لا أصدق أنها رحلت وتركتني وحدي بلا أمل في العودة. كيف تركتني فقد وعدتني عند زواجنا-من سنوات عديدة لم أعد احصيها -ألا تتركني؟ لم حنثت بوعدها؟لم تركتني وهي تعلم أنني لا أستطيع العيش بدونها؟حقًا لم أقل لها هذا يوما لكنها أكيد كانت تعلم كما كانت تعلم بكل ما أفكر فيه وما اشعر به.
كانت كل شيء في حياتي، كنت أعتمد عليها تمامًا فلم أكن أفعل شئ يخصني إنما هي من كانت تفعل كل ما يخصني ويخص شئون البيت ومشاكل الأولاد. كانت تهتم بكل كبيرة وصغيرة حتى ميزانيتي هي من كانت تدبرها فكانت تأخذ كل دخلي كطبيب وتعطيني مصروفًا وباقي المال تأخذ منه احتياجات البيت ثم تضع الباقي في حسابي في البنك أو تسدد به أقساط السيارة أو الشقة الجديدة التي اشترتها لنا .كنت أترك لها كل شيء وأثق بها ثقة عمياء فلم تركتني وحدي؟ وماذا سأفعل بعدها؟
كيف كانت تتألم من المرض وأخفت عني ألمها حتى لا تحملني همها؟كيف لم اكتشف ألمها وأنا الطبيب الماهر؟ لم اختارت أن تتألم بينها وبين نفسها وهي من اعتادت أن تخفف عن الناس ألامهم؟ ألم تكن تثق أننا سنساعدها في محنتها؟ أم أنها أرادت أن تجنبنا الألم النفسي؟
لم تكن تطلب شيء أو تشتري لنفسها شيء ألا بعد إلحاح مني ومن الأولاد.كل ما كانت تطلبه مني أن أقول لها أحبك ، ولم أقلها لها يومًا رغم أنها كانت تغمرني بمشاعر الحب وكلماته دائمًا ورغم أني عشقتها منذ أول لحظة وقعت عليها عيناي عندما انتقلت هي وأسرتها لشارعنا وسكنوا في العمارة المقابلة لنا. قررت يومها أن تكون لي وبذلت كل جهدي في مذاكرتي وعملي حتى أتزوجها. لم أعترف لها أبدًا بحبي فقد كنت أرى الحب ضعف ،وأن الكلمات قد تكون كاذبة لكن الأفعال أصدق فاكتفيت بالأفعال.
كنت على يقين أنها كانت تعلم أني أحبها ولا أرى في الكون امرأة سواها. لم تكن كل كلمات الدنيا تكفيني لتعبر عن حبي لها، كما أني لم أكن بارعا في التعبير عن مشاعري بالكلمات. تجاهلت رغبتها بسماع مجرد كلمة حب ، حتى كفت عن طلبها بل هي ظنت أنها كانت في حياتي مجرد (جوازة والسلام) كما كانت تقول لي .كان من السهل علي أن أبرها بعشقي لها بكلمة واحدة حتى وكانت ستسعدها.
ليتني قلتها وأسعدتها،ليتني غمرتها بحبي،ليتني منحتها مزيد من وقتي فربما كانت عاشت أو حتى ماتت وهي سعيدة.ليتني أستطيع العودة بالزمن عدة ساعات لأسمعها كلمة الحب التي طالما تاقت لها نفسها.ليت ليت ليت.تبقى كلها أمنيات لا تتحقق،وتظل حقيقة واحدة أنني بدونها وحيد كطفل ضاع عن أمه وتاه في دنيته. أصبحت بدونها كمن فقد روحه و يعيش بجسده فقط، وينتظر لحظة الرحيل ليلحق بها،وما جدوى الحياة بدونها؟
تمت