إنها أحدي ليالي فبراير الباردة يكاد برقها يخطف الأنظار ويشق السماء
أمسكت زهرة شمعة مضيئة وتسللت بهدوء حتي صارت خارج المنزل وقفت أمامه بعد أن اغلقت بابه بهدوء تنظر إلى السلالم أسفل واعلي فلم تجد أحد فالجميع نيام حتي أبيها
صعدت زهرة في هدوء وفي يدها شمعتها حتي وصلت إلي سطح المنزل تسللت بهدوء حتى توقفت أمام غرفة السطح دقت الباب بثلاث دقات وانتظرت دقيقة حتي فُتح الباب لها وجدت أمامها شاب طويل القامة أسمر اللون متعري الجسد وكأنه لا يشعر ببرودة الجو . ابتسم ابتسامة نصر ونظر إلي زهرة بشهوة
لماذا تأخرتِ يا زهرة ؟
لم تجيب زهرة على سؤاله دفعته بيدها داخلاً واسرعت إلي داخل الغرفة وكأنها تخشى رؤية أحدهم لها
كنت انتظر أن تنام زوجة أبي فاليوم شعرت أنها تنتظر خروجي من المنزل حتي تتحسس أثري
إنه فقط خيالك المريض يا زهرة فزوجة اباكي لا تعلم بأمر خروجك من المنزل أو لقائنا هنا سرًا
وإلي متي سيبقي سرًا يا سالم ؟
إلي أن تصبحين زوجتي
وهل سأصبح زوجتك بعد أن صرت عشيقتك؟
نعم نعم يجوز . الآن يجب أن لا نهدر الوقت فالفجر قد حان
انطفأت شموع زهرة وازداد المطر واشتدت برودة الجو ولكنها لم تشعر سوى بتلك الحرارة التي تنبعث من جسد سالم .انقضي الوقت شعرت زهرة أن الفجر على مشارف وعليها النزول سريعاً قبل أن يستيقظ أباها
انتفضت من الفراش ثم ارتدت لباسها الابيض ومن فوقه وشاح أمها وحملت الشموع في يدها
إلي أين يا زهرة ؟
اليوم ترحلين باكراً لم نكمل سهرتنا بعد
يجب ان اكون بالمنزل قبل أن يحين الفجر وإلا علم أبي بعدم وجودي في المنزل حين نزوله للصلاة
كانت هناك بعض الكلمات عالقة في حلق سالم. وأصر أن يلقي بها قبل رحيل زهرة
زهرة ؟؟
ماذا تريد ؟
الا ترين أن الأمر غريب ؟
كيف ؟
كيف لابنة أحد المشايخ أن تكون مثلك ؟
اقتربت زهرة من سالم ثم همست في أذنه ليس بغريب أنه عجب العُجاب ولكني اسدد دين لأبي
لم يفهم سالم ما قصدت زهرة وظل يفكر في. كلماتها
بهدوء نزلت زهرة أطفأت الشموع و أسرعت إلي الفراش وتظاهرت بالنوم مرت دقائق قليلة رفع أذان الفجر واستيقظ. والدها يتوضأ وكعادته قام بدق باب غرفتها ليذكرها بالصلاة
زهرة ..زهرة .الصلاة قد حانت استيقظي
استيقظت يا أبي فاليوم أنا مستيقظة أنتظر الأذان
استيقظت زهرة ولكن ليس للصلاة بل وقفت امام نافذة غرفتها تتطلع إلي الشارع حتي رأت أبيها يحمل الشموع بيده ويمسك باليد الأخرى عباءته وفى طريقه للمسجد
ابتسمت زهرة بسخرية همست بين ضلوعها كيف لشخصًا غير عادل
ان يقف بين يدي الله واسمه العدل . ألم تشعر يوماً بأنك ظالم .وكيف ستشعر وقد فارقت الحياة ..
رمت زهرة تساؤلات كثيرة خلف ظهرها وصعدت إلي فراشها واستسلمت للنوم .
وفى ظهر اليوم الثاني جمعتها مائدة الطعام بوالدها وزوجته
ابتعدت عيون زهرة عن الطعام وظلت تنظر إلى الحنان في عيون والدها على زوجته ظلت تراقبه وهو يطعمها بيده كذلك يدللها ببعض كلمات الغزل .
لم تتمالك زهرة قهرها وفاضت ببعض الكلمات
أراك الآن تعرف ما هو الحنان يا أبي فاليوم تطعمها بيدك كذلك تدللها بكلمات الغزل .
فلماذا لم تكن تفعل كهذا لأمي ؟
كنت كثيراً ما توبخها لم تمد إليها يدك يوماً لتطعمها بل لتصفع وجهها
زهرة .والداتك رحلت فلا تبحثين عن ما يعكر صفو حياتنا
نعم رحلت لكنها مازالت تبحث عن تلك الراحة التي حُرمت منها .
تركت زهرة طعامها وجلست في غرفتها بين ملابس والدتها تشتم رائحتها تتذكر تلك الليلة التي جعلت من حياتها سوداء عاشت والدة زهرة حياة زوجية بائسة فلم تكن تقدم غير الطاعة والصبر ولكنها اخفقت في تغير شخصية زوجها المتسلطة كان يظن أن السوط والجلد هو الحل لأي خلاف والسبيل الوحيد للوصول لحياة زوجية هادئة لم تتحمل والدة زهرة تلك الحياة لضعف شخصيتها غلبها الوسوس وقررت التخلص من تلك المعاناة عن طريق إنهاء حياتها لم تكن زهرة تعلم بما يحويه قلب أمها سمعت نداءها وقبلت دعوتها لها لتجلس جوارها في الفراش
ما بكِ يا امي أشعر أن يداكِ ترتجف
نعم هي كذلك يا زهرة لهذا دعوتك إلي أحضاني حتي أشعر بالاطمئنان
أنا هنا جوارك يا أمي لن اتركك فلا تحزني
اخشى أن اتركك أنا يا زهرة
غرقت زهرة في النوم كحال أي طفل بالثامنة قبلتها أمها واستنشقت عبير أنفاسها ورحلت في هدوء
استيقظت زهرة لتجد والداتها معلقة بحبل أسفل رقبتها بسقف غرفتها و قد فارقت الحياة
اجتمعت الأحزان في قلب زهرة منذ ذلك اليوم وايقنت أن رحيل والدتها كان بسبب تلك المعاناة التي عاشتها مع والدها
لم تعطي زهرة الفرصة لزوجة أبيها لتفرض عليها سيطرتها ولكنها كثيراً ما شعرت بالحزن والقهر عند رؤية زوجة أبيها تنعم في حياة حُرمت منها والدتها
اتخذت من أبيها سببًا لرحيل والدتها وقررت الانتقام منه بطريقتها
كانت تظن بفعلتها تطعنه بظهره ترد له ما فعل بأمها
تتخذ من أحضان الرجال طريقًا للانتقام من والدها متغاضية عن ما تفعله بروحها ففي كل مرة تترمي في أحضان سالم تقتل داخلها احساس بالخوف وتُحيي رغبة للانتقام فقط