك اتصل بي قبل أن تصعد لشقتي لأني لا أفتح الباب لأحد

فقلت بذهول:

-أليس لديك عين تمكنك من رؤية من بالخارج؟

فقالت بخجل:

-لدي ولكنها مرتفعة ولا أصل إليها

فقلت لها وأنا أمنع الابتسام:

-اتفقنا سأتصل بك قبلها

وانصرفت وأنا أقول بصوت منخفض:

-قصيرة لكنها جبارة

ذهبت لعملي ثم بعد الانتهاء منه ذهبت بسيارتي القديمة، التي لم تنل رضا ماري يوما وكانت دائما تسخر منها، إلى مكان التدريب ولكن ذهني كان مشغولا بليزا المسكينة واحتياجها لأم حقيقية وما عانته ولا أعلمه مع أمها التي لا تستحق لقب أم حتى، فلاحظ المدرب تشتت ذهني وعدم تركيزي في التدريب فلفت نظري بقوة، فاستعدت تركيزي ولياقتي، وبعد انتهاء التدريب وعدته أن أكون افضل في أيام الإجازات وأن أتدرب لوقت أطول.

عدت من التدريب مُنهكا واشتريت في طريقي وجبة عشاء تناسب احتياجات جسدي واشتريت لليزا بعض الأكل الصحي وعندما وصلت أسفل البيت الذي تسكنه ندى اتصلت بها لأخبرها بقدومي فطلبت مني أن أنتظر خمس دقائق، كدت أنفجر فيها تلك المتسلطة فأنا احتاج للراحة فوراً، وفوجئت بها أمامي ومعها ليزا وهي تقول لي:

-في المرة القادمة ضع في حقيبة ليزا ملابس إضافية حتى أبدل لها ملابسها عندما تتسخ

وتركتني وانصرفت دون كلمة أخرى، لم تكن عندي طاقة لجدالها أو حتى عمل اي شئ أخر فاصطحبت ليزا وصعدنا لشقتنا وأثناء تناولنا العشاء حكت لي عما فعلته في يومها وأخبرتني أن ندى حممتها في بيتها وغسلت لها شعرها وجففته واعادت تصفيفه حتى تبدو جميلة مثلها، فسألتها بتعجب:

-هل ترين ندى جميلة؟

فقالت ببراءة:

-عندما تخلع ملابس العمل وترتدي ثياب البيت تصبح جميلة جدا، انظر لقد صنعت لي تلك الجدائل مثلها.

فتساءلت بخبث:

-هل لها جدائل طويلة مثلك؟

فقالت ببراءتها:

-جدائل ندى أطول، أنا شبعت وأريد أن أنام

فقلت بحسم:

-أغسلي أسنانك وسأتي معك لأبدل لك ملابسك

-هل ستحكي لي حكاية؟

ابتسمت وقلت:

-طبعا يا أميرتي.

رفعت الطعام وأنا مشغول بما حكته ليزا عن شعر ندى وجمالها، هل حقا تخفي جمالها أسفل تلك الملابس الفضفاضة؟ أم أن ليزا لأنها متعلقة بها فتراها جميلة؟ دخلت غرفة ليزا فوجدتها بدلت سروالها بأخر فصفقت لها وقلت :

-صغيرتي الرائعة كيف تعلمت خلع سروالك بمفردك؟أنا لم أرك تخلعينه من قبل.

فقالت ببراءة والنوم يداعب جفونها:

-ندى علمتني  ان افعل ذلك اليوم

فساعدتها على خلع الجزء العلوي وارتدت ملابس البيت وقبلتني في وجنتي واتجهت لسريرها، وأنا غارق في أفكاري، هل علمتها ندى ذلك لتعتمد على نفسها؟ أم لتعتدي عليها وتتحرش بها؟ فقد سمعت يوما أن العرب مهووسون بالجنس، ترى هل ندى منهم؟ أفقت من أفكاري على صوت ليزا وهي تناديني:

-أبي ألن تحكي لي الحكاية؟

فانتبهت لها واتجهت إلى فراشها وقلت:

-نعم يا صغيرتي ولكن احكي لي اولا ماذا فعلت ندى بعد أن خلعت سروالك؟

نظرت إلى ليزا فوجدتها استغرقت في النوم فدثرتها جيدا وقبلتها في جبينها وأطفات النور وعدت لحجرتي وقد جافاني النوم من شدة التفكير.قررت أن أذهب في اليوم التالي إلى ندى لأعرف منها ما حدث وإن كان ما أشك به صحيح فقد أقتلها لذلك لكن علي أن أتأكد اولا.

في اليوم التالي اصطحبت ليزا مبكرا إلى الحضانة فوجدت ندى تستقبلها بابتسامة وطلبت منها الدخول فأمسكت بيد ليزا وقلت لها:

-صغيرتي الرائعة قولي لي ماذا علمتك ندى بالأمس

فأجابت ليزا بصدق وعفوية:

-أن أخلع سروالي وحدي

فتمالكت غضبي وحاولت أن أبدو هادئا وقلت:

-لم يا حبيبتي؟

فأجابت :

-حتى أجلس على قاعدة المرحاض ولا تبتل ملابسي

ثم جذبت يدي فنزلت إلى حيث كانت فقالت بصوت منخفض:

وأحضرت لي صنبور به ماء وغسلت لي مؤخرتي وقالت لي هذا سر لا تخبري به أحد

فاض بي الكيل لكن تمالكت اعصابي حتى لا تخاف ليزا فقلت لها بهدوء:

-ادخلي مع اصحابك يا حبيبتي ..أنا أحبك كثيرا

-وانا ايضا يا أبي

بمجرد أن دخلت ليزا أمسكت بذراع ندى بعنف مما أصابها بفزع وقلت لها:

-ساقتلك يا عاهرة هل تجرؤين على التحرش بابنتي؟

فقالت بذعر:

-تحرش؟ بليزا؟

فقلت بغضب عاصف :

-إذا هلا شرحتي لي لم كنت تلمسين مؤخرتها؟

ظهر الغضب جليا على وجهها ونزعت يدها بقوة من يدي وبيدها الأخرى دفعتني في صدري وقالت بعنف:

-أنت مجنون حقا هل تظنني اتحرش بطفلة؟

فقلت بحدة  واحتقار :

-انتم العرب معروفون بالهوس الجنسي

فقالت بذهول:

-أنت عنصري بغيض، هل التحرش عند العرب فقط؟ أليس لديكم تحرش واغتصاب؟ هل انتم مجتمع ملائكي ونحن فقط الشياطين؟ سأوضح لك أيها العنصري ماذا كنت أفعل لابنتك  نحن المسلمين لدينا شئ اسمه الاغتسال بعد التبول أو التبرز وذلك لنظافة الجسد وحمايته من الالتهابات والميكروبات وهو ما لا تعرفونه انتم، وهذا الاغتسال يكون بالماء ثم نجفف بالمناديل وهذا ما كنت أعلمه لابنتك لأن رائحة ملابسها كانت كريهة ولأن مؤخرتها بها التهابات، ولعلمك ابنتك أخبرتني أن أحد زوار والدتها حاول أكثر من مرة لمسها في تلك المنطقة بقوة فكانت تصرخ مما جعل امها تعطيها دواء وتغلق عليها الباب وحدها.

نظرت إليها بذهول وأنا غير مصدق ما تقول فأكملت بنفس الحدة وقالت:

-لقد علمت ابنتك طريقتنا في النظافة لأن زميلاتها يرفضن الجلوس بجوارها بسبب رائحتها ، وكنت أنوي اليوم استشارة الطبيب في أفضل الطرق لتعليم كل الاطفال ذلك حرصا على نظافتهم وصحتهم ومنعا لانتقال الميكروبات من خلال قاعدة المرحاض.

سكتت للحظات ثم أضافت بمنتهى الحدة:

-إن كنت لا تثق بي وبما قلته أدخل الفصل وأسأل الفتيات ماذا قلن لليزا ولماذا وفي مثل هذا العمر الاطفال لا يكذبون، وإن ظل بداخلك شك ابحث لها عن حضانة أخرى فأنا لن احتمل عنصريتك البغيضة وفي المرة القادمة سأتقدم ببلاغ ضدك اتهمك فيه بالعنصرية.

تركتني ومضت وهي ثائرة كالبركان وأنا الحقائق تصفعني واحدة تلو الأخرى. بقيت مكاني للحظات حتى قابلتني سيدة تبدو وقد تجاوزت الأربعين سنة، ذات وجه بشوش وتبدو مسلمة أيضاً فهي تغطي كل جسدها، ابتسمت وقالت لي:

-أنا  فاطمة عبدالله مديرة الحضانة ، هل استطيع مساعدتك؟

نظرت إليها وقلت لها:

-لكن من ملامحك يبدو انك إنجليزية هل أنا محق؟

فقالت بجدية:

نعم أنا إنجليزية مسلمة كيف أساعدك؟

فقلت :

-هل يمكننا الحديث في مكتبك؟

فقالت بهدوء :

-تفضل

دخلنا مكتب بسيط لكنه منظم وجلست على مكتبها وجلست أمامها، وحكيت لها عن زوجتي وهروبها مع عشيقها وما اكتشفته عنها بعد ذلك، وعن ندى وتعلق ليزا بها وعما فعلته معها وأثار شكوكي وعن غضبها من ذلك وخوفي أن تحاول الانتقام من ليزا بسببي.استمعت لي باهتمام ثم قالت:

-ما حدث مجرد سوء فهم بسبب اختلاف الثقافات والعادات ، كما أنك محق في شكوكك لكنك مخطئ في اتهام كل العرب وكل المسلمين، ومما قلته لي ليست تلك المرة الأولى التي تتهمها بتهم عنصرية، وهي أيضاً مخطئة لقد أرادت أن تحل مشكلة ليزا لكنها كان عليها أن تخبرك بما فعلت وأسبابه وألا تقول لليزا أن هذا سر فهي لم تفعل شيئاً خاطئ لتخفيه.

سكتت للحظات ثم قالت:

-سأوضح لها خطئها ،وأعدك أنها  لن تكرر ما فعلت إن كنت لا ترغب في ذلك.

فقلت بسرور:

-شكرا سيدتي على تفهمك

فقالت بجدية:

-لكن عليك أيضاً أن تعتذر لها عن عنصريتك واتهامك لها دون فهم وهو ما لن اتساهل فيه.

نظرت إليها بدهشة فقالت:

-كما أنه من حقك أن توافق أو ترفض مسبقا طريقة تعاملنا مع ابنتك، من حقي أيضاً أن احافظ على كرامة العاملين معي ولا أسمح بإهانتهم، غدا عندما تحضر ليزا سأنتظر منك اعتذارا وإن كنت لا تريد الاعتذار أبحث لها عن مكان أخر.

قالتها بقوة ثم نهضت عن مكتبها واستأذنت وتركتني، فانصرفت وذهني مضطرب فيبدو أن النساء المسلمات قويات وليس كما نسمع عنهن أنهن خاضعات ومطيعات ومجرد وسيلة لمتعة الرجل الشرقي وتربية أولاده.

انصرفت لعملي وذهني مضطرب وكل ما حدث كان يفوق طاقتي، فتلك القصيرة ذات حُجة قوية ومُقنعة،كما أن مُديرة الحضانة أوضحت لي موقفها وسبب سوء الفهم، والآن أنا حائر هل أبحث عن حضانة أخرى إنجليزية مسيحية لترعى ليزا وأضحي بقرب المكان وخدمات ندى كجليسة أطفال؟ أم أبقيها هناك مع مراقبة كل تصرفاتهم وخاصة وأن ليزا متعلقة بندى، كما أني مُقبل على بطولة وسأنشغل عن ليزا كثيرا. كنت حائرا مضطرباً وظهر ذلك علي أثناء العمل فسألني أحد الزملاء عن السبب فحكيت له فقال إن حل مشكلتي في الزواج حتى اجد من ترعى ليزا، فضحكت وقلت له حتى أخرج من مشكلة أقع في كوارث.

انتهيت من عملي وعدت لاصطحاب ليزا فسلمتها لي إحدى العاملات فلما سألتها عن ندى أخبرتني أنها شعرت بالإعياء فانصرفت مُبكرا، فشعرت بالذنب فربما مشاجرتي معها واتهامي لها هو ما سبب لها ذلك. فكرت أن اتصل بها لأعتذر لها فأنا في حاجة إليها، لكني تراجعت حتى لا تستغل احتياجي وتطلب ما تريد من مال أو تفرض علي شروط معينة، سأنتظر إلى الغد.اصطحبت ليزا التي حكت لي عما حدث في يومها وأن ندى انصرفت مبكراً ولم تلعب معهم ولم تُلون معهم كما اعتادوا وأنها حزنت لذلك. عندما وصلنا البيت وجدت دوائها كما هو وكذلك كانت جائعة جدا فلما سألتها قالت إنها لم تشعر بالجوع ولم تكمل وجبتها في الحضانة كما أن المشرفة التي حلت محل ندى لم تعطها الدواء، فأحضرت لها وجبة عشاء مُغذية ،وبعد الانتهاء اغتسلت ودخلت غرفتها وجمعت الاطباق وغسلتها ثم ذهبت إليها وساعدتها في تبديل ملابسها ثم وضعتها في سريرها وقبلتها فقالت ببراءة:

-أبي هل تشاجرت مع ندى؟ أرجوك أنا أحبها ولا أريد أن أفقدها مثل أمي.

فقلت بحزن وأنا أمسح برفق على جبينها:

-يا صغيرتي ندى ليست من أسرتنا ولا هي صديقة، هي مجرد شخص يعمل في الحضانة وقد تتركها لأي سبب وتحل أخرى محلها، فلا أريدك أن تحزني إن ابتعدت عنك.

فغضبت وتجمعت الدموع في عيونها وقالت :

-لكني أحبها وأريدها أن  تبقى

فشعرت بضعفي وقلة حيلتي عن تعويض طفلتي عن غياب أمها في حين أن فتاة غريبة نجحت في ذلك خلال أيام. قبلتها وقلت لها :

-ألا تريد أميرتي أن احكي لها حكاية الأميرة والاقزام السبعة؟

فابتسمت وقالت بسعادة:

-نعم يا أبي

فأحضرت القصة الملونة وبدأت احكي لها وهي تشاهد الصور حتى نامت فدثرتها جيدا وذهبت إلى غرفتي واغتسلت وبدلت ملابسي وذهبت إلى فراشي ،ومددت جسدي والأفكار تتوارد على ذهني، فأنا بحاجة لندى ولكني أخشى من اختلاف الدين والعادات أن يؤثرا على صغيرتي، وفي نفس الوقت ليس لدي بديل سهل ومتاح. ورغم تخوفي من ندى فقد أثبتت أنها أفضل من ماري في رعايتها لليزا واهتمامها بها وخوفها عليها، كما أن ليزا مرتبطة بها فهي تعوضها ما حُرمت منه حتى في وجود أمها التي لم تكن يوماً أم بمعنى الكلمة.

غلبني النعاس ورأيت في الحلم أني في غابة كبيرة كلها حيوانات مفترسة وأشجار كثيفة ذات أشواك وتلك الحيوانات تطاردني وكلما حاولت الهروب منها تجرحني الأشجار بأشواكها المُدببة ، وأثناء هروبي سقطت في بركة من الطين تكاد تبتلعني وأحاول أن أصرخ لطلب النجدة فأجد صوتي مكتوما بداخلي، حتى جاءت ليزا ومعها شخص أخر فمدت يدها الصغيرة فلم تستطع إنقاذي فجذبت يد من معها لينقذني، ففوجئت أنها ندى ومدت يدها وانتشلتني من بركة الوحل واخذتني معها إلى بستان جميل كله أشجار وزهور ،ولكنها قبل أن أن أدخل طلبت مني أن أغتسل في نهر قريب فرفضت، فدخلت هي وبقيت أنا وليزا بالخارج وجسدي كله مُغطى بالأوحال وليزا ترجوني أن أغتسل لنلحق بندى، فاغتسلت وخرجت نظيفا وجروحي مُلتئمة فوجدت ندى في انتظاري ومعها فواكه وزهور جميلة.

استيقظت وأنا أتعجب من تفاصيل الحلم ولكني شعرت براحة عجيبة وأدركت أن ندى سيكون لها أثر إيجابي في حياتي.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد شحاتة
3↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
4↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
5↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
6↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
7↑1الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓-1الكاتبمدونة حسن غريب
9↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
10↓الكاتبمدونة آيه الغمري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑21الكاتبمدونة رشا ماهر131
2↑19الكاتبمدونة حسن رجب210
3↑19الكاتبمدونة شيماء الجمل141
4↑17الكاتبمدونة خالد دومه114
5↑12الكاتبمدونة اسماعيل ابو زيد78
6↑10الكاتبمدونة احمد زكريا77
7↑9الكاتبمدونة خولة سعيدان171
8↑8الكاتبمدونة علا الأزوك120
9↑8الكاتبمدونة نورا عبد الفتاح68
10↑8الكاتبمدونة صفا غنيم88
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1062
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب684
4الكاتبمدونة ياسر سلمي649
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم560
7الكاتبمدونة آيه الغمري491
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني420
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين415
10الكاتبمدونة سمير حماد 400

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب326275
2الكاتبمدونة نهلة حمودة181155
3الكاتبمدونة ياسر سلمي174374
4الكاتبمدونة زينب حمدي167790
5الكاتبمدونة اشرف الكرم125322
6الكاتبمدونة مني امين115438
7الكاتبمدونة سمير حماد 104738
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي95393
9الكاتبمدونة مني العقدة92863
10الكاتبمدونة مها العطار86264

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
2الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
3الكاتبمدونة محمد عرابين2025-05-15
4الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
5الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
6الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
7الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10
8الكاتبمدونة كريمان سالم2025-05-10
9الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
10الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09

المتواجدون حالياً

891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع