"الدفاتر بتاعتنا والتواريخ في إيدينا حد هيحاسبنا؟"
الجملة الشهيرة التي قالها العمدة عتمان في فيلم الزوجة الثانية (1967) للمخرج الكبير صلاح أبو سيف لم تكن مجرد حوار درامي عابر، بل كانت انعكاسًا لواقع اجتماعي وقانوني عاشته القرى المصرية لسنوات طويلة.
*العمدة كبديل للسجل المدني*
في القرى التي لم تكن تضم مكاتب للأحوال المدنية أو الصحة، كان العمدة يقوم مقام الدولة. القانون كان يمنحه الحق في الإمساك بدفاتر لتلقي التبليغات الخاصة بالمواليد والوفيات، وتوثيقها رسميًا. وبذلك كانت "الدفاتر بتاعته" بالفعل، وكانت "التواريخ في إيده" دون مبالغة. هذا الوضع جعله صاحب سلطة كبيرة في تقرير مصير الناس، خاصة في ما يتعلق بالنسب، والميراث، والزواج، والطلاق.
*واقعية أبو سيف*
صلاح أبو سيف، رائد الواقعية في السينما المصرية، لم يأتِ بهذا المشهد من خياله فقط. بل التقط من الواقع الريفي صورة دقيقة للعمدة الذي لا يُحاسَب إلا نادرًا، والذي يستطيع أن يستخدم سلطته على حساب الضعفاء. فمشهد رفض المأذون توثيق زواج العمدة من فاطمة قبل انتهاء شهور العدة، ثم إصرار العمدة على المضي قدمًا قائلاً: "حد هيحاسبنا؟"، يختزل طبيعة التداخل بين السلطة الاجتماعية والقانونية في ذلك الوقت.
من العمدة إلى الدولة
ومع التوسع في إنشاء مكاتب السجل المدني ومكاتب الصحة، تراجع دور العمدة في هذا المجال. أصبحت الدولة هي صاحبة "الدفاتر" والمسؤولة عن التواريخ، مما حدّ من نفوذ الأفراد وأخضع التوثيق لإجراءات أكثر صرامة ورقابة.
*السينما كوثيقة*
يبقى فيلم الزوجة الثانية شاهدًا على لحظة تاريخية محددة، يكشف فيها الفن كيف انعكست القوانين والعادات على تفاصيل الحياة اليومية. فالجملة الشهيرة لم تكن مجرد إفيه سينمائي، بل شهادة على زمن كان فيه العمدة "سجل مدني متحرك"، يمسك بزمام حياة الناس ومصائرهم.