منذ أن قررت أن أخلع معطف الطبيب، وارتدى عباءة المشعوذ، وأنا قد صنعت لنفسي عالمي الخاص، واستغنيت عن كل من يؤلمني، وكل ما آلمني، وتركت نفسي للغد بكل مجازفاته ومخاطره، فما الذي سأخسره بعد؟
لا أملك شيئا لأفقده.. ربما المجازفة قد تمنحني حياة تمنيتها أو مجرد حياة لم أملكها من قبل!! ...
مرت الأيام رتيبة نوعاً ما إلى أن أتاني سيد مهرولاً، حتى كاد ينكفئ على وجهه قائلاً:
إن العمدة يطلبني لأمر مهم!! ... تعجبت!!
فألمح لي سيد أن ابنته "ورد" يتلبسها شيطان مارد، لم يستطع أحد أن يخرجه، يؤذيها كثيراً، ويريدك كي تخرجه. تذكرتها على الفور، ترددت كثيراً، خشيت قليلاً ألا أستطيع فعل شيء لها، مع ذلك لم أكن أملك أي شيء لأخسره، أو أفعله غير الذهاب.
أردت أن أنتقي لي شكل ثياب معين أُعْرَفُ به، فأنا الآن الشيخ الطبيب!! ماذا يرتدى الشيخ الطبيب؟؟
ارتديت جلباب أبي وعباءته وحذائي، وساعتي، وأخذت ثلاث سبح معي، لفلفت اثنتين على معصمي الأيمن، والثالثة بين يدي أسبح عليها، وأخذت أيضاً مسجلاً صغيراً كنت قد أعددته لتسجيل ما سيدور مع العمدة علّي أستفيد من كلماته بعد ذلك.
منذ دخلت إلى "دوَّار" العمدة وأنا أجد حركة غير عادية، الكل يهرول ليسلم على الشيخ المبروك، ويلتمس البركة.
جلسنا.. فأطعمني شهي الطعام، منذ سنين لم أذق مثله، منذ هجرت تلك القرية بعد موت والدي ووالدتي في المحرقة، حين هجرت القرية بأكملها وذهبت للبحث عن فرصة أفضل في قاهرة المعز.. تلك القاهرة التي يظنها الجميع الأمل ... أو على الأقل يظنها قاطنو القرى أملاً وملاذاً.
ذكريات تتداعى مع أول ملعقة للفتة الدسمة، وأصبعين من المحشي وورك البطة الشهي ذاك.. مذاق طعام أمي ولذته يملأني فجأة، فتلتمع عيناي بدموع خشيت أن تنزلق فتضيع هيبتي أمام الجميع، فابتلعتها بقليل من المرق ...
يا الله يبدو أن الكون سيلتفت لي أخيراً، وستطرح البساتين زهراً مطعماً بالذهب، وفكرتي المجنونة ستنبت ذهبا.
مشمحتاجة أقول أن دي مطبوعة كتاب ورقي وأي سرقة تعرضك للمساءلة القانونية
#نهاد_كراره