الإهداء
لكل من تجرعوا كئوس العشق وعذابه وظلوا مخلصين حتى النهاية.
الفصل الأول
جلست في غرفتي على سريري وأنا أرتدي فستان زفافي الأبيض وكل جسدي يرتجف بشدة فبعد لحظات سيدخل زوجي وابن عمي فريد ليكتمل زواجنا ولا أعرف كيف سيتعامل معي بعد كل ما عرفه عني. بعد وقت مر علي كالدهر سمعت صوت طرقات على الباب وبعدها دخل فريد بقامته الطويل وجسده الرياضي ذو العضلات البارزة، وبشرته السمراء وشعره الأسود المجعد وعيونه البنية الواسعة ذات الأهداب الطويلة، لكن نظراتها كانت تشع بالقسوة وبعد لحظات صمت بيننا قال بصوت غاضب:
-الزفة جاهزة عشان نروح بيتنا
ومد يده فأمسكت بذراعه وأنا أرتجف رعبا مما سيحدث عندما سنصبح بمفردنا. كنت دوما في صغري أتشبث بذراعه فأشعر بالأمان ففريد لم يكن ابن عمي فقط بل كان من يحميني ومصدر أماني في الشارع والمدرسة فلم يكن أحد في القرية يجرؤ على الاقتراب مني أنا أو أختاي لأن فريد كان يتصدى له بقوة فنحن بمثابة إخوة له فقد تربى في بيتنا بعد وفاة والده وزواج والدته بأخر وسفرها معه للصعيد، فصرنا نحن كل أسرته. كنت أصغر إخوتي فكنت المدللة وخاصة من فريد الذي كان دائما ما يحقق لي رغباتي الصغيرة مهما بدت تافهة أو سخيفة، وكان دائما يناديني يا سلوتي وكأني خاصة به وحده فزاد ذلك من دلالي عليه.
لكن بعد أن كبرنا قليلا وأصبح فريد على أعتاب الرجولة طلب من والدي أن ينتقل لداره المجاورة لنا للإقامة فيها حتى لا يُحرج فتيات الدار فقد كانت أختي الكبرى هدى تماثله في العمر بينما تصغره منة بثلاثة أعوام أما أنا فالفارق بيننا سبع سنوات،وافق أبي بعد طول إلحاح من فريد لكنه اشترط عليه أن يتناول معنا الطعام فوافق في البداية لكنه بعد فترة أقتصر وجوده على وجبة الغداء بحجة المذاكرة. تباعدت المسافات بيننا لكنه ظل دائما الأخ الذي يحمي إخوته من سخافات الشباب ومن ألسنة من يفكر في أن يلوك سيرة أي منا.
واليوم صار فريد زوجي كما لم يتوقع أحد يوما فقد كان دائما لي بمثابة الأخ الكبير ولم أتخيل يوما أن يصبح زوجي ، لكن مفاجأت القدر لا يمكن لأحد أن يتخيلها. بدأ الزفاف بصخبه وضجيجه وكل القرية حاضرة وأبي ينظر لي بحزن من فوق كرسيه المتحرك فقد خيبت أماله وخنت ثقته التي منحها لي .أشحت بوجهي بعيدا عنه حتى لايرى دموع القهر والندم في عيناي، بينما هدى ومنة ينظران إلي بسعادة في صحبة زوجيهما وأولادهما.
التف حولنا شباب القرية وجذبوا معهم فريد للرقص والصخب فكان كعادته هادئ ورزين ويبتسم بتكلف، بينما كانت نظرات الفتيات حولنا كلها منصبة على فريد برجولته وجديته التي جعلته حلم الكثير من الفتيات ، فكن يحسدنني عليه ولا يعلمن أن كلانا مجبر على ذلك الزواج.
انتهى الصخب ودعا والدي الجميع للوليمة الفخمة المُقامة في الفناء الواسع بين بيت أبي وبيت فريد،بينما صعدت أنا لبيت فريد الذي دخلته عدة مرات لكني لم أتخيل يوماً أن أكون سيدته،وشعرت بالبرودة تكتنفني وأنا أدخل البيت وحدي فقد تركني فريد على أعتاب البيت وكأني عبء ثقيل حرص على التخلص منه،وذهب ليرحب بضيوفه وأصحابه.
اتجهت للغرفة التي خصصها فريد لي عندما قال لي:
-دي هتكون أوضتك بس قدام إخواتك هاحط في الدولاب شوية هدوم بتوعي بس عشان محدش يعرف إن كل واحد فينا هينام في أوضة.
لم أعتد قسوته وحدته في الكلام فرغم جديته مع الجميع، كان يخصني وحدي بنبرة حانية في الكلام وبمعاملة خاصة، لكني فقدت كل ذلك بعد أن علم بجريمتي.
جلست في حجرتي على سريري وأنا أتأمل ما حولي وأتذكر تخيلاتي عن ليلة العمر التي طالما حلمت بها ولكن ليس مع فريد، وكيف حولتها بسذاجتي وغبائي لعقاب لباقي العمر.
أفقت من تأملاتي على طرقات على بابي ففتحت الباب فوجدت فريد الذي قال بتجهم:
-تعالي عاوز اقولك كلمتين
خرجت معه فجلس في الصالة وجلست على كرسي في مقابلة وجسدي يرتجف ولم أستطع رفع عيناي فيه، فقال:
-هنعيش مع بعض سنة وبعدها هاطلقك، طبعا مش محتاج اقولك إن وضعنا مش هيتغير يعني أنا ابن عمك وبس، لكن خروج من غير إذني ممنوع لأي سبب غير إنك تخدمي أبوكي وبس، ممنوع حد يدخل بيتي وأنا غايب،ماتخبيش عني أي حاجة حتى لو كانت تافهة أو هتضايقني،تعليمك هتكمليه في البيت هاجيبلك كل المحاضرات والورق اللي هتحتاجيه ومش هتروحي الكلية غير على الامتحانات، من النهاردة انت مسئولة مني مالياً يعني تعيشي على أد إمكانياتي وماتاخديش مليم من أبوكي،مش هاتكلم عن اللي حصل لكن أكيد عرفتي إنك فقدتي ثقتي واحترامي،وأقسم بالله لو خالفتي أي حاجه من اللي قلتها لا هتشوفي مني وش تاني خالص ماتتخيلهوش.
بكيت وقلت له من خلال دموعي:
-ليه مصمم تطلعني واحدة منحلة وسهل تسلم نفسها لأي واحد؟أنا صحيح غلطت وندمت بس مستحيل هاكرر الغلطة
نهض غاضبا وقال:
-أنا قلت مش عاوز أسمع حاجه عن الماضي
فأمسكت بذراعه وقلت:
-بس أنا عاوزة أحكيلك مش عشان أبرأ نفسي لأني غلطانه وأجرمت في حق نفسي وأهلي، ولا عشانك جوزي وعندي أمل إنك تسامح واغفر لأني عارفة إن ده مستحيل، لكن عشان إنت فريد سندي وأماني اللي بيخاف عليه أكتر من نفسي
نظر إلي بحزن فقلت برجاء:
-أرجوك أقعد واسمع حكايتي من أولها، مش عاوزة غير إنك تسمعني وتفهمني، طبعا إنت عارف إن كل العيلة كانوا دايما يقولوا إني أجمل إخواتي لحد ما صدقت نفسي وكمان الدلع منك ومن إخواتي زود إحساسي بنفسي وبقيت مغرورة، كمان إخواتي أتجوزوا وأنا في بداية طريقي للجامعة، وأول مرة أشوف كمية الاختلاط الرهيب ده وكمان مافيش حدود بين الولاد والبنات، ده خلاني خايفة ومتلخبطة ومش لاقية حد اتكلم معاه انت بعدت من زمان وهم انشغلوا بحياتهم مالقيتش قدامي غير هاني ابن خالتي اللي كان بيعيد اخر سنة معايا في كلية التجارة، ورغم إننا ما كناش واخدين على بعض أوي لكن هو كان بالنسبة لي الملجأ الوحيد، قربنا من بعض جدا وبقينا أصحاب وبقيت احكي له وهو يقولي رأيه ما أعرفش إزاي لقيتني متعلقة بيه وبكلامه الجميل ولما اتخرج جالي واعترف لي بحبه وقالي إنه ذاكر ونجح عشاني طبعا كنت مبهورة جدا بكلامه ومعاملته،لكن برضه كان عندي شوية خوف منه لا يكون بيضحك عليه،فطلبت منه يثبت لي حبه ،فوعدني إنه هيخطبني بس لسه قدامه سنه جيش وبعدها يدور على شغل، فقلت له أنا مش هاتجوز غير لما اخلص دراستي، لأني شفت تجربة منة اختي اللي اتجوزت في الكلية ومتبهدلة بين بيتها وجوزها من ناحية وبين دراستها وكمان الحمل والولاده عطلوها،راح الجيش وكنا بنتقابل كل أجازة ينزلها ولما تخلص الدراسة كنت باخترع أي حجة عشان أسافر المنصورة واقابله هناك،أو أقول لبابا إني هازور إخواتي وفعلا أروح وانزل بسرعه اقابل هاني،ولما خلص الجيش فضل سنة كمان يدور على شغل ومش لاقي وأحيانا ياخد مني فلوس ويقولي سلف وما يرجعهمش وأقول مش مهم ماهو ابن خالتي ومن دمي ومافيش فرق بيننا ،لحد ما ألقي شغل بس في القاهرة وشجعته عشان مرتبه يكون أكبر وده هيخلينا نتجوز أسرع،حاول كتير يتجاوز معايا لكن كنت بارفض واقوله لما نتجوز،لحد ما في مرة اتصل بيه واحد زميله وقالي أنهم ساكنين سوا وإن هاني تعبان جدا وسخن ومحتاج حد ياخد باله منه وزميله ده مضطر يسافر ، اتصلت بهاني فرد عليه بصعوبة وصوته كان باين عليه المرض مافكرتش للحظة وقلت لبابا إن صاحبتي في المستشفى في مصر عامله عملية وهاروح أزورها وأرجع اخر النهار ووافق لأنه واثق فيه للأسف،سافرت ورحت على العنوان اللي زميله إداهولي وعقلي يقولي ارجعي لكن قلبي كان صوته أعلى وخلاني أكمل،فضلت أرن الجرس كذا مرة لحد ما فتح لي هاني وشكله تعبان جدا وخلاص هيقع سندته بسرعة ودخلته على سريره وعملت له كمادات وأكلته واديته الدوا وأخر النهار كانت حرارته نزلت خالص فغديته واديته الدوا وقلت له هامشي فضل يبوس إيدي ويقول لي مش عارف من غيري كان هيعمل إيه وفجأة لقيته شدني له حاولت أقاومه ماقدرتش كان أقوى مني بكتير رغم ضعفه، وبعد....ما أخد غرضه ولقاني باعيط طبطب عليه وقالي إني مراته قدام ربنا وأخر الأسبوع هييجي يتقدم لبابا وعشان اتطمن وما اعملش فضيحة كتب لي ورقة جواز عرفي،مشيت وأنا منهارة من اللي عملته في نفسي بغبائي ضيعت نفسي وخنت ثقة أبويا ،لكن قلبي فضل يقولي بيحبك وهيرجع لك عشان خايف من الفضيحة، وعقلي يقولي مستحيل يتجوزك بعد ما طالك،أيام وأنا عايشة في الصراع ده لحد أخر الأسبوع وطبعا ماجاش واتصلت بيه موبايلي مقفول ، روحت أزور خالتي وسألتها عنه قالت لي سافربره يدور على شغل،شهقت وفضلت أعيط وألطم ولما هديت حكيت لها على اللي حصل ووريتها الورقة،فقالت لي إن دي غلطتي مش غلطة ابنها وإني لوحدي اللي لازم استحمل نتيجة غلطي،فضلت مذهولة. ومش مستوعبه الكلام لحد ما قالت لي مش جايز الورقة مزورة وإني باعمل كده عشان ألزق عملتي في ابنها، خرجت من عندها وأنا عارفة إني انتهيت وإن الموت مصيري، بقيت أروح الكلية وأتحرك في البيت مجرد جسم من غير روح، ومستنية قرار الحكم بالاعدام كل لحظة،حتى بابا لاحظ إني متغيرة وكنت باتحجج بالمذاكرة عشانها أخر سنة، لحد ما في يوم وقعت من طولي في الشارع قدام الكلية ونقلوني المستشفى،واتصلوا ببابا ولما جه الدكتور قاله إني...حامل ومحتاجة رعاية،شفت في عينيه نظرة قهر وانكسار ما شفتهاش قبل كده،روحنا البيت من غير ما يكلمني ولا كلمة وأول ما دخلنا بيتنا فضل يشتمني ويضربني وما حاولتش ادافع عن نفسي لأني أستحق الموت،لحد ما غبت عن وعيي وفوقت لقيتني على سرير في عيادة ولقيتك معايا وعرفت إن الجنين نزل من ضرب بابا ليه وإنك انقذتني وأخدتني عند دكتور معرفتك من غيرماحد يعرف،وإن أبويا من الصدمة جات له جلطة وأثرت على حركته، وعشان تنقذ عمك وسمعته اتجوزتني،والله دي الحقيقه، أنا مافرطتش بإرادتي هو اللي اغتصبني السافل وأنا حاولت أقاومه، أنا تربية إيدك وانت عارف إني مهما حصل مش ممكن أغضب ربنا، أنا غلطت لما آمنت له وافتكرته هيصون صلة الدم زي انت ما بتعمل، لكن لقيته سافل ولا بيصون حرمات ولا بيخاف ربنا، حتى خالتي ضحت بيه عشان ابنها .
سكت للحظات فقال فريد دون أن ينظر إلى:
-نامي يا سلوى وانسي اللي فات
-ياريت أقدر أمحيه مش بس انساه لكن دي لعنة هتفضل تطاردني العمر كله.
الفصل الثاني
طالما حلمت بذلك اليوم الذي يضمني وإياها بيت واحد وأبوح لها بعشقي وغرامي الذي بدأ منذ لحظة ولادتها فبمجرد أن رأيتها وقعت في غرامها وصممت أنها لن تكون لسواي، لكن يبدو أن للقدر رأي أخر. عشقت ذلك الوغد الذي أمطرها بمعسول كلامه ولم تشعر بمن بذل عمره كله لحمايتها وسعادتها،يبدو أن النساء تطربهن الوعود حتى لو كانت كاذبة والكلمات حتى لو كانت خادعة، بينما لا يصدقن الأفعال.كنت أعمل في وظيفتين حتى أعود سريعاً وأستطيع توفير بيت يليق بها، وأحقق حلمها بفرح كبير في القاهرة.
لم أكن أعلم أنني يجب أن أهلك نفسي في العمل ثم أعود مُسرعا لأمطرها بكلمات الحب ووعود الغرام حتى لا تقع فريسة لغيري، دون مراعاة لعمي الذي ائتمنني على بناته وعرضه، ولا لديني الذي ينهاني عن مُطارحة أية فتاة الغرام وهي ليست زوجتي.كانت مقاييسي مختلفة و لم أفكر في مصارحتها بمشاعري لأني فضلت أن تنتهي من دراستها أولا ثم أتقدم لطلب يدها من عمي ولم أكن أعلم أن قلبها يمكن أن يميل لغيري، كنت أظنها تشعر بما في قلبي فمعاملتي لها مُختلفة حتى عن مُعاملتي لأختيها، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً لتعرف أني أعشقها ولا حياة لي بدونها، وأنها بفعلتها تلك قتلتني فعليا وعندما أراد عمي قتلها ليتخلص من عارها،لم يستطع قلبي العاشق أن يقسو عليها رغم كل شيء فطلبت منه أن أتزوجها لأمحُ عنه عارها وأكون أنا ستراً وسنداً لها كما كنت دائما. رغم شدة غضبي منها إلا أني لم أستطع التخلي عنها وتركها تواجه الموت،فحياتها بقربي وهي لا تحبني أرحم بكثير من فراقها للأبد.عاملتها بكل الغضب الذي يشتعل بداخلي، وأبقيتها في بيتي لأحميها، واليوم عندما اعترفت لي بذنبها وكيف وقعت بسذاجتها وقلة خبرتها في براثن ذلك النذل الذي لم يرعَ حُرمة الدم،وانتزع برائتها بدلا من صونها،اليوم شعرت بغضب مُضاعف زودت لو يقع تحت يدي لأقتله. ذلك الذي تجرأ على الاقتراب من سلوتي وخدعها بإسم الحب،وسلبها شرفها ثم تركها بمنتهى الخسة لتواجه مصيرها،كم كنت مُخطئاً حين ابتعدت عنها لأجمع المال ولم أهتم بمتابعتها في مرحلتها الانتقالية الجديدة، كان يجب أن أكون بجوارها على الأقل بنصائحي.ربما أيضاً كان من الأفضل أن أعترف لها بحبي حتى لا تميل لغيري،قصرت في حقها لذلك علي أن أكتوي بنيران قربها مني وأنا غاضب منها وعاجز عن الاعتراف بحبي الذي ستقبله مُجبرة لأنها زوجتي وفي بيتي بل وتراني بطلاً أنقذها من الموت. أنا لا أريدها مُجبرة بل أريدها أن تختارني بقلبها.
أكاد أُجن كيف مازال قلبي يعشقها ويخفق من أجلها فقط وهي خائنة أحبت غيري؟ كيف أمنع نفسي عن حبها وهي تعيش معي تحت سقف بيتي؟ ترى هل سيأتي يوم وتحبني؟
دخلت حجرتي وألقيت بجسدي المُنهك على سريري وفكرت كم كانت جميلة في فستانها الأبيض، كانت أجمل مما تخيلت، كنت أحلم طويلا بتلك الليلة التي سأبثها كل مشاعر العشق وكلمات الغرام لأكون أول من تتفتح مشاعرها على يده، وأكون صاحب أول لمسة لكن الخائنة لم تصن نفسها من أجلي. صور لي شيطاني أن أغتصبها أنا أيضاً ولكن ذلك حقي بالحلال، ولكن هل صرت متوحشاً لتلك الدرجة؟ هل سيعميني غضبي فأتحول لوحش وأمنحها سببا لتكرهني لباقي عمرها؟ لا فأنا لن أكون خسيساً كحبيبها.
نهضت من الفراش وذهبت للحمام لأغتسل وأتوضأ لعل الماء البارد يطفئ نيران قلبي، ووقفت أصلي بخشوع لعل الله يمن علي بالسكينة،ودعوت الله أن يُريح قلبي.
حاولت أن أنام ولكن جافاني النوم فأخرجت من الدولاب ألبوم صور قديم يجمع كل ذكريات الطفولة. تأملت صورة أبي وهو يضع يده على كتف أمي وكأنه يخبرها ألا تخاف، وكذلك يمسك بكفي الصغيرة فكان مصدر أماني.الصورة التالية كانت تجمعني بأبي وأمي وأسرة عمي في المصيف بالإسكندرية وكنا جميعا أطفال وكنت سعيدا و كعادتي أمسك بيد سلوتي،والصورة التي تليها كانت بدون أبي فقد كانت بعد وفاته بنحو عامين وكنت أبدو فيها منكسراً،رغم سعادة الجميع بزيارتنا الأولى لحديقة الحيوان بالجيزة،لكن زوجة عمي كانت تقف بجواري مبتسمة كما كانت دائما،فهي نبع الحنان والأمومة حيث تغمرها جميعا بحبها واهتمامها وكانت لي أماً ثانية بعد أن هجرتني أمي من أجل زوجها. كل الصور التالية كانت مع أسرة عمي، ثم صور لي مع أصدقاء الجامعة حيث كنت دائم التفوق في كلية التجارة ولكن تعطل تعييني كمعيد بالجامعة بسبب ابن العميد الذي عُدلت نتيجته ليكون الأول على الدفعة وينال التعيين. رغم إحباطي إلا أن وقوف عمي بجواري جعلني أتجاوز ذلك وبحثت عن عمل وحصلت على العديد من الكورسات التي ساعدتني على تطوير مهاراتي واستطعت التنقل من عمل لأخر أفضل. عملت بالقاهرة لأن رواتبها أعلى وسكنت في شقة مشتركة مع بعض الزملاء وكنت أحرص على العودة للقرية كل في الأجازة الأسبوعية حتى أمتع نظري برؤية سلوى والتحدث معها لعلي أروي ظمأ قلبي. كنت أحرم نفسي من الرفاهية التي يتمتع بها غيري حتى أدخر المال لأعيد بناء وإصلاح ماتهدم من البيت ليليق بها،وكذلك عففت بصري وكل حواسي عن غيرها رغم كل حيل الزميلات في الكلية أو العمل للوصول لقلبي لكنه كان مغلقاً على حب سلوى فقط. وبدأت في إصلاح البيت تحت إشراف عمي وعندما انتهيت منه،صممت على مفاتحة عمي في المرة القادمة بشأن زواجي من سلوى لكني فوجئت به ينهال عليها ضرباً، وهو لم يفعلها من قبل،فتعجبت وتساءلت ترى أي ذنب عظيم اقترفت حتى يكاد يقتلها؟ أنقذتها من بين يديه وحملتها للمستشفى وهناك عرفت أنها فقدت جنينها. كانت صدمة أصعب من قوة احتمالي ،سلوى الرقيقة البريئة غرقت في وحل الخطيئة؟ سلوى أحبت غيري وسلمت له نفسها بسهولة؟ ترى من هو السافل الذي فعل بها هذا؟وهل سيتزوجها؟ كاد رأسي ينفجر من كثرة التفكير.
أفاقت سلوى وكانت تشعر بوهن شديد وخزي ليس له مثيل وخاصة أمامي.ساد الصمت بيننا والغضب يعصف بكل كياني والخوف يكاد يقتلها،لكني تمالكت نفسي وسألتها:
-مين اللي عمل كده؟
-هاني ابن خالتي
-هاخليه يتجوزك
فقالت بخوف:
-مش هينفع
-ليه؟
-سافر وقفل تليفونه، وخالتي مش مصدقاني.
-يعني حبيب القلب طلع ندل
سكتت وانسكبت دموعها،فأشفقت عليها وقلت:
-خلاص أنا هاحلها لما عمي يقوم بالسلامة
فقالت بلهفة:
-بابا ماله؟
ما استحملش الصدمة وجاتله جلطة
بكت بوهن وقالت:
-أنا السبب كنت سبته يموتني
-عشان يتفضح في البلد ويمشي موطي رأسه وسط الناس؟ وأخواتك البنات ذنبهم إيه يتفضحوا ويمكن يتطلقوا كمان؟
بكت بشدة آلمت قلبي فقلت:
-ماتعيطيش قلت لك هاتصرف، المهم تعالي أروحك النهاردة عشان أروح لعمي ومحدش يحس بحاجه خالص وإياكي حد من اخواتك يعرف.
-حاضر،بس ما قولتش هتحلها إزاي
-هتجوزك
ظهرت الصدمة جلية على وجهها فقلت بحدة إنقاذاً لكرامتي:
-مش باعمل ده عشان إنما عشان أنقذ سمعة عمي اللي رباني وأرد جزء من جميل مرات عمي الله يرحمها.
سكتت ولم تجب وفي الأيام التالية كانت تتحرك بآلية وكأنه روحها انتزعوها منها وبقيت مجرد جسد بلا روح، حتى ابتسامتها كانت باهتة لا تدل على سعادة عروس بزواجها. سمعت هدى قبل الزواج تسألها:
-مالك مش مبسوطة ليه؟ أبوكي غاصبك على الجواز؟
-لأ أبداً هو أنا هالاقي زي فريد فين؟ بس كان نفسي ماما الله يرحمها تكون معانا وكمان زعلانه عشان هاسيب بابا
ضحكت هدى وقالت:
-هتسيبيه فين؟ ده الباب في الباب يعني مش هيخلص منك.
شعرت بالراحة لأن الجميع يظن أنه زواج عادي، وكم كنت أتمنى أن يكون كذلك ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
الفصل الثالث
الحمد لله الذي سترني بفضله أمام الناس، ولم يعرف أحد بفضيحة سلوى ولا حتى أختيها فقد كنت أخشى عليهما من معايرة أزواجهما التي ربما تنتهي بطلاق إحداهما أو كلتيهما. فريد أثبت أنه رجل بحق ووقف بجواري وستر على ابنتي وجنبنا ،كنت أشعر أنه يكن لسلوى مشاعر خاصة لكن لم أتخيل أن يتزوجها لحمايتنا من الفضائح. تذكرت سلوى تلك الطفلة المُدللة من أمها وأختيها وحتى فريد، رغم صرامتي في تربية البنات لشدة خوفي عليهن إلا أن سلوى كانت لها مكانة خاصة في قلبي وخاصة بعد وفاة والدتها وزواج أختيها وتحملها وحدها مسئولية البيت، فقد رفضت أن أتزوج بعد وفاة رقية زوجتي لأني لن أجد مثلها في طيبتها ونقائها وطاعتها وحبها للجميع، حتى أنها غمرت فريد ابن أخي بحبها وكأنه ابنها بعد وفاة أبيه وزواج أمه وانقطاعها عن السؤال عنه. كانت رقية له بمثابة الأم وشملته بحبها ورعايتها ،كما كانت تفيض على الجميع بلا استثناء. لم أتخيل للحظة أن ينطفئ بريقها، أو أن تفارق دنيانا في لحظات معدودة وتتركنا بدون مقدمات، وكأن قلبها أتعبه كثرة العطاء فقرر أن يتوقف ليُنهي رحلة من العطاء. كم كنت أتمنى أن تعرف قبل موتها كم أحبها وأقدرها لأني لم أبُح لها يوما بمشاعري ولم أخبرها بتقديري لها.
رحلت ورفضت أن أتزوج بعدها فأين سأجد شبيهتها؟ كانت هدى قد تزوجت قبل رحيلها، أما منة فكانت مخطوبة فأتممت زواجها في الميعاد المحدد وظلت معي سلوى في البيت ترعى شئون البيت بجوار دراستها فأشفقت عليها وكنت أسمح لها بالخروج مع صديقاتها للترفيه عن نفسها ،وهو مالم أفعله مع هدى ومنة،وليتني ما فعلت فقد شجعها ذلك على الخروج مع هاني ذلك السافل المُستَغِل، الذي لم أحبه يوماً فهو ابن زينات جارتنا التي كانت تبذل كل جهدها للإيقاع بي لأني وأمتلك بيتاً وأرضاً وأعمال في وظيفة حكومية مرموقة، فكنت بالنسبة لها صيد ثمين. لم أحبها يوماً، أو حتى أشعر بالإرتياح لها فكنت أراها مادية مُستغلة، بعكس أختها الكبيرة رقية التي كانت بشوشة الوجة ورقيقة والكل يحبها لإنسانيتها ومودتها مع الجميع، فاخترت رقية زوجة لي وجعلت صلتها بزينات محدودة، ولم أسمح لها بدخول بيتي وكان ذلك يُغضب رقية وتسأل عن السبب فأُخفيه عنها فترى ذلك تعنت مني بلا سبب. كنت أعلم أن زينات حاقدة على رقية وحاولت أكثر من مرة الإيقاع بيننا ولكني كنت أحتوي الموقف حتى لا أحقق لها غرضها، فهي رغم زواجها برجل أكثر ثراءاً مني لم تنسَ أني فضلت رقية عليها. لقد بخت سمومها في رأس ابنها ذلك الحقيرحتى صار مثلها لا يرعى حُرمة ولا قرابة وكل ما يهمه نفسه فقط، وجاء انتقامها في انتهاك شرف ابنتي والتنكر لها وهي تظن أنها بذلك ستكسرني وتذلني وتجعلني أركع تحت قدميها لأرجوها أن تستر على سلوى، لكن الله أرسل لي فريد ليُجنبني الذل والهوان والفضيحة، سأظل طول عمري مديناً له، فقد كان لي نعم الابن، فقد ربيته بعد وفاة أخي وكان لن يتجاوز العاشرة واهتمت به زوجتي و رعته مع بناتي فكان أخا لهن يحميهن ويخاف عليهن ويشعر بالألفة معهن خاصة بعد زواج والدته وامتناعها عن زيارته. وعندما بلغ مبلغ الشباب أصر على الانفصال عن الفتيات حتى لا يسبب لهن الحرج، فانتقل لبيت أبيه المجاور لنا وأصررت على أن يتناول الطعام معنا حتى يظل بيننا ولا يتكلف مشقة إعداد طعام له. كنت ألاحظ اهتمامه الخاص بسلوى ونظراته التي تحمل معاني خاصة لا يدركها إلا الرجال فتمنيت أن يتزوجها بل أني قلت له ذات مرة أني أتمنى أن يكون زوجا لإحدى بناتي لأني لن أجد من هو افضل منه ولأني أريد أن يظل يرعاهن بعد وفاتي، فباح لي بمكنون قلبه وقال أن حالته المالية ليست جيدة وخاصة انه لم يرث من أبيه شيئا، فقلت له المال لا يصنع رجالا ولكن الرجال يصنعون المال بكدهم وتعبهم، فابتسم ومن بعدها سافر للقاهرة ليعمل ويعود في نهاية الأسبوع وأخبرني أنه يدخر المال لإعادة إصلاح البيت الذي تهدم بسبب إهمال صيانته، فسعدت بذلك وأدركت أنه ينوي الزواج. كلما تقدم لإحدى بناتي خطيب استشرته لأعرف إن كان له رغبة بها أم لا، ولما وجدته سعيدا من أجل هدى ومنة أدركت أنه يرغب في سلوى التي كلما تقدم لها خاطب يغضب ويتحجج بأنها مازالت صغيرة. عندما عرفت بمصيبة سلوى كدت أقتلها لأنها خانت ثقتي بها، ومكنت زينات من انتقامها، ودنست شرفي، لكن فريد هو من أنقذها من يدي.لم يتحمل قلبي صدمة تفريط ابنتي في شرفها وشعرت بألام شديدة في صدري فأخذني فريد للمستشفى فقد أصابتني جلطة وتسببت في شلل جسدي، ولم يخبر فريد ابنتاي وزوجيهما بالسبب بل قال إنه إجهاد وانفعال بسبب ضغط العمل ومراعاة زراعة الأرض. كنت أتصور أنه لن يفكر فيها مرة أخرى بعد أن أسلمت نفسها لغيره، لكنه فاجئني بطلب يدها ليسترنا من الفضائح فشكرت له صنيعه وقلت له:
-من حقك تتجوز عليها أو تطلقها في أي وقت وأنا هافضل عمري كله شايل جميلك على راسي وهتفضل ابني مهما حصل.
-مافيش جميل ولا حاجه ياعمي ده حقك عليه.
طوال تلك الفترة وأنا أشيح بوجهي عن سلوى كلما دخلت علي لتخدمني أو تطعمني فمازال قلبي غاضبا عليها. اليوم كان يوم عُرسهما والبلد كلها تحتفل معهما في حفل صاخب أصر فريد عليه، ليحفظ ماء وجهي، أستطيع الآن أن أترك الدنيا وأنا مطمئن على ابنتاي مع زوجيهما، أما سلوى فأتمنى أن تعرف قيمة الرجل الفريد الذي تزوجته وأن تظل زوجته للأبد فهي لن تجد مثله أبدا.
الفصل الرابع
مضت الأيام التالية لحفل زفافي المزعوم بين استقبال المهنئين ورعاية أبي الغاضب علي وبين أعمال المنزلين، أما فريد فكان يمضي وقت فراغه معي في البيت في إصلاح مالم يستطع الإنتهاء منه بسبب زواجنا السريع، فكان ينشغل بطلاء الغرفة التي يقيم فيها ويقضي الليل نائما على الأريكة،أو يصلح بعض الدواليب والكراسي القديمة ويعيد طلائها، وكثيرا ما كان يختلي بنفسه ليلا فوق سطح البيت. حاولت كثيرا خلق حوار بيننا لكن كانت إجاباته قصيرة ولا تفتح مجالا للكلام.تعجبت كثيرا لما فعله معي هل هو فقط لرد الجميل لأبي أم أن هناك سبباً أخر؟ وأي سبب الذي يجعله يحتمل خطيئة غيره؟هل هو مجرد اهتمام من أخ لأخته -كما كنت أعتبره دائما- أم أن هناك دوافع أخرى؟شغل فريد تفكيري طوال مدة وجوده معي حتى أني كنت أتأمل ملامحه وهو يعمل فلاحظت جسده القوي البنية المتناسق، وطوله الفارع وعضلاته البارزة،وبشرته السمراء مع شعره الأسود المجعد، كل ذلك ذكرني بالجنود الأقوياء في جيوش قدماء المصريين، لكني كنت حائرة في لون عينيه هل هما عسليتان أم سودوان؟ لا أعرف، لكن كل ما أعرفه أنه شغل تفكيري. كان يجمعنا طعام الغداء فيجلس صامتاً ويأكل بدون تعليق فكنت أسأله أحياناً:
-الأكل عجبك؟
فيجيب دون أن يرفع نظره عن الطعام:
-كويس
-عاوزتاكل إيه بكرة؟
-أي حاجة
كان ذلك حوارنا الدائم وبعدها يختفي عن عيناي إما بالجلوس مع أبي، أو بالانشغال بإصلاح الأشياء، أو بالانفراد بنفسه فوق السطح.قررت أن أخترق عزلته وأُعيده بمشاكستي له لطبيعته التي كانت أقل جدية وصمتاً، فصعدت للسطح أحمل كوباً من الشاي فوجدته يكتب شيئاً في أوراق وأخفاها عندما شعر بوجودي فقال بحدة:
-إيه اللي طلعك هنا؟
-جايبه لك الشاي
-كنتي اندهي عليه وأنا أنزل أخده
أخجلتني حدته وشعرت أنه لا يرغب في رؤيتي وغزا الألم قلبي، فقال بلهجة أقل حدة:
-ماتطلعيش السطح تاني إنتي مش عارفه إن السلم مكسور وممكن تفعيل من عليه؟
-ما انت بتطلع عليه كل يوم
-أنا واخد عليه وكمان باخد بالي وحتى لو جرالي حاجه مش مهم لكن لو انتي جرالك حاجة؟
اقتربت منه وقلت بحنان:
-لسه بتخاف عليه يافريد؟
قال بارتباك:
-طبعاً مش بنت عمي ومسئولة مني؟ يالا انزلي وماتطلعيش هنا تاني
نزلت والألم يعتصر قلبي فقد فقدت فريد سندي وأخي الأكبر الذي كان يهتم بي ويدللني،وبعد ماحدث لي صار يقسو علي كما يفعل أبي. كنت الضحية لا الجانية والكل يلوم علي ويحملني وحدي ذنب تلك الكارثة، حقاً كنت مخطئة في تساهلي معه وذهابي لشقته،لكني لم أفرط في شرفي بإرادتي بل أُجبرت على ذلك،ألن يغفرا ذلك لي أبداً؟لقد تُبت إلى الله توبة نصوحة وقد يغفر لي لكن أبي وفريد لن يغفرا. بكيت كثيرا ًفي غرفتي وطلبت من الله العفو والمغفرة، وندمت على ما فعلت وسألته أن يجعل أبي وزوجي يغفران لي،رنت كلمة زوجي في أذني وكأني لأول مرة أسمعها وأنتبه لها، وتساءلت لماذا لم يطالبني فريد بحقه كزوج؟هل يشعر بالنفور مني أم أن في حياته امرأة أخرى؟هل مازال يراني أخته الصغيرة؟ لكنه لم يقلها يوماً بل كان دائماً يدعوني بسلوتي، ولم يقل لي يوما أني أخته كما كان يقول لهدى ومنة،حائرة في أمره ولا أفهمه. ذات ليلة سمعت صوتاً غريباً في الغرفة فشعرت بالخوف وخرجت مُسرعة وأنا أرتدي بيچامتي الحريرية الحمراء التي تنسدل على جسدي وكمها قصير، وشعري الأسود الطويل ينسدل على ظهري وطرقت باب غرفة فريد وأنا خائفة فلما لم يجب فتحت الباب بهدوء فلم أجده فأدركت أنه على السطح فصعدت إليه مُسرعة وأنا أناديه فجاء إلي متعجلاً عندما وصلت للسطح ووقف ينظر إلي مشدوهاً فقال غاضباً:
-إيه اللي طلعك هنا؟ أنا مش منبه عليكي ماتطلعيش هنا؟ وإزاي تطلعي بالشكل ده؟ انزلي حالاً
تجمعت الدموع في عيناي فلم أعد أحتمل حدته معي وغضبه بلا سبب وصراخه الدائم في وجهي واتجهت نحو السلم لأنزل فقال بصوت أقل حدة:
-استني كنتي جاية ليه؟
فقلت من خلال دموعي:
-فيه صوت في أوضتي خوفني وكنت عاوزاك تشوف ده إيه
-طيب انزلي وأنا جاي وراكي بس ما تطلعيش تاني هنا ولو مضطرة تطلعي تكوني بحجابك ولبس محترم
انصرفت غاضبة وأنا أقول بصوت منخفض هو هيفضل دايما ً شايفني مش محترمة؟ أنا مش هاكلمه تاني لو هاموت.
بمجرد ما انتهيت من كلامي تعثرت قدمي في الظلام في الجزء المكسور من السلم وسقطت على الأرض وصرخت من شدة الألم. نزل فريد مسرعاً وحملني للداخل وشعرت باضطراب شديد لقربي منه وأنفاسه الساخنة تلفح ، بل إني أسمع دقات قلبه الذي يخفق بجنون ربما لخوفه علي. وضعني على الأريكة في الصالة ونظر لقدمي فوجدها متورمة فذهب لغرفته وأحضر لي مرهما ثم اتجه للثلاجة وأحضر منها قطع ثلج ودلك بها قدمي حتى شعرت بالخدر ثم جففها ودهن المرهم عليها ودلكها برفق جعلني أضطرب لملمس يده وزاد اضطرابي عندما تلاقت نظراتنا ورأيت في عينيه نظرات لم أجد لها تفسيراً. نهض مضطرباً واتجه لغرفتي ليبحث عما يخيفني ثم فتح الباب وخرج وأغلقه خلفه، وبعد عدة دقائق عاد وقال:
-ماتخافيش ده كان فار بياكل الخشب بره وأنا موته، قومي أدخلي أوضتك
حاولت النهوض لكني لم أستطع فجذبني لأتكأ على ذراعه القوية حتى أوصلني السرير، فقلت له:
-شكراً يا فريد تعبتك معايا
-مافيش تعب ولا حاجه بس مافيش طلوع للسطح تاني وخاصة بالليل.
-حاضر
-وطول ما أنا موجود بلاش تطلعي بالهدوم اللي انتي لابساها دي
قالها وهو يشيح بنظره عني، فأدركت أني لا أعجبه.
استيقظت في الصباح على صوت دقات على بابي فاستندت على الأثاث وفتحت فوجدت فريد يقف بعيداً ويقول :
-يالا البسي هدومك عشان هتقضي اليوم كله عند عمي وكمان اخواتك جايين
اغتسلت وارتديت ملابسي واستندت على ذراعه القوي وذهبت إلى بيت أبي فوجدت هدى سبقتني إلى هناك هي وابنتيها،فسلم عليهم فريد وعلى أبي واستأذن لأداء بعض المهام قبل سفره غداً لعمله.
قالت لي هدي مُشاكسة :
-الجميل زعلان ليه؟عشان حبيب القلب صابح ماشي؟
- شكلك فايقه ورايقة وأنا مش فاضية لك
عندها دخلت منه ومعها طفلها وبعد السلام قالت ساخرة:
-ألا قوليلي يا سوسو هي رجلك اتلوت إزاي؟
فقالت هدى مازحة:
-شكلهم كانوا بيجروا ورا بعض..عرسان بقى هيييح
فقلت بغضب -هتتريقوا عليه هاسيبكم وأمشي
-فقالت منه:
-خلاص ماتزعليش بس تحكي لنا اللي حصل من ليلة الدخلة بالتفاصيل المملة
وانطلقت ضحكاتهما ولم ينقذني منهما سوى نداء أبي وصراخ ابن من الرضيع.ماذا أحكي لهن؟أنه تزوجني ليرحمني من الفضيحة؟أم أنه يشعر بالنفور مني ولم يقربني؟ أم أنه وعدني بالطلاق بعد عام من الأن؟ ساتركهما تظنان أننا سعيدان في حياتنا. دخلت غرفتي لأرتاح حتى موعد الغداء وتجنبا ً لرؤية والدي وحتى لا تدرك أي منهما كيفية تعامله معي بغضب بعد أن كنت مدللته فتحججت بألم قدمي لأهرب بعيداً عن الجميع. بمجرد دخولي لغرفتي اجتاحتني ذكريات عشقي الآثمة لذلك النذل الذي كنت أهيم به عشقاً ولدي استعداد لأن أفعل أي شئ من أجله. تغاضيت عن مستواه المادي الأقل منا بكثير وشجعته على العمل وعندما كان يجلس بلا عمل كنت أقرضه من مدخراتي ومصروفي ولم يفكر يوماً أن يردها، كما تغاضيت عن سوء معاملة أمه -خالتي- لي وحديثها بالسوء عن أبي أحياناً، وعن أن إمكانياته المادية منعدمة وأننا سنبدأ من الصفر وهو مالم أعتده وخاصة وأن أختاي تعيشان في مستوى مادي أفضل مما كانتا عليه في بيت أبي، لكني كنت أقول لنفسي يكفيني حبه. وليته صان الحب أو التضحيات، يل طمع فيما هو أثمن من كل ذلك، طمع في شرفي. ودبر خدعة دنيئة مع زميله للإيقاع بي وجلبي لشقته لينتهك حرمة جسدي، وليته احترم وعده وتقدم للزواج بي، بل تركني بعد أن استمتع بي وبمالي وفر بكل دناءة ووقفت وحدي أواجه مصيري.رغما عني وجدتني أقارن بينه وبين فريد، الذي كان يفعل كل شئ ليحميني أنا وأختاي من نفسه قبل الناس، لم ينتهز فرص عديدة لاحت له ليستمتع بأي منا، بل كان يحافظ علينا وينصحنا برفق، وفي كل المناسبات كان يدخر من راتبه الضئيل -حيث عمل وهو في سن المراهقة ليعول نفسه- ليحضر لنا الهدايا في المناسبات المختلفة. شتان بين الإثنين، بين من يصون ومن يفرط وينتهك الحرمات، بين من يعطي ومن يأخذ، وبين الرجل الحقيقي وأشباه الرجال. اكتشفت مدى اعجابي بفريد الذي رأيته وكأني لم أره من قبل، ورغم شدة غضبه مني كان يحميني ويغمرني برعايته واهتمامه. حان وقت الغداء واعتذر فريد عن الحضور لانشغاله في رعاية أرض والدي، ووعدنا بالحضور مبكراً ليسلم على أختاي قبل انصرافهما. ظلت هدى ومنة تشاكساني وتسألاني هل افتقدت فريد؟ وهل استطعت خلال فترة زواج وجيزة أن أجعله يغرق في العمل بدلاً من أن يغرق في العسل؟ كنت أبتسم ولا أجيب فقالت هدى بمرح:
-الشيخ فريد بركاته جامدة ده خلى صاحبة اطول لسان في العيلة ساكته لأ وكمان بتتكسف
لم ينقذني منهما سوى شغب الأطفال واستدعاء أبي لهما. جاء فريد في المساء وجلس يتناول طعامه وهو يطمئن على أحوال أختاي ويلاعب ثم دخل ليتحدث مع أبي في شئون الأرض وأخبره أنه مسافر في الغد وإن احتاج إليه يتصل بي وأنه سيتركني معه حتى يعود. سلم على الجميع واصطحبني للبيت وسط غمزات ولمزات من هدى ومنة، وأنا أهمس بداخلي بسخرية :ليتهما تعلمان الحقيقة.
دخلنا البيت فقال فريد بجدية:
-هتفضلي طول مدة غيابي مع عمي عشان أكون مطمن عليكم، وطبعا ممنوع الخروج، وممنوع نهائي دخول أي راجل غريب ولا حتى أجواز إخواتك لوحدهم، أتمنى يكون كلامي مفهوم.
-اد كده ماعندكش ثقة فيا؟
-انتي باستهتارك ضيعتي الثقة دي ومحتاجة تبذلي جهد كبير عشان تكسبيها تاني
لم استطع مغالبة دموعي فقال بشفقة:
-مش عاوزة مني حاجة قبل ما أمشي
أومأت بلا فقال:
-أنا صلحت لك سلم السطوح عشان ما تتعوريش تاني.
نظرت إليه بتعجب وقلت من خلال دموعي :
-فيه أي أوامر تانية؟
-لأ
قالها بجفاء وهو يدير ظهره لي فانصرفت لغرفتي واغرقت وسادتي بنهر دموعي كالعادة.
خرجت معه في الصباح الباكر ليغادر وأغلق باب البيت خلفي وذهبت لبيت والدي الذي كان مازال نائماً. غادر فريد وعشت بعدها حياة رتيبة حيث أخدم والدي الغاضب مني وأقوم بكل شئون البيت ماعدا شراء احتياجاتي حيث كانت تأتيني حاجتي من خلال أي من اولاد الجيران، ثم اقضي المساء في مذاكرتي، ويعود فريد يوم الخميس في العاشرة ليلاً فنذهب لبيته، ويوم الجمعة يقضيه في متابعة أرض والدي، ثم يحضر احتياجات البيت ويصر على إعطائي مصروفاً لي لأشتري ما أحتاجه في غيابه وحاولت كثيراً الرفض لكنه يصر لأني زوجته ومسئولة من وليس من والدي،ثم نتناول الغداء مع أختاي وأسرتيهما وفي المساء نعود لبيتنا ويغادر في الصباح. ظلت حياتنا على هذا النمط لا جديد فيها سوى اعتلال صحة أبي واقتراب موعد امتحاناتي. في فترة الامتحانات طلب فريد من أختاي أن تتبادلا رعاية أبي حتى أتفرغ لمذاكرتي، واتفق مع أحد السائقين من قريتنا أن يصطحبني مع بعض الطالبات الأخريات حتى الجامعة ويعود بنا وشدد على ألا أركب معه بمفردي وألا أركب مع غيري، فاحترت هل هو يخاف علي أم ثقته في منعدمة؟ انشغلت عنه بامتحاناتي وحتى عندما كان يعود في الأجازة كان يتركني في بيت أبي لأراعيه وحتى لا يشغلني عن المذاكرة.
انتهت الامتحانات وفي اليوم التالي تدهورت صحة أبي كثيرا واضطررنا لنقله للمستشفى. ظل أبي على غضبه علي ورفضه النظر إلى، حتى لاحظت أختاي ففسرت ذلك بأني كنت أجبره على تناول الدواء فغضب مني.عاد فريد مسرعاً إلينا بمجرد علمه بمرض أبي وظل مرافقا له حتى وفاته.
مات أبي وهو غاضب علي حاولت كثيراً أن أطلب منه العفو والسماح لكنه ظل على موقفه، فقدت سندي في هذا العالم ومعه رضا الله، كنت سبباً من أسباب وفاته، ولم أستطع أن أنال رضاه. انهرت تماماً بعد دفنه وعودتي للبيت وحيدة. الكل يظنون أني أفتقد أبي فقط ولا يعلمون كم أشعر بالذنب مما فعلته به وبنفسي وهو لم يفعل من أجلي سوى كل الخير.انتهت أيام العزاء وجلست معي أختاي بعد انصراف المُعزيين وسألتني هدى:
-هتعملي إيه؟هتفضلي في بيتنا لوحدك وجوزك بيجيلك أخر الأسبوع؟
وقبل أن أجيب قال فريد:
-لأطبعا ً هتيجي معايا مصر أنا رتبت المكان خلاص وصاحبي اللي ساكن معايا اتنقل شقة تانية، مش هتكون مطمن عليها وهي هنا لوحدها
فقلت مؤكدة على كلامه:
-كمان الشغل في مصر أكتر وهالاقي شغل أسرع.
بالفعل حزمت ملابسي واحتياجاتي وسافرت مع فريد للقاهرة حيث يقيم بالجيزة في شارع جانبي يتسم بالشعبية لكنه قريب من محطة المترو.كانت شقة غرفة وصالة، وكانت هناك سريران بغرفة النوم فقال لي فريد:
-نامي في الأوضة وأنا هانام في الصالة
-ممكن تنام على السرير التاني عادي
فقال بحدة:
-لأ
-خلاص خده الصاله مكان الكنبة وندخل الكنبة في الأوضة، ماهو مش معقول ترجع تعبان وكمان ماتعرفش تنام.
-تهمك راحتي أوي؟
-طبعاً أنا ماليش غيرك
لمحت الارتباك واضحاً على ملامحه، لكنه سرعان ما قال :
-ماشي هاغير هدومي وأطلع السرير بره
ساعدته حتى أحدثنا التغيير وكان هناك في أقصى الغرفة دولاب معدني صغير فأخرجه بجوار السرير وبدأت في ترتيب ملابسه فيه بينما كان يغتسل وبمجرد خروجه أغتسلت وأعددت الطعام بينما كان يشاهد نشرة الأخبار وبمجرد خروجي أغلق التليفزيون وقال:
-أنا أسف بس متعود أتابع الأخبار
فقلت بحزن:
-افتح واتفرج على اللي انت عاوزه لا التليفزيون ولا قلته هيرجعوا اللي راح، وكفاية إنه مات وهو غضبان عليه
قلتها وانهمرت دموعي فاقترب مني وقال بحنان افتقده في صوته :
-مين قالك كده؟ وهو في المستشفى ماكانش بيوصيني على حد غيرك
فانهرت باكية وقلت:
-ماكانش راضي يبص في وشي وبياخد الأكل والدوا من إيدي بالعافية
اقترب أكثر وضمني لصدره وهو يربت على ظهري وقال:
-هو كان زعلان منك وخايف عليكي مش غضبان عليكي.
شعرت بخفقات قلبه تتسارع فابتعد عني برفق وقال:
-أنا هانام عشان تعبان
-استنى هاحضر لك العشا
-اتعشي انت أنا لازم أنام بدري عشان هاصحى بدري للشغل وهاسيب لك على الترابيزة ورقة فيها باسوورد الواي فاي
-تصبح على خير
شعرت بخفقات قلبي تتسارع ولم أعرف سببا لذلك، دخلت غرفتي وجافاني النوم فغرقت في بحر الذكريات وكان فريد بطل كل الذكريات بحبه وحنانه واهتمامه ورعايته، وعندما تذكرت ضمته لي تسارعت خفقات قلبي وتساءلت ترى هل بدأت أتعلق به؟ أم أن وجوده معي هو ما يجعلني أشعر بتلك الخفقات؟ لم أجد جواباً فخرجت من غرفتي فوجدته غافيا فاقتربت منه لأتأمل ملامحه عن قرب وكأني أراه لأول مرة كرجل وليس كأخ، وجدت ملامحه تفيض بالرجولة والحنان رغم إدعاؤه للصرامة،تسارعت خفقات قلبي مرة أخرى، فابتعدت بارتباك وأثناء ابتعادي اصطدمت بالمنضدة فأحدثت صوتاً عالياً ،فاستيقظ فريد مفزوعاً وقال:
-مالك حصل حاجه؟
فقلت وأنا مضطربة:
-لأ بس كنت عاوزة أشرب فاتخبطت في الترابيزة
فنظر إلى بتعجب لأن المنضدة بعيدة عن المطبخ. أسرعت باتجاه غرفتي وأنا ألعن غرائب فقال:
-مش هتشربي؟
-شربت خلاص تصبح على خير
دخلت غرفتي وأغلقت بابي وأنا مدركة أني واقعة في حبه لا محالة.
نمت بعد طول تفكير واستيقظت في الصباح فلم أجده، فاغتسلت وصليت وأعددت كوب شاي وأخذت الورقة المكتوب فيها باسوورد الواي فاي وسجلته على اللاب توب والموبايل، وبدأت أبحث عن فرصة عمل وقدمت في كل المتاح، ثم اتصلت بزميلتي سحر لأسألها عن النتيجة حتى أستطيع التقدم للعمل، فقالت أنها ستخبرني بمجرد ظهورها. قضيت اليوم في طهي الطعام وترتيب البيت وتنظيفه. عاد فريد في الليل بعد أن انتهى من عمله في الشركة ثم عمله على سيارته كسائق أوبر،وجدته منهكاً، فطلبت منه أن يغتسل حتى أعد له الطعام. جلسنا لتناول الطعام،فسألته:
-انت بتاكل في الشغل؟
-ممكن ساندويتش أو أي أكل وأحياناً بانسى أكل أصلاً
-بس كده تضعف وخاصة وإنك بتشتغل من الصبح لحد ٩ مساءاً
نظر إلي ولم يجب فقلت:
-هابقى أعملك أكل تاخده معاك
فقال بتهكم:
-ماتتعبيش نفسك وبلاش تعيشي دور الزوجة الحقيقية وانت عارفة إن جوازنا مش حقيقي
قسوة كلماته جعلتني لا أستطيع ابتلاع الطعام فنهضت واتجهت لغرفتي وأنا أحبس دموعي. نهض فريد خلفي وأمسكني من كتفي وقال بأسى:
-سامحيني مش قصدي أضايقك، أنا تعبان وما نمتش كويس واعصابي تعبانة، وكمان مش عاوزك تتعبي نفسك عشاني.
فقلت من خلال دموعي:
-يعني انت بتعمل كل ده عشاني ومش عاوزني أعمل حاجه واحدة عشانك؟ أنا ماليش غيرك يا فريد
قبلني في وجنتي بحنان و رقة وقال:
-اعملي اللي انت عاوزاه وماتزعليش
نظرت في عينيه من خلال دموعي وقلت:
-زمان كنت مهما غلطت بتسامحني ياترى هتقدر في يوم تسامحني؟
لم يجبني واستدار والألم ظاهر في عينيه فدخلت غرفتي وأغلقت بابي وانهرت في البكاء وقلت:
-يارب إنت وحدك عارف إني كنت معصوبة وإني تبت توبة نصوحة وندمانة على غلطتي، سامحني يارب، مش عاوزة غير عفوك لأنك انت الرحيم لكن البشر قلوبهم قاسية.
مضت الأيام التالية على روتين واحد أستيقظ مبكراً لأصلي الفجر وأعد له بعض الساندويتشات أو أعد له ليلا بعض الفطائر أو الحلوى، ثم أعود للنوم، وأستيقظ عند آذان الظهر فأصلي ثم أبدأ رحلتي في التنظيف وطهي الطعام، واقضي باقي الوقت في القراءة أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي حتى يعود فريد ونتناول طعامنا معاً، ثم أذهب لغرفتي حتى يأتيني النوم.وبعد نحو أسبوعين ظهرت نتيجتي ونجحت بتقدير جيد، فحمدت الله وصرت أبحث بجدية عن عمل ولكن بلا فائدة حتى قال لي فريد يوماً:
-فيه عندنا في الشركة وظيفة مش عارف هتناسبك ولا لأ
-وظيفة إيه؟
-سكرتيرة المدير
-مافيش مشكلة أهي أي وظيفة مؤقتاً لأن كل الوظائف محتاجة خبرة أو كورسات غالية فمحتاجة شغل عشان أصرف على الكورسات
- لو محتاجة فلوس أنا معايا
فاقتربت منه وقلت بأسى:
-مش كفاية شايل هم أكلي ومصاريف الشقة؟كمان هتدفع تمن كورساتي؟
فأمسك ذراعي بقوة وقال:
-الطبيعي إني اصرف على مراتي وإلا ما ابقاش راجل.
فقلت بتهكم:
-مش لما أبقى مراتك بجد
فنظر إلى متعجباً وقال:
-انتي عاوزة تبقي مراتي بجد؟
احمرت وجنتاي ولم أدرك فداحة ما قلته إلا بعد أن رأيت نظراته، فأسرعت إلى غرفتي وأغلقت بابي جيداً وقلبي يخفق كطبول الحرب. هل حقا أرغب في أن أكون زوجته فعلياً؟ يبدو أني أتعلق به يوماً بعد يوم، لكنه حب بلا أمل فلا يبدو أنه يستطيع أن ينسى أو يغفر. بعد أن تمالكت نفسي قليلاً شغلت نفسي عنه باستكمال البحث عن وظيفة والتواصل مع زميلات الكلية.استيقظت في اليوم التالي على صوت هاتفي فوجدته فريد يقول:
-ابعتي لي على الواتس صورة بطاقتك واعملي حسابك أخر الأسبوع هنسافر نجيب شهادتك عشان تشتغلي من أول الشهر
قفزت من السرير مهللة وقلت له كما اعتدت سابقاً:
-انت أجمل فريد في الدنيا بحالها
فسكت فقلت:
-أنا أسفة واضح إني اتجاوزت حدودي، متشكرة جداً.
أغلق الهاتف دون رد،فاتصلت بزميلة لي أسألها عن المطلوب للحصول على الشهادة فأخبرتني . عندما عاد فريد في المساء طلبت منه أن أسافر قبله حتى أستطيع استخراج الشهادة فرفض وصمم أنا نسافر معاً،فقلت له:
-انت بتسافر الخميس بعد مواعيد الشغل وبترجع السبت وهم بيكونوا أجازة يبقى أطلعها أمتى؟
-هاخد يوم الخميس أجازة ونسافر بدري
-وليه تعطل نفسك؟ أنا هاسبقك بساعات مش أكتر وحتى ممكن أستناك عند هدى في المنصورة ونبقى نروح بيتنا سوا
فقال بحدة:
-قلت لأ، ومافيش مرواح عن إخواتك من غيري أظن كلامي واضح
-واضح جداً، أنا آسفة كنت فاكرة إنك بدأت تثق فيه
تركته ودخلت غرفتي وغرقت في بكائي، وجافاني النوم حتى صلاة الفجر وعندما نهضت لأعد له طعامه لم أجده فأدركت أنه مازال غاضباً مني ولا يريد رؤيتي.
مرت الأيام بيننا والكلام قليل حتى أخر الأسبوع فقال لي بعد عودته من عمله يوم الأربعاء:
-جهزي نفسك عشان نسافر بكرة بدري عشان نلحق نخلص الورق
فقلت بتهكم :
-وتحب أبلغ إخواتي إننا رايحين ولا بلاش؟
-أنا مش عاوز أمنعك عن إخواتك لكن هم يجولك بيت عمي إنما ماتروحيش بيوتهم وأنا مش معاكي
-ليه خايف على أجواز إخواتي مني؟ للدرجة دي صورتي وحشة في عينك؟
قلتها ودموعي تنهمر فاقترب ومسح دموعي بطرف إصبعه وقال:
-وليه ما أكونش خايف عليكي منهم؟
نظرت إليه فوجدت في عينيه نظرة غريبة لم أفهمها لكنه جعلت قلبي يخفق بشدة، فتمالك نفسه وقال:
-خشي نامي عشان هنصحى بدري
-مش هتتعشى
-لأ شبعان، تصبحي على خير.
احترت في فهمه ولكني كنت خائفة من تعلق قلبي به وهو سيتخلى عني في أي وقت كما وعد أبي.
استيقظنا باكراً وتوجهنا لجامعتي ولم يتركني للحظة واحدة أثناء استخراج الشهادة، ثم توجهنا بعد ذلك لبيت أبي وتركني لمتابعة بعض الأعمال وأخبرني أنه سيعود على العشاء. جاءت هدى ثم تبعتها منة بأولادهما وضجيجهما، وانشغلنا بحكايتنا وبالأطفال وإعداد الطعام، وعند الغداء قلت لهما أن فريد لن يأتي إلا وقت العشاء، فسألتني هدى عن أحوالي معه فأجبتها أننا بخير فابتسمت وقالت:
-اللي زي فريد ده كنز، صحيح يبان شديد وصعب شويتين لكن قلبه طيب جداً، يمكن هتلاقيه ما بيعرفش يعبر عن مشاعره بالكلام لكن هتلاقي أفعاله كلها حب
فضحكت منة وقالت:
-إيه؟ أفعاله مش حلوة ولا إيه؟
احمرت وجنتاي ونهرتها هدى وقالت:
-سيبك منها مافيش في دماغها غير قلة الأدب
فقالت منة وهي تغمز بعينها:
-أهي قلة الأدب دي اللي تخلي أي راجل متمسك بمراته، افهموها بقى
ضحكنا فقالت هدى:
-اسمعي مني يا سلوى فريد راجل بجد هيصونك ومش هتلاقي زيه كفاية إنه بيحبك
فقلت بذهول:
-بيحبني؟
فقالت منة ضاحكة:
-هو أبو الهول لسه مانطقش، عينيه واهتمامه ولهفته عليكي أكتر مننا كل ده بيقول إنه بيحبك ومن زمان أوي، يا خايبة حركيه واكسبيه وخليه يعترف، أقولك سيبك من هدى وتعالي أقولك كام نصيحة وهتدعي لي بعدهم.
ظلت منة تخبرني كيف أتعامل معه كزوج والخجل يعتريني ولا أعلم كيف أوقفها، لأني من جهة أريد أن أكسبه كزوج ومن جهة أخرى أخشى أن تعلم أختاي أن زواجنا شكلي.جاء فريد في موعد العشاء وفوجئت بمنة وهي تقول بعد أن حيته:
-خدي عشاكم يا سلوى وروحي اتعشي مع جوزك
فقال فريد متعجباً :
-لو عاوزة تخليكي مع إخواتك مافيش مشكلة
فقالت منة ضاحكة:
-لأ يا خويا خد مراتك معاك والصلح إن شاء الله نفطر سوا
احمرت وجنتاي وودت أن أخنقها لما سببته لي من حرج، ولكني توجهت مع فريد لبيتنا فقالت منة:
-سلوى ما تنسيس اللي قلت لك عليه
نظرت لها بتوعد وهي غارقة في ضحكاتها.
تناولنا العشاء وسألني:
-منة كانت عاوزة منك إيه؟
ارتبكت أمام نظراته الثاقبة وقلت:
-أبداً دي كانت بتسألني على وصفة هاجيبها لها من صاحبتي
نظر إلي تلعثمي واحمرار وجنتاي فأدرك أني أخفي عنه شيئا، فمن بإمكانه أن يفهمني سوى فريد؟
دخلت غرفتي وأنا أفكر فيما قالته لي منة،فأنا أريد فريد زوجاً لي،لكن هل بإمكانه أن ينسى زلتي ويغفرها لي ونبدأ حياة جديدة؟ هل حقاً يحبني كما قالت منة؟ هل ذلك في صالحي أم ضدي؟ أفكار كثيرة دارت برأسي وحرمتني النوم. نهضت في الصباح والهالات السوداء تحيط بعيناي لكني حاولت أن أشغل نفسي بترتيب وتنظيف البيت ثم ذهبت لأختاي لأقضي اليوم معهما بينما انشغل فريد بمتابعة أحوال الأرض كما أوصاه أبي.
انقضى اليوم وسافرنا في اليوم التالي وأعددت نفسي للذهاب للعمل معه. كانت سيارته صغيرة لكن حالتها كانت جيدة، وصلنا للشركة وذهب معي لشئون الموظفين وتركني هناك وهو يقول هامساً:
اعتمدي على نفسك وبلاش دلع وما تفتكريش وجودي هيحميكي من العقاب لو غلطتي.
نظرت إليه بأسى، هل هذه نظرته إلي؟ أهكذا يراني فتاة مدللة؟ سأثبت له أني أستطيع تحمل المسؤولية. ذهبت إلى مكتبي حيث كنت سكرتيرة مدير إحدى شركات المجموعة الكبيرة. جلست مع السكرتيرة القديمة وساعدتني في معرفة كل تفاصيل العمل. وبعد نحو الساعة دق الجرس فدخلت هي للمدير وبعد دقائق خرجت وأخبرتني أنه يريد أن يراني، دخلت وفوجئت بمكتب أثاثه فخم جداً ومساحته كبيرة، وخلف المكتب يجلس رجلاً مهيب في هيئته يبدو أنه تجاوز الخمسين عاماً، أصلع الشعر وبشرته بيضاء وعيناه تتفحصني بنظرة لم أشعر بالارتياح لها، ساد الصمت بيننا للحظات ثم قال بهدوء:
-أهلا آنسة سلوى
فقلت بسرعة وبدون تفكيرلأقطع عليه أية أفكار:
-مدام سلوى
فرفع حاجبه بتعجب وقال بنفس الهدوء:
-يا مدام سلوى الشغل معايا متعب ومحتاج تركيز عالي وقوة تحمل ياترى هتقدري عليه؟ وخاصة وإنك متجوزة.
-هاقدر إن شاء الله يافندم
-عموما قدامك فترة اختبار ٣ شهور لو أثبتي جدارتك هتتعيني.
لم أجبه فنظر إلى متفحصاً مرة أخرى ثم قال :
-تقدري تتفضلي.
خرجت وأنا أشعر بعدم الارتياح، فسألت السكرتيرة القديمة:
-ممكن أسألك هتمشي ليه؟ دي شركة كبيرة ومرتبها كويس؟
ابتسمت بسخرية وقالت:
-بكرة تعرفي لوحدك، كل واحد له وجهة نظر غير الباقيين، مثلاً اللي أقدر أستحمله أنا غيري مايقدرش والعكس صحيح.
استمعت لكلماتها وخلال أسبوع تعلمت منها كل شيء في العمل وعند رحيلها قالت لي:
-خلي بالك من نفسك وما تسكتيش عن أي تجاوز مهما كان من مين.
-شكراً على كل حاجه علمتيها لي.
مرت الأيام في العمل وأنا ألتزم بكل ما تعلمته ولكن نظرات المدير لم تكن مريحة، لكني حرصت على التعامل الرسمي الجاد حتى لا يتجاوز معي هو أو غيره، وخلال أيام عرف الجميع أني زوجة فريد، فلاحظت أن الفتيات يتوافدن للمكتب لمجرد التعرف علي، وسمعت إحداهن تقول للأخرى:
-دي أقل من العادية ياترى عاجبه فيها إيه؟
-بيقولوا قريبته وفي الفلاحين لازم يتجوزوا من بعض، تلاقيه مغصوب عليها.
أردت الخروج إليها لأتشاجر معها لكني تمالكت نفسي وتركتهن يحترقن بنار الغيرة.
ضحكت بيني وبين نفسي على من يحسدنني عليه،لو يعلمن ما نوع علاقتنا لسلخنني بألسنتهن، و رمين عليه شباكهن ليمنحنه ما ينقصه مني.
الفصل الخامس
ماذا فعلت بنفسي؟ لقد أصابني مس من الجنون بسبب قربها مني، نظراتها الحزينة المُنكسرة تحطم قلبي تحطيماً،تمثيلها الحب أمام أختيها يجعلني أرغب في ضمها لصدري لأبثها أشواقي ولوعتي وحتى غضبي منها لأنها كانت لغيري. كنت أتجنب وجودي معها بمفردي بقدر الإمكان حتى أستطيع التحكم بنفسي، وخاصة ليلاً عندما كانت الأسئلة تتدفق لذهني،لماذا لا أستمتع بها وهي زوجتي؟ هي لن ترفض، لكن قلبي ذلك العاصي يرفض أن يغفر لها زلتها ويأبى أن تكون له وقد خفق قلبها لأخر وسلمت نفسها له. كثيرا ما فكرت أن أمحو بحبي لها أثره من قلبها وجسدها، لكني كنت أتراجع لأني لا أرغب في إرغامها علي ولكن أتمنى أن تدرك يوما قدر حبي لها وتأتي إلي راغبة لتبادلني الحب، عندها ستكتمل سعادتي.
عندما جئنا لشقتي في القاهرة وازداد قربنا وبدأت تتجول في الشقة بملابس البيت التي تُظهر جسدها ذو المنحنيات المثيرة وشعرها الغجري كانت تثير رغبتي وتدفعني للجنون. في القرية كنت أهرب من البيت بحجة متابعة الأرض ولقاء الأصدقاء وكنت أغلق باب غرفتي علي حتى لا أراها. أما في القاهرة فكنت أنام في الصالة وكنت أراها وهي تخرج من غرفتها بملابسها المحتشمة إلى حد ما لكنها كانت تظهر مفاتنها فيهرب النوم من عيني ليال طوال. لم يستطع غضبي منها أن يمحُ حبها من قلبي يوماً، فكنت أحترق بنيران العشق والغضب في آن واحد، وأدركت أن الحل الوحيد في بعدي عنها. كنت أهلك نفسي في عملي بالشركة في قسم الموارد البشرية، وبعدها أكمل عملي على سيارتي كسائق في شركة أوبر حتى أهرب منها ومن تواجدي معها. في الماضي كنت أعمل بمهنة السائق بالإضافة لعملي لأدخر المال اللازم للزواج منها، أما الآن فلم أعد بحاجة للمال إنما بحاجة للهروب منها ومن عشقي لها.
لما عرفت برغبتها في العمل خفت عليها من العالم الخارجي الذي لن يرحم سذاجتها وربما تقع تحت رحمة وحش بشري كذلك السافل الذي انتهك حرمتها، لذلك قررت أن أوجد لها أي عمل في الشركة معي حتى تكون تحت رعايتي وحمايتي حتى تكتسب القدرة على مواجهة الحياة وحدها وعندها سأتركها قبل أن أُجن بسببها.
كانت تأتي معي صباحاً وبعد انتهاء العمل أوصلها للبيت وأذهب لعملي حتى العاشرة مساءًا عندما أعود منهكاً فأتناول طعامي وربما أغرق في النوم من شدة إرهاقي وكثيراً ما أقضي ليلي فريسة لعشق تلك العيون اللوزية والبشرة الوردية والشعر البني المجعد المتمرد على كل القيود منطلقاً من عقاله بحرية، شعراً يشبه صاحبته التي تبدو الآن مُنكسرة وحزينة، لكنها كانت في الماضي تفيض مرحاً وحيوية.
في العمل لاحظت نظرات الإعجاب بها رغم ملابسها المحتشمة لكن جسدها المكتنز كانت تفاصيله تظهر بوضوح مهما حاولت ستره مما كان يشعل غيرتي،حينما كانت نظرات الرجال المُختَلسة تلتهمها برغبة وهي غير مدركة. كانت تتعامل بحسم واحترام مع الجميع وتجنبت صداقة الفتيات حتى لا يدركن حقيقة علاقتنا، لكنها رغم ذلك لم تسلم من ألسنة الجميع، ومن بعض محاولات التحرش اللفظية التي صدتها بعنف ، كما عرفت فيما بعد، ففي مجتمعنا تعشق النساء النميمة والتدخل في شئون الأخرين، ويعشق الرجال أن يستعرضوا ذكورتهم من خلال محاولة استمالة أية أنثى وخاصة من تبدو صعبة المنال.
تجاوزنا نحو ثمانية أشهر منذ زواجنا وأنا أمنع نفسي من الاقتراب منها وفي كل يوم أراها تزداد نضجاً في الحياة والتعامل مع الناس، حتى أنها رغم عملها لم تعمل في شئون البيت فدائماً أجد طعاماً مُعداً في انتظاري، وملابس نظيفة وكذلك البيت مُرتب ونظيف،فلم تعد تلك الفتاة المُدللة التي تعتمد على والدتها وأختيها، إنما صارت امرأة ناضجة تتحمل المسؤولية. أرادت بعد أول راتب لها أن تشاركني مصروفات البيت فثُرت عليها بشدة وسألتها هل تراني رجلاً حقاً أم مجرد ذكر؟ وقلت لها أني متكفل بكل نفقاتها في حدود إمكانياتي لأنها زوجتي،و راتبها ملك لها تنفقه على ما تريد أو تدخره،فلتفعل ماتريد، ثم نصحتها أن تدخر على الأقل نصفه فربما تحتاجه فيما بعد.
كذلك كنت أضع عائد الأرض في حسابها هي وأختيها وكنت أناقش معهن ومع زوجيهما تفاصيل الحساب والنفقات والمصروفات حتى لا يظن أحداً أني أستغلهما. ذات يوم عرض زوج منة ذلك اللزج سامح أن يأتي معي لمحاسبة المزارعين ليتولى فيما بعد هو شئون أرض زوجته، فوافقته وخرجنا معاً لمقابلة الناس وأراد بمكره وخبثه أن يعرف من وراء ظهري حقيقة الأرقام ومدى صدقي، ثم علمت أنه حضر أثناء غيابي وسأل المزارعين عن سعر الأرض إن أراد بيعها. فسألت منة عندما كانت في بيت أبيها بدونه في وجود سلوى وهدى:
-منة إنتي صحيح عاوزة تبيعي الأرض؟
فأجابت بدهشة:
-لأ ليه؟
-لأن جوزك راح سأل المزارعين عن تمنها لأنه بيفكر يبيع.
ظهرت معالم الصدمة على وجهها ولعنت ذلك الطامع في نفسي، ثم تمالكت نفسي وقلت:
-نصيحة من أخ يامنة بيت أبوكي والأرض دول أمانك في الدنيا ومهما يكون جوزك كويس القلوب بتتغير وماتعرفيش بكرة فيه إيه
-بس سامح بيحبني وكويس معايا
-مش باشكك فيه لكن حتى افرضي أحواله المالية اتغيرت اهو يبقى عندكم حاجه تستركم انتم وأولادكم، والأرض بتطلع خير وتمنها بيزيد، لكن لو صممتي تبيعي يبقى احنا اللي نشتري، سلوى أو أنا أو هدى لكن مش هاسمح لحد غريب إنه يدخل في أرضنا مهما كان مين. صمتت منة ولم تجب وعندما سافرنا وجدت سلوى تقول لي:
-ليه عملت كده مع منة؟
نظرت إليها متعجباً وقلت:
-لأنها زي أختي ومصلحتها تهمني وكمان دي وصية عمي الله يرحمه
-بس؟
-قصدك إيه مش فاهم؟
-قصدي زمان كانت فيه إشاعات قوية بتقول إنك بتحبها وإنت ما نفيتهاش.
نظرت إليها وأنا لا أفهم هل تلك غيرة سببها الحب أم خوفها على مظهرها وكرامتها، ثم قلت:
-أعتقد إني نفيتها لما ما طلبتش أخطبها، وكمان لما عمي سألني عن رأيي في سامح قلت له اللي أعرفه عنه ولما عمي وافق ما اعترضتش.
-وإيه اللي مخليك معترض حالياً واحدة وجوزها وهم أحرار في حياتهم.
-كتير الحب بيعمي الإنسان عن إنه يفكر بالعقل ويدور على مصلحته وما يضحيش عمال على بطال، وده دوري إني أنبهها ولو صممت هاعمل اكتر حاجه تحافظ على مصلحتها.
-لو كانت دي هدى كنت هتعمل كده برضه؟
-أكيد بس هدي شخصية عقلانية عواطفها مش بتتحكم فيها زي منة عشان كده مش باخاف عليها، كمان محمد غير سامح خالص.
فقالت بصوت هامس:
-فعلا محمد غير سامح
-فيه حاجة؟ عاوزة تقوليلي حاجه؟
-لأ أبداً
اتصلت بي منة بعد عدة أيام وقالت لي أنها ترغب في بيع فدان واحد من أرضها لأن سامح يرغب في عمل مشروع بجوار عمله فقلت لها:
-وماله أنا هاشتريه بس بتمنه تدخلي شريكة معاه، منها تحافظي على مالك وفي نفس الوقت تساعديه، وده يكون بعقد رسمي.
-ما أقدرش أقوله كده يافريد
-لأ تقدري واسمعي كلامي أنا خايف على مصلحتك وما تنسيش وصية عمي لكم إنكم تاخدوا برأيي وتنفذوه.
-حاضر يا فريد
عندما عدت للبيت حكيت لسلوى على العشاء ما حدث فقالت:
-سامح مش سهل أبداً
-لو انتي مكانها هتتصرفي إزاي؟
-لك إنت أبيع وأنا مغمضة وأديهم لك من غير أي ورق
تعجبت من ردها الذي لم اتوقعه وقلت:
-للدرجة دي واثقة فيه؟
-ده مش رد عاطفي ولا رد جميل، ده نتيجة مجموعة مواقف أولها إن بابا الله يرحمه كان بيستأمنك على الأرض وعلينا وكنت دائما أد الثقة دي، تاني حاجه إنك بعد وفاته بتراعي أرضنا بدون مقابل وبتحاسبنا بالمليم، ورغم جوازنا الشكلي بترفض إنك تستغلني أو حتى تاخد أي فلوس مني، حاجات كتير تخليني أثق فيك أكتر من نفسي.
سكت للحظات وأنا أنظر في عينيها وقلت:
-عاوزك تتعلمي إنك ماتثقيش في حد ١٠٠٪ وتخلي دايما احتمال الغدر عشان ماتتصدميش، القلوب بتتغير وكمان ناس كتير اللي في قلبها غير اللي بتظهره، وأظن تجربتك لازم تكون علمتك كده
نظرت إلي بحزن وانكسار وقالت:
-ليه كل ما أحاول أنسى تفكرني؟ مش هتسامحني بقى؟
-لازم تفتكري عشان ماتقعيش في نفس الغلط تاني.
-ما جاوبتش على السؤال التاني.
-محدش عارف بكرة فيه إيه.
كنت أرى في عينيها رجاء وامتنان لكني تمالكت نفسي، لأني أدرك أن مشاعرها تجاهي مجرد تعود ورغبة في رد الجميل، لكنها ربما بعد فترة تندم على حياتها معي.
وافق سامح على أن تدخل منة معه شريكة بشرط أن تبيع الفدان لواحدة من أختيها، فوافقت وطلبت من سلوى أن تشتريه فأخبرتني أنها لا تملك المال الكافي فقلت لها أني سأقرضها المال اللازم وأن تسدده حينما تريد، فقالت بتعجب:
-و مش خايف أغدر بيك بعد الأرض ما تتسجل بإسمي؟
-لأ مش خايف لأني مآمنك على اسمي وسمعتي مش هآمنك على شوية فلوس؟ وحتى لو أخدتيهم فداكي.
فوجئت بها تلقي بنفسها على صدري وتطوق رقبتي بذراعيها وتقبل وجنتي، فاشتعلت النيران في جسدي وكدت أفقد تعقلي وأغمرها بحبي وأشواقي، لكني تمالكت نفسي في اللحظات الأخيرة وأبعدتها برفق ورأيت في عينيها الحزن والانكسار فقالت والخجل يعتريها:
-أنا آسفة إني اتجاوزت حدودي معاك، واضح إن غلطتي هتفضل بيننا العمر كله.
انسحبت لغرفتها وأغلقتها عليها وسمعت صوت بكائها فتركت الشقة ونزلت أهيم على وجهي في الشارع حتى وصلت لكورنيش النيل وجلست أمامه أفكر هل بإمكاني استكمال حياتي معها بشكل طبيعي؟ ماذا لو شعرت بالحنين لهاني وغفرت له؟ ماذا لو مالت تجاه آخر غيره؟ الطلاق هو الحل الوحيد لعذابي وحتى أمنحها حرية الاختيار.
باعت منة الأرض لسلوى وقبضت الثمن وأخبرتني أنها كتبت عقد شراكة بينها وبين سامح لدى المحامي. وبعد نحو أسبوعين فوجئت بسلوى تسلمني عقد بيع نصف الفدان بإسمي فاندهشت وقلت لها:
-ليه عملتي كده؟
-الحق حق ومايزعلش حد.
-بس أنا ماطلبتش ده منك
-ده حقك ومش محتاج تطلبه
-اقعدي يا سلوى عاوز اتكلم معاكي في موضوع مهم
جلست وفي عينيها نظرة حزن لم أستطع محوها رغم رقة معاملتي لها، تنهدت ثم قلت:
-أنا جاي لي شغل في دبي وهاسافر أول الشهر.
-هتسافر وتسيبني هنا؟
-عاوزة تقعدي هنا وتكلمي في شغلك براحتك هادفع لك إيجار سنة، عاوزة ترجعي البلد برضه براحتك، أنا هاطلقك وقرارك هيبقى بإيدك
انفجرت باكية وقالت:
-ليه أنا عملت إيه؟ أنا عايشة بقالي سنة رغم معاملتك الجافة ليه ماليش هدف غير رضاك.
-انتي قلتيها بنفسك بقالنا سنة محرومة من حقوقك كزوجة وده حرام عليه هاطلقك عشان تختاري اللي يناسبك وأعتقد إن السنة دي غيرتك.
-ولو قلت لك إني راضية أكمل باقي عمري كده بس أكون معاك؟ ولو عاوز تتجوز براحتك بس خليك جنبي.
-يا سلوى كل الكلام ده حلو دلوقتي وسهل إني أستغلك لكن بعد كده هتندمي وتكرهيني.
-ولو سبتني برضه هاكرهك.
ابتسمت بألم وقلت:
-يمكن تكرهيني في البداية لكن بعد كده هتشكريني.
-يافريد أنا بحبك ما تسبنيش
تسارعت دقات قلبي وودت لو تضمها لصدري وأغرق معها في بحر الغرام ولو لمرة واحدة ولكني تراجعت خوفاً من أن أدمنها ولا أستطيع البعد عنها، فكان قرار سفري قاسي جداً على قلبي.
أدركت أنها باحت بكلمات لم تؤثر في فبكت وأشاحت بوجهها عني فقلت بوهن:
-فكري هتعملي إيه وخدي قرارك قبل أخر الشهر.
تركتني ودخلت غرفتها ومن يومها لم تتحدث معي إلا قليلاً وحتى الطعام لم تعد تتناوله معي وامتنعت حتى عن النظر إلي فكان ذلك أقسى عقاب لي أن تحرمني من نظراتها التي تسعد قلبي. خصامها أضعفني كثيراً وفكرت في التراجع عن الفكرة كلها، لكني عدت لأتمسك برأيي من أجلها هي فلن أكون أناني في حبها، فلو أحبتني حقاً ستأتيني معترفة بحبها وعدم قدرتها على البعد عني، لكن هل هذا ممكن بعد أن صددتها؟ سألت الله كثيراً أن يلهمني الصواب.
وقبل نهاية الشهر فوجئت بضجة كبيرة في الشركة وأحد الزملاء اتصل بي يخبرني أن زوجتي تتشاجر مع مديرها، خرجت من مكتبي مسرعاً إليها وكل الخواطر السيئة تطرق رأسي بقوة. وصلت لمكتبها فأفسح لي الموظفين المكان فوجدته يقول بغضب:
-تعالى يا أستاذ شوف مراتك المجنونة بتتخيل حاجات مش حقيقية
فقلت بحدة أرعبته وأدهشت من حولي لأني معروف بهدوئي:
-اتكلم عنها كويس ومش هاسمح بأي تجاوز
-كويس إيه؟ الهانم اللي أصغر من أولادي عشان باعطف عليها وباعاملها كويس عشان خاطرك بتتهمني إني باتحرش بيها، هي فاكرة نفسها مين؟
نظرت إليه بغضب عارم أسكته، ثم قلت لها:
-إيه اللي حصل؟
فقالت بانفعال ووجهها يعتريه الشحوب ومصدرها يرتفع وينخفض نتيجة لشدة إنفعالها وسرعة تنفسها:
-المدير المحترم اللي أنا أصغر من أولاده بيمد إيده ويلمسني ولما اعترضت يقولي أنا اللي هاقدرك مش فريد اللي مش عارف قيمتك روحت ضربته بالقلم
على الدم في عروقي وأردت أن أقتله وبالفعل تهجمت عليه لولا أن الزملاء تدخلوا للحول بيني وبينه، وجاء مدير أمن الشركة وقال:
-أستاذ فريد الموضوع كله هيتحول للتحقيق وفيه كاميرات مراقبة هتتفرغ والحقيقة هتبان ومهما كان مين الغلطان هيتعاقب دي أوامر رئيس مجلس الإدارة، اتفضل معايا انت والمدام على مكتبك وحالاً الشئون القانونية هتبدأ التحقيق
فقالت سلوى بتصميم:
-مش يمكن تجاملوه على حسابي، أنا هاعمل محضر بالواقعة في البوليس
فنظر إلي مدير الأمن فقلت:
-هي معاها حق إيه اللي يضمن إنكم ما تضيعوش حقها؟
-كلمة شرف مني
-أقسم بشرفي لو حصل أي تلاعب هاخد الكل في سكتي وحقها مش هيضيع
فأمسكني مدير أمن الشركة من ذراعي بقوة وقال:
-اتفضلوا معايا
ثم نظر للموظفين وقال :
-كل واحد على مكتبه وتعليمات رئيس مجلس الإدارة مافيش ولا كلمة تخرج من الشركة وإلا هتكون العقوبة شديدة.
توجهنا لمكتبي وتركنا وخرج وساد الصمت بيننا حتى قطعته سلوى بقولها:
-مصدقني؟
-طبعاً وحقك مش هاسيبه
نظرت إلي نظرة أربكتني وقطع الحوار الصامت بيننا طرقات على الباب، فأذنت الطارق بالدخول، فدخلت نهى عاملة النظافة المسئولة عن تنظيف مكتب مدير سلوى مُرتبكة وقالت وهي ترتجف:
-كنت عاوزة حضرتك في كلمتين
-ادخلي يا نهى، أنا سامعك
فنظرت بارتباك لسلوى وقالت:
-مدام سلوى مش أول واحدة يتعرض لها، موظفات كتير اتحرش بيهم لكن بيسكتوا خايفين من تهديده بقطع عيشهم، حتى السكرتيرة اللي قبل مدام سلوى مشيت بسبب كده، وأنا كنت باشوفه ومش قادرة أتكلم عشان ما يقطعش عيشي وأنا في رقبتي كوم لحم
ساد الصمت بيننا للحظات فقالت سلوى:
-وإيه اللي خلاكي تتكلمي النهاردة؟
بكت وقالت:
-سببين الأول إن بنتي اللي في ابتدائي اتعرضت امبارح للتحرش من زميلها فى المدرسة ويبقى قريبنا في نفس الوقت فعرفت إنه عقاب ربنا ليه على سكوتي، والتاني لما لقيت المدام فضحته وبهدلته وما خافتش على أكل عيشها قلت الرزق على الله.
فقالت سلوى غاضبة:
-يعني لولا أنا اتكلمت كان الكل هيفضل ساكت وراضي بسفالته وبيداري عليها؟
-والله أنا كنت جاية لأستاذ فريد قبلها أنبهه بس انتي كنتي أجدع مننا كلنا، سامحيني.
-ولو سامحتك ذنب باقي البنات هيفضل في رقبتك
زاد بكاؤها فقلت بهدوء وحزم في آن واحد:
-لو عاوزة تكفري عن ذنبك أشهدي بكل اللي شفتيه وحتى لو رفدوكي هاشغلك النهاردة في مكان تاني.
فقالت وهي تجفف دموعها بطرف كمها:
-أنا هاشهد حتى لو رفدوني عشان حق البنات وعشان ربنا يوقف لبناتي اللي يحميهم والرزق على الله.
استدعى رئيس الشئون القانونية سلوى للتحقيق فذهبت معها وقلت لها في الطريق لمكتبه:
-ماتخافيش انتي على حق وأنا معاكي
دخلت معها فرحب بي رئيس الشئون القانونية الذي كان زميل قديم وبيننا تقدير واحترام،وقال:
-منة فضلك يافريد أنا عاوز اسمع المدام لوحدها،ويمكن وجودك يخليها تخاف تحكي كل التفاصيل، وياريت لو فيه حد عاوز يشهد او عنده معلومات يتفضل
نظرت لسلوى وقلت لها:
-هاستناكي بره وأحكي كل حاجه من غير خوف انتي صاحبة حق وأنا جنبك
خرجت وشياطيني تصور لي أن أقتل ذلك السافل الذي يستبيح أعراض الفتيات متناسياً أن لديه فتيات وقد يجدن من ينتهك أجسادهن.
انتهى التحقيق واصطحبت سلوى وغادرنا الشركة إلى بيتنا، وتوالت التحقيقات وتفريغ الكاميرات لمدة ٣ أيام حصلت سلوى فيهم على أجازة من الشركة حتى لا تعمل معه مرة أخرى.
وبعد انتهاء التحقيقات استدعانا رئيس الشئون القانونية وأخبرنا بإدانة المدير وتبرئة سلوى خاصة بعد تفريغ الكاميرات وشهادة عدة فتيات ضده، لكنه طلب من سلوى التخلي عن فكرة تقديم بلاغ ضده حرصاً على سمعة أسرته التي ليس لها ذنب في دناءته، فوافقت سلوى. فُصل المدير من عمله مع خصم العديد من الحوافز والمكافأت الخاصة به كعقاب له، وصدر قرار بعمل سلوى معي في نفس المكتب.
عندما عدنا إلى البيت قالت لي بهدوء:
-مش عارفة أشكرك إزاي على وقوفك معايا
-منة غير شكر انتي مراتي
فقالت بسخرية :
-قصدك بنت عمك
سكت ولم أجب فقالت:
-أنا قررت مش هاكمل في الشركة ولا في القاهرة كلها، لكن هارجع البلد وأدور على أي بيت قديم وأعمله حضانة للأطفال
-وليه تدوري؟ الجُرن اللي ورا بيتكم وبيتي، هنوضب الأوض القديمة ونعملها الحضانة
-بس يمكن اخواتي ما يوافقوش
-يبقى تاخدي الأوض القديمة اللي تبع بيتنا ونوضبها ولو احتجتي مساحة أكبر ممكن نبني كمان أوضة.
-بس هتاخد إيجارهم
نظرت إليها بعتاب ثم قلت:
-اعتبريني شريك معاكي بيهم
-اتفقنا خلينا نعمل التراخيص بأسامينا إحنا الاتنين.
-موافق وعندي محامي صاحبي هيخلص لنا الإجراءات.
في اليوم التالي توجهنا للشركة وقدمنا استقالتنا وحرصت على توظيف نهى عاملة النظافة في شركة أخرى بمرتب أفضل قبل أن أغادر وقلت لها:
-الرزق بإيد ربنا ما تخليش حد يكسر عينك
-الفقر والعوزة والحمل اللي في رقبتي كاسرين عيني من زمان
أعطتها سلوى رقم هاتفها وطلبت منها التواصل معها باستمرار.
عدنا لقريتنا وبدأت في إعداد المكان وطلاؤه وبمجرد حصولنا على التراخيص اشترينا المُعدات اللازمة وفرشناها وملأنا القرية والقرى المجاورة بالإعلانات، كما اختارت سلوى من سيعاونونها في العمل ، وفي اليوم الافتتاح حضر عدد كبير من أهل القرية لمجرد التعرف على ما نقدمه ويميزنا عن غيرنا.
انتهى حفل الافتتاح بحجز أكثر من مكان في الحضانة وسعدت سلوى بذلك وكنت حجزت للسفر في اليوم التالي فانشغلت مساءًا بإعداد حقيبتي وأوراقي وسط بكاء سلوى، ثم اصطحبتها في المساء لمكتب المأذون في المنصورة ليتم الطلاق. تركنا بمفردنا لعدة دقائق لعلنا نراجع أنفسنا، فلم تتوقف سلوى عن البكاء، فاقتربت منها ومسحت دموعها وقلت لها بكل الحب الذي أكنه لها:
-سلوى أنا صعب عليه فراقك أفكار مما تتخيلي، لكن أنا سايبك وأنا عارف إن دوري في حياتك انتهى ومن النهاردة هتبدأي مرحلة جديدة تاخدي فيها قراراتك بحُرية وتتحملي نتيجة اختياراتك، لكن اتأكدي دايما إني هاكون سندك مهما يحصل.
تعلقت بملابسي وقالت بوهن:
-ماتسبنيش
-مش هاسيبك هافضل جنبك وأي حاجه تحصل لك ولو بسيطة كلميني وهاتصرف
قبلتها في وجنتها ودخل المأذون وأكملنا إجراءات الطلاق، وعدنا لبيت عمي في صمت، ووقفت على بابه وقلت لها:
-أشوف وشك بخير يا سلوى خلي بالك من نفسك وماتتردديش إنك تكلميني في أي وقت.
لم تجب أو حتى تنظر إلي إنما دخلت البيت وأغلقت الباب دون كلمة وداع، فتألمت بشدة وأدركت أني خسرتها للأبد.
الفصل السادس
تلك الفاتنة لم تغادر مخيلتي أبداً رغم أني قابلت أجمل منها، لكن مذاقها هي مختلف فمنذ أن نلتها وأنا مشتاق للمزيد منها. ليتني لم أستمع لأمر أمي بالسفر وأن أتركها مع فضيحتها، ليتني بقيت وتزوجتها،حينها كنت سأستمتع بجسدها الذي فتنني وبمال أبيها أيضا ً. كم كنت غبياً حينما طاوعت أمي في انتقامها،ومالي أنا وكرهها لزوج خالتي وحقدها عليه. منذ أن بلغت سلوى سن المراهقة وبدأت معالم أنوثتها تظهر كنت معجباً بها حينما كنت أراها مع خالتي عند زيارتها لنا،لكن حرص خالتي الشديد عليها منعني من تذوق شهدها. لكني كنت أشعرها باهتمامي حتى تطمئن لي كما تفعل مع ذلك المقيت فريد ابن عمها الذي يفرض حمايته عليها بشكل فج وكدنا نشتبك معاً أكثر من مرة حينما كانت ترسلني أمي متعمدة لخالتي بأية حجة، لكن كان غرضها الأساسي أن أوقع أي فتاة من بناتها في براثني، وربما أدرك فريد حرصي على التقرب من سلوى بل ونظراتي المتفحصة لجسدها، فكان يحتد علي ويمنعني من الاقتراب منها. أدركت أن غيرته عليها سببها حبه الشديد لها، لكنه غبي لم ينتهز فرصة ثقة عمه به ليتذوق شهدها، كما أنه جاف في كلامه تعاملاته والبنات يعشقن الكلام المعسول، فكانت تلك فرصتي فكنت كثيراً ما أمتدح جمالها وأناقتها ورقتها مما كان يرضي غرورها، بينما هو لم يكن يصدر عنه غير الأوامر والنواهي.
ماتت خالتي وكادت أن تضيع فرصتي ولكن يبدو أن القدر يأبى إلا أن أكون قدرها، فدخلت كلية التجارة معي، فادعيت أني حامي الحمى الذي سيصونها ويحميها ويدلها عما تجهله في عالم الجامعة، فاقتصرت معارفها علي وبعض رفيقاتها من المدرسة والقرية. غاب ذلك الأحمق عن الساحة وتركها لي لأبثها حبي وغرامي وأغذي غرورها بكلام الحب الذي يزيدها غروراً، كما زادت ثقتها بي. في مقابل تلك الكلمات كنت أتركها تنفق على خروجاتنا الصغيرة حول الجامعة، كما كانت هدايا عيد ميلادي وعيد الحب من الملابس والعطور الغالية، بينما أكتفي بأن أهديها الورد والشيكولاتة والكثير من الكلمات المعسولة،لكنها لم تسمح لي يوماً بلمسها بحجة أنها تدخر نفسها لما بعد زواجنا. كنت دائما أخبرها أن والدها لن يوافق على زواجنا بسبب سوء أحوالي المالية وبغضه لأمي، فكانت تقول لي أنها ستقنعه. كنت أعلم أنها ساذجة فلا أنا أرغب في الزواج بها وتقييد نفسي بامرأة واحدة وتحمل مسؤولية أسرة، ولا والدها سيقبل بي لأنه يدرك أني طامع في ماله. كنت أطاوعها في أحلامها الوردية وفي كل مرة أجعلها تتعلق بي وتدمن وجودي،فبعد أن كنت أجري وراءها وأرجو حبها ورضاها،صارت هي من تفعل ذلك، وعندما أغيب عنها بحجة إفلاسي كانت تمنحني المال، حتى أنها أوجدت لي فرصة عمل لدى والد إحدى صديقاتها حتى أستطيع طلب يدها من والدها. كم كنت اشهر بيني وبين نفسي من سذاجتها، لكني كنت أستغلها بقدر الإمكان، ومازالت أحلم باللحظة التي ستسلمني فيها نفسها. ظل حفاظها على شرفها هو العائق بيني وبين تحقيق هدفي، حتى جائتني فرصة للهجرة على مركب لإيطاليا،فحرصت على استغلالها بقدر الإمكان لأوفر المال اللازم للسفر، كما أن أمي وعدتني أن تبيع سوارها وتمنحني المال اللازم حينما ترى ڤيديو يصور تسليم سلوى نفسها لي هتفضحها به وتنتقم من أبيها ذلك المتعجرف الذي ظل دائما يمنعها عن أختها،كما قالت،بالطبع لم أصدق رواية أمي لكني طاوعتها وأعددت خطة للإيقاع بسلوى، بعد أن فشلت في استدراجها لشقتي أو لأي مكان نختلي فيها معاً لأذيقها كئوس الحب الحقيقي وليس أوهام الشعراء والكُتاب. ادعيت المرض وطلب منها شريكي في الشقة أن تحضر لرعايتي لأنه مضطر للسفر لقريته،فصدقته وجاءت مسرعة. كنت قبل وصولها تناولت بعض قرون الشطة، وأحضرت قربة بها ماء ساخن ووضعتها على جبهتي لأبدو محكوماً، كما وضعت الترمومتر تحت الماء الساخن قبل صعودها للمنزل وتدثرت ببطانية وادعيت ارتعاش جسدي، كل ذلك ،مع تظاهري بالتعب، أقنعها بمرضي فبقيت بجواري تحاول التخفيف من حرارة جسدي بالكمادات وأعدت لي الطعام وأطعمتني بنفسها. كان جسدي مشتعلاً ليس بسبب الحمى إنما بحرارة الرغبة، فأعددت موبايلي على وضع تسجيل الڤيديو وبمجرد دخولها الغرفة وجلوسها بجواري وهي تحاول قياس حرارتي انقضضت عليها اغمرها بقبلاتي واتحسس جسدها وهي تقاومني بكل قوتها وترجوني أن أتعقل، لكن عقلي غاب وتغلبت علي رغبتي وكانت الغلبة لقوتي الجسدية. نلت منها غرضي ووعدتها بعد أن انهمرت دموعها أن أتزوجها فلملمت نفسها وغادرت وهي واثقة في وعودي. لم تعلم يوماً أني لست محل ثقة، ولا يهمني سوى جسدها ومالها. ذهبت بالڤيديو لأمي فقالت غاضبة:
-يا خيبتك الڤيديو ده يدخلك السجن، ده اغتصاب مش واحدة جاية برضاها.
- ماهي مارضيتش فاخدتها غصب، وهي مستحيل تشتكيني أو تحكي لحد لأنها واثقة إني هاتجوزها، كمان أبوها وابن عمها يقتلوها.
سكتت أمي للحظات فقلت لها:
-كمان لما هامشي وأسيبها مش هتقدر تتجوز وإلا تتفضح ويمكن كمان تكون حامل يعني فضيحة بجلاجل عاوزة إيه أكتر من كده؟
نظرت أمي إلي وقالت:
-إبليس ابن أبالسة مش خسارة فيك الإسورة اللي حيلتي
قبلت يدها بدهاء وقلت:
-تربية إيدك يامه.
سافرت وصورة جسدها المثير لا تفارق عيني، فصارت تحتل تفكيري، وأرغب في التمتع بها أكثر وأكثر. وصلت لإيطاليا بعد عناء شديد وسباحة لأكثر من يوم كامل في الماء، وكنت هناك أقاسي الأمرين حتى اجد عملاً يطعمني فقط، وتعلمت أن أهرب من مطاردات الشرطة حتى تعرفت على مجموعة من المصريين يعملون في مقهى فعملت معهم. مر علي عدة أشهر وما أتقاضاه يكفي بالكاد طعامي وسكني المشترك مع زملاء العمل، ولم أستطع إدخار أي مبلغ. تشاجرت مع زملائي في السكن لأنهم اتهموني بسرقتهم وأبلغوا عني ورحلتني السلطات إلى مصر. عدت مفلس كما ذهبت، وظلت أمي تشتمني وتعايرني بخيبتي كلما رأتني. لكنها في ساعة رضا أخبرتني أن سلوى تزوجت ذلك السمج فريد ويبدو أنه فعل ذلك ليستر عليها بعد إصابة عمه بجلطة، لكنها الآن تعيش وحيدة في بيت أبيها في القرية بعد سفره، ويبدو أن بينهما خلاف لأنها لا تعيش في بيته كما تقتضي العادات، وتلك فرصتي التي سأغتنمها لأفوز بجسدها الذي طالما أرقني وبأرضها ومالها وبيتها. حاولت الإتصال برقمها القديم فاكتشفت انها غيرته، فلم أعرف بمن يوصلني بها لأعرف أخبارها، فلن أستطيع الذهاب إليها في القرية . حاولت الإتصال بهدى لكن كلامها معي كان رسمي جداً ولم يتجاوز الدقيقتين وتكاد تكون أغلقت الهاتف في وجهي، ترى هل تعرف؟ هل أخبرتهم سلوى بما حدث؟ حاولت الإتصال بمنة فهي أقل رسمية من هدى فأجابني زوجها سامح فأخبرته أني عدت من السفر وأردت الاطمئنان على بنات خالتي فأخبرني أن منة نسيت هاتفها في البيت وهي مع سلوى في بيتها فطلبت منه رقم هاتف سلوى فأخبرني أنه لا يعرفه ولكنه سيبلغ سلامي لهما. أردت أن أصفع ذلك السخيف سامح الذي فوت علي فرصة كبيرة. لم أيأس وطلبت من أمي أن تتصل بمنة وتحصل منها على رقم سلوى بحجة السؤال عنها ولكن في اليوم التالي، رفضت أمي في أول الأمر ولكنها عادت فوافقت بعد أن أخبرتها أننا أولى بأرضها ومالها من فريد.
حصلت على الرقم واتصلت بها فلم تجب فأرسلت لها رسالة على هاتفها قلت فيها:
-حبيبتي سلوى وحشتيني جداً، عارف إنك زعلانة مني لكن أوعدك لما تقابليني وأحكي لك ظروفي هتسامحيني. حبيبك هاني اللي عمره ما هيحب غيرك.
أرسلت الرسالة وعرفت أنها وصلتها وفتحتها وانتظرت الرد على أحر من الجمر وأنا أعلم أنها غاضبة وسترد بانفعال لكني أستطيع امتصاص غضبها وأنها مستحيل أن تنساني فأنا حبها الأول. سأبذل كل جهدي لاسترضائها فهي تستحق وأنا على يقين أنها في النهاية ستخضع لي.
مر يومان ولم تجب على رسالتي فتعجبت من ذلك وأرسلت لها رسالة أخرى أخبرها فيها أنني سأذهب لها في بيتها إن لم تجب علي، وأيضاً لم تجب فظننت أن أمي أعطتني رقماً خاطئاً.
فصممت أن أصل إليها، فذهبت إلى قريتها وعرفت أنها تدير حضانة في ساحة بيت فريد الخلفية. ذهبت إلى هناك فلم أجدها فادعيت أني أريد أن يلتحق ابني بالحضانة وأريد محادثة المسئولة ،فخرجت لي فتاة في العشرينات جميلة ببشرتها الخمرية، لكن ليست بجمال سلوى فسألتها إن كانت هي مديرة الحضانة فأجابتني أنها نائبة عنها لغيابها، فاستمعت لها وبالي مشغول ثم انصرفت وأثناء خروجي من الباب قابلت سلوى التي مازالت تحتفظ بجمالها الذي يسلب العقول فابتسمت لها وقبل أن أتكلم قالت الفتاة الأخرى:
-الأستاذ كان عاوز حضرتك عشان بعض التفاصيل اللي بيسأل عليها عشان ابنه.
نظرت إلي سلوى بحدة وغضب ظاهر، بينما انصرفت الفتاة فقلت لها بصوت هامس:
-قلت لك لو ماردتيش هاجيلك، المرة دي هنا ولو ماردتيش تاني هاجيلك في البيت.
-عاوز مني إيه؟
-اللي عاوزه ما يتقالش هنا في الشارع، هاكلمك بالليل
مشيت وتركتها تتخبط في ارتباكها بعد أن حاولت أن تبدو قوية.
اتصلت بها في التاسعة مساءً وقلت لها:
-وحشتيني
-وبعدين؟
-عاوز اتجوزك
-ما أنا كنت قدامك بعد ما اغتصبتني ما اتجوزتنيش ليه؟هربت ليه وسيبتني أعيش بفضيحة ماليش ذنب فيها غير إني صدقتك ووثقت فيك؟ وروحت لخالتي،اللي كانت أمي دائما تقول عليها دي أمك زيي وهتخاف عليكي،قالت لي إيه يثبت إن اللي في بطنك ده من ابني مش جايز عاوزة تلزقيه فيه؟
فقلت بذهول :
-انتي كنتي حامل؟
-عاوز تقولي إن أمك ما قالتش لك على اللي حصل بيننا
-والله ما أعرف وحصل له إيه نزلتيه؟
قالت باكية:
-أبويا لما عرف فضل يضربني لما كان هيموتني لولا فريد حاشه عني لكن كان الطفل مات وحالي نزيف جامد وفريد وداني عيادة دكتور معرفته وبسبب كل ده أبويا جاتله جلطة، وفريد طلب يتجوزني عشان يسترني أنا وعيلتي اللي انت فضحتهم قدام الناس.
-ماتظلمنيش يا سلوى لو تعرفي إيه اللي حصلي هتعذريني، اللي حصل في شقتي انتي بتسمية إغتصاب وأنا باسميه عشق، ولما لقيتك مهتمة بيه ما قدرتش أمنع نفسي عن الجمال والرقة دي كلها.
-عشق؟قصدك رغبة متوحشة، إنك تجبر واحدة على علاقة هي مش عاوزاها ده مالوش إسم غير إغتصاب، وياريتك طلعت راجل ووفيت بوعدك وسترتني، لأ هربت وسبت غيرك يشيل الغلطة لوحده.
-أنا كنت ناوي أتجوزك بجد بس واحد صاحبي جابلي فرصة السفر اللي كنت باحلم بيها واللي هتخلي والدك مستحيل يرفضني أو يفتكر إني طمعان في ماله، ففكرت وقلت هتصبري لحد ما أرجع لك وسبت لك خبر مع والدتي وكنت هاكلمك لكن موبايلي بكل الأرقام غرق في البحر، أنا كنت باعرض نفسي للموت عشان أرجع لك وأبقى لايق بيكي
-لو كان ده حقيقي كنت على الأقل خطبتني، أو حتى كلمتني قبل ما تسافر، لكن الحقيقة إنك أخدت غرضك وهربت.
-انتي ظالماني ياسلوى وأنا لسه بحبك بدليل إني أول ما رجعت جيت لك ودورت عليكي
-يا ترى ليه؟
-لأني بحبك وما أقدرش أعيش من غيرك
-كداب وأنا مش عاوزة أشوف وشك أو أسمع صوتك تاني
-هتشوفيني وهتسمعي صوتي فخليها برضاكي أحسن ما تبقى غصب عنك
-انت بتهددني؟هو ده العشق؟
-أعمل إيه بس يا حبيبتي ما انتي مُصرة نبعد عن بعض وأنا مستحيل أبعد عنك، أنا عارف إنك زعلانة بس لما هتفتكري أيامنا الحلوة وقصة حبنا أكيد هتسامحيني، هاكلمك بكرة تاني.
أنهيت المكالمة وأنا على يقين أنها لن تكون لسواي فإن لم ينفع معها الحب والرجاء، سيكون لي معها شأن أخر ولن أتركها أبداً.
حاصرتها برسائل حبي وغرامي، واتصالاتي التي لم تجب عليها حتى سئمت دلالها وتمنعها فأرسلت لها مقطع الڤيديو الذي سجلته لها أهددها بنشره على صفحات التواصل الاجتماعي، فاتصلت بي وهي تبكي وأكاد أشعر بارتجافها وقالت:
-انت كمان صورتني؟ هو اللي بيعشق حد بيفضحه؟
-لو كنت عاوز أفضحك كنت هددت والدك بيه وأخدت قصاده فلوس، أو كنت نشرته فعلاً، لكن أنا احتفظت بيه لنفسي عشان كل ما اشتاق لك ارجع له.
-أنا عدتي هتخلص كمان ٣ أسابيع.
-مافيش مشكلة جهزي نفسك تاني يوم نتجوز على طول.
أغلقت الهاتف وأنا غارق في السعادة، أخيراً الدنيا ستبتسم لي ، سأصبح ثريا ً وأتزوج ممن أطارت النوم من عيوني بمفاتنها.
الفصل السابع
ذلك النذل الوقح عاد من جديد واستغل فرصة أني وحدي بلا سند وراح يهددني تارة، ويبثني غرامه تارة أخرى وهو يظن أني تلك الساذجة التي أوقعها في غرامه وهي تظنه رجلاً بحق. لا يدري أني لم أعد كما كنت، فالتجارب القاسية عندما تكسرنا تترك بالقلب علامة حتى لا يقع فريسة لكل كاذب بإسم الحب. بعد رحيله بنذالة عرفت معنى الحب الحقيقي مع فريد، ورأيت كيف يصونني ويحميني،ويبذل كل جهده لإرضائي، حتى وإن لم يكن يحبني يكفيني أني أحبه وسأحيا على أمل أن يغفر لي وينسى ذلتي.
لم أدرِ ماذا أفعل أمام تهديدات ذلك الوضيع؟ وبالطبع هو قادر على تنفيذها، ترى من سيقف بجواري في تلك المحنة؟ هل أصارح محمد زوج هدى وأفضح نفسي أمامهما؟ وهل هو قادر على التصدي له؟ لا سأتحدث مع فريد، حقا لقد غضبت منه ولم أتحدث إليه منذ طلاقنا، كما أن عدتي انتهت من فترة طويلة، وليتها لم تنته، لكني كنت أخدع ذلك الوقح لأكسب وقتاً لأتصرف. والآن لم يعد أمامي أي سبيل سوى الاتصال بفريد، بمجرد أن سمعت صوته علت خفقات قلبي وتسارع نفسي وهو يقول قلقاً:
-سلوى إزيك؟انتي كويسة؟...سلوى ..سلوى
-استجمعت شجاعتي ولملمت بقايا نفسي وقلت:
-أنا كويسة بس حصلت حاجه ومش عارفه أحكيها لحد غيرك
-قولي سامعك
حكيت له كل ماحدث فصمت قليلاً ثم قال بغضب:
-بصراحة لسه بتحبيه وعاوزة ترجعي له بس غضبك هو اللي مانعك؟ ولا فعلاً مش عاوزاه؟
-بعد اللي عمله فيه كرهته ودلوقتي بعد تهديده بفضحي أنا باحتقره وباحتقر نفسي إني صدقت سافل زي ده
صمت للحظات ثم قال:
-الحل الوحيد إننا نتجوز تاني وتيجي تقعدي معايا هنا عشان تبقي في حمايتي
خفق قلبي بشدة فلم أكن أتصور أن يطلب مني ذلك أبداً، فقلت:
-طيب والڤيديو لو نفذ تهديده ونشره؟
-ماتخافيش هاسأل محامي صاحبي وأقولك هنعمل إيه بس الأهم دلوقتي هابعت توكيل لحد من أجواز إخواتك عشان يجوزنا
فقلت باندفاع بلاش سامح ابعته لمحمد
-ليه ماله سامح؟
سكت ولم أجب فقال بعصبية:
-اتكلمي ماله سامح؟ ...اوعي يكون حاول يضايقك
-هو بس له كلام كده له أكتر من معنى ونظرات مش مريحة
-بس كده؟
-أنا باصده على طول ومش باديله فرصة يتكلم معايا لوحدنا حتى لما جه البيت من غير منة ما رضيتش أفتح له.
-كمان جه البيت ابن ال....حسابه معايا بعدين
صمت قليلاً ثم قال:
-هاكلم محمد وهدى وأقولهم خلوا الموضوع ده بيننا ومحدش يعرف ولا حتى منة وطبعاً سامح الزفت، وأي حاجة تحصل تبلغيني بيها أول بأول
-أنا آسفة يافريد إني دايما بالخبط حياتك وأورطك في مواقف إنت مش عايزها
سكت ولم يجب ثم قال:
-اوعي تفتحي لهاني أو سامح لو حد فيهم جالك، فاهمه؟
-حاضر
-ياريتني ما سبتك وسافرت
-ياريت
-خلي بالك من نفسك، وروحي بكرة الصبح أعملي باسبور وأول ما يطلع قوليلي
-حاضر
سعدت كثيراً بغيرته واهتمامه وحمايته، لكني تساءلت أهي بدافع الحب، أم المسئولية والولاء لأبي؟ أجابني قلبي: أيا ً كان الدافع المهم أنه يهتم، فاستمتعي بتلك اللحظات. أفاقني عقلي من سعادتي بتساؤل أخر، ماذا لو كان يحب فتاة أخرى وفي كل مرة تقفين كعقبة في طريقه؟ يحب أخرى؟ هذا لم يخطر لي على بال. طوال الليل كانت مشاعري تتأرجح بين الأمل واليأس، فحرمتني مذاق النوم. في الصباح ذهبت لاستخراج جواز السفر وجائني إتصال من هدى تتساءل هل صحيح أريد الزواج بفريد مرة أخرى، فأجبت بالموافقة فسألتني ولم كان الطلاق فقلت:نصيب.
فطلبت مني أن أحضر لبيتها لأبيت عندها وفي الصباح أذهب مع زوجها ليزوجني لفريد بالتوكيل الذي أرسله إليه، فأخبرتها أني سأكون عندهم في الصباح الباكر.عدت إلى البيت فاتصل بي هاني فقلت له بحدة:
-ماتتصلش تاني غير لما تخلص عدتي، مش أنا اللي أكون على ذمة راجل وأتكلم مع واحد تاني.
-خلاص ياقمر ماتزعليش أنا بس كنت عاوز أسمع صوتك لأنك وحشتيني.
-بعد أسبوعين هتسمع صوتي كويس
أنهيت المكالمة وأنا أرتجف لكني كنت أرغب في أن يظل مطمئناً ولا يبحث خلفي فيعلم الحقيقة. في المساء اتصلت بفريد وأخبرته بما حدث فقال غاضباً:
-السافل ده مش هيرجع إلا لما أقتله
-لأ يافريد ما يستاهلش تضيع نفسك عشانه،كده مش هتخليني أحكي لك حاجة.
-أوعي تخبي عني حاجه، فاهمة؟
-حاضر بس هدي نفسك.
في اليوم التالي ذهبت مبكراً لبيت هدى وذهبت مع محمد للشهر العقاري بموجب التوكيل الذي أرسله له فريد واصطحبني أنا وهدى للمأذون في المنصورة واتصل باثنين من أصدقائه وتم عقد القران وطلب من المأذون سرعة إصدار عقد الزواج بسبب السفر.
عندما عدنا اتصلت بفريد وأخبرته بما حدث فقال لي:
أول ما يطلع جواز السفر وعقد الجواز ابعتيلي صور منهم عشان اعملك التأشيرة.
استطاع محمد من خلال معارفه استخراج عقد الزواج مبكراً وارسلته مع صورة جواز السفر إلى فريد الذي تمكن من استخراج تأشيرة لي وحجز تذكرة السفر. كان هاني كلما اتصل بي ادعيت المرض حتى اكتسب وقت أطول،وفي نفس الوقت اتصل بي صديق فريد المحامي لرفع دعوى ضد هاني بالڤيديو الذي بحوزتي فرفضت وطلبت منه تأجيلها وإن فكر في الإساءة لي ونشر الڤيديو حينها سوف أرفع ضده دعوى قضائية.
تركت الحضانة تحت إشراف هدى وطلبت منها التواصل مع المدرسة التي تنوب عني في غيابي، ثم اتصلت بهاني وطلبت منه الاستعداد لعقد القران بعد يومين، وكان موعد طيارتي بعد عدة ساعات. جاءت هدى ومحمد لتوصيلي للمطار ومن حسن الحظ أن منة وزوجها كانا مسافرين فطلبت من هدى ألا تخبرها إلا بعد سفري حتى تكون مفاجأة لها وفي الواقع أنا أخشى من معرفة سامح حتى لا يفسد الأمر. ركبت الطائرة وأنا أشعر بالسعادة لأني سأعود إلى فريد وأعيش بجواره، لكن هل يشعر هو بالسعادة مثلي؟ أم أني عبء ثقيل عليه لكنه يتحمله وفاءاً لعهده مع أبي؟ لا أعرف ولكن الأيام ستوضح كل الأمور.
أقلعت الطائرة وشعرت بالخوف الشديد وتمنيت أن يكون فريد معي، فمعه أشعر بالأمان. نظرت من النافذة وتأملت منظر السحاب وأدركت أني منذ صغري لا أشعر بالأمان إلا مع فريد، فكم من مرة كنت معه بمفردنا ولم أشعر بالخوف، بينما هاني كنت رغم ظني أني أحبه لكني كنت أخاف منه ولا أتواجد معه بمفردنا، والمرة الوحيدة التي تجاوزت فيها خوفي منه وقعت في شباكه وانتهك جسدي بأقذر صورة ممكنة. فهمت الآن أن الأمان والاحترام أهم من الحب، وأن التفاهم والثقة هما الأساس القوي الذي تقوم عليه أية علاقة سوية.
وصلت الطائرة وشعرت بسعادة غامرة لأني سأرى فريد وربما ألقي بنفسي بين ذراعيه وأخبره كم اشتقت إليه، لكن كل أحلامي تبخرت عندما رأيته واقفاً في انتظاري لكنه كان يتبادل الحديث والضحك مع فتاة جميلة بملابس ملفتة للنظر وشعر أصفر طويل وجسد ممشوق. اقتربت منهما فلوح لي مبتسماً واقترب مني وصافحني برسمية وأنا اتفحص تلك التي ترافقه ، فلم أجد فيها أي خأي، فقد كانت جميلة بشعرها الأصفر الناعم وبشرتها البيضاء وعيونها العسلية الفاتحة وقوامها الرشيق الذي أظهره البنطلون الجينز الضيق الذي ترتديه والبلوزة الوردية بلا أكمام وتظهر ذراعيها بسخاء،أفقت من تفحصي لها على صوت فريد وهو يقول:
-الآنسة لميس زميلتي، وسلوى بنت عمي
فنظرت له بتعجب وقلت:
-بس؟
ونظرت إليها وأنا أصافحها بغيرة ظاهرة وقلت:
-ومراته
فرحبت بي ببرود ورسمت ابتسامه صفراء على وجهها وانطلقنا معا. ركبت معنا السيارة وعرفت من لهجتها أنها لبنانية وهي زميلته في العمل وقد التقيا صدفة بالمطار وأصر فريد على توصيلها،فقلت بسخرية:
-طول عمر فريد صاحب واجب وخاصة مع الستات اسأليني أنا
نظر إلي فريد بطرف عينه فلم أبالي. وصلت الفاتنة لبيتها وشكرتنا وتمنت لنا ليلة طيبة، فقلت بداخلي: ما خلاص الخطة باظت بسببك يا حلوة تؤبريني
وصلنا لشقة فريد التي كانت في بناية في الدور الثالث، فتح الباب ودخلنا فتأملت الشقة فوجدتها صغيرة وبها غرفتين وقبل أن أتكلم وضع حقيبتي في إحداهما فقلت ساخرة:
-الحمد لله إنك المرة دي مش هتنام في الصالة على الكنبة.
-لأ أنا سبت لك أوضتي ونقلت لبسي في أوضة زمايلي
-كل مرة كده بادخل حياتك ألخبطها
-ماتقلقيش هي متلخبطة لوحدها، غيري هدومك وتعالي نتعشى
جلسنا نتناول طعامنا وحكيت له عن كل ماحدث وأني تركت الحضانة في رعاية هدى حتى لا أغلقها وأقطع عيش العاملين بها، وطلبت منه أن يبحث لي عن عمل.
في الأيام التالية كنت أبحث أيضاً لي عن عمل من خلال الإنترنت، كما كنت أتواصل مع هدى وغضبت مني منة عندما علمت أني أخفيت عنها خبر زواجي وسفري فحاولت أن أراضيها ولم أرغب أن تعرف أني كنت أخشى أن يحاول زوجها التعرض لي مرة أخرى كما سبق وأن فعل عندما جاء للبيت وأنا بمفردي فلم أسمح له بالدخول، وحاول أن يتغزل بي فصددته وأغلقت بابي في وجهه. لا أعلم لم يريد الكل استغلالي، هل يروني فتاة سهلة؟ هل هناك شئ في ملابسي أو تصرفاتي تشجعهم على التحرش بي؟ أم أن النفوس الدنيئة لا تفرق بين امرأة محترمة وأخرى رخيصة؟
بعد نحو الشهر من إقامتى مع فريد وحالنا لم يتغير فنحن مجرد رفيقي سكن لا أكثر، أخبرني فريد أنه وجد لي عملا في مدرسة كمعلمة أطفال، وافقت بدون تفكير فأنا أعشق الأطفال عشقاً وأشعر بالسعادة في التعامل معهم.
أخذني العمل من التفكير في حالي وشغل وقتي، وعندما اندمجت مع زميلاتي عرفت أنهن يقمن في شقة مشتركة. كانت كل زميلاتي يحسدنني على زواجي من فريد ذلك الرجل الوسيم الذي يفيض بالرجولة والاحترام، حتى أن إحداهن أخبرتني لو كان زوجها لفعلت المستحيل لاستمالته وقصت على كيف ستفعل ذلك.
فكرت أن فريد رجل بحق يُعتمد عليه وأشعر بالأمان في وجوده، كما أنني تعلقت به خلال فترة زواجنا الأول وتأثرت بغيابه، فقررت أن أبذل كل جهدي ليكون لي زوجا حقيقياً.
تعمدت في الأيام التالية أن تكون ملابسي قصيرة وملتصقة بجسدي وأطلقت لشعري العنان وتعطرت بأغلى العطور التي تسلب العقول، وكنت أتدلل عليه وأقترب منه بشكل كبير ربما يلين ولكنه ظل صلباً كالصخر، ألا يرغبني؟ أم أن به علة؟
قررت في ليلة أجازتنا أن أرتدي أحد قمصان العرس التي احضرتها لي منة وكنت أخجل من مجرد التفكير فيها،لكن لا يقل الحديد إلا الحديد.
عاد فريد من الخارج واغتسل وظل يبحث عني وأنا أجلس على سريري وعندما ناداني أجبته اني متعبة وطلبت منه الدخول لغرفتي، كنت اغطي جسدي بغطاء السرير فلما اقترب مني ملهوفاً وقال :
-مالك أنتي تعبانة؟ تعالي اوديكي المستشفى
فقلت بدلال وأنا أزيح الغطاء وأضع يدي على وجهه:
-دوايا عندك إنت أنا بحبك يافريد
اتسعت حدقتاه بذهول وراحت عيناه تتجول برغبة على جسدي وتسارعت أنفاسه فاقتربت منه أكثر وقلت بحب:
-أنا عاوزة أبقى مراتك بجد
تلاقت العيون ورأيت في عينيه نظرات الحب والشوق، لكن فجأة دفعني وابتعد عني وقال وهو يدير وجهه:
-مش قادر بيني وبينك ألف سور
وضعت يدي على كتفه وقلت:
-نخطيهم سوا
فصرخ بألم وقال:
-ومين قالك إني ما حاولتش؟ لكن كل ما اتخيل اللي بحبها وما حلمتش بغيرها كانت بتحب غيري وسلمت نفسها له اتجنن وما أقدرش ألمسك
أصابني الذهول وقلت وأنا أبعد يدي:
-انت لسه مش مصدق إنه اغتصاب؟ طيب هاوريك الڤيديو اللي يثبت برائتي
وفتحت له الموبايل ورأي الڤيديو وعلامات الغضب ترتسم على وجهه وقال:
-برضه ما أقدرش ألمسك وأنا طول عمري باحلم أبقى الأول وما أقدرش أبقى التاني في حياتك
نظرت له بذهول وقلت:
-يعني المشكلة مش عندي المشكلة عندك جوه عقلك ومهما عملت هيفضل بيننا ألف سور، كده إحنا مستحيل يكون بيننا حياة
رفعت غطاء السرير وغطيت جسدي، وقلت له بأسى:
-تصبح على خير يافريد أخرج وأقفل الباب وراك.
-سلوى ..أنا....
-خلصت خلاص يافريد ما بقاش فيه كلام يتقال.
خرج من الغرفة وبكيت كما لم أبكِ من قبل.
غفوت بعد فترة واستيقظت في الصباح وبدلت ملابسي، لم أجد فريد في البيت فاتصلت على زميلاتي لأتحدث معهن لعلي أنسى ألمي فأخبرتني إحداهن أنهن يواجهن مشكلة بسبب ترك إحداهن العمل وبالتالي فإيجار الشقة سيُقسم على ثلاثة بدل من أربعة مما يسبب اضطرابا لميزانيتهن، ففكرت أن تلك فرصتي لأبتعد عن فريد. اتصلت بفريد وطلبت منه الحضور فوراً لأمر هام، فلما عاد قلت له:
-يافريد حكايتنا ما فيش منها أمل والحل إننا نتطلق، وكل واحد مننا يعيش حياته، لأن مش معقول تفضل عايش راهب من غير جواز أو زوج مع إيقاف التنفيذ، إنت مالكش ذنب تعيش الحياة دي بسببي، من حقك يكون لك زوجة وأولاد.
-وانتي؟
-أنا هاعيش هنا فترة واشتغل لحد ما هاني يشوف له حياة بعيد عني وينساني، ويمكن ألاقي حد مناسب وساعتها هتجوزه
ساد الصمت بيننا للحظات ثم قال:
-ولو طلقتك هتعيشي فين؟
-زميلاتي في الشغل محتاجين واحدة معاهم في السكن،وانا هاتنقل معاهم
-بس كده هتبقي بعيدة عني
-ده أحسن لنا إحنا الاتنين ولو احتجت حاجه هاتصل بيك، ومهما يحصل هتفضل أخويا وابن عمي الجدع اللي هافضل مديونة له بحياتي.
اتفقت مع زميلاتي على الانتقال معهن وقد عرفن أني وفريد على وشك الطلاق ولكن لم أحكِ لهن عن السبب واكتفيت بقول :
مافيش نصيب
الفصل الثامن
تم الطلاق وانتقلت للعيش مع زميلاتي و أخبرت أختاي عن طلاقي وظلت هدى تلومني وتقول لي أني لن أجد مثل فريد في رجولته وشهامته، فقلت لها النصيب. أما منة فتعجبت وقالت:
-بتتجوزوا بسرعة وتطلقوا أسرع، مشكلتكم إنكم مش عارفين انتم عاوزين إيه
-أخيرا فهمت وعرفت
عشت حياتي بين العمل وأنا اتصرف كإنسان آلي بلا قلب ولا روح فقلبي حطمه فريدبقسوته ، وروحي تناثرت لأشلاء بعد صدمتي برفضه الدائم لي رغم حبه، وأنا كنت حمقاء وأظن أن الحب يغفر كل الأخطاء، لكن اكتشفت أن الرجل الشرقي يغفر ويتسامح في كل شئ إلا في أن يكون الأول في حياة امرأته حتى وإن لم يكن يحبها. استمرت حياتي جافة وباردة وتسير على نمط واحد حتى قابلت مازن أخو نهى زميلتي في العمل الذي جاء مؤخرا للعمل في دبي فكان يستغل أجازته في أن يقضيها معها. التقينا عدة مرات وتبادلنا الكلام الرسمي، فلست من تسمح لغريب بتجاوز حدوده معها، كما أن وضعي كمُطلقة يجعلني دائما في موضع الظنون والشبهات. بعد فترة فوجئت بها تصارحني برغبته في الزواج مني فرفضت تماماً لأن جروح روحي لم تلتئم بعد، كما أنني مازلت أخشى من الرفض مرة أخرى، كما أخاف أن يعود هاني لتهديداته وهو ما لن يتفهمه أي رجل. وفي لن الأجازة التالية كنت أتجول في أحد المولات ففوجئت بنهى تتصل بي وتسألني عن مكاني فأخبرتها فطلبت مني أن أنتظرها في أحد المقاهي بالمول فظننت أنها تريدني أن أتسوق معها، لكنها جاءت بصحبة أخيها مما أصابني بالارتباك والإحراج، حيتني بترحاب وابتسامة ماكرة وحياني مازن بطريقة رسمية كما اعتدنا وجلسا فقالت نهى بمرحها المعتاد:
-احنا قلنا أنتي قبضتي مرتبك ودي فرصة عظيمة عشان تعزمينا
فابتسمت وقلت:
-طبعاً تحت أمركم
فقال مازن بجدية:
-واضح إن وجودنا مسبب لك ارتباك
-لأ أبداً بس مفاجأة مش متوقعة
-ده لأنك رفضتيني
-أنا مارفضتكش إنت شخصياً لكن رافضة فكرة الجواز كلها
-أقدر أعرف السبب
فقالت نهى:
-طيب أنا هاروح أشتري شوية حاجات وراجعة لكم
ساد الصمت بلحظات فقال:
-أنا سامعك
-أولاً أنا خارجة من تجربة جواز وجعاني ومش قادرة أخوض أي تجارب تاني ممكن توجعني
-أنا مش ممكن أوجع أي حد، بس السؤال انتي بتحبيه عشان كده موجوعة؟
-مش عارفة هو ابن عمي كبرت لقيته قدامي بيهتم بيا أنا واخواتي ويراعينا ويحمينا، ولما اتحطيت في موقف غصب عني وقف جنبي وقرر يتجوزني وكان بيعاملني بمنتهى الشهامة والرجولة، وده خلاني اتعلق بيه، لكن اكتشفت إننا مستحيل نكمل مع بعض عشان كده قررت نتطلق عشان يقدر يتجوز ويبقى عنده عيلة، ومن ساعتها وأنا مكسورة.
-يعني مش حب مجرد تعود وده سهل يتنسي مع الوقت وتتعودي على غيره
-بس ليه أنا وإنت زي ما أنا عارفه لسه ما اتجوزتش قبل كده وتقدر تتجوز بنت مش مُطلقة؟
-من أول مرة شفتك فيها حاجه شدتني ليكي، وكمان لما شفت أخلاقك وتعاملك الجاد معايا، غير اللي حكته نهى عنك كل ده خلاني أعرف إنك بالعقل مناسبة ليا وكنت بس محتاج أتعرف عليكي بشكل رسمي عشان اعرفك أكتر، أما فكرة بنت ومُطلقة فما تفرقش معايا لأني كنت مرتبط زمان بزميلتي وكانت بنت وبعد كده اكتشفت إنها كدبت عليا وكانت لها علاقات قبلي كتير ومنهم علاقة ما انتهتش غير لما عرفت تعلقني بيها
-ومش خايف اهلك يرفضوا؟
-والدي ووالدتي متوفيين ونهى هي كل أهلي
-والناس مش خايف من كلامهم؟
-أنا اللي هاعيش مش الناس،سيبك من مخاوفك دي وكلميني عن نفسك
شعرت بالراحة إلى حد ما وتحدثت عن نفسي وعن أسرتي وعن فريد، وحكى لي عن نفسه وأسرته وعرفت أنه يكبرني بعامين وخريج كلية التجارة وهو من يعول أخته بعد وفاة والديه وأنهما جاءا معاً بسبب عمله وأنه لم يستطع تركها بمفردها ولما جاءت معه أصرت على أن تعمل حتى تدخر لزواجها وترفع عبئها عن كاهله فوافق على مضض وعرضه الأساسي أن تجد ما يملأ وقت فراغها، وتتعرف على الناس وتعرف تتعامل معهم بمفردها وتعتمد على نفسها. عادت نهى وأصر مازن على دعوتنا على الغداء وبعد أن أوصلنا للسكن قال لي:
-أستخيري ربنا ومستني رأيك الأجازة الجاية.
سكت ولم اجب، كان أمره عجباً، إنه مُصر على الارتباط بي رغم أني كنت لغيره من قبل وهو لا يعرفني إلا منذ فترة قريبة وليس منذ صغري كما يعرفني فريد. لماذا يُصر على الزواج بي وبإمكانه أن يتزوج من هي أصغر مني ومازالت فتاة؟ هل أرسله هاني للإيقاع بي؟ هل علم مازن أني أمتلك أرضاً أم أنه طامع في راتبي هنا ومدخراتي؟ لم أستطع إيجاد إجابة مناسبة فاتصلت يهدى وحكيت لها وطلبت منها أن تحكي لزوجها وتخبرني برأيه. صليت استخارة ودعوت الله أن ينير بصيرتي، والعجيب أني شعرت بالاترياح تجاهه، واتصلت بي هدى وأخبرتني أن رأيها هي ومحمد أن نمنحه فرصة وأن أجلس معه مرة أخرى وإن شعرت بالارتياح أرسل بياناته لمحمد ليسأل عنه وعن أسرته. لم أستطع الصبر فأرسلت لهم البيانات التي اعرفها عنه منه ومن نهى، كما حصلت على عنوانهما من جواز سفر نهى، وطلبت من محمد أن يسأل عنه جيداً ويخبرني بكل ما يعرفه. خلال تلك الفترة اعتذرت عن لقائه حتى لا نُثير الأقاويل حولنا وطلبت مهلة أكبر للتفكير. بعد عدة أيام أخبرني محمد أن مازن صادق في كل ما قاله عن ظروفه لكنه لا يملك إلا شقة والده القديمة في حي شعبي بالقاهرة وهي مناصفة بينه وبين أخته، وحذرني محمد ألا أخبره عن ممتلكاتي حتى لا يكون طامع في، وطلب من إن وافقت عليه مبدأيا أن يقابله وبعدها يقرر، وافقت على رأي محمد وكذلك هدى فقد كان دائماً متعقلاً لا يعتمد على العواطف إنما يحركه عقله. رأيت أن رأي محمد هو الصواب لقد جربت قلبي ومشاعري ولم أجنِ سوى الآلام والخذلان،فلن أخسر شئ إن جربت عقلي، ربما يحقق لي السعادة والاستقرار.
علمت من هدى أن فريد خطب إحدى زميلات العمل وينوي الزواج قريباً، وأنه بصدد شراء شقة لها في المنصورة فتمنيت له السعادة وأن تمنحه عروسه ما لم أستطع منحه له، كنت أرغب في سؤاله هل سيكون الأول في حياتها وكيف سيتيقن من ذلك؟ هل سيحبها كما أحبني؟ هل سيخبرها عني؟ وماذا سيقول؟ وهل سيقدر على نسياني؟ آلمني ذلك التفكير كثيراً لكني اكتشفت أن حياتي مع فريد كان مزيجاً من الآلام ففي البداية كانت آلام الإثم الذي وقعت فيه رغماً عني، ثم آلام تكذيبه لي، ثم آلام تعلقي به وربما عشقي له، ثم آلام صده ورفضه لي وتلك كانت أشدهم قسوة، وأخيراً آلام فراقه التي أوجعتني وأشعرتني أني بلا قيمة ويسهل التفريط في، وأني كنت عبئاً يجثم على صدره،فكانت حياتي معه سلسلة من الآلام المتواصلة. من قبل قتلني حبي لهاني، والآن أوجعني عشقي لفريد، لذا سأمزق قلبي بيداي وسأسجنه بين ضلوعي ولن أسمح له من اليوم أن يغرق في بحر العشق ويغرقني معه في بحور الآلام.
كنت حائرة هل أعترف لمازن بما حدث لي مع هاني وربما أفقده بسبب ذلك؟ أم أحتفظ بذلك لنفسي؟ ألن يهددني هاني ويحاول ابتزازي مرة أخرى؟ مزقتني الحيرة، واتصلت بشيخ مختص بالفتاوى واستشرته فأخبرني أن الستر أوجب، وأن ابن عمي تزوجني ليسترني فلم أفضح نفسي بلا داعٍ،ارتحت لكلماته واستخرت الله وقررت أن أمنح نفسي فرصة فربما تكون فيها سعادتي. أخبرت نهى بموافقتي الأولية ولكن يجب أن يقابل مازن زوج أختي الكبرى وبعدها يكون القرار النهائي. اتصلت نهى بمازن وأخبرته بموافقتي وشرطي فوافق وطلب مقابلتي مع نهى في يوم الأجازة. ذهبت وأنا أشعر بالخجل والارتباك، لكنهما سرعان مازالا وخاصة وأن نهى بمرحها استطاعت أن تلطف الجو بيننا. تحدثنا في كل شئ، ما نحب ومانكره، طباعنا وعاداتنا، وفي النهاية قال لي أن أجازته السنوية أخر الشهر الجاري وسينزل لمصر لمقابلة محمد وإن حدث الإتفاق بيننا،سيطلب مني النزول لعقد القران وعندما حاولت الاعتراض، قال:
-ماهو ما ينفعش نكون عايشين في نفس البلد وهنخرج ونتقابل من غير ارتباط رسمي، كمان عشان ما أحسش إن كلامي معاكي أو نظراتي لك حرام، أنا عاوز البركة تملا حياتنا.
شعرت معه بالراحة وكنت أراقب كل تصرفاته وكلماته وردود أفعاله فلاحظت أنه شخص هادئ وعاقل وليس مندفعاً ولا عصبي ومتهور.
نزل أجازته لمقابلة محمد وهدى وكان تقييمهما له أنه شخص عاقل، لكن هدى قالت لي ملاحظة بيننا:
-شوفي يا سلوى هو إنسان كويس وعقلاني جداً لكن خلى بالك انت رومانسية هتقدري تستحملي طبعه ومشاعره اللي ممكن تكون جافة؟
-لو إنسان كويس وبيحترمني ويقدرني فده كفاية عندي
-والحب اللي كنتي مصدعانا بيه؟
-كبرت وفهمت إن الحب مهم لكن الاهم منه الاحترام والتفاهم والتقدير، إيه فايدة الحب مع إنسان سهل يهينك؟ أو مايقدرش كل اللي بتعمليه عشانه؟ أو ما بيتفاهمش؟
-لأ ده انتي اتغيرتي وعقلتي ياترى إيه السر؟
-الأيام وتجارب الدنيا بتعلمنا وبتعلم في قلوبنا، بس أنا خايفة من موضوع كتب الكتاب، مش يمكن لما نقرب اكتر ما يكونش فيه تفاهم بيننا.
-ما تخافيش بس اللي فهمته إنه عاوز يتصرف براحته معاكي وكمان يبقى مسئول عنك ويحميكي من كلام الناس، وبعدين لو ماعجبكيش سهل تطلقوا
-فعلا هاخسر إيه يعني؟ هاخد لقب مطلقة مع مرتبة الشرف؟
استطعت إقناع مديرتي بأن تمنحني أجازة من أجل عقد القران فمنحتني أسبوع واحد لأني جديدة في العمل. سافرت مع نهى للقاهرة ومنها توجهت للمنصورة،حيث أصرت هدى ومحمد على نزولي عندهم وحضور مازن ونهى لنتفق على كل شئ قبل عقد القران. اتفقنا على المهر والشبكة والمؤخر، وقلت لمازن أن لدي أثاثي من زيجتي السابقة،فطلب مني بيعه ونشتري غيره جديد، فابتسمت فهو يظن أنه يحمل آثار أو ذكريات غيره. نزلنا يومها لشراء الشبكة فاخترت طقم بسيط حتى لا أكلفه الكثير، لأني أعلم حالته المادية، وطلب منا أن نسافر غداً للقاهرة لرؤية شقته التي اختارها قريبة من شقة نهى لأنه لا يستطيع أن يتركها بمفردها. سافرنا في اليوم التالي ورأينا الشقة واتفقنا على شراء الأثاث بعد عقد القران مباشرة. دعتنا نهى لشقتها القريبة لتناول الغداء ، فاتجهنا للحي الشعبي ووجدنا أن بيتهم متهالك ورغم أن الشقة كانت جيدة إلا أنها لا تصلح لزواج نهى بها.وبعد الغداء وشرب الشاي قال محمد بهدوء:
-أنا هاتكلم معاك يا مازن بمنتهى الصراحة، سلوى دي أختي الصغيرة وكمان بيننا قرابة وده مخليني في مكان ولي أمرها، شقتك كويسة ومكانها معقول لكنها أقرب للأحياء الشعبية ومع الوقت هتتحول لمنطقة عشوائية وسهل تتسرق خلال سفركم،كمان مش قريبة أوي من أختك عشان تراعيها، فأنا هاقترح اقتراح ولك حرية القبول أو الرفض، أولاً بيت والدك ده مهدد بالإزالة أي وقت بسبب حالته السيئة، فممكن تبيع الشقة دي وشقتك وبتمنهم مع فروق بسيطة تاخدوا شقتين جنب بعض في مكان أحسن، وأنا عندي صديق بيشتغل في شركة مقاولات بتبني مجمع سكني وممكن يجيب لكم شقتين بمساحة معقولة وسعر كويس
سكت مازن لدقيقة ونظر لشقيقته التي قالت:
-طيب نعرف المكان والسعر عشان نفكر براحتنا
فقال محمد هاتصل بيه حالا ولو ينفع نروح نشوفها دلوقتي
بالفعل اتصل محمد بصديقه وذهبنا لموقع البناء فوجدنا عمارات متناسقة بشكل كبير في حي جديد ولكن متوافر به كل الخدمات، وأخبرنا أن شروط الشراء هي دفع نصف الثمن مقدماً والباقي بتقسيط على عامين.
سافرنا وتركنا محمد ونهى يفكران في الأمر،كما إننا حددنا بعد الغد لعقد القران.اتصلت بمنة وأخبرتها عن خطبتي لمازن وطلبت منها الحضور ففاجئتني بقولها:
-أوعي تكوني وافقتي عليه بس عشان عرفتي إن فريد ارتبط بغيرك؟ لو عملتي كده تبقي بتظلمي نفسك قبل ما تظلميه.
سكت للحظات وقلت:
-ما تخافيش أنا وافقت لأنه بالعقل مناسب ليا ولظروفي وكمان إنسان محترم وده بشهادة هدى ومحمد
-والحب؟
-الحب بيوجع أوي يا منة، جربته واتوجعت وقررت إن العقل هو اللي لازم يتحكم في حياتنا.
-معاكي حق كتير الحب بيعمينا عن حقيقة اللي بنحبه وبيخلينا نضحي ونتغافل كتير لحد ما نصحى فجأة على الحقيقة اللي كنا خايفين نعترف بيها نواجهها.
-مالك يا منة؟ احكيلي ما تخافيش
- ما تقلقيش أنا كويسة دي بس شوية فضفضة
-عموما أنا موجودة أي وقت تحبي تفضفضي.
أغلقت الهاتف وأنا أشعر بالقلق إزاء كلامها لأني أدرك مدى دناءة سامح.
حان وقت عقد القران ومن الصباح أصبح بيتنا خلية نحل بفضل هدى ومنة وبعض الأقارب اللاتي حضرن لتجهيز البيت لاستقبال الضيوف، ولم يخلُ اليوم من التساؤلات عن سر انفصالي عن فريد للمرة الثانية وكان جوابي الأوحد:
مافيش نصيب، لكنه ابن عمي وفي مقام أخويا.
كنت في الليلة السابقة أرسلت له رسالة على الواتس اب أخبره فيها بعقد قراني فأجاب بكلمة واحدة (مبروك) وكأن الأمر لم يعد يعنيه فلم يسألني عن التفاصيل، أدركت حينها أنه لم يعد الأخ والصديق إنما اكتفى بدور ابن العم.
في الموعد المحدد جاء مازن ونهى ومعهما بعض الأقارب والأصدقاء، وامتلأ البيت بالأهل والجيران وأطلقت النساء الزغاريد بعد عقد القران. ووزعت الحلوى والمشروبات على الجميع وبعد قليل انصرف معظم الحضور وبقي مع أختاي وزوجيهما وأولادهما ومن جاءوا بصحبة مازن، وقالت نهى بمرح:
-خد عروستك يا مازن واقعدوا لوحدكم
فاصطحبتنا هدى لحجرتي ووضعت بها صينية العشاء وقالت:
-هاسيبكم وأروح أحضر العشا للضيوف.
شعرت بارتباك واحمرت وجنتاي وتوالت خفقات قلبي وكأني لم أتزوج من قبل، فاقترب مني مازن وقبلني في وجنتي وقال:
-مبروك ياعروسة
فلم أجبه خجلاً،فقال:
-سلوى مش عاوزك تخافي مني، عارف إن جوازنا بالعقل ومافيهوش الحب اللي كل البنات بتحلم بيه، لكن أنا عارف إن العشرة الحلوة والاحترام بيخلقوا الحب.
سكت ولم أقل أي شئ فقال:
-انتي بخيلة؟
-ليه؟
-مش هتأكليني في بيتكم؟
-لأ طبعاً لازم تاكل اتفضل الأكل قدامك
فابتسم وغمز لي بعينه وقال:
-بس أنا عاوزك انتي تأكليني
شعرت بالخجل لكني استجمعت شجاعتي وقررت طي صفحة الماضي بكل آلامه وأن أبدأ صفحة جديدة مع مازن لعلي أجد السعادة.
بدأت في إطعامه وكذلك أطعمني هو وتبادلنا الكلمات وضحكنا وبعد أن انتهينا، أحضرت له مناديل مُعطرة ليمسح يديه فقال لي:
-انتي إيه رأيك في موضوع الشقة؟
-الرأي رأيك انت ونهى واتصرف حسب إمكانياتك، واللي مانقدرش نجيبه النهاردة بكرة إن شاء الله نحوش ونقدر نجيبه.
نظر إلي مبتسماً، ثم طال الصمت بيننا واقترب مني وقبلني ثم قال:
-من أول مرة شفتك فيها وأنا نفسي أعمل كده، إحساس عمري ما حسيته مع أي واحدة، واضح إن معاكي دنيتي هتتغير
تركني مذهولة وخرج وهو مبتسماً بانتصار، ولا يدرك أن تلك القبلة تركت في نفسي أثراً كبيراً وحركت مشاعري.خرجت من الغرفة بعد أن تمالكت نفسي فوجدت مازن ينظر إلي مبتسماً فشعرت بالخجل فقالت لي منة بعبث وهي تهمس:
-مش هاسيبك النهاردة غير لما تحكي لي حصل إيه خلى وشك شبه الطماطم
فلكزتها وتركتها وذهبت لأجلس بين الحضور فأفسحت لي نهى المكان بجوار مازن وقالت:
-تعالي يا مرات أخويا اقعدي جنبه
فقال محمد بجدية:
-هي لسه مجرد خطيبته ، هتبقى مراته لما نعمل إشهار و تروح بيته، أتمنى يكون كلامي واضح يا مازن وتلتزم بوعدك، أنا بس وافقت على كتب الكتاب عشان تقدر تتكلم وتخرج معاها وتشتروا حاجتكم.
فقال مازن بنفس الجدية:
-أنا عند وعدي يا أستاذ محمد وهاحافظ عليها عشان البركة تملا حياتنا.
انصرف الجميع وفي اليوم التالي قبل انصراف أختاي جاءت خالتي فجأة بحجة تهنئتي وشعرت بالنفور منها لكني لم أملك سوى الترحيب بها لأنها ضيفة ولصلتها بأمي. لم تكف عن أسئلتها السخيفة عن كل خصوصياتنا وقبل انصرافها قالت لي يتهكم:
-أنا عارفة بتلاقيهم فين اللي بيترموا تحت رجليكي؟ ولا بتعملي لهم إيه عشان يرضوا بيكي وانتي متطلقة؟ أمال لو كنتي حلوة كنتي عملتي إيه؟ يالا ما هي أرزاق وانتي رزقك زي رزق أمك
-الحمد لله على نعمة الرضا وحب الناس، نورتي يا خالتي
خرجت معها لأوصلها لأول الطريق وقلت لها:
-اسمعي لو فكرتي انتي أو ابنك تبوظوا الجوازة أقسم بالله لأسجنه بالڤيديو اللي معايا، أنا لا بقيت أخاف ولا هاممني حد، أبويا اللي كنت خائفة عليه مات بحسرته، والطلاق أنا مجرباه ومش فارق معايا، وكلام الناس ما يهمنيش لأني مش راجعة مصر، لكن المحروس ابنك شبابه هيضيع في السجن ولو طلع محدش هيشغله وسمعتكم هتبقى في الطين، أحسبوها كويس واعرفوا إني لا بقيت ضعيفة ولا بخاف.
نظرت إلي بمنتهى الكراهية وكأنها تود أن تقتلني، ثم انصرفت غاضبة فقد أدركت أني عرفت سبب زيارتها، لكنها لم تتخيل أني أصبحت بتلك القوة. لقد منحتني التجارب قوة لم أكن أمتلكها ولم أتخيل أني سأمتلكها يوماً، فلم يعد لدي ما أخسره بعد شرفي وأبي، حتى تنمر المجتمع لأني مُطلقة سبق وتعرضت له فماذا سيحدث لي أسوأ من ذلك؟
أعددت نفسي للسفر فقد مر الأسبوع بسرعة، وأصر مازن على أن يصطحبني من البيت للمطار ولما حاولت الرفض قال:
-إيه خايفة تكوني معايا لوحدك؟
-لأ بس مش عاوزة اتعبك ولا أكلفك
-انت مسئولة مني دلوقتي، زي ما نهى كمان مسئولة مني.
كبر في نظري كثيرا فهو رغم أن إمكانياته المادية ليست عالية إلا أنه يعرف جيداً مسئولياته ويقوم بها، فالرجل حقاً هو من اعتاد أن يحمل مسئولية أهله لا من يحملهم مسئوليته.
سلمت على أختاي ووعدتني هدى أنها ستتولى فرش شقتي بعد بيع الأثاث المُستخدم وشراء أخر جديد ما إن يستقر مازن في أي شقة سنسكن.
سافرت مع مازن إلى القاهرة في سيارة خاصة استأجرها من أجل راحتي، وفي الطريق أخبرني أنه ونهى قررا بيع شقتيهما وشرا شقتين متجاورتين في المجمع السكني لأنه في مكان أرقى ويناسب أطفالنا في المستقبل ولأن نهى ستكون بجواره فيشعر بالاطمئنان عليها،ثم أضاف:
-والأهم إني حسيت إنها عجبتك أكتر من شقتي
-بس وفرق الفلوس ماتخافيش أنا محوش قرشين أنا ونهى وإن شاء الله ربنا يقدرني، وكمان صاحب محمد وعدني إني لو دفعت أكتر من النص كاش هيعمل لي تخفيض كويس في الباقي، بس ادعي لي ربنا يرزقنا بسعر حلو للشقتين.
-انت نيتك تسعد اللي حواليك فأكيد ربنا هيرزقك، ابعت لي بس مواصفات الشقتين، يمكن حد من زميلاتي سواء في المنصورة أو أبوظبي يعوز يشتريها وخاصة إن شقتك جاهزة للسكن.
نظر إلي بامتنان وقبل يدي وقال:
-الحمد لله إن ربنا رزقني بإنسانة زيك.
احمرت وجنتاي وزادت خفقات قلبي وخاصة وأنه ظل ممسكاً بيدي طول الطريق. تحدثنا في أشياء كثيرة حتى وصلنا المطار، فسلم علي وقال هامساً:
-هافضل أعد الدقايق لحد ما نتقابل
سافرت وأنا أشعر بالخوف من أن أصدقه وأتعلق به وفي النهاية لا أجني سوى الألم، لكن كنت أشعر بقدر من الطمأنينة معه، وقررت أن أمنحه ثقتي بالتدريج وألا أمنحها كاملة حتى لا أصاب بالصدمة إن لم يكن كما يصور لي نفسه. ترك غياب نهى ومازن في حياتي في الغربة فراغ كبير حاولت ملئه بمحادثتهما يومياً بحجة معرفة الجديد، وعندما كنت أتأخر في الاتصال كان مازن يتصل بي. وحدثني يوم وهو سعيد لأنه استطاع بيع الشقتين بسعر معقول وبالتالي سيتمكن من شراء شقتين في المجمع السكني و دفع أكثر من نصف ثمنهما وسألني في أي دور أحب أن أسكن الثاني أم الثالث، فاخترت الثاني فقال أن ذلك رأي نهى أيضاً.