رأيت كل شيء
لم أسرق مكاتيب فيروز، ولم أُخفِ عنها شادي.
لم أُحرّض هتلر على تأجيل زواجه، ولا على تجنيد الأطفال.
لم أحقن ستالين بجرعات الديكتاتورية، ولم أُجبر طبيبه على انتظار موته.
لم أضع "الخِلّ الوفي" في قائمة المستحيلات، ولم أَدْعُ أحدًا من المماليك إلى الحضور إلى القلعة ليلة المذبحة.
لم أقتل أي ساكن أصلي في أمريكا، ولم أُرشد "كولومبوس" إلى الأرض الجديدة من الأصل.
لم أُناوِل الخنجر لِـ"بروتس"، ولم أَشترِ الجواهر برغيف في الشدة المستنصرية.
لم أقرن القهوة بأحزان الفُراق في السرادق، ولم أُوَسْوِس لـ"فان جوخ" فقطع أُذنه.
أنا لم أُجبر القمر على إظهار وجهه الحزين في مواجهتي دائمًا، ولم أَبْنِ "الباستيل"، ولا "الكاتراز"،
ولم تكن لي يد في أحزان "إديت بياف"، ولم أُرغم "داليدا" على معاتبة العالم بالانتحار.
أنا لم أُشارك في مسيرة الملح الهندية، ولا حتى في عيد الألوان،
ولم أُرشد على مكان "عمر المختار"، ولا فلاحين دنشواي،
ولم أُغنِّ يومًا أغانٍ أمازيغية، ولا حتى نوبية،
ولم ألتقِ يومًا بفناني الشانزليزيه، ولم أُجبر شباب العشاق على القفز من "إيفل"،
لم أُربِّ ديك "شهريار"، ولم أضع نقطة في آخر قصة "شهرزاد".
لم أفتح باب الأميرة للساحرة وتفّاحتها المسمومة، ولم أَبْنِ هرمًا ولا حتى جرة أحشاء في مقبرة مصرية.
لم أعِش في حياة أنيس منصور، ولا في خيال عبدالوهاب مطاوع،
ولم أُشارك السعدني في سفره على الرصيف،
ولم أُبحر في بحر صالح مرسي،
ولم أزرع شجرة الحكيم.
ولأجل الصدق، لم أَتبع نصائح "كارينجي"، ولا "القرني"، ولا "يونغ"، ولا حتى "فرويد"،
ولم ألاحق أتباع "ميكيافيللي" بالفضيحة في عملي.
لم أتقفَّ أثر ألغام العلمين، ولا حتى ما خُطِف من أعضائنا،
ولم أَقِس منسوب النيل قبل أو بعد السد العالي في أسوان،
ولا "السد الواطي" في إثيوبيا،
ولم أُشارك في استفتاء انقسام السودان،
ولم أستمع لأغاني ماجدة بعد الحرب الأهلية في لبنان.
لم أُهدد "غادة الكاميليا"، ولا "آنا كارنينا"،
ولم أَحلُم في ليلة صيف، ولم أَهدِم سور ألمانيا،
ولم أرتدِ معطفًا روسيًا يَقيني شرّ الحرب الباردة.
ولم أكن هناك: لا في كشمير، ولا بورما، ولا حتى الصومال.
لم أقضِ على فقر الصين، ولم أُبلّغ عن الأعمى المناضل هناك،
ولم أُساهم في فقر مصر.
أنا لم أُخفِ المقاتلين في جبال أفغانستان، ولم أرمِ كتابًا في نهر الفرات.
لم أَشترِ لوحة واحدة من لوحات "فرح ديبا" الغالية،
ولم أشاهدها وهي تضع وردة سنوية على قبر "بهلوي".
لم أُشاهد "رياض غالي" وهو يقتل "فتحية"،
ولم أمسح دموع "نازلي"،
ولم أَعقد قران "ناريمان" على آخر.
لم أَرَ توقيع "لينكولن" عن كثب،
ولم أَطُف العالم في مئتي يوم،
ولم أكن مع الذين هبطوا من السماء، ولا الذين عادوا إليها.
لم أُحاور صديقًا ملحدًا،
ولم أَحل عقدة الرباط المقدّس،
ولم أَسبح في المستنقع،
ولم أرَ "زينب" رأي العين،
ولم أقدّم القهوة لـ"محفوظ" في مكتبة بوزارة الأوقاف.
لم أُشارك في قتل "ديانا"، ولا "بلقيس" النخلة العراقية.
ولم أَستمع لـ"مارلين" وهي تغني في أذن "كينيدي" كيدًا في "جاكلين كنيدي" قبل أن تصبح "أوناسيس".
لم أضع علمًا على سطح القمر، ليرفع الناس رؤوسهم إلى أعلى، بينما أَلُمّ بقايا "فيتنام".
لم، ولم، ولم… وألف ألف لم.
لكن عيوني العابرة للأزمان
أخبرتني عن كل التفاصيل والخبايا،
وغيرها من الأسرار… ملايين الحكايا.
اطّلعت هي على تلك الأسرار،
وحفظتها عندي على هيئة مكتبة.