هل حقا مات؟؟ لاأصدق نفسي إنه مات بتلك السهولة، كل هذا الجبروت والغرور بسبب الشباب والنفوذ والمال إنتهى في لحظة واحدة؟؟ قرر قلبة فجأة التوقف عن كل تلك الحياه الصاخبة التي لم يترك فيها متعه واحدة ولم ينعم بها. أجلس وسط النساء اللائي جئن لتعزيتي وأتفحص وجوههن ترى من منهم كانت شامتة وتدعي أنها تبكيه؟؟ ومن كانت تكرهه لتركه لها وتلاعبه بمشاعرها وزواجه مني؟؟ ومن كانت تتمنى أن تكون مكاني في حياته أو حتى بعد مماته؟؟ نعم إحتملت كل هذا لسبب واحد نجلاء لطفي أني كنت أسيرته ،كنت أعشقه بجنون لدرجة الإدمان وكان هو يدرك ذلك جيدا فكان يغدق علي من حبه ومشاعره وإهتمامه ما يجعلني ملك يمينه ثم يعذبني بكلامه القاسي الذي يهدم ثقتي بنفسي حيث كان يراني فاشله كزوجه وأم بل وفاشله في كل شئ. كل نجاح لي في دراسه أو عمل أو نجاح لأولادي كنت سببا فيه كان يرى أنه وحده السبب فيه ولولا وجوده في حياتي لبقيت فاشله لا جدوى مني،توبيخه الدائم لي وإنتقاصه لقدري قلل من ثقتي بنفسي التي كان هاني مصدرها الوحيد وخصم الكثير من رصيده في قلبي، قلبي الذي لم يعرف سواه ولم ينبض إلا له ولم يهتف إلا بإسمه،قلبي الذي طالما جرحه وأدماه بقسوته ولا مبالاته، ورغم ذلك كنت أعشق كل تفاصيله ،كل كلماته وضحكاته ونظراته وحتى إنفعالاته في وقت الغضب، كنت أعشقه حين يصالحني وأعشقه حتى عندما يثور بل وأبرر له أسباب ثورته ليغفر قلبي له ،لقد كنت أسيرته لسنوات طوال ولم أفكر يوما أن أهرب من ذلك الأسر أو أطالب حتى بحريتي، كان حبه هو سجني وحريتي،هو نعيمي وعذابي،هو فرحي وحزني.
لاأصدق أني سأعيش بدونه،سأصحو بدون جرس المنبه الذي يوقظه لعمله، لن يقبلني قبل نزوله لعمله ويقول لي (إدعيلي)، لن يتصل ليسألني ماذا سنأكل اليوم، لن يحاول إختراع حجج للسفر في مهام عمل لعدة أيام أو يجعل أحد أصدقاؤه يتصل بي ليخبرني أنه دعاه للغداء نجلاء لطفي وهو يرفض خوفا من غضبي وأنا أعرف أنها وسيلته للكذب ليسافر مع أصحابة ويستمتع بحياته من دوني أو ليذهب لملاقاة إحدى عشيقاته. كنت أغفر أخطاؤه وكذباته وأتناسى كل كلماته الجارحه بل وإهاناته لأني لا أقدر على الحياه بدونه فنحن لم ننجب حسب رغبته حتى نستمتع ببعضنا لأطول وقت ممكن ولا ننشغل بمشاكل الحياه ووافقته فلم أكن أرفض له طلبا وكانت لديه قدرة كبيرة على إقناعي، فكان هو إبني المدلل الذي أتجاوز عن أخطاؤه وعيوبه لأني لا أملك إلا أن أحبه كما هووعندما ألححت على رغبتي في الإنجاب فوجئت بموته.
بينما أنا غارقه في أفكاري دق جرس موبايله برقم غير مسجل ففتحت ولم أجب فجاءني صوت نسائي يقول بدلال:-هاي بيبي وحشتني موت
-هاني مش هيقدر يرد لأنه مات
جاءني صوت صراخ وعويل وصوت يقول:
-إنتي كدابه بتقولي كده عشان تهربيه مني ومايسددش ديونه، إنتي عارفة إن جوزك الفاشل شغله إتوقف أكتر من مره وكان هيتسجن لولا إني أنقذته بفلوسي اللي سلفتها له؟؟ دلوقتي بيستخبى مني عشان ما يوفيش بوعده ويتجوزني؟؟ انا بقى اللي هاسجنه
-باقولك هاني مااااات
أغلقت الهاتف فعاودت الإتصال فلم أجبها لأن النيران التي كانت تشتعل بداخلي كانت قادرة على حرق سرادق العزاء بكل من فيه، بل قادرة على حرق المرحوم وقبره، كتمت غضبي حتى تنتهي الليلة بسلام. عدت لبيتي والفراغ يزيد من حزني وكآبتي ورغم وجود أمي معي إلا إني لم أشعر بوجودها ولا كلماتها إنما كنت هائمة في عالم أخر. نعم كنت أعرف بخيباته في العمل لكني لم أتخيلها كما روتها لي تلك المرأة، إذا لم أكن أنا الفاشله في عملي وحياتي بل كان هو، كان يحطمني لأنه يغار من نجاحي ولا يستطيع الوصول إليه، كان يعرف أنه فاشل وخاف أن أعرف ذلك عنه فأتركه أو على الأقل أعايره لذا كان يرغب في تحطيمي.
خلال الأيام توالت الإتصالات على موبايله وأخبرت الجميع أنه مات فكانوا بين شامت وغير مصدق، وجاءتني مكالمات عديدة من أرقام مجهولة كتلك السابقه تطالبني بسداد ديونه وأنهم سيتقدمون بالشيكات للمحكمة. بعد أسبوع من الوفاه غرقت في الإجراءات وإ ستخراج الأوراق حتى جاءني إتصال على هاتف هاني من إمرأة هادئة تتكلم بثقة فقلت لها إنه مات فأخبرتني أنها تعرف وأنها تريد لقائي قطلبت معرفة السبب فقالت (لما نتقابل هتعرفي)، غموضها زاد فضولي وهدوءها جعلني أتعجب ترى من هي وماذا تريد؟؟
ذهبت في اليوم التالي للقاءها في أحد الكافيهات في مول كبير وتعجبت كثيرا أنها عرفتني وأشارت لي لأراها، كانت إمرأة أنيقة ،رشيقة، تكبرني بعدة سنوات ، تلبس ملابس سوداء وتضع على عينيها نظارة سوداء تغطيهما تماما ، رحبت بي وقالت:
- أهلا يا مدام مها إتفضلي
-إنتي تعرفيني منين؟؟
-من هاني، أرجوكي إهدي عشان نعرف نتكلم بالعقل لأن اللي هأقوله ده مفاجأة لكي يمكن تبقى فوق إحتمالك، الأول تحبي تشربي إيه؟؟
-قهوة زيادة
طلبت لي القهوة وقالت:
- أنا عرفت هاني أول ما إتخرج كان مجرد كاشير في محل من محلات اللبس نجلاء لطفي اللي ورثتها عن والدي وكشفلي السرقات اللي بتحصل في المحل وعينته مشرف على المحلات ومن ساعتها فضل يقربلي ويتودد لي لحد ماوقعت في حبه وقررت أتجوزه رغم اني أكبر منه ب3 سنين كان طاير من السعادة، وطبعا أهلي كلهم كانوا ضدي بس اتحديت الكل عشانه وفعلا عشنا في منتهى السعادة وكان شاطر جدا تجاريا وكبر الشغل وعمل شغل لنفسه وما اعترضتش بالعكس اتبسطت جدا إنه هيكبر هو كمان، عشت معاه في سعاده لحد ما إكتشفت إن النجاح ده كان وهمي وإنه سالف فلوس من طوب الأرض لأنه كان بيصرف فلوس المحل على ترابيزة القمار لأنه مدمن قمار وطبعا فضل يبكي ويعتذر ويطلب السماح وسامحته لأني بحبه وفكرت لو خلفنا طفل هيعقل ويرتبط بينا لكن للأسف إكتشفت إني ما باخلفش الأول بقى يراضيني عشان ما ازعلش لكن مشاكله زادت ومابقتش قادرة احاسبه لحد مافكرت إنه لو إتجوز واحده تانيه وخلف منها يمكن يعقل وقبلت بالحل ده وأنا باموت،طبعا انتي عارفه يعني إيه واحدة تشاركك جوزك اللي بتحبيه يعني بتموتي كل لحظة وانتي بتتخيليه معاها ، المهم أقنعته بالفكرة وأنا اللي إختارتك كنت أعرف جارتكم وشفتك أكتر من مره عندها ومدحت فيكي جدا وفي أخلاقك وتربيتك ساعتها قررت إنك أنسب واحدة.
جاء النادل بالقهوة فصمتت وشربت بضع جرعات من الماء ثم صمتت لثواني تسترجع الذكريات وقالت:-
-ما اعرفش اتعرف عليكي ازاي وماحاولتش اعرف التفاصيل عشان ما اتعذبش أكتر لكن عرفت إنك عجبتيه وبدأ يشدك له في الفترة دي كان لازم نتطلق رسمي وبعدين نجلاء لطفي نتجوز عرفي لأنه ما كانش يقدر يطلقني لأن كل شغله كان مرتبط بمحلاتي –وده اللي عرفته بعدين ان تمسكه بيه ما كانش حب أد ماكان مصلحة- وبعد ما اتجوزك بعد عني شوية لكن كان بيحاول يجيلي ساعه او 2 بالنهار اي وقت عشان ما ازعلش في الوقت ده باع كل محلاتي لنفسه بالتوكيل اللي كنت عاملاه له من غير ما اعرف،ومش كده وبس لأ طلقني كمان في لحظة انفعال بيننا بسبب غيرتي وقالي إنه ردني وهو ماردنيش وفضل عايش معايا سنة على إني مراته وهو مطلقني، وفي يوم طلبت أراجع معاه حسابات المحلات لقيته بيتهرب مني أكتر من مرة لحد ما واجهته فانفجر في وشي بالحقيقة ساعتها بس حسيت أد إيه كنت عبيطة ومصدقاه وهو إنسان حقير وأناني وأخدني سلم يطلع بيه لفوق مش أكتر،عارفه إنك مش هتصدقيني ده كل الورق اللي يثبت حقيقة كلامي خلي المحامي بتاعك يتأكد من صدقي أو كذبي.
-ليه بتحكي لي كل ده ؟؟عشان أكرهه ولا عشان تصعبي عليه؟؟
-لا ده ولا ده أنا عايزة محلاتي اللي سرقها مني ، إنتي أخد منك دهبك والوديعة اللي كان أبوكي حاططهالك في البنك لكن ده هيرجعلك لما تورثي مصنع الملابس والتريكو لكن أنا خسرت كل حاجه وعايشة على معاش والدتي اللي كانت ناظرة مدرسه وياما حذرتني منه وأنا كنت مسلمه نفسي له تماما، وطبعا المعاش ده بسيط جدا بالنسبة للي كان عندي.
-أنا كنت عارفه ان في سر أو مشكلة لكن ماكنتش عارفه إيه هي لكن عمري ما تخيلت انه كان متجوز قبلي، انا مش قادرة استوعب كل ده سيبيني كام يوم أستوعب الكلام ده كله أنا كل يوم حد بيكلمني ويقولي ان هاني كان سالف منه فلوس وكاتب له شيكات وهيرفع عليه قضية أنا مش عارفه أعمل إيه.
-ده رقم محامي شاطر ممكن يساعدك بس إوعديني لو مشاكلك إتحلت ترجعيلي حاجتي
-انا مش ممكن أكل حق حد بس ده لو فضل فلوس أصلا
كادت الحيرة والظنون أن تدفعني للجنون، هل حقا كان كاذبا؟؟ هل نجلاء لطفي كل حياتي معه كانت خدعة؟؟ ترى ماذا يخبئ لي من مفاجأت أخرى؟؟ تأكد المحامي من صدق كلامها وبينما نقوم بإعلام الوراثة فوجئت بأخرى تعلن أنها زوجتة ولها منه ولد وبنت يعقد زواج تاريخة يسبق عقد نهى وعقدي وشهادات ميلاد مسجله وأنه إستولى على ميراثها من والدها وعلى تحويشة عمرها من عملها بالكويت ، ياله من مخادع سرق نهى وسرقني وسرق حتى زوجتة وأم أولاده وتركنا جميعا في مهب الريح، لعنت كل لحظة صدقتها فيها ووثقت به، كم تمنيت لو أستطيع تدمير قبره وإخراج جثته لأمزقها إربا لعل عذابه يزيد أو أشعل فيها النيران حتى تبرد نيران قلبي، كان يبدو عاشقا وهو لايعرف الحب،كان له ألف وجه ترى أيهما كان وجهه الحقيقي، لعنه الله ولعن الحب الذي خدعنا تحت شعاراته العريضة. خلعت السواد ومحوت كل مايذكرني به وسددت كل ديونة ولم يتبق لأي من الورثة مال ولكن بقيت لعنات تصاحب سيرة هاني. سافرت لأعمل بدبي ، لقد كرهت أن أعيش على نفس الأرض التي كان يعيش عليها وأتنفس نفس الهواء الذي تنفسه يوما ما.ملعون أنت أيها الحب كم تسعدنا للحظات وتشقينا لأعوام، لقد كفرت بك للأبد و لن أثق بقلبي بعد الأن.
تمت