يخرج إلى عمله متعطرًا أفضل عطوره مرتديًا أفضل ملابسه وواضعًا قناع اللطف على وجهه فيرسم الإبتسامة في وجه الجميع وخاصة النساء فهو معهن ذلك الشخص اللطيف ،صاحب الحضور الجذاب، وخفة الظل، دائم الإهتمام بأحوال الجميع، المنصت لمشكلات زميلاته الخاصة وهو وحده من يقف معهن ويساندهن ويخفف من آلامهن وبالطبع هو اليد الحنونة التي تسمح دموعهن. كل من يعرفنه يحسدن زوجته وكل أسرته على مثل هذا الرجل المثالي ويتمنين أن يحظين بمثله.
يعود للبيت فيخلع على الباب قناع اللطف و يضع قناع الفظاظة ، ويتعمد كعادته أن يخلع حذاؤه -كما رجته زوجته مرارًا حتى لا يرهقها في التنظيف وهو لا يبالي- ويدخل متجهمًا لا يلقي سلامًا على زوجته ولا أبناؤه بل يتساءل في ضجر عن الطعام فتسرع الزوجة في إعداده حتى لا تقع تحت طائلة غضبه، ثم يذهب لاستبدال الملابس الأنيقة إما بتلك البيحامة ذات الأقلام العريضة التي يرفض التخلي عنها شتاءً أو بالفانلة البيضاء ذات الحمالات فوق بنطلون البيحاما الذي بهت لكثرة غسله ويرفض أن يلبس غيره صيفًا. يجلس على السفرة متجهمًا وكرشه يتدلى أمامه والويل كل الويل لمن يتكلم بما لا يعجبه على الطعام ، لذا فزوجته والأولاد دائمًا صامتون يخشون أن يغضبوه بكلمة غير مقصودة أو إحدى مشاكلهم التافهة التي لا تحتاج تدخله، او أحد المواضيع التي تثير غضبه العارم كطلب المال فيثور عليهم ثورة عارمة ويسمعون من الألفاظ ما لا يحبون ويسمع الجيران صوت صراخه وسبابه.
بعد إنتهاء الطعام يذهب لغرفته لينام قليلًا وعلى الجميع إلتزام الصمت فيتجمع الأولاد في حجرتهم وتظل الزوجة في المطبخ لتنظيف أثار معركة الغداء الطاحنة. عند استيقاظه إما يذهب للمقهى للجلوس مع أصحابه أو يخرج لقضاء بعض المصالح والأعمال ، وإن أرادت زوجته أن تطلب منه أي طلب يخص البيت والأولاد -الذين يخشونه-فعليها أن تتحمل وابلًا من السباب والصراخ ليعبر عن ضيقه منهم ومن طلباتهم التي لا تنتهي والتي سودت عيشته.
أما بعد خروجه تعم الفرحة البيت مجددًا فينطلق الأولاد في صخبهم ومرحهم ومشاغباتهم التي لا تنتهي، وتفتح الزوجة التليفزيون لمشاهدة المسلسل التركي مع كوب الشاي بالنعناع وهي تقول:
-داهية لا ترجعك يابعيد بتشخط وتتأمر على إيه ؟أمال لو كنت حليوة ولا رومانسي زي بطل المسلسل كنت عملت إيه؟ مش شايف كرشك؟ولا شعرك الأبيض؟ ده أنا باحلم إنك مرة واحدة تضحك في وشي ولا حتى تخرجني على الكورنيش وتجيب لي حتى كوز درة زي زمان.
يا رجل هلا بدلت الأقنعة وارتديت ولو مرة قناع اللطف لأهل بيتك ولو بالخطأ؟هلا استمعت لهم وشاركتهم حياتهم؟هلا استمتعت بوجودهم في حياتك قبل ان يتخلوا عنك في كبرك كما تخليت عنهم وهم معك؟
وكم من أقنعة معكوسة يرتديها أصحابها في غير مكانها الصحيح .